رغم حركة التغيير التي طالت منظومة النقل العام في الآونة الأخيرة، إلا أنها لا تزال تواجه العديد من التحديات والانتقادات التي تنال شركة مواصلات كروة النصيب الأوفر منها باعتبارها شركة النقل الرسمية في الدولة. وشهدت الدولة خلال السنوات القليلة الماضية نموًا سريعًا في أعداد السكان، الأمر الذي دفعها إلى ضخ المزيد من الأموال في سبيل إنشاء وتحديث البنية التحتية لقطاع النقل البري لدعم القطاعات الاقتصادية والصناعية والخدمية المتنوعة.
بحسب الأرقام المعلنة من جانب وزارة المواصلات والاتصالات خصصت الدولة 95% من استثماراتها الضخمة في البنية التحتية لمشاريع تنظيم النقل البري بهدف زيادة طول الطرق السريعة إلى 8.500 كيلو متر، بالإضافة إلى بناء 200 جسر و30 نفقًا جديدًا بحلول عام 2020.
ويرى الخبراء أن الانتهاء من المشروعات الجاري تنفيذها، سواء في مجال البنية التحتية أو السكك الحديدية، سيسهم في حل الكثير من المشكلات الحالية، خاصة المتعلق منها بالزحام.
لكن العديد من الخبراء ربطوا استفادة الدولة من تلك المشروعات بكونها متكاملة ومدروسة وتمتلك رؤية مستقبلية بعيدة المدى تتفادى أخطاء نظيرتها الحالية. ويشهد سوق النقل، خاصة خدمات الأجرة في الدولة، نموًا واضحًا في ظل روح المنافسة التي أضفاها دخول تطبيقي نقل الركاب أوبر و كريم إلى السوق ومنافستهما لشركة كروة وشركائها من شركات امتياز تشغيل التاكسي الأربعة في الدولة، والتي تستهدف تشغيل 7000 سيارة تاكسي بحلول 2022، أي رفع الأعداد الحالية البالغة 4000 سيارة بنسبة 75%.
وفي الثالث والعشرين من شهر أغسطس الماضي، بدأت كريم بشكل رسمي عقب حصولها على ترخيص من وزارة المواصلات والاتصالات في توفير السيارات عبر تطبيق الهاتف الجوال داخل الدولة، إذ تحقق في قطر وحدها نموًا شهريًا ملحوظًا يصل إلى 30%، بحسب البيانات الصادرة عنها.
ويقول متخصصون إن تلك التطبيقات صارت تشكل تهديدًا واضحًا على مستقبل خدمة الأجرة التي يقدمها تطبيق تاكسي كروة بسبب تزايد شكاوى الجمهور من سلوكيات السائقين وتهالك غالبية السيارات مقارنة بمستوى الخدمة في كريم و أوبر .
الجولو : واقع المنظومة صعب وخطط التطوير تتطلب الصبر
المهندس أحمد جاسم الجولو، رئيس مجلس إدارة جمعية المهندسين القطرية، قال إن منظومة النقل الحالية تشهد العديد من التحديات والصعوبات، أبرزها حاجة كثير من الطرق والشوارع إلى إعادة التأهيل، فضلا عن ارتفاع أعداد السيارات وتفاقم أزمة الزحام في الدوارات.
وأضاف: الوضع الحالي يبدو صعبا، وهناك خطط ومحاولات جار تنفيذها لتصحيح هذه الوضع، لكن الأمر يتطلب الصبر والمزيد من الوقت .
وأوضح أن وسائل النقل العام تحتاج إلى المزيد من التطوير، بالإضافة إلى أن الدولة في حاجة إلى زيادة الخطوط والمسارات الخاصة بالنقل الجماعي وللسيارات التي تحمل أكثر من شخص.
وتوقع الجولو، مساهمة المشروعات الجارية التي تنفذها شركة سكك الحديد القطرية الريل في حل كثير من المشكلات الحالية قائلا: 80% من هذه المشكلات سيتم حلها خلال السنوات الخمس المقبلة مع بدء تشغيل مشروع مترو الدوحة .
وأشار إلى أن المشروعات القائمة حاليا تحتاج إلى إعادة تقييم وتطوير بما يتوافق ويواكب التطورات الجارية والمستقبلية التي تشهدها منظومة النقل البري بشكل مستمر.
ولفت إلى أن العديد من هذه المشاريع تعاني من قصور في الرؤية، قائلا: امتلاكنا خطة عمرانية شاملة متكاملة ومدروسة كان يمكن أن يجعلنا نتفادى المشكلات التي نعاني منها في الوقت الحالي .
وأضاف أن معظم الخدمات والطرق الحالية شيدت لخدمة نحو 700 ألف نسمة، وليس لخدمة العدد الحالي من السكان البالغ 2.5 مليون نسمة.
وتابع: يجب الاستفادة من هذه المشاريع التي تؤدي الغرض رغم قصورها، وهذا الأمر يتحقق بتطويرها وإعادة تأهيلها وليس بنسفها بالكامل، خاصة أن البدء بتنفيذ مشروعات جديدة من البداية يعد مكلفًا للغاية .
المالكي : زيادة أعداد الحافلات بأحجام مناسبة ضرورة ملحة
المهندس جاسم عبدالله المالكي، عضو المجلس البلدي المركزي، قال إن الدولة تنفق المليارات على تنفيذ العديد من المشروعات في مجال البنية التحتية والطرق والتي يتوقع أن تؤتي ثمارها خلال الفترة من 2018 وحتى 2020. وأضاف المالكي لـ لوسيل ، أن تلك المشروعات وغيرها جعلت من الدولة ورشة عمل لا تهدأ خلال الأعوام الأخيرة، الأمر الذي سيسهم مستقبلًا في تخفيف الكثير من الأعباء على شبكة النقل البري بشكل عام.
لكن المالكي، الذي ترأس سابقا لجنة المرافق والخدمات العامة في المجلس البلدي، طالب بضرورة أن تستحدث شركة مواصلات وغيرها من الشركات العاملة في سوق النقل البري لخدمات أخرى مميزة تتعلق بتقديم خدمة تراعي خصوصية العائلات القطرية بأسعار مناسبة.
وقال: كنا نتمنى أن يكون هناك خدمة خاصة لسيارات الأجرة للمواطنين لمراعاة الخصوصية وحثهم على استخدام تلك الوسيلة، وفقا لظروف التشغيل الخاصة بالشركة . وأكد أن المجلس البلدي يتابع بشكل مستمر مع مواصلات لكافة التطويرات التي تنفذها فيما يتعلق بالخدمات والخطوط والمسارات.
وشدد على ضرورة قيام الشركة بشكل ملح وعاجل على توفير حافلات للنقل الجماعي بكميات أكثر وأحجام مناسبة لضمان سهولة الحركة وانسيابية المرور خاصة في المناطق السكنية والشوارع الداخلية.
السليطي : حجم السوق الفيصل في جدوى مقترح الشركات الصغيرة
المهندس إبراهيم السليطي، المدير السابق لمعهد إدارة المشاريع بالدوحة، أكد أن المشروعات التي يجري تنفيذها سواء في قطاع الطرق أو البنية التحتية وتؤثر على انسيابية الحركة المرورية تتطلب توفير خطوط وشوارع بديلة للإغلاقات المستمرة.
وقال السليطي لـ لوسيل : طالما توافرت الطرق البديلة فلا توجد مشكلة، والزحام سيستمر لحين انتهاء تلك المشروعات .
ورأى أن احتدام المنافسة بين الشركات التي تقدم خدمات النقل العام والأجرة في الدولة مثل كروة وتطبيقات أوبر وكريم يصب في صالح الجمهور.
وأوضح أن منافسة تلك الشركات بعضها بعضا ستدفعها إلى تقديم أفضل مستوى من الخدمة تجنبًا لخسارة العملاء، فضلا عن مساهمتها في تقديم خيارات متنوعة لنقل تلائم متطلبات مختلف فئات المجتمع من مواطنين ومقيمين.
بيد أن السليطي اعتبر أن تلك المنافسة لا تصب في صالح شركة كروة ، قائلا: الشركة الوطنية مطالبة ببذل المزيد من الجهد لتحسين خدماتها وتطويرها إذا أرادت الاستمرار والمنافسة، خاصة أن هناك شكاوى متزايدة من ضعف مستوى تأهيل السائقين وعدم معرفتهم بكثير من المناطق .
وعن رؤيته لمطالبة البعض بضرورة فتح الدولة المجال أمام الراغبين في إنشاء شركات صغيرة للنقل العام والأجرة وقال: كلما ظهر في السوق منافس، صارت الخدمة المقدمة من الجميع أفضل، والفيصل هنا في جدوى هذا المقترح من عدمه هو حجم السوق ومدى قدرته على استيعاب كل هذه الشركات .
مواصلات : لسنا مقصرين.. ولا نخشى منافسة أوبر و كريم
قال خالد كافود، مدير إدارة العلاقات العامة والاتصال بشركة مواصلات كروة ، وهي الشركة الوطنية الوحيدة التي تتولى تقديم خدمات النقل العام والمدرسي والأجرة والليموزين، إن الانتقادات الموجهة لمستوى خدمات الشركة وخططها التطويرية غير دقيقة .
وأضاف لـ لوسيل ، أن خدمات النقل المدرسي التي تتولى الشركة تنظيمها وتشغيلها بالتعاون مع وزارة التعليم والتعليم العالي تشهد متابعة مستمرة لضمان تقديم الخدمة عبر باصات ذات مواصفات عالمية من ناحية الأمن والسلامة ومستويات الراحة والكماليات المجهزة بها.
وتتولى مواصلات تشغيل وإدارة 2300 باص تشمل الباصات اليومية والاحتياطية التي تعمل في حالات الطوارئ، وتنقل نحو 62 ألف طالب في 258 مدرسة وفقًا لـ كافود .
وأوضح أن الشركة حريصة على تحديث الأسطول الخاص بهذه الخدمة حيث تم استبدال 800 باص في العام الماضي، وإضافة 150 باص جديدا خلال العام الحالي، فضلا عن إجراءات الصيانة الدورية.
وعن الشكاوى من عدم وجود محطات وأماكن انتظار مجهزة لخدمة النقل الجماعي، قال: البنية التحتية في الدولة بأكملها تشهد مرحلة إحلال وتجديد ولا يمكن للشركة البدء في تنفيذ خطط تطوير لهذه المحطات أو تجهيزها إلا عقب اكتمال تنفيذ المشروعات الجارية، لذا أجّلنا عملية التطوير لأن مواقف الباصات تتعلق بجهات عدة وليس كروة فقط .
وبحسب كافود تشغل الشركة في خدمة النقل العام نحو 240 حافلة متنوعة الأحجام يوميًا تغطي نحو 50 مسارًا، وتنقل 12 مليون راكب سنويًا بمعدل 33 ألف راكب في اليوم الواحد.
وبين مدير إدارة العلاقات العامة والاتصال، أن خدمة التاكسي التي تقدمها الشركة بالتعاون مع 4 شركات امتياز عبر 4000 سيارة تخضع لعمليات تقييم ومتابعة مستمرة، فضلا عن التطوير والتحديث في مستوى الخدمات.
وكشف كافود عن اعتزام الشركة تنفيذ المرحلة الثانية من تطوير تطبيق تاكسي كروه التي لا تزال قيد الدراسة وتستهدف إدخال خدمة الدفع بواسطة بطاقات الائتمان خلال عام 2017.
وقال في معرض إجابته على سؤال بشأن تقييمه لواقع سوق خدمات الأجرة بالتزامن مع تقديم أوبر و كريم لخدماتهم داخل الدولة: طالما السوق قادر على استيعاب هذه الشركات فلا مشكلة، ونحن نثق في أسطولنا ومستوى الخدمة المقدم عبره لجمهور المواطنين والمقيمين، ولا نخشى من منافسة هذه الشركات لنا .
وردًا على انتقادات عدد من المواطنين والمقيمين لرعونة تصرفات وسلوكيات السائقين الذين يعملون على خطوط النقل العام والأجرة تلك قال: هذا الأمر مجرد تصرفات شخصية تعبر عن حالات فردية من الخطأ تعميمها على جميع سائقي الشركة الذين يتم تدريبهم وتأهيلهم على أعلى مستوى .
وأضاف: سائقونا مؤهلون بشكل كامل، والشركة لا تقبل أي مخالفة من أي سائق وسيارات الأجرة مزودة بأجهزة مراقبة، وهناك إجراءات وعقوبات رادعة للمخالفين .
مواطنون ومقيمون: محطات الانتظار بدائية .. والمشروعات تؤثر سلبًا على المنظومة
رغم إشادته بمستوى الخطط والخدمات التي تقدمها شركة مواصلات فيما يتعلق بالنقل العام والأجرة إلا أن المواطن نايف اليافعي، يرى أن هناك العديد من الملاحظات والسلبيات التي تحتاج الشركة إلى تفاديها لتحسين هذا المستوى.
وقال اليافعي، لـ لوسيل ، إن أولى تلك الملاحظات يتعلق بمناطق ومحطات انتظار الركاب الحالية، التي وصفها بأنها لا تزال بدائية جدا في العديد من المناطق.
وأضاف: الكثير من هذه المحطات ما زال عبارة عن لافتة معلقة على عامود يفتقر إلى التجهيز، وهذا لا يتلاءم مع الظروف الجوية خاصة في فصل الصيف، لذا لابد من إنشاء محطات انتظار حديثة تستوعب من 20 إلى 30 شخصا .
وتوقع اليافعي أن يسهم مشروعات الريل في خفض معدلات تلوث الهواء بالدولة، فضلا عن خدمة فئة كبيرة من المقيمين الذي سيلجأون إلى استخدام المترو وغيره من الوسائل هربًا من الزحام وارتفاع أسعار وسائل المواصلات الأخرى .
المقيم محمود عبد الحميد، قال إن غالبية الخدمات المقدمة من جانب شركة مواصلات -خاصة المتعلق منها بخدمة التاكسي- تعاني من القصور، نتيجة غياب المتابعة على سلوكيات السائقين الذين بدؤوا في اتباع ظاهرة جديدة تتعلق بانتقاء الركاب والوجهات.
وأضاف عبد الحميد، أن خدمة حافلات النقل الجماعي تحتاج إلى إعادة نظر من جانب الدولة، مطالبًا بضرورة زيادة أعداد تلك الحافلات واتخاذ الإجراءات اللازمة لضمان مستوى خدمة أفضل من الحالي، يشجع على استقطاب الركاب إليها خاصة من جمهور المقيمين وزوار الدولة في مختلف المناسبات.
وأوضح أن هناك أمرا آخر وصفه بـ الهام وقال إنه يؤثر على مستوى منظومة النقل في الدوحة وغيرها من المناطق: المشروعات التي يتم تنفيذها في الأحياء والشوارع والدوارات والإشارات تؤثر سلبا في الوقت الحالي على كفاءة تلك المنظومة ولابد من الإسراع بإنهائها .
أوبر و كريم : لا تعليق
حاولت لوسيل الحصول على تعليق من شركتي أوبر و كريم على الموضوع والتعرف على رؤيتهما للسوق القطري، والتحديات الراهنة والتطلعات المستقبلية لنشاطهما في الدوحة، لكنها لم تتلق ردًا حتى وقت نشر التحقيق.