ينظر في تنامي تنافس القوى العظمى

مؤتمر ميونخ يبحث آليات إرساء مناخ أكثر أمنا

لوسيل

أحمد فضلي

يفتتح مؤتمر ميونخ للأمن اليوم أعمال دورته الخامسة والخمسين وسط حضور مهم لرؤساء الدول والحكومات، والمسؤولين عن الأمن والدفاع من مختلف أنحاء العالم، لمناقشة سياسة الأمن الدولي، حيث يتوقع أن يسجل المؤتمر الذي تحتضنه مدينة ميونخ الألمانية، حضور ما لا يقل عن 450 من كبار صانعي القرار وقادة الفكر من جميع أنحاء العالم للمشاركة من أجل مناقشة التحديات الحالية والمستقبلية.

خاصة أن المؤتمر يعتبر فرصة مهمة لمناقشة وتبادل الآراء والأفكار والحلول حول قضايا السياسة الأمنية والتحديات التي تواجهها خلال الفترة المقبلة.
ويكتسي جدول أعمال المؤتمر لهذا العام أهمية كبرى لما تتضمنه الأجندة الخاصة بالجلسات المصاحبة للمؤتمر، إلى جانب المحاور والمواضيع الرئيسية التي سوف تتم مناقشتها خلال الجلسات الافتتاحية، من الكلمات المرتقبة التي سيلقيها كبار القادة المشاركين في المؤتمر.
وسيكون مؤتمر ميونخ للعام الجاري تحت رئاسة فولفغانغ إيشينغر وبحضور المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، ونائب الرئيس الأمريكي مايك بينس وعدد من رؤساء حكومات الدول ومنظمات المجتمع الدولي. أما أبرز المواضيع التي ستتم مناقشتها خلال الجلسات الرئيسية هو العواقب المحتملة لتنامي المنافسة بين القوى العظمى، ومدى تأثيرها على الخارطة العالمية، إلى جانب التعاون عبر الأطلسي. كما سينظر المشاركون في الحالة الراهنة للشؤون الدولية والمصاعب التي يواجهها العالم، في ظل المخاطر المحدقة به نتيجة لسلسلة من الأزمات.
ويجمع الخبراء على أن العالم يمر بحقبة جديدة من المتغيرات التي من شأنها أن تؤثر عليه، خاصة في ظل تعاظم التنافس العالمي بين أبرز قطبين اقتصاديين هما الولايات المتحدة الأمريكية من جهة وجمهورية الصين الشعبية، وروسيا، حيث أخذت تلك المنافسة منحى متطورا يعتبره البعض أنه ينبئ بعواقب وخيمة وغير حميدة لمستقبل العالم.
كما سيكون سباق التسلح ضمن محاور المؤتمر، حيث سيبحث قادة العالم والمشاركون من الخبراء في الدفاع والأمن سبل الحد من التسلح والتعاون في مجال السياسة الدفاعية. وسيتم بحث التقاطع بين التجارة والأمن الدولي.
إلى ذلك، فإن التقديرات الأولية تشير إلى أن حجم تجارة الأسلحة إجمالا تضاف إليها النفقات العسكرية للدول تصل سنويا إلى ما لا يقل 2.1 تريليون دولار أمريكي، وتتوزع إلى نحو 2 تريليون دولار أمريكي ضمن تجارة السلاح في السوق العالمية والنفقات العسكرية للدول، ونحو 100 مليار دولار القيمة التقديرية لتجارة الأسلحة لغير الدول وتتضمن نحو 89 مليار دولار تجارة الأسلحة بطرق غير شرعية في حين تصل مبيعات الأسلحة الخفيفة ومنها المسدسات وغيرها من الأسلحة الخفيفة نحو 11 مليار دولار أمريكي، والتي يتجاوز عددها نحو 1 مليون قطعة صغيرة.
في حين تقدر بعض التقارير الأخرى حجم مبيعات الأسلحة والإنفاق العسكري على المستوى العالمي إلى أكثر من ذلك، وذلك وسط تضارب مستويات المبيعات، خاصة أن صفقات بيع الأسلحة عادة ما تتسم بالسرية.

نمو عمليات التسليح

يقدر معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام نمو عمليات تصدير الأسلحة بنسبة 10% في الفترة 2013 إلى 2017، مقارنة بالفترة من 2008 إلى 2012، في حين بلغت نسبة مبيعات الولايات المتحدة 34% من مبيعات الأسلحة العالمية خلال تلك الفترة، وبلغت الولايات المتحدة الامريكية أعلى مرتبة في توريد السلاح منذ نهاية تسعينيات القرن الماضي.
واحتلت روسيا المركز الثاني كأكبر مصدر للأسلحة في العالم حيث باعت خمس الأسلحة العالمية، مع تراجع بنسبة 7.1% مقارنة بالفترة السابقة، وجاءت فرنسا في المرتبة الثالثة بنسبة 6.7% من مبيعات السلاح عالمياً، وفي المركز الرابع جاءت ألمانيا كأكبر مورد للسلاح في العالم، رغم تراجع صادراتها بنسبة 14%، واحتلت الصين المركز الخامس عالمياً كأكبر مورد للسلاح في العالم، حيث ازداد تصديرها للأسلحة بنسبة 38% خلال فترة الدراسة، ومقارنة بالفترة السابقة.
وأوضح التقرير أن الصين هي المزود الأول للسلاح إلى بورما حيث توفر 68% من واردات الأخيرة، في حين احتلت بريطانيا المرتبة السادسة من قائمة الدول المصدرة للسلاح في العالم، وازدادت صادرات فرنسا من الأسلحة بنسبة 27%، وذهبت 42% من صادراتها إلى الشرق الأوسط.
كما سينظر مؤتمر ميونخ في تأثيرات تغير المناخ والابتكارات التكنولوجية على الأمن الدولي والاستقرار المجتمعي، حيث يعتبر التغير المناخي من أبرز المخاطر التي تهدد الأمن والسلم الدوليين، حيث يحذر الخبراء والمختصون في مجال المناخ من أن ندرة المياه وشحها مع ارتفاع مستويات درجة الحرارة والناتج عن الاحتباس الحراري والتغيرات الجينية على الأراضي الزراعية وحتى المزروعات فإن ذلك سيؤدي حتما إلى تنازع السكان في رقعة الأرض الواحدة لتطور إلى مستوى الوطن، قبل أن تنتقل تلك النزاعات إلى المستوى الإقليمي والدولي. كما ستتم مناقشة آليات محاربة الفقر لما في هذه الظاهرة من أضرار على الأمن الاجتماعي، حيث يشدد الخبراء على أن الشاب أو رب الأسرة عندما يواجه بوتقة الفقر فإنه سيصبح عرضة للانضمام إلى الجماعات الإرهابية والمتطرفة، التي تنامت مخاطرها خلال الفترة الماضية.
وسيتضمن المؤتمر تنظيم نحو 100 فعالية وجلسة هامشية، إلى جانب تنظيم طاولات مستديرة تتطرق إلى الأمن السيبراني، ومخاطر ذوبان القطبين الشمالي والجنوبي، ومخاطر الطاقة والنزاعات فيها، والصحة، والتهديدات العابرة للحدود، والتكنولوجيا والدفاع الأوروبي، طرق حماية المسالك البحرية وعلى وجه الخصوص تحديات السلامة البحرية وخاصة المسالك التجارية البحرية.
وقد أعلن رؤساء دول وحكومات ووزراء للدفاع والأمن ومسؤولون من مختلف الدول حضورهم، حيث يتوقع أن يسجل المؤتمر حضورا كبيرا مقارنة بالعام الماضي، حيث كشف القائمون على المؤتمر أن أكثر من 40 رئيس دولة وحكومة ونحو 100 وزير سيشاركون في مناقشات مستفيضة حول قضايا الأمن والتهديدات العابرة للحدود وما يتعلق بالجهود الدولية للحرب على الإرهاب والأمن السيبراني، فضلا عن سباق التسلح وتورط دول وتنظيمات في جرائم حرب تشكل تهديدا للإنسانية.
ومن بين المشاركين الآخرين الذين أكدوا مشاركتهم فيديريكا موغيريني، الممثل الأعلى للاتحاد الأوروبي للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية، وينس ستولتنبرغ والأمين العام للناتو، وكريستين لاجارد المدير التنفيذي لصندوق النقد الدولي، وكريستالينا جورجييفا، رئيس البنك الدولي بالإنابة.
ويعتبر الامن من أهم الدعائم الأساسية لتحقيق الاستقرار الاقتصادي والنمو، خاصة في ظل التحديات التي تواجه الاستقرار الاستثماري والاقتصادي العالمي، خاصة مع تخفيض صندوق النقد الدولي توقعاته لنمو الاقتصاد العالمي إلى 3.5% في عام 2019، وهي أبطأ وتيرة نمو في 3 أعوام، متراجعاً من نسبة 3.7% المتوقعة في أكتوبر الماضي، مستندا في توقعاته للاقتصاد العالمي إلى المنافسة التجارية التي احتدمت في نسقها بين الولايات المتحدة الأمريكية وجمهورية الصين الشعبية، حيث حذر الصندوق، الذي يتخذ من العاصمة اﻷمريكية واشنطن مقراً له، من إمكانية إثارة التوترات التجارية الجديدة لمزيد من المشاكل، بجانب القيود المتجددة المفروضة على الأوضاع المالية وعدم التوصل إلى صفقة بشأن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبى وتباطؤ اقتصاد الصين بشكل أكثر من المتوقع.

لقاءات رفيعة المستوى

تشارك دولة قطر ضمن مؤتمر ميونخ للأمن ضمن الجلسات الرئيسية للمؤتمر إلى جانب الجلسات التي ستعقد على هامش المؤتمر، كما من المنتظر أن يتم عقد مجموعة من اللقاءات رفيعة المستوى، لتباحث سبل تعزيز الجهود من أجل تعزيز الجهود لمحاربة الجريمة المنظمة ومكافحة الإرهاب والاتجار بالبشر، حتى يتم إرساء عالم يتمتع بالاستقرار والأمن بما ينعكس على الشعوب ويحقق لها الرخاء والازدهار الاقتصادي والاجتماعي. إلى ذلك، فإن دولة قطر تجمعها شراكة متميزة وإستراتيجية بمؤتمر ميونخ برزت من خلال منتدى الدوحة في نسخته الثامنة عشرة بالدوحة في ديسمبر الماضي. وشهد عام 2011 عقد أول اجتماعات مباشرة مع مسؤولي مؤتمر ميونخ بالدوحة وقرر الجانبان العمل معاً بطريقة أكثر انتظاماً بحيث يكون التمثيل القطري في مؤتمر ميونخ على أعلى مستوياته بمشاركة صاحب السمو أمير البلاد المفدى إلى جانب قادة وزعماء العالم. وسيركز المؤتمر على مناقشة القضايا الملحة المتعلقة بالقرصنة والتجسس الرقمي وتأثيراتها على الأمن والسلم الدوليين.
من المنتظر أن تستضيف دولة قطر قمة الأمن السيبراني التابعة لمؤتمر ميونخ للأمن في عام 2019. وستتم استضافة القمة بالشراكة بين مؤتمر ميونخ للأمن واللجنة الوطنية القطرية للأمن السيبراني، التي تأسست في عام 2013 وترأسها معالي رئيس مجلس الوزراء ووزير الداخلية.
وتتمتع دولة قطر بمكانة متميزة على المستوى العالمي، حيث تتصدر قائمة الدول الأكثر أمنا في العالم، ونجاحاتها التنموية هي انعكاس طبيعي لحالة الاستقرار والأمن والسلام الذي تعيشه بالرغم من كل التحديات والأزمات التي تشهدها المنطقة.

مخاطر الإنترنت

أصدر مؤتمر ميونخ تقريره للعام 2019، والذي يعرض فيه مجموعة من الأرقام والدراسات المتعلقة بالأمن والدفاع، حيث أشار جزء من التقرير إلى مخاطر الإنترنت وخاصية الجرائم التي اتخذتها، حيث أوضح التقرير أن الإنترنت أصبح أحدث المجالات الإجرامية، حيث تطورت الأساليب المستخدمة في تلك الجرائم، وتكشف التقديرات التقريبية أن التكلفة السنوية للجريمة الإلكترونية تقترب من 600 مليار دولار. ويكشف التقرير عن حجم الخسائر من الأنشطة الإجرامية التي يتم تحقيقها سنويا والتي تصل إلى نحو 1.6 تريليون دولار.
وأشار التقرير إلى أن التدفقات المالية غير المشروعة المتأتية من الجرائم البيئية والمتمثلة في تجارة الذهب والمعادن النفيسة ما نسبته 38% تليها تجارة المخدرات بنسبة 28% ومن ثم جرائم الابتزاز والنهب بنسبة 26%، ومن ثم التمويلات الخارجية والتبرعات وجرائم الخطف والخطف بهدف المطالبة بفدية بنسبة 6% وما نسبته 1% من تلك التدفقات المشبوهة متأتية من جرائم الآثار و1% تشمل جرائم أخرى متنوعة.