في قلب الدوحة القديم، حيث كانت تنبض الحياة في منطقة مشيرب التاريخية، وُلدت رؤية استثنائية: أن يصبح التراث جسراً حياً يربط الأجيال، وأن تتحول البيوت التراثية إلى مساحات للحوار والتعلم والإلهام. لم تكن الفكرة مجرد ترميم مبانٍ قديمة، بل كانت إعادة إحياء لذاكرة مجتمع بأكمله ضمن أول مدينة مستدامة في العالم - مشيرب قلب الدوحة.
انطلقت الرحلة من إيمان عميق بأن فهم الماضي أساسي لتشكيل مستقبل مستنير. فعلى مدى ثلاث سنوات من البحث التاريخي والمعماري المكثف، سجلنا أكثر من 60 مقابلة مع سكان مشيرب السابقين، ووثقنا ذكرياتهم وقصصهم، وتعاونا مع جامعة لندن كوليدج قطر في أعمال التنقيب الأثري. كان الهدف واضحاً: بناء متاحف تروي قصص الناس، لا مجرد عرض القطع الأثرية.
في رحاب مشيرب القديم، وقفت أربعة بيوت تراثية تحمل في جدرانها فصولاً من تاريخ قطر. كل بيت يحكي قصة، وكل قصة تضيء جانباً من رحلة التحول التي شهدتها البلاد.
بيت بن جلمود - الأول من نوعه في منطقة الخليج الذي يناقش تاريخ الرق بصراحة وشفافية، فاتحاً نافذة على موضوع حساس بحكمة، ومسلطاً الضوء على جهود قطر في مكافحة الاستغلال البشري. اليوم، يستضيف معرض رحلة إلى قلب الحياة الذي يربط التاريخ الإنساني بعلوم الوراثة المعاصرة.
بيت الشركة - شاهد على التحول الاقتصادي الجذري، حيث تنبض جدرانه بذكريات رواد صناعة النفط الأوائل. هنا، تُحفظ الشهادات المباشرة لمن حوّلوا قطر من اقتصاد الغوص على اللؤلؤ إلى دولة حديثة.
بيت محمد بن جاسم - بناه ابن مؤسس قطر الحديثة، ليكون جسراً يربط الماضي بالحاضر والمستقبل. يحتضن مشروع صدى الذاكرة الفني الذي يعرض آلاف القطع الأثرية المكتشفة، ويشرح المبادئ المعمارية السبعة التي قامت عليها مشيرب قلب الدوحة الحديثة.
بيت الرضواني - المبني في عشرينيات القرن الماضي، يقدم تجربة واقعية للحياة الأسرية القطرية التقليدية. تحت أرضيته، كشفت الحفريات عن سبع طبقات من الاستيطان تعود إلى أوائل القرن التاسع عشر، مؤكدةً ديمومة الحياة في هذه المنطقة.
تم ترميم هذه البيوت بعناية فائقة، محافظين على 80% من عناصرها الأصلية رغم التحديات المناخية. استُخدمت مواد تقليدية كالحجر المرجاني والطوب الطيني، مع تقنيات حديثة للحماية والصيانة.
في يوم الثلاثاء 20 أكتوبر 2015، وتحت رعاية صاحبة السمو الشيخة موزا بنت ناصر، افتُتحت متاحف مشيرب رسمياً. كانت لحظة تاريخية لم تعلن فقط عن ميلاد متاحف جديدة، بل عن بداية فصل جديد في حفظ التراث القطري وتقديمه للعالم.
عبرت صاحبة السمو الشيخة موزا عبر حسابها بعد حفل الافتتاح: يدخل مشروع مشيرب قلب الدوحة فصلا جديدا من تاريخه الليلة، ليلهم من خلاله العقول الشابة للمستقبل بحكمة وجمال الماضي. بافتتاح هذه المتاحف، يبلغ مشروع مشيرب محطة تحقيق رؤيته بالحفاظ على هويتنا المعمارية الفريدة في قطر، في مكان اختير ليكون القلب النابض لعاصمتنا .
لم تكن البيوت الأربعة مجرد متاحف تقليدية، بل تم تصورها كمنصة ديناميكية اجتماعية وثقافية للزوار والشركاء المؤسسيين والمنظمات المحلية والعالمية.

منذ ذلك اليوم في أكتوبر 2015، تطورت متاحف مشيرب لتصبح أكثر بكثير من مساحات للحفاظ على التراث. أصبحت مركزاً حيوياً للحوار المجتمعي، ومنصة للنقاشات الهادفة التي تربط الماضي بالحاضر والمستقبل.
مركز للحوارات العالمية - استضافة منتدى جامعة جورجتاون بعنوان ثقافات الطاقة العالمية ومحادثات الدوحة حول المناخ، التي جمعت أكثر من 100 مشارك من صناع السياسات وخبراء المناخ لمناقشة الدبلوماسية المناخية، رسخت مكانة المتاحف كمنصة للقضايا العالمية الملحة
منبر للقضايا الإنسانية - معرض لأطفال غزة الخيري بمشاركة 52 فناناً محلياً ودولياً، أكد دور الفن والمتاحف في دعم القضايا الإنسانية وإحداث التغيير الاجتماعي.
جسر بين العلم والمجتمع - سلسلة مقهى العلوم بالتعاون مع سدرة للطب، تستقبل أكثر من 120 مشاركاً في كل جلسة لنقاش موضوعات الصحة والعافية، رابطةً التراث بالعلوم المعاصرة.
حاضنة للإبداع والابتكار - البرامج الصيفية بالشراكة مع جامعة فرجينيا كومنولث وحي الدوحة للتصميم، تمكّن الشباب من التفاعل مع التراث المعماري مع تطوير مهارات إبداعية معاصرة.
شريك في البحث الأكاديمي - التعاون مع جامعة حمد بن خليفة في مشروع المواطنة الرقمية، والشراكات مع UNESCO وICOM ومراكز بحثية عالمية.
منصة للتبادل الثقافي الدولي - استضافة معارض عالمية كمعرض مارمو الإيطالي، الذي يجمع بين تراث الرخام الإيطالي والفن القطري المعاصر.
على مدى عشر سنوات، حصدت متاحف مشيرب اعترافاً دولياً واسعاً:
جائزة أفضل برنامج للممارسات التعليمية من CECA عام 2018
ترشيح لجائزة الآغا خان للعمارة عام 2019
معلم جذب محلي أيقوني في جوائز قطر للسياحة 2024
جائزة الأخضر التفاح للمباني الجميلة 2024
ووصلت برامجها التعليمية إلى أكثر من 10,000 طالب قطري سنوياً، مع جولات صوتية بسبع لغات عالمية، وأكثر من 60 شهادة محفوظة رقمياً من سكان مشيرب السابقين.
اليوم، بعد عشر سنوات من الافتتاح، تقف متاحف مشيرب شامخة كنموذج فريد يجمع بين الحفاظ على التراث والانفتاح على العالم. لم تعد مجرد متاحف تحفظ الذاكرة، بل أصبحت مساحات حية للتغيير الإيجابي، حيث يلتقي التراث بالابتكار، والماضي بالحاضر، والمحلي بالعالمي.
في كل زاوية من زواياها، تتردد أصداء الماضي ممتزجة بحوارات الحاضر. في بيت بن جلمود، تُناقش قضايا حقوق الإنسان. في بيت الشركة، تُروى قصص التحول الاقتصادي. في بيت محمد بن جاسم، يُستشرف المستقبل العمراني. وفي بيت الرضواني، تحيا الذكريات.