تقرير: الأبحاث والدراسات

محادثات أستانا حول سوريا.. آمال معلقة على طاولة الفرقاء

لوسيل

الدوحة -قنا

أنهت العاصمة الكازاخية /أستانا/ استعداداتها، لاستقبال المشاركين في مباحثات السلام السورية التي تنطلق غدا /الاثنين/ تحت رعاية ثلاثية لكل من روسيا وإيران وتركيا، وبحضور أممي وتمثيل أوروبي وأمريكي وسط آمال معلقة بأن يؤدي تجمع الفرقاء على طاولة واحدة الى إنهاء معاناة الشعب السوري ووقف نزيف الدم .

وتهدف مباحثات الغد الى تثبيت وقف إطلاق النار في سوريا ووضع إطار عمل لجولة جديدة من المفاوضات في (جنيف) في الثامن من فبراير المقبل لاستئناف (المسار السياسي) الذي بدأ بسلسلة اجتماعات (جنيف 1-2-3) منذ يونيو 2012 وحتى فبراير 2016 . ومن المقرر أن تعقد مشاورات بين الوفدين الروسي والتركي قبيل انطلاق المباحثات.
كما يعد اجتماع أستانا هو الأول من نوعه على صعيد بحث (المسار العسكري) بين قوات النظام السوري وفصائل المعارضة، منذ إعلان وقف لإطلاق النار في 31 من ديسمبر الماضي برعاية روسية تركية.
ورغم أن المباحثات لم يتبق على انطلاقها سوى ساعات، إلا أن قائمة المدعوين قد شهدت مفاجآت كبيرة، حيث قالت وزارة الخارجية الأمريكية في بيان لها / مساء أمس/: إن الولايات المتحدة لن ترسل وفدا للمشاركة في المحادثات السورية في أستانا بسبب المتطلبات الملحة الخاصة بعملية انتقال السلطة في واشنطن، وأن السفير الأمريكي لدى كازاخستان جورج كرول، هو من سيمثل واشنطن في المحادثات .
الأمر ذاته قد تشهده وفود المعارضة السورية خلال الساعات المقبلة، حيث ذكرت وسائل إعلام روسية أن الباب لايزال مفتوحا لإعلان مزيد من فصائل المعارضة مشاركتها بالمؤتمر ، وقد حسم (14) فصيلا معارضا مشاركته في مباحثات أستانا برئاسة محمد علوش كبير مفاوضي المعارضة وذلك عقب اجتماع عقد الأسبوع قبل الماضي في تركيا في حين سيرأس وفد نظام الأسد، بشار الجعفري مندوب سوريا بالأمم المتحدة .
ويرى مراقبون أن اختيار روسيا لكازاخستان ينطوي على معان عديدة أولها أن هذا البلد قريب منها جغرافيا وسياسيا، كما أن موسكو تبدي رغبة في القطع مع مرحلة جنيف هذه المدينة السويسرية المحسوبة على الغرب التي احتضنت عدة اجتماعات لحل الأزمة السورية إلا أنها لم تحقق أي نتيجة، فضلا عن أن كازاخستان لم تكن طرفا في الصراع وبالتالي قد تكون مقبولة من طرف المعارضة.
أما كازاخستان البلد المضيف فليست طرفاً في المباحثات ولا يوجد ممثل لها على طاولة الحضور.. ويقتصر دورها فقط في توفير منصة للتفاوض بين القوى الفاعلة في الملف السوري.
وقبيل وصول الوفود المشاركة في المحادثات الى مقار إقامتها في أستانا عاصمة كازاخستان، كان الخلاف هو سيد الموقف لدرجة لم تمنع وزارة الخارجية الكازاخية يوم الثاني عشر من يناير الجاري من الإعلان صراحة عن احتمال تأجيل المباحثات الى وقت آخر حيث كان المناخ غير مهيأ بعد لجمع كافة الأطراف على طاولة واحدة حتى الداعين أنفسهم ظهرت بينهم الخلافات وطفت على السطح .
فقد قال المتحدث باسم الكرملين في وقت سابق إن موقف إيران الرافض لحضور الولايات المتحدة في المحادثات يساهم في تعقيدها ، مؤكدا ترحيب روسيا بالمشاركة الأمريكية وأنه لا يمكن حل الأزمة السورية من دون مشاركة واشنطن .
يأتي ذلك ردا على تصريحات مسؤولين إيرانيين قالوا إن طهران لم توجه دعوة لأمريكا للمشاركة في اجتماع استانا ، معتبرين أنه لن يكون لها أي دور في إدارة ونتائج الاجتماع، وانتقدوا أداء الإدارة الأمريكية في وقف إطلاق النار وتوجيه الأطراف المتنازعة للحوار والتفاوض .
في المقابل تأتي مشاركة تركيا في هذه المحادثات بعد اعتراف روسيا لأول مرة بشرعية فصائل عسكرية معارضة كانت ترفضها، في مقابل أن تكون تركيا طرفا رئيسيا في هذه المحادثات.. إلا أن التغيير في موقف موسكو لم يرض كلا من طهران ونظام الأسد ، خاصة أن بعض الجماعات التي اعترفت بها روسيا تعتبرها إيران والنظام جماعات إرهابية كما تريد موسكو مشاركة الأكراد في الحوار، فيما ترفض تركيا ذلك، وتطالب بأن تكون المشاركة ضمن وفد النظام وتحاول موسكو استثناء الهيئة التفاوضية العليا، وأنقرة تطالب بحضورها.
ويغيب عن مؤتمر أستانا ممثل عن جامعة الدول العربية كما لم توجه الدعوة لمعظم دول مجموعة أصدقاء سوريا و مجموعة الدعم الدولية الخاصة بسوريا ، التي تضم 17 دولة من بينها / روسيا وتركيا / .
وقبل مؤتمر أستانا نجح التنسيق الروسي - التركي حيال الوضع في سوريا في تمرير القرار رقم /2336/ والذي اعتمده مجلس الأمن الدولي بالإجماع، وهو القرار الذي تقدمت به الدولتان بعد عملية محادثات مطولة في العاصمة التركية أنقرة مع جماعات المعارضة السورية وبالتنسيق مع نظام الأسد.
ويؤكد القرار من جديد التزامه القوي بسيادة سوريا واستقلالها ووحدتها وسلامتها الإقليمية وبمقاصد ميثاق الأمم المتحدة ومبادئه. ويكرر دعوته الأطراف إلى أن تتيح للوكالات الإنسانية إمكانية الوصول بسرعة وأمان ودون عراقيل إلى جميع أنحاء سوريا على النحو المنصوص عليه في قرارته ذات الصلة. كما يؤكد على أن الحل المستدام الوحيد للأزمة الراهنة في سوريا إنما يكون بإجراء عملية سياسية جامعة بقيادة سوريا.
كما اعتبر القرار أن المباحثات في كازاخستان /جزء مهم/ من العملية السياسية التي تقودها سوريا وخطوة هامة يتم القيام بها قبل استئناف المفاوضات برعاية الأمم المتحدة في جنيف في الثامن من فبراير 2017.
وبقدر التفاؤل من إمكانية أن تحقق مباحثات أستانا تطورا ايجابيا في مسار عملية السلام في سوريا بما في ذلك الحل العسكري ، بقدر ما يحيط بها من مخاوف من أن تصبح القضية السورية رهن رغبات دول تحاول فرض وجهات نظرها على المجتمع الدولي استنادا إلى نفوذها العسكري داخل سوريا.
ففي حين رحب مجلس الأمن الدولي في بيان له مساء أول أمس / الجمعة / بانعقاد مفاوضات أستانا، فقد اشترط في الوقت نفسه ألا تكون أستانا بديلا عن جنيف ، في إشارة إلى الرعاية الأممية لمفاوضات الحل السياسي في سوريا .
وقال سفير السويد ورئيس المجلس اولوف سكوج، إن محادثات أستانا يمكن أن تساعد في تثبيت وقف إطلاق النار، وتمثل خطوة مهمة للعودة لمحادثات جنيف، مؤكدا وجود مخاوف من تأثير أستانا على جنيف.
وبحسابات المكسب والخسارة .. يدخل نظام الأسد مباحثات الغد متطلعا إلى امكانية خفض سقف مطالب المعارضة السورية بضرورة رحيله.
أما المعارضة فتتمسك بما حققته من مكاسب على الأرض يمكن أن تستخدمه كورقة ضغط ناجعة للوصول إلى صيغة بشأن مستقبل سوريا السياسي تكون هي جزء منه.
في حين أن الدول الثلاث الراعية (روسيا - تركيا - إيران) فلكل منها حساباتها التي قد تتقاطع حتى مع أقرب حليف لها خاصة وأنه بعد وقف إطلاق النار 29 ديسمبر 2016 باتت الخريطة السورية مقسمة لمناطق نفوذ مختلفة.
ويعد التحول الدرامي على الأرض الذي شهدته سوريا نهاية عام 2016 هو من عجل بضرورة اجتماع الفصائل المسلحة مع النظام السوري على طاولة واحدة ، ففي منتصف ديسمبر الماضي تمكنت قوات الأسد بمساعدة القوات الروسية من اسقاط مدينة حلب بعد معارك عنيفة وغارات جوية كثيفة على شرقي المدينة.
أعقب ذلك اتفاقا لوقف إطلاق النار في كامل الأراضي الروسية، حيث أعلن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين آنذاك أن اتفاق وقف إطلاق النار في سوريا، تم التوصل إليه بموجب ثلاث وثائق تم التوصل إليها بين الحكومة السورية وفصائل المعارضة المسلحة، بضمانة روسية وتركية.
فتنص الوثيقة الأولى على اتفاق وقف إطلاق النار في أراضي الجمهورية العربية السورية بين الحكومة والمعارضة المسلحة وتختص الوثيقة الثانية بإجراءات مراقبة وقف إطلاق النار، تتولاها موسكو وأنقرة أما الوثيقة الثالثة فتعلن الاستعداد لبدء محادثات سلام في سوريا.
وأستانا المدينة المضيفة لمباحثات يوم الغد تأسست عام 1810 كقاعدة عسكرية للجيش الروسي، ثم ما لبثت أن ازدهرت وأصبحت مدينة باسم (أكمولنسك)، وفي خمسينيات القرن الماضي عندما كانت كازاخستان إحدى جمهوريات الاتحاد السوفيتي السابق اختارت الحكومة المنطقة التي تقع فيها أكمولنسك لإقامة مشروع للتنمية الزراعية، وفي عام 1961، أطلق على أكمولنسك اسم (تسلينيغراد) الذي يعني مدينة الأراضي العذراء.
بعد تفكك الاتحاد السوفيتي عام 1991، وحصول كازاخستان على الاستقلال، اتخذت المدينة اسمها الكازاخي (أكمولا)، وفي عام 1997، تم نقل عاصمة كازاخستان من (الما آتا الجنوبية) إلى أكمولا التي تقع وسط البلاد، وفي عام 1998، أطلق على أكمولا اسم (أستانا) الذي يعني العاصمة في اللغة الكازاخية.