يوماً بعد يوم تزداد أهمية صناعة البتروكيماويات، وأصبحت تلعب دوراً رئيسياً في كثير من اقتصادات الكبرى، بل هي محرك رئيسي للنمو الاقتصادي للعديد من الدول. وخلال العقود الثلاثة الماضية استطاعت هذه الصناعة أن تتوسع بشكل كبير ليصل حجم سوق البتروكيماويات عالمياً في 2021 حوالي 556.1 مليار دولار، ومن المتوقع أن تسجل هذه الصناعة نمواً بحوالي 6.2 % بحلول 2030.
قطر وخلال عقود من الزمان أصبحت من الدول الرائدة في هذه الصناعة عالمياً وتحتل المرتبة الثانية عربياً من حيث إنتاج البتروكيماويات، وتشير التقديرات إلى أن السوق القطرى به حوالي 10 شركات تعمل في هذا القطاع ضمن 11 مشروعاً تتركز بشكل أساسي في منطقي مسيعيد ورأس لفان الصناعية. وتنتج شركتا مسيعيد للبتروكيماويات وصناعات قطر (إحدى الشركات التابعة لقطر للطاقة) أكثر من 3.5 مليون طن سنوياً بالإضافة لحصص أخرى تمتلكها شركة قطر للطاقة تشمل حوالي 9 شركات منها 6 شركات مملوكة بالكامل لقطر للطاقة بحصص مختلفة.
ومنذ سبعينيات القرن الماضي نجد أن دولة قطر بدأت صناعة البتروكيماويات لمواكبة التغيرات الديناميكية في الصناعة ونموها خلال العقود الماضية، وفي تلك الفترة قامت قطر بإنشاء أول مشروع ضخم في صناعة البتروكيماويات وهي شركة قطر للأسمدة الكيماوية (قافكو)، وذلك في إطار برنامج تنويع الاقتصاد القطري والاستفادة القصوى من احتياطي البلاد الضخم من الغاز، هذه الإستراتيجية عززت من القطاع ليصبح حجر الزاوية في تنفيذ خطط التنويع الاقتصادي بعيداً عن الاعتماد على عائدات النفط والخام.
وأصبح هذا القطاع هو قاطرة الاستثمار ويعكس القيمة المضافة للثروات الطبيعية، ويلعب دوراً مهماً في تنفيذ خطط التنمية المستدامة، فنجد شركة مثل (قافكو) اليوم هي رابع أكبر منتج ومصدر لليوريا عالمياً. وشركات مثل مسيعيد للبتروكيماويات وصناعات قطر هي ضمن قائمة الشركات الأقوى في المنطقة وفقاً لتصنيف مجلة (فوربس)، وأنعشت هذه الشركات البورصة القطرية وأصبحت عامل جذب للعديد من الاستثمارات الإقليمية والدولية وساهمت في تقوية القطاع الصناعي في الدولة.
اليوم وبعد أكثر من 3 عقود من الزمان تصل منتجات البتروكيماويات القطرية للعديد من بلدان العالم وأصبحت لديها أسواق رئيسية في كل آسيا وشبه القارة الهندية وأمريكا الشمالية وأوروبا وغيرها من الدول الأخرى التي أصبحت قبلة رئيسية للمنتجات القطرية من البتروكيماويات وعاملا أساسيا في حجم التبادل التجاري بين قطر وهذه الدول.
خلال الشهرين الماضيين أعلنت قطر للطاقة عن استثمارات بقيمة 14.5 مليار دولار لتنفيذ مشروعين للبتروكيماويات في كل من الولايات المتحدة وقطر. ومن المتوقع أن يساهم المشروع الذي سيتم تنفيذه في قطر (مجمع رأس لفان للبتروكيماويات) في رفع الطاقة الإنتاجية لقطر إلى 14 مليون طن سنوياً من الكيماويات.
إن الاتفاقيات التي وقعتها شركة قطر للطاقة مع شركة شيفرون فيليبس الأمريكية، هي امتداد لشراكة طويلة الأمد بين قطر للطاقة وشيفرون فيليبس تعود لأكثر من عقدين من الزمان، جسدت التعاون الراسخ بين قطر للطاقة وواحدة من أكبر شركات البتروكيماويات في العالم تمتلك استثمارات تقدر بحوالي 18 مليار دولار موزعة في 31 منشأة حول العالم.
وفي منتصف نوفمبر الماضي أعلنت كل من قطر للطاقة وشركة شيفرون فيليبس للكيماويات قرارهما النهائي بالاستثمار في إنشاء مصنع غولدن ترايانغل للبوليمرات (Golden Triangle Polymers plant) في منطقة ساحل الخليج بولاية تكساس في الولايات المتحدة الأمريكية بكلفة تبلغ حوالي 8.5 مليار دولار.
ويقع المصنع الجديد حوالي 180 كيلومترا شرق مدينة هيوستن، ويشتمل على وحدة للإيثيلين بطاقة تبلغ 2,08 مليون طن في العام مما يجعلها الأكبر في العالم، ووحدتين لإنتاج البولي إيثيلين عالي الكثافة بطاقة إجمالية تبلغ مليوني طن في العام، وهو ما سيجعلهما أكبر وحدات إنتاج المشتقات من نوعها في العالم. وسيبدأ العمل على بناء المصنع بشكل فوري حيث يتوقع أن يبدأ الإنتاج عام 2026.
هذا المشروع يعد الأضخم في هذه الصناعة وبالنسبة لشركة قطر للطاقة يعد ثاني أكبر استثمار لها في الولايات المتحدة بعد استثمارها في مشروع غولدن باس لإنتاج وتصدير الغاز المسال بقيمة 11 مليار دولار، ومن المتوقع أن يبدأ العمل نهاية 2024.
هذه الخطوة تعكس التزام قطر للطاقة بتنفيذ إستراتيجيتها بأن تكون شركة عالمية وبجذور قطرية من خلال توسعها في إنتاج الغاز الطبيعي المسال من 77 مليون طن إلى 126 مليون طن خلال السنوات المقبلة.
وتبع هذه الخطوة اتفاقيات لزيادة أسطول سفن الغاز الطبيعي المسال بطلبيات تصل إلى 100 ناقلة غاز طبيعي مسال جديدة وإنهاء اتفاقيات مع كبريات شركات الطاقة عالمياً للمشاركة في توسعة حقل الشمال.
وفي مجال صناعة البتروكيماويات استطاعت قطر من خلال هذه المشاريع الجديدة أن تعزز مكانتها في هذا المجال، خاصة وأنها تتمتع بموقع جغرافي متميز وكلفة إنتاجية منخفضة بالإضافة لكونها تمتلك أهم موقع في العالم لإنتاج اليوريا في موقع واحد وبمعدل نقاوة عالٍ جداً. كل هذه العوامل جعلت من المنتجات القطرية عالية الطلب عالمياً وقبلة للمصانع التي تنتج المنتجات النهائية المتعلقة بالبتروكيماويات في الاقتصادات الكبرى حول العالم.
ولم يكن يمضي شهران على توقيع قرار الاستثمار النهائي لإنشاء مصنع غولدن ترايانغل للبوليمرات شرق مدينة هيوستن الأمريكية، حتى وقعت قطر للطاقة اتفاقية قرار الاستثمار النهائي لإنشاء أكبر وحدة لتكسير الإيثان في منطقة الشرق الأوسط وضمن المشاريع الكبرى عالمياً في هذه الصناعة.
وبالفعل خلال الأيام الماضية وقعت قطر للطاقة وشركة شيفرون فيليبس للكيماويات، اتفاقية تمثل قرار الاستثمار النهائي لإنشاء مجمع رأس لفان للبتروكيماويات بتكلفة تصل إلى 6 مليارات دولار.
المشروع الذي يتوقع أن يبدأ إنتاج الأوليفينات والبولي إيثلين في 2026، سيعمل على رفع الطاقة الإنتاجية لدولة قطر من البتروكيماويات إلى ما يقارب 14 مليون طن سنوياً. ويتكون المشروع من وحدة لتكسير الإيثان بطاقة إنتاجية تبلغ 2.1 مليون طن سنويا من الإيثيلين، ما يجعلها أكبر وحدة من نوعها في الشرق الأوسط، ومن أكبر الوحدات في العالم، كما يتضمن خطين لإنتاج البولي إيثيلين عالي الكثافة بطاقة إنتاجية تبلغ 1.7 مليون طن سنويا.
محلياً يعتبر مشروع مجمع رأس لفان للبتروكيماويات أكبر استثمارات قطر للطاقة، وهو الأول منذ 12 عاماً، سيعمل على رفع القدرة الإنتاجية لقطر من البوليمرات من 2.6 مليون طن إلى أكثر من 4 ملايين طن سنوياً.
على عكس النفط فإن الطلب على البتروكيماويات سيستمر في النمو خلال العقود المقبلة وليس هناك خطط لوضع سقف زمني للتخلص منها على غرار خطط الحياد الكربوني المتعلقة بالوقود الأحفوري، بل تشير التقارير إلى أن العالم سيظل يعتمد على البتروكيماويات خلال العقود المقبلة.
عالمياً بلغت قيمة سوق البتروكيماويات 556.9 مليار دولار في 2021 ومن المتوقع أن تكون بمعدل نمو سنوي 6.2 % خلال الفترة من 2022 إلى 2030، وذلك مدفوعاً بزيادة الطلب على المنتجات النهائية من مختلف صناعات الاستخدام النهائي مثل البناء والمستحضرات الصيدلانية والسيارات وهي عوامل رئيسية تقود السوق.
عربياً بلغ إنتاج دول مجلس التعاون الخليجي من البتروكيماويات حوالي 175.4 مليون طن سنوياً وفقاً لإحصاءات 2020.
وتعتبر صناعة البتروكيماويات العمود الفقري للاقتصاد الصناعي، وبعض المنتجات المشتقة من البتروكيماويات تشمل الإطارات والزيوت الصناعية والمنظفات والبلاستيك، حيث يمثل الأخير (البلاستيك) كعنصر أساسي في تصنيع السلع الاستهلاكية.
تتأثر صناعة البتروكيماويات بشكل كبير بأسعار النفط الخام والغاز باعتبار أنه مادة خام أساسية تستخدم في تصنيع المنتج.
تعتبر البتروكيماويات مادة حيوية في العديد من الصناعات، وأصبحت علامة فارقة في الصناعات التحويلية والمنتجات النهائية، وداعما رئيسيا للصناعات الصغيرة والمتوسطة، حيث أصبحت تلازمنا في حياتنا بدءاً من التطبيقات المنزلية وصولاً للمنتجات الصناعية الضخمة، ولعل من أبرز استخداماتها حسب المجالات نجد في القطاع الزراعي، الأسمدة لزيادة المحاصيل الزراعية والمبيدات لحماية هذه المحاصيل من الآفات والاضرار الأخرى.
وقطاع الطعام والغذاء نجدها تستخدم في المواد الحافظة التي تضاف للغذاء والمشروبات لزيادة مدة الصلاحية. وأيضاً نجدها تستخدم في صناعة الأحذية الرياضية باستخدام المطاط عالي الكثافة، وفي الأصباغ وفي صناعة الزجاجات البلاستيكية وصناعة أكياس القمامة والحقائب، وغيرها من المنتجات النهائية.