حرب الأعصاب.. مرحلة جديدة من الصراع الأمريكي الروسي

لوسيل

الدوحة - قنا

تشهد سوريا الآن مرحلة جديدة من حرب الأعصاب بين الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا، وهو ما ظهر واضحا أمس، بعد فشل مجلس الأمن الدولي في تبني مشروعي قرارين روسيين حول التحقيق فيما يشتبه باستخدام الأسلحة الكيميائية بسوريا، فيما استخدمت روسيا حق الفيتو ضد مشروع قرار أمريكي بشأن القضية ذاتها.
لقد أصبحت سوريا الآن حقل تجارب لهذا الصراع الدائر بين الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا، فمنذ بداية الأزمة السورية عام 2011، أخذت تزداد يوما بعد آخر ساحة الصراعات، وكعادة الولايات المتحدة لم تدخل في الأزمة بكل قوتها العسكرية والعددية والتقنية بل عمدت إلى التحرك من خلال حلفائها، أما روسيا ومنذ بداية الأزمة فدعمت بقاء النظام السوري.
مع الإعلان عن مقتل حوالي 70 شخصا على الأقل إثر ما يشتبه في أنه هجوم كيماوي على مدينة دوما السورية، جاءت الشرارة التي أعادت هذا الصراع للصورة مرة أخرى، وهو ما دفع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب للتأكيد أنه سيتخذ قراراً بشأن عمل عسكري في سوريا، ردا على الهجوم البشع على الأبرياء السوريين بأسلحة كيميائية محظورة .. وهدد المسؤول عن الهجوم بأنه سيدفع ثمنا باهظا وأن واشنطن تدرس الوضع بدقة بالغة .
وخلال جلسة مجلس الأمن الدولي أمس، استخدمت روسيا حق النقض الفيتو ، ضد مشروع القرار الأمريكي بشأن استخدام الأسلحة الكيميائية في سوريا، فيما لم يتم تمرير مشروع القرار الروسي بسبب تصويت بعض الأعضاء ضده، كما صوت المجلس ضد مشروع قرار ثالث تقدّمت به روسيا لدعم إجراء منظمة حظر انتشار الأسلحة الكيميائية تحقيقاً بشأن الهجوم الكيميائي المفترض الذي استهدف مدينة دوما في غوطة دمشق.
يوم حزين
وفي هذا الإطار اعتبرت نيكي هيلي المندوبة الأمريكية ما حدث في مجلس الأمن، يوما حزينا لاستخدام روسيا الفيتو ، مشيرة إلى أن روسيا اختارت أن تحمي شخصية بشعة في سوريا، وأضافت: روسيا تعرقل أي تحرك في مجلس الأمن بشأن سوريا، فيما أعلن المندوب الروسي فاسيلس نيبينزيا بأن موسكو لا تدعم مشروع القرار الأمريكي، مؤكدا أن الأمريكيين يعلمون رفضنا لمشروع قرارهم ويصرون على تقديمه، وقال: نحن نستخدم الفيتو لحماية السلم والأمن الدوليين، محذراً من أن الدخول في مغامرة عسكرية سيكون له تبعات خطيرة.
ويعتبر الفيتو الروسي هو العاشر الذي اتخذته موسكو، لصالح النظام السوري، ففي 4 أكتوبر 2011، رفضت سوريا فرض عقوبات على نظام الأسد لاستخدامه العنف ضد الشعب السوري، وفي 4 فبراير 2012 رفضت روسيا تحميل بشار الأسد مسؤولية قتل السوريين.
إجهاض القرار
وفي 19 يوليو 2012، تدخلت روسيا لإجهاض قرار أممي يدين نظام الأسد، وكان المشروع يهدف لوضع خطة انتقال سلمي للسلطة تحت الفصل السابع، وفي 22 مايو 2014، استخدمت موسكو الفيتو مجددا لمنع صدور قرار أممي يحيل ملف نظام الأسد إلى الجنائية الدولية، وفي 8 أكتوبر 2016 أجهضت روسيا مشروع قرار فرنسي إسباني بشأن وقف إطلاق النار في حلب.
وفي 5 ديسمبر 2016 استخدمت روسيا والصين الفيتو ضد مشروع قرار لمجلس الأمن، يطالب بهدنة سبعة أيام في حلب وإنهاء القتال بأنحاء سوريا، وذلك بعد أن طلبت روسيا عقد جلسة مغلقة لتأجيل التصويت، وفي 28 فبراير 2017 استخدمت روسيا والصين حق النقض ضد مشروع قرار لمجلس الأمن بفرض عقوبات على النظام السوري لاستخدام السلاح الكيميائي، وهو مشروع رأى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أنه غير ملائم .
وبعد ليلة حافلة بالاثارة بين مندوبي روسيا والولايات المتحدة الامريكية في مجلس الامن الدولي تبادلا خلالها الاتهامات وحق النقض (الفيتو) بشأن سوريا، فقد أعربت روسيا اليوم، عن أملها في أن يتجنب الجميع الأعمال التي تزعزع استقرار الوضع في سوريا، داعية إلى إجراء تحقيق موضوعي حول ما اذا كانت دمشق استخدمت سلاحاً كيماويا في دوما يوم السبت الماضي أوقع عشرات القتلى والمصابين.
موقف روسيا
جاء الموقف الروسي بعد ساعات من كشف مصادر في وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاجون) أن جيمس ماتيس وزير الدفاع قرر إلغاء خطط السفر في عطلة نهاية الأسبوع الجاري، كما أعلن البيت الأبيض أن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب قرر إلغاء أول جولة لاتينية له كانت مقررة من قبل، الأمر الذي يعجل باحتمال استعداد الإدارة الأمريكية لعمل في سوريا خلال الأيام القليلة المقبلة.
في الوقت ذاته نشرت المنظمة الأوروبية للسلامة الجوية تحذيرا لشركات الطيران تطالبهم فيه بتوخي الحذر في منطقة شرق البحر الأبيض المتوسط بسبب احتمال شن ضربات جوية على سوريا خلال 72 ساعة المقبلة.
وعبرت المنظمة الأوروبية عن قلقها من احتمال استخدام صواريخ جو - أرض أو صواريخ كروز خلال الفترة المقبلة في إطار الرد المنتظر من الولايات المتحدة الأمريكية والدول الغربية على قصف مدينة دوما السورية من طرف نظام الأسد والاشتباه باستخدام الأسلحة الكيميائية.
تشويش الأجهزة
وقالت المنظمة الأوروبية إن استخدام الصواريخ سيعرض أجهزة الملاحة اللاسلكية للتشويش على فترات متقطعة.
وقالت قناة فوكس نيوز الإخبارية الأمريكية إن الرئيس ترامب يدرس مع شركائه الغربيين سبل القيام بعمل عسكري في سوريا، رداً على هجوم مفترض بالكيماوي شنته قوات النظام السوري على مدينة دوما بالغوطة الشرقية يوم السبت الماضي أوقع عشرات القتلى والمصابين.
وتحدثت صحيفة الجارديان البريطانية عن دور محتمل لسلاح الجور البريطاني في حال قرر الرئيس الأمريكي القيام بعمل عسكري ضد أهداف سورية، وقالت الصحيفة إن الطيارين البريطانيين لديهم خبرة كافية بالتعامل في المنطقة نظراً لاشتراكهم في عمليات مماثلة فوق العراق وأجزاء من سوريا ضمن التحالف الدولي للحرب ضد داعش .
وأشارت الجارديان إلى أن الولايات المتحدة قد ترغب في خدمات طائرات تورنيدو البريطانية المعروفة بقدرتها على التعامل مع المضادات الأرضية.
الشركاء الثلاثة
ولفتت إلى أن الاتصال الهاتفي الذي جرى الليلة الماضية بين الرئيس ترامب وتيريزا ماي رئيسة الوزراء البريطانية يؤكد أن الثلاثي الولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا وبريطانيا هم شركاء في أي خطوة مقابلة ضد سوريا.
بدورها أعلنت منظمة حظر الأسلحة الكيميائية في وقت متأخر من ليل أمس أنها سترسل قريبا لجنة لتقصي الحقائق بشأن الهجوم على دوما السورية.
وذكرت المنظمة في بيان صحفي أنها تجمع معلومات من جميع المصادر المتاحة وتحللها منذ التقارير الأولى بوقوع الهجوم.
وقال أحمد أوزومجو المدير العام لمنظمة حظر الأسلحة الكيميائية إن الأمانة الفنية للمنظمة طلبت من سوريا عمل الترتيبات اللازمة لنشر لجنة تقصي التي ستنتشر في سوريا.
ريف دمشق
وفي 21 أغسطس 2013 اتهمت الولايات المتحدة الأمريكية النظام السوري بقصف ريف دمشق بصواريخ أرض - أرض محملة بغاز السارين أصابت مئات الأشخاص بأعراض التسمم.
بعدها بنحو شهرين وقعت سوريا في أكتوبر من العام نفسه على اتفاقية حظر استخدام الأسلحة الكيميائية التي تمنعها من إنتاج وتخزين هذا النوع من الغازات الخطرة، وفي يونيو 2014 أعلنت منظمة حظر استخدام الأسلحة الكيميائية القضاء على مخزون سوريا من هذا النوع من السلاح.
في عام 2015 وافق مجلس الأمن الدولي على السماح لمفتشي الوكالة بالتحقيق في تقارير حول استخدام النظام أسلحة كيماوية وضرب مناطق المعارضة بغاز الكلور .