تواجه منظمة التجارة العالمية جملة من التحديات، وعواصف من الأزمات والخلافات بين أعضائها، باتت تهدد مستقبلها ومصداقيتها بل ووجودها أيضا.
تأسست المنظمة في 1 يناير 1995، وتتخذ من جنيف مقراً لها، وتضم في عضويتها 164 دولة إضافةً إلى 20 دولة بصفة مراقب، وتتمثل مهمتها الرئيسية في ضمان انسياب التجارة بأكبر قدر من السلاسة واليسر والحرية. وهي المنظمة العالمية الوحيدة المختصة بالقوانين الدولية المعنية بالتجارة ما بين الدول. وجاء تأسيسها بعد أن شهد العالم نمواً استثنائياً في التجارة، فقد زادت صادرات البضائع بمتوسط 6% سنوياً.
وتعمل المنظمة منذ نشأتها قبل أكثر من 20 عاما على إقامة عالم اقتصادي يسوده الرخاء والسلام، وتوفير الحماية المناسبة للسوق الدولي ليلائم مختلف مستويات المعيشة والتنمية، وإيجاد وضع تنافسي دولي للتجارة يعتمد على الكفاءة الاقتصادية في تخصص الموارد. كما تعمل من أجل تحقيق التوظيف الكامل لموارد العالم.
وحذر خبراء اقتصاديون خلال الأيام القليلة الماضية من مخاطر تهدد وجود المنظمة، مع شروع اقتصادات رئيسية بإقامة حواجز للحماية التجارية. وطالب الخبراء الدول الأعضاء في المنظمة بالموافقة على برنامج عمل جديد لمعالجة السياسات المشوهة للتجارة والحفاظ على نظام التجارة المتعدد الأطراف القائم على القواعد. وشددوا على أن التمسك بأساليب العمل الحالية سيؤدي إلى الزوال التدريجي للمنظمة. وأعرب الخبراء عن أملهم في أن تعمل الدول الأعضاء على تفادي مزيد من التآكل في مصداقيتها، والحيلولة دون ارتداد بعض الدول الأعضاء نحو استخدام سياسات الحماية التجارية من طرف واحد، وضمان حل النزاعات بفاعلية وكفاءة .
هذه التحذيرات جاءت في وقت قدمت فيه الولايات المتحدة، 5 شكاوى إلى منظمة التجارة العالمية، ضد الصين، والاتحاد الأوروبي، وكندا، والمكسيك، وتركيا، وقالت فيها إن الإجراءات الانتقامية التي اتخذتها هذه الدول رداً على الرسوم التي فرضتها واشنطن على جزء من وارداتها غير مبررة مطلقاً وفقاً للقواعد الدولية. وقال الممثل التجاري الأمريكي، إن الرسوم التي قررها الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب على واردات بلاده من الصلب والألومنيوم وبعض السلع الصينية، مبررة وفقاً للاتفاقيات الدولية، وتهدف لحماية مصالح الأمن القومي الأمريكي.
وتزامنت الشكاوى الأمريكية مع شكوى صينية جديدة لمنظمة التجارة العالمية احتجاجا على تلويح الولايات المتحدة بفرض رسوم إضافية نسبتها 10% على واردات صينية قيمتها 200 مليار دولار. ولم يقف الأمر عند هذا الحد، فقد حذر الرئيس الأمريكي دونالد ترامب من أنه قد يفرض في نهاية المطاف رسوما على منتجات صينية بأكثر من 500 مليار دولار، وهو ما يعادل تقريبا إجمالي ما استوردته الولايات المتحدة من الصين العام الماضي، لمكافحة ما تقول واشنطن إنه انتهاكات تجارية من بكين.
وتعهدت الصين بالرد على كل خطوة كما أعربت عن معارضتها الشديدة إزاء نشر مكتب الممثل التجاري الأمريكي قائمة من البضائع الصينية التي تخضع لرسوم إضافية. وقال المتحدث باسم الخارجية الصينية إن من المؤسف للغاية أن الولايات المتحدة، تجاهلت التوافق الذي تم التوصل إليه بين الجانبين، وأظهرت تغييرات وتقلبات في آرائها وأشعلت حربا تجارية.
ورأى المتحدث الصيني أن هذه الخطوة لا تضر فقط بالمصالح الثنائية، وإنما تضر أيضا بالنظام التجاري العالمي. وأكد المتحدث أن بلاده لا ترغب في حرب تجارية، ولكنها في مواجهة الخطوة الأمريكية، ليس أمامها خيار سوى الرد بقوة من أجل حماية مصالحها، ودعم العولمة الاقتصادية والنظام التجاري التعددي.
وعلى الجانب الأوروبي يصل رئيس المفوضية الأوروبية جان كلود يونكر إلى واشنطن الأسبوع المقبل حيث يلتقي الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بهدف احتواء النزاع التجاري بين الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، وتخوض بروكسل وواشنطن نزاعا تجاريا منذ الأول من يونيو الماضي حين فرضت واشنطن رسوماً جمركية على الصلب والألمنيوم المستورد من الحلفاء مثل كندا والمكسيك والاتحاد الأوروبي بداعي الدفاع عن الأمن القومي ، وردّت الكتلة الأوروبية المؤلفة من 28 دولة، بفرض رسوم على واردات أمريكية بقيمة 3.25 مليار دولار.
وتوعد الرئيس دونالد ترامب أيضا بفرض رسوم إضافية بقيمة 20% على واردات السيارات من الاتحاد الأوروبي، في إجراء سيكون له تداعيات أكبر من فرض الرسوم على الصلب والألومنيوم. ويقول المراقبون إن منظمة التجارة العالمية التي نجحت خلال العشرين عاما الماضية في تغيير ملامح الاقتصاد العالمي وإرساء قواعد ثابتة له، تواجه اليوم منعطفا حادا واختبارا عسيرا يهدد وجودها ومستقبلها، إذا فشلت في حل النزاعات الراهنة بين عدد من أعضائها حول الرسوم الجمركية، بطريقة أكثر إنصافاً، وقد لا يكون بإمكانها حماية العالم من الحروب التجارية، التي تدمر النظام العالمي.