تنطلق اليوم جولة جديدة من مفاوضات السلام حول سوريا في جنيف، تطغى عليها إلى حد كبير محادثات أستانا التي تشهد منذ يناير جولات محادثات موازية برعاية روسيا وإيران حليفتي نظام الأسد وتركيا الداعمة للمعارضة، كما يطغى عليها الواقع الميداني الأخير.
ويرى محللون أن الأمم المتحدة تبدو وكأنها في سباق مع محادثات أستانا التي تشهد زخما أكبر، خصوصًا بعد توقيع مذكرة في الرابع من الشهر الحالي تقضي بإنشاء أربع مناطق تخفيف التصعيد في الجبهات الأكثر عنفا في سوريا. وقد وضع الاتفاق موضع التطبيق.
ومنذ بدء سريان الاتفاق قبل أسبوع، تراجعت وتيرة القتال في مناطق عدة. ولكن في دمشق التي لا يشملها الاتفاق، تمكنت الحكومة السورية من تنفيذ اتفاقات إخلاء ثلاثة أحياء كانت تحت سيطرة المعارضة، لتقترب بذلك من السيطرة شبه الكاملة على العاصمة للمرة الأولى منذ العام 2012.
وقال المبعوث الدولي الخاص إلى سوريا ستافان دي ميستورا لصحفيين الأسبوع الماضي في جنيف إنه يعتزم تكثيف العمل حول عناوين جدول الأعمال في جولة المفاوضات التي يتوقع أن تستمر أربعة أيام فقط، انطلاقًا من مبدأ ضرب الحديد وهو حام ، على حد تعبيره.
وبحسب دي ميستورا، فإن محادثات أستانا الأخيرة أثمرت بعض النتائج التي نجدها واعدة للغاية ونرغب قدر الإمكان بربط هذه النتائج بآفاق سياسية في جنيف. ولم تنجح جولات مفاوضات السلام السابقة في تحقيق نتائج ملموسة. في الجولة الأخيرة في مارس، بدأت أطراف النزاع مناقشة السلال الأربعة التي يتألف منها جدول الأعمال وهي الحكم والدستور والانتخابات ومكافحة الإرهاب. لكن المفاوضات تجري بين كل طرف ودي ميستورا، لا في لقاءات مشتركة.
ويقول الباحث المتخصص في الشؤون السورية في مؤسسة سانتشوري فوندايشن أرون لوند لوكالة فرانس برس: إن لمفاوضات جنيف قيمة رمزية ، لكنها لا تمضي قدمًا بأي شكل من الأشكال .
ويتابع في الممارسة، همّش مسار أستانا إلى حد كبير مسار جنيف، على الأقل في الوقت الراهن . ويتمسك وفد المعارضة بمطلب رحيل الرئيس السوري بشار الأسد عن السلطة في المرحلة الانتقالية، الأمر الذي ترفضه دمشق بالمطلق وتعتبره غير قابل للنقاش أصلًا. ويرى لوند أن مسار جنيف يدور حول مطلب بلا أفق يتمثل في التفاوض حول العملية الانتقالية .
ويوضح أن الانعكاس الرئيسي لربط تحقيق السلام بالانتقال السياسي هو تهميش دور الأمم المتحدة في جنيف، مقابل تحويل الانتباه إلى أستانا . وفي جولة المحادثات الأولى في أستانا في يناير، اتفقت روسيا وإيران وتركيا على تعزيز اتفاق لوقف إطلاق النار بدأ سريانه في 30 ديسمبر بموجب اتفاق بين موسكو وأنقرة. وتتالت الاجتماعات إثر ذلك في أستانا، وصولا إلى توقيع الدول الثلاث الضامنة مذكرة قبل أقل من أسبوعين تقضي بإنشاء مناطق تخفيف التصعيد في ثماني محافظات سورية. ويرى لوند أن مسار أستانا لا يحمل المضمون نفسه (الذي يناقش جنيف) وتتم إدارته بشكل أكبر وفق شروط روسيا. وهذا يعني أنه أكثر انسجامًا مع الوقائع على أرض المعركة .
وفي ما يتعلق بمحادثات أستانا، قال الأسد الوضع مختلف.. تلك المحادثات بدأت تعطي نتائج من خلال أكثر من محاولة لوقف إطلاق النار، آخرها ما سمي مناطق تخفيف التصعيد أو تخفيف الأعمال القتالية . واتسمت الجهود الدبلوماسية لتسوية النزاع السوري في الأشهر الأخيرة بغياب تام للدور الأمريكي في عهد الرئيس دونالد ترامب.
وفي ظل إدارة الرئيس الأسبق باراك أوباما، لعبت واشنطن تحديدًا عبر وزير الخارجية السابق جون كيري دورًا كبيرًا في مفاوضات جنيف، بوصف الولايات المتحدة إحدى الدولتين الراعيتين للعملية السياسية إلى جانب روسيا آنذاك.