زاد مصرف الإمارات المركزي من صدقية المعلومات التي تؤكد على علاقة الجهاز المصرفي في الإمارات بتمويل أنشطة فيلق القدس التابع للحرس الجمهوري الإيراني، والذي ينشط في كل من العراق وسوريا. بل وأكد اكثر على أن المصالح الإماراتية الاقتصادية ستلتف حول كل القرارات الصادرة ضد إيران، وتحاول أن تخفف وطأتها على حركتها التجارية المتبادلة مع طهران والتي تمثل نسبة كبيرة من تجارتها الخارجية، إضافة لما هو معروف من الثقل الكبير للوجود الإيراني في الإمارات وإمساكه بعصب الكثير من الشركات التجارية والمشروعات الاقتصادية والمالية، مما يزيد من صعوبة فكاك الإمارات من هذا الوجود.
نفي مصرف الإمارات المركزي لعلاقة معاقبة شركات الصرافة بتفكيك شبكة تنقل الأموال لـ فيلق القدس ، لم يفتح الباب أمام الكثير من التساؤلات، بل عزز الشكوك في النشاط المالي المستمر منذ عقود والمصالح المشتركة التي تتربح منها الإمارات أكثر من إيران، منذ فترة العقوبات السابقة وحتى توقيع الاتفاق النووي ورفع العقوبات.
الأمر ليس مجرد شكوك أو اتهامات للإمارات، المتهمة بكثير من النشاطات المالية المشبوهة عموماً، مثل غسيل أموال تجارة المخدرات والسلاح وتجارة البشر، بل وأعتبرت من الملاذات الضريبية مما اضطر الاتحاد الأوربي إلى إدراج اسمها إلى جانب البحرين، العام الماضي، ضمن 17 دولة في قائمة سوداء، قال إنها لا تبذل جهوداً كافية لمكافحة التهرب الضريبي. وتعد اللائحة أحدث المساعي الدولية لمكافحة التهرب الضريبي الذي يزداد اعتباره مسألة اخلاقية في اعقاب نشر منظمة الامن والتعاون في اوروبا قائمة بالملاذات الضريبية غير المتعاونة .
فقد كشفت وكيلة وزارة الخزانة الأمريكية لشؤون الإرهاب والمخابرات المالية، سيجال مانديلكر، عن تفاصيل عملية امريكية رصدت رجال فيلق القدس داخل دولة الإمارات. وأكدت المسؤولة الأمريكية إن الولايات المتحدة والإمارات نجحتا في تفكيك شبكة لنقل أموال غير قانونية إلى إيران في الوقت الذي تكثف فيه واشنطن جهودها لتقييد تجارة إيران وحصولها على العملة الصعبة في المنطقة. وأقرت المسؤولة الأمريكية بأن واشنطن قد تواجه صعوبة في خفض أنشطة الشركات الإيرانية كثيرا في الإمارات. فدبي عادة ما تكون مركزا للصادرات إلى إيران وتتلقى استثمارات إيرانية في شركاتها وسوقها العقارية.
ضغوط أمريكية
وتفيد معلومات لوسيل أن واشنطن واجهت الإمارات بحقائق موثقة عن العديد من الوقائع، مما اضطر الإمارات للانصياع للتعليمات الأمريكية بإدراج 9 أشخاص وكيانات في قائمة الارهاب وتلتها خطوة إغلاق عدد من الحسابات المصرفية لشخصيات وكيانات، ومن ثم جاءت لتنفي علاقتها بـ فيلق القدس .
ولكن البيان الذي نشرته وكالة الانباء الإماراتية ينفي المغالطة التي وقع فيها المصرف المركزي، فقد ذكرت وكالة أنباء الإمارات (وام): أصدر مجلس الوزراء القرار الوزاري الرقم 24 لسنة 2018 الذي تضمن إدراج تسعة كيانات وأفراد إيرانيين للقائمة المعتمدة في دولة الإمارات العربية المتحدة المدرج عليها الأشخاص والهيئات الداعمة للإرهاب .
وأوضحت الوكالة أن القرار يأتي في إطار حرص الإمارات على استهداف وتعطيل الشبكات المرتبطة بتمويل الإرهاب والنشاطات المصاحبة له .
وأشارت إلى أنه تم إدراج الأفراد والكيانات ضمن القائمة لكونها قامت بشراء ونقل ملايين الدولارات إلى فيلق القدس التابع إلى الحرس الثوري الإيراني ووكلائه لتمويل الأنشطة المزعزعة للاستقرار في المنطقة عن طريق إخفاء الغرض الذي تم من أجله الحصول على الدولارات .
وأضافت أنه تم إدراج الكيانات والأفراد الإيرانيين ضمن القائمة نتيجة تعاون وثيق بين دولة الإمارات العربية المتحدة والولايات المتحدة الأميركية التي أدرجت الأفراد والكيانات ذاتها في قائمتها .
نفوذ الحرس الثوري
وتفيد معلومات لوسيل إلى فوائد كبيرة جناها الحرس الثوري من النفوذ الإيراني في الإمارات، وقد ساهم ذلك النفوذ في استمرار تمويله ورفده بمعينات ساهمت في تطوير قدراته. ومن بين تلك المعينات عربات الدفع الرباعي التي كانت تصدرها الإمارات إلى إيران، وبكميات كبيرة، والتي استطاع الحرس الثوري تحويلها إلى آليات عسكرية ودفع بها إلى العراق وسوريا واليمن. ويبدو أن وكالة الاستخبارات الأمريكية تقف على كثير من المعلومات حول هذا الأمر. وذات الأمر أكده د. يونس بلفلاح الذي أشار إلى صدور تقرير لمنظمة الانتربول مؤخراً، يوضح كيف لعبت دبي دورا هاما في غسيل الأموال الإيرانية واموال بعض رجال الاعمال التابعين للحرس الثوري ورجال اعمال مقربين بحزب الله اللبناني.
ومن بين الشخصيات التي تركز عليها الولايات المتحدة، رجل الأعمال حسين سجواني الذي اهتزت ثقة واشنطن فيه مؤخراً وشهدت علاقته فتورا بعائلة ترامب بعد أن شهدت تطوراً ملحوظاً عقب نجاح ترامب في انتخابات الرئاسة. فالرجل، الذي لعب دور رجل الإمارات في واشنطن وعمل على تحقيق العديد من مصالحها هناك، من أصول إيرانية وتدور حوله كثير من الشكوك بدعم الحرس الثوري الإيراني، وعززت اتهامات طالته بدعم حزب الله اللبناني هذه الشكوك في وقت سابق. ودرس سجواني في واشنطن الاقتصاد، وكان عضوا في مجلس إدارة عدد من الشركات المختلفة، من بينها شركة جونو أون لاين في مدينة نيويورك في الولايات المتحدة.
المصالح أولاً
ومن المعروف أن شركة موانئ دبي العالمية استثمرت، بعد شهر من توقيع الاتفاق النووي، في إيران وصرح في ذلك الوقت، سلطان أحمد بن سليم، رئيس مجلس إدارة موانئ دبي، في تصريحات صحفية، وفقا لوكالة رويترز ، إن لدى إيران جسراً برياً جيداً من السكك الحديدية سيرتبط بطريق الحرير بين الصين وأوروبا. وأضاف أن الشركة تحتاج إلى دخول السوق الإيرانية في ظل وجود موانئها في الخليج. وزار مسؤولون من موانئ دبي العالمية إيران عندما كان الاتفاق المتعلق بالعقوبات مازال قيد التفاوض.
وقالت شركة سيراميك رأس الخيمة الإماراتية، المدرجة في بورصة أبوظبي قبل أسبوعين في بيان لها، إنها اشترت 20% من شركة راك إيران ، لتستحوذ بذلك على جميع أسهم الشركة.
ووفق مراقبين، فإن الإمارات تحرص على الاستفادة من علاقتها الاقتصادية مع إيران وتوظيفها بغض النظر عن الخلافات السياسية، على خلفية استمرار أزمة احتلال إيران ثلاث جزر إماراتية (طنب الكبرى، وطنب الصغرى، وأبو موسى) منذ 30 نوفمبر عام 1971.
وتحاول الإمارات التحايل على العقوبات المفروضة على إيران للمحافظة على مصالحها الاقتصادية، وفي ذات الوقت تنفيذ أجندتها السياسية التي لا تتفق وأجندة دول المنطقة. فبالتنسيق مع مصر، تمول الإمارات النظام السوري المدعوم من حزب الله اللبناني ويتواجد فيه فيلق القدس الذي يقوده قاسم سليماني، إلى جانب دعمها لروسيا. فعبر بوابة سوريا وروسيا يتم استخدام قنوات غير مباشرة لتمويل فيلق القدس ، كما تستخدم العراق لتحويل أموال إلى داخل إيران لإنجاز تعاملاتها الاقتصادية.
علاقات بالنظام السوري
وتمثل الإمارات ملجأ لشخصيات النظام السوري فهي محل إقامة لبعض أفراد عائلة الديكتاتور السوري، من بينهم والدته أنيسة مخلوف حيث أكد السفير الأمريكي السابق لدى سوريا روبرت فورد، مغادرة والدة الرئيس بشار الأسد أنيسة مخلوف سوريا إلى دبي، ونقلت صحيفة الشرق الأوسط عن السفير الأمريكي، أن أم الرئيس السوري انتقلت للعيش مع ابنتها بشرى شقيقة بشار الأسد التي غادرت سورية إلى دبي مع أطفالها بعد مقتل زوجها آصف شوكت بتفجير مقر الأمن القومي.
كما يقيم في الإمارات عدد كبير من رجال الأعمال الداعمين لنظام بشار الأسد، في الوقت الذي تقوم به أبو ظبي بتسفير أي شخص له نشاط في دعم الثورات العربية.
وفي الجانب الإقتصادي تمثل الإمارات ملاذاً آمناً لتهريب أموال شخصيات النظام السوري وغير السوري، فبعد العقوبات التي فرضت على الشركات الروسية تم تهريب 22 مليار دولار من موسكو إلى أبو ظبي للإفلات من هذه العقوبات، كما تشير المصادر إلى أن رامي مخلوف رجل الأعمال السوري وابن خالة بشار الأسد له حسابات بمئات ملايين الدولارات في مصارف الإمارات.
وفي الجانب الإستخباراتي وبحسب مصادر في الجيش السوري الحر قامت الإمارات بتزويد عناصر في الجيش السوري الحر بأجهزة اتصالات، ثم زودت الإمارات نظام بشار الأسد بشيفرتها مما أدى إلى استشهاد عدد كبير من مقاتلي وقيادات الجيش الحر ممن استعمل هذه الأجهزة.
وزودت الإمارات النظام السوري بوقود للطائرات الحربية، حيث نشرت عدد من وكالات الأنباء أن الولايات المتحدة فرضت عقوبات على شركة إماراتية، متورطة في إمداد نظام بشار الأسد بمنتجات نفطية إلى الحكومة السورية، لاستخدامها في تزويد الطائرات العسكرية بالوقود لقمع الثورة السورية.
وقال بيان صدر عن وزارة الخزانة الأمريكية؛ إن شركة بانجيتس ومقرها إمارة الشارقة بدولة الإمارات العربية المتحدة قامت بتوريد منتجات نفطية لسوريا منها وقود طيران منذ عام 2012 وحتى أبريل من العام 2014، مشيرًا إلى أنه من المرجح أن تلك المنتجات استخدمت في أغراض عسكرية.