تنوي دولة قطر شراء سندات حكومية لبنانية بقيمة 500 مليون دولار، وذلك في اطار التزام دولة قطر بدعم جمهورية لبنان، ومساعدة الاقتصاد اللبناني في مواجهة التحديات التي يواجهها هناك نتيجة للمتغيرات الجيوسياسية والاقتصادية التي يمر بها.

وجاء الاعلان من قبل سعادة الشيخ محمد بن عبدالرحمن آل ثاني نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الخارجية الذي قال ان دولة قطر تعتزم الاستثمار في السندات الحكومية اللبنانية دعماً للاقتصاد اللبناني، مشددا في تصريحاته على ان هذه الخطوة تأتي انطلاقا من أواصر الأخوة العميقة التي تجمع بين البلدين الشقيقين، حيث يبقى التزام دولة قطر تجاه الأشقاء العرب ثابتا مهما تغيرت الظروف.
وتعتبر دولة قطر الداعم الابرز للدول العربية، من خلال العمل على نصرة القضايا العربية والوقوف معنويا وماديا الى جانب الدول العربية من خلال تقديم المساعدات اللازمة على شكل مساعدات مالية او استثمارات لدعم اقتصاد دول المنطقة العربية بما يحقق لتلك الدول الاستقرار الاقتصادي من جهة من خلال خلق وظائف جديدة ضمن مشاريع متنوعة، هذا من جهة، ويحقق العائد المتميز لدولة قطر من خلال تنويع استثماراتها المالية والاقتصادية في مختلف دول العالم وبدرجة اولى الدول العربية لايمانها بعمق الاخوة والعلاقات والمصير المشترك الذي يجمعها بباقي دول العالم العربي.
الى ذلك، اظهرت الاسواق المالية اللبنانية والعالمية تفاعلا ملحوظا بعد ساعات قليلة من اعلان دولة قطر الاستثمار في السندات اللبنانية، حيث سجلت هذه الاخيرة ارتفاعا نسبيا، حيث قفز اصدار السندات المقومة بالدولار الامريكي لعام 2025 بنحو سنت واحد في حين زادت السندات التي تحل اجال استحقاقها في العام 2037 بما لا يقل عن 1.5 سنت، في حين سجل استقرار على مستوى العملة اللبنانية مقابل العملات الرئيسية في مقدمتها الدولار الامريكي، حيث تدعمت اسعار الليرة اللبنانية مقابل الدولار وباقي العملات الرئيسية الاخرى في اعقاب تداولات صباح امس الاثنين في وقت تعمل فيه الهيئات المالية والنقدية اللبنانية على المحافظة على استقرار العملة اللبنانية الرسمية مقابل الدولار الامريكي.
الليرة اللبنانية
وبلغ امس سعر الليرة اللبنانية في الاسواق العالمية او التي تعرف بـ اوف شور ما قيمته 0.0007 دولار، اي ان الدولار الواحد يساوي نحو 1505.5 ليرة لبنانية. ويشار الى ان وزير المالية اللبناني علي حسن خليل اعلن خلال الايام القليلة الماضية عن ارتفاع مستويات الدين العام اللبناني الى أعلى مستوى العالم مقارنة بالناتج المحلي الإجمالي والنمو الضعيف، حيث احتلت المرتبة الأولى عربيًا والرابعة عالميًا بين الدول الأكثر مديونية في العالم، اذ تشير الاحصائيات الى ان نسبة الدين وصلت الى ما نسبته 150% من اجمالي الناتج المحلي. وقد ادت تلك التصريحات الى حالة قلق في الاسواق المالية اللبنانية.
وساهم اعلان دولة قطر الاستثمار في السندات اللبنانية بقيمة 500 مليون دولار بما يعادل نحو 1.82 مليار ريال خطوة محفزة للاقتصاد اللبناني، وسندا لاستعادة الثقة في اقتصاد البلاد ومناخ الاستثمار فيه، حيث سجل ارتياح في الاسواق المالية اللبنانية، مع استعادة الثقة بشكل خاص في السندات السيادية اللبنانية بما ينعكس على وضع الليرة اللبنانية ويعيد ثقة الاسواق الخارجية في لبنان نتيجة للثقة العالية التي اعلنتها دولة قطر احد كبار المستثمرين في العالم والحاصلين على تصنيفات ائتمانية عالية الجودة في الاقتصاد والاوراق المالية اللبنانية.
ويقول الخبير الاقتصادي والمختص في الاسواق المالية احمد عقل ان توقيت اعلان دولة قطر جاء بعد اجتماع القمة العربية الاقتصادية بما يؤكد على التكامل الاقتصادي والوحدة والدور الريادي القطري لدعم الدول العربية اقتصاديا، والمسؤولية الاجتماعية التي اخذتها دولة قطر من اجل دعم الدول العربية اقتصاديا ومعنويا من اجل تحقيق التعاون في مختلف المجالات.
ويأتي اعلان دولة قطر استثمار 500 مليون دولار امريكي بعد ساعات قليلة من اعلان دولة قطر بتوجيه من حضرة صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني أمير البلاد المفدى، عن تبرعها بمبلغ 50 مليون دولار لصالح مبادرة سمو الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح أمير دولة الكويت بإنشاء صندوق عربي للاستثمار في مجالات التكنولوجيا والاقتصاد الرقمي.
الضغوطات الاقتصادية
واوضح عقل ان اعلان قطر استثمار 500 مليون دولار في السندات اللبنانية يأتي في وقت يتعرض فيه الاقتصاد اللبناني الى ضغوطات مالية واقتصادية اساسية متنوعة وغياب استقرار حكومي. وشدد عقل على ان هذا الاعلان سيساهم بشكل كبير في تحقيق انتعاشة للاقتصاد اللبناني من خلال منح الثقة للمستثمرين الاجانب، وتابع قائلا اعلان دولة قطر استثمار 500 مليون دولار امريكي في السندات اللبنانية هو اعلان ثقة من الحكومة القطرية في الاقتصاد اللبناني، وهو ما سينعكس على المناخ الاستثماري العالمي حيث سيرسل الدعم القطري لدولة لبنان رسالة ثقة الى المستثمرين المحليين والاجانب .
وقال المحلل المالي احمد عقل ان التأثير المباشر لاعلان استثمار قطر بقيمة 500 مليون دولار في القطاع المالي اللبناني سيكون على القطاع المصرفي في لبنان الى جانب دعم الليرة اللبنانية التي دار الحديث حولها خلال الفترة الماضية من مدى استقرارها من عدمه، وهو ما عكسته تقبل الاسواق المالية خبر هذا الاستثمار المهم.
وكانت دولة قطر سباقة في دعم العديد من الاقتصاديات العربية سواء من خلال الايداعات والهبات المالية او من خلال ضخ الاموال في استثمارات مباشرة وغير مباشرة في الاسواق المالية وتركيز المشاريع الرائدة في مجالات البنية التحتية والتكنولوجيا وغيرها من القطاعات التي من شأنها ان تخلق مواطن شغل. ومن الاقتصاديات العربية التي حظيت بالدعم القطري نجد على سبيل المثال لا الحصر المملكة الاردنية الهاشمية، حيث قدمت دولة قطر حزمة من الاجراءات الاقتصادية ومنها تقديم مشاريع في قطاعات البنية التحتية والمشاريع السياحية بقيمة لا تقل عن 500 مليون دولار وتوفير نحو 10 الاف وظيفية للشباب الاردني داخل دولة قطر. كما قامت دولة قطر بدعم اقتصاد الجمهورية التونسية بودائع وهبات مالية والعديد من المشاريع في قطاعات الخدمات والسياحة والبنية التحتية وتوفير عشرات الالاف من الوظائف والمشاريع للشبان هناك، حيث تعتبر دولة قطر الاولى عربيا والثانية عالميا من حيث الاستثمارات في تونس، الى جانب دعم الاقتصاد السوداني بما لا يقل عن مليار دولار خلال العام الماضي.
10.93 مليار دولار سندات تمتلكها قطر
فيما يتعلق بالسندات التي تمتلكها دولة قطر، فان الاحصائيات الصادرة عن مصرف قطر المركزي تشير الى ان اجمالي السندات واذونات الخزينة الاجنبية التي تدخل ضمن الاحتياطيات الدولية لدولة قطر وصلت بنهاية 11 شهرا من العام الماضي الى نحو 39.8 مليار ريال بما يعادل نحو 10.93 مليار دولار امريكي وذلك بنهاية شهر نوفمبر من العام الماضي، حيث حقق اجمالي السندات واذونات الخزينة الاجنبية المسجلة لدى مصرف قطر المركزي نسبة نمو على اساس سنوي تقدر بنحو 182.2% مقارنة بنفس الفترة من العام 2017، حيث كان اجمالي السندات والاذونات الاجنبية المسجلة يقدر بنحو 14.1 مليار ريال بنهاية شهر نوفمبر من العام قبل الماضي بما يعادل نحو 3.87 مليار دولار امريكي. واظهرت الاحصائيات الاخيرة حيازة دولة قطر على ما لا يقل عن نحو 1.288 مليار دولار امريكي في شكل سندات خزانة أمريكية طويلة الأجل بنهاية شهر اكتوبر من العام الماضي وذلك وفقا للاحصائيات الصادرة عن وزارة الخزانة الامريكية، وقياسا على قيمة السندات واذونات الخزينة الاجنبية التي اعلنها مصرف قطر المركزي الخاصة بشهر اكتوبر من العام الماضي، فان تلك السندات الامريكية التي تتحوز عليها دولة قطر تشكل ما نسبته 10.75% من الاجمالي.
ومن المنتظر ان يرتفع حجم حيازة دولة قطر من السندات الاجنبية في العديد من الدول، خاصة الاقتصاديات المتقدمة، بعد ان ارتفعت جاذبية السندات إلى حد ما كملاذ جيد للمستثمرين من التقلبات المحتملة، حيث تعتبر السندات كإحدى أدوات الدين الحكومي المهمة التي تستخدمها الحكومة لتوفير السيولة اللازمة لتمويل مشروعاتها، كما انها تعتبر أداة من أدوات السياسة النقدية، كما ان هذه السندات أدوات استثمارية ذات مخاطر أقل، تتراوح مدة اصدارها من متوسطة الى طويله الاجل.
وتتمتع دولة قطر بفوائض ووفرات مالية عالية جدا الى جانب تصنيفات ائتمانية عالية الجودة تمكنها من دفق استثمارتها في العديد من الاقتصاديات، الى جانب انه تأكيدا على الفوائض المالية التي سيتم تحقيقها في اعقاب السنة المالية الماضية والوفرات المالية التي سيتم تحقيقها خلال العام الجاري، والتي تشير بعض المصادر المطلعة الى انه سوف يتم استثمارها في العديد من المجالات المختلفة ذات العائد المرتفع والذي يحقق التكامل بين الاقتصاد القطري والاقتصاديات المستقبلة للاستثمارات القطرية سواء كانت استثمارات حكومية مباشرة او من خلال جهاز قطر للاستثمار او حتى من خلال الاستثمارات التي سيتم دفقها من خلال رجال الاعمال والمستثمرين القطريين.