أطول اتفاقية في تاريخ صناعة الغاز الطبيعي المسال

شراكة استراتيجية بين أكبر منتج للغاز المسال وأكبر مشترٍ له

لوسيل

شوقي مهدي

يجسد الاتفاق الذي وقعته شركة قطر للطاقة أمس الأول مع مؤسسة الصين للبترول والكيماويات سينوبك دلالة أخرى على ثقة كبار المستهلكين في دولة قطر كونها موردا آمنا وموثوقا به للغاز المسال في العالم.

وتأتي هذه الاتفاقية في الوقت الذي يشهد فيه السوق منافسة عالمية بين الشرق والغرب في الحصول على امدادات آمنة وموثوقة للغاز الطبيعي المسال بعد أن تسببت الحرب الروسية الأوكرانية في ضغط القارة الأوروبية وتهديد امداداتها خلال هذا الشتاء والسنوات المقبلة. كما تعيد الاتفاقية الثقة لسوق العقود طويلة الأجل بسبب الأزمة في سوق الغاز الفوري حالياً الذي وصلت فيه الأسعار لمستويات قياسية خلال الفترة السابقة.

الشاهد أن الاتفاق يعكس أهمية الشراكة الاستراتيجية بين دولة قطر والصين عبر سلسلة القيمة المتكاملة للطاقة، ويأتي بعد أسابيع الذكرى الثالثة عشرة منذ أول عملية شحن للغاز الطبيعي المسال من دولة قطر في سبتمبر 2009 إلى الصين، ومنذ ذلك التاريخ وحتى اليوم سلمت دولة قطر أكثر من 900 شحنة من الغاز المسال بإجمالي أكثر من 85 مليون طن خلال السنوات السابقة.

وفي سوق الغاز الطبيعي المسال تعتبر الصين محركاً رئيسياً للنمو حيث تتبنى الحكومة سياسات بيئية مواكبة للعصر بشكل متزايد. وتسعى لتعظيم حصة الغاز من مزيج الطاقة لديها.

وقبل عدة أسابيع أعلنت قطرغاز تزويد محطة (جيانغسو-بنهاي) وهي أحدث محطة لاستلام الغاز الطبيعي المسال شرق الصين، بشحنة تشغيلية من الغاز المسال، لتصبح بذلك المحطة التاسعة في الصين التي تقوم قطرغاز بتزويدها بالشحنات التشغيلية ضمن 27 محطة في جميع أنحاء العالم. في خطوة أخرى تبرز الدور الذي يقوم به البلدين في توسع صناعة الغاز الطبيعي المسال التي أصبحت تضم 44 سوقاً بفضل التوسع في البنية التحتية في هذا المجال.

وبالإضافة إلى ذلك وقعت قطر للطاقة عقداً مع مجموعة (هودونغ-جونغوا) الصينية لحجز سعة لبناء عدد من ناقلات الغاز الطبيعي المسال في الصين لتكون جزءاً من متطلبات أسطول ناقلات الغاز القطرية. وذلك من عقود وقتها الشركة لتأجير وتشغيل 60 ناقلة غاز جديدة ومن المتوقع أن يرتفع العدد الى 100 ناقلة خلال السنوات المقبلة ليضاف إلى اسطول شركة ناقلات الحالي البالغ 74 ناقلة غاز طبيعي المسال.

هذه الاتفاقيات في مجال الغاز والعلاقات القوية جعلت من الصين الشريك التجاري الأول لدولة قطر وبلغ حجم التبادل التجاري بين البلدين في 42.7 مليار ريال، ومن ثم قفزت إلى 65.8 مليار ريال في 2021، وقبل نهاية الربع الرابع من العام الجاري 2022 بلغ حجم التبادل التجاري بين البلين 60.6 مليار ريال، وذلك وفقاً لبيانات جهاز التخطيط والاحصاء.

طلبات شراء متزايدة

وفي يونيو من العام الماضي (2021) وعلى هامش منتدى قطر الاقتصادي بالتعاون مع بلومبيرغ، قال سعادة المهندس سعد بن شريده الكعبي، وزير الدولة لشؤون الطاقة، العضو المنتدب والرئيس التنفيذي لقطر للطاقة إن الشركة تلقت التزامات شراء من خلال اتفاقيات شراء خاصة تبلغ ضعف كمية الغاز الطبيعي المسال المعروضة والبالغة 32 مليون طن سنوياً، وذلك ضمن عروض البيع والشراء لمشروع توسعة حقل الشمال الشرقي.

وهذه الاتفاقية تعتبر أول عملية بيع ضمن الالتزامات التي قدمها المستهلكين حول العالم من أجل الحصول على الغاز القطري.

وتوقيع الاتفاقية مع الصين يحمل في طياته أكثر من دلالة، فإلى جانب كونها أصبحت من كبار مشترى الغاز الطبيعي المسال في العالم، تعتبر الصين المستورد الرئيسي للغاز الطبيعي المسال من دولة قطر.

وهي أيضاً من أكبر الدول التي وقعت اتفاقيات للبيع والشراء مع دولة خلال العام الماضي.

وإذا نظرنا لبيانات العام الماضي التي نشرتها لوسيل حصلت الصين على نصيب الأسد من الاتفاقيات وكميات الغاز القطري الذي تم بيعه في 2021، حيث بلغ عدد الاتفاقيات مع الصين 5 اتفاقيات بإجمالي 8.5 مليون طن سنوياً من إجمالي 16 مليون طن (أي نصف الغاز المباع في 2021) بعض هذه الاتفاقيات بدأ سريانها منذ يناير 2022.

وبجانب الاتفاق الذي وقع في مارس من العام الماضي مع (سينوبك) الصينية بحوالي 2 مليون طن سنوياً، تلاه أيضاً اتفاق مع شركة شل لتزويد الصين بمليون طن سنوياً في، واتفاق اخر مع شركة CNOOC لتجارة وتسويق الغاز والطاقة المحدودة، وهي شركة تابعة لشركة الصين الوطنية للنفط البحري (CNOOC) لتوريد 3.5 مليون طن سنوياً واتفاقية بيع وشراء مع مجموعة (غواندونغ) لتوريد مليون طن للصين، واخر اتفاقيات العام الماضي كانت مع (إس أند تي) الدولية لتجارة الغاز المسال لتوريد مليون طن سنوياً من الغاز المسال الي الصين على مدى 15 عاماً اعتباراً من الربع الأخير من 2022.

الصين حالياً أصبحت من كبار عملاء قطر للطاقة بإجمالي واردات سنوياً حوالي 10 ملايين طن ومن المتوقع بنهاية العام الحالي ان تصل الي 13 مليون طن سنوياً مع بدء سريان بعد الاتفاقيات ودخولها حيز التنفيذ.

تحديات صناعة الغاز

واقع الأمر تواجه صناعة الغاز الطبيعي تحديات حقيقية تعكس ازمة سوق الطاقة العالمي، هناك تقلبات وشح في الإمدادات بدأ منذ عدة سنوات عندما أخذت الحملات التي تدعو للحد من الانبعاثات الكربونية والتحول نحو الطاقة تضغط بشكل أكبر على حكومات مما ترك أثر سلبياً على الاستثمارات في قطاع الطاقة والتي من ضمنها الغاز الطبيعي المسال.

ولم يلتفت العالم وقتها للتحذيرات التي أطلقها الخبراء والمسؤولين من شح الاستثمارات في قطاع الطاقة، ومن ثم جاءت جائحة كورونا والتي تبعتها بالضرورة الأزمة العالمية في سلاسل التوريد، ولم يكن الاقتصاد العالمي يلتقط انفاسه حتى اندلعت الأزمة في شرق القارة الأوروبية، بعد أن قامت روسيا بغزو أوكرانيا.

هذا الوضع جعل العالم من أقصاه إلى أقصاه عرضة لشح امدادات الطاقة والغاز الطبيعي بشكل خاص، وأصبح الجميع يجوب العالم بحثاً عن امداد آمن للطاقة.