صلح في 47% من 2975 قضية أحالتها المحاكم للاستشارات العائلية
حوارات
12 فبراير 2013 , 12:00ص
الدوحة - محمد عيادي
كشف الدكتور حسن بن سالم البريكي رئيس قسم الإصلاح الأسري بمركز الاستشارات العائلية، أن هذا الأخير استطاع تحقيق الصلح بنسبة %47 من القضايا الأسرية التي أحيلت عليه من المحكمة العام الماضي.
وأكد في حوار مع «العرب» أن منهج عمل المركز متميز عن نظرائه في العالم العربي وغير العربي، لأنه لا يشتغل فقط على البرامج العلاجية، بل يعتمد استراتيجية متكاملة تجمع بين العلاجي والوقائي والإنمائي، مشيراً إلى أن المركز يقوم أساسا بدور الوسيط وتهدئة الوضع ثم معرفة أسباب الاحتقان ثم العمل على معالجتها.
ودعا البريكي لضرورة التأهيل قبل الزواج وضرورة نشر الثقافة الأسرية والحاجة لجعل دورات التأهيل إلزامية قبل الزواج، كما هو بالنسبة للفحص الطبي، محذرا من تأثير الهواتف الذكية ووسائل التواصل الاجتماعي على الاستقرار الأسري، مشددا في الوقت نفسه على أن الاستقرار الأسري يعني الاستقرار المجتمعي، والعكس صحيح، وفيما يلي نص الحوار:
• ما القاسم المشترك في الإشكالات الأسرية التي تعرض عليكم في قسم الإصلاح الأسري؟
- تكاد تكون عوامل الاحتقان الأسري وعوامل تأثر العلاقات الزوجية تتشابه عند جميع الأسر، ولعل إشكالات الإنفاق وحسن العشرة من الطرفين، وجهاز البلاك بيري وأخواته، والموضة الجديدة التي يسمونها بوسائل التواصل الاجتماعي، التي باتت للأسف في كثير من الأحيان وسيلة تقاطع اجتماعي وأسري، وعدم الاستغلال الإيجابي لهذه الوسائل -عوامل احتقان مشتركة بين عدد من الأسر، بالإضافة إلى تدخل الأهل في شؤون الزوجين، والسفرات والإنفاق المبالغ فيه وتقليد الآخرين، وتبقى لكل أسرة خصوصية.
• الحالات التي تستقبلونها تأتي عن طريق المحكمة أم بشكل شخصي تزوركم لطلب المشورة؟
- عموما مركز الاستشارات العائلية يستقبل نوعين من الحالات التي نسميها حالات مباشرة عدا الاستشارة التي تقدم عن بعد سواء عبر الهاتف أو الموقع الإلكتروني.
النوع الأول نسميها الحالات النوعية أو الودية التي تأتي طواعية من دون توجيه من أي جهة، إما يأتي الزوجان معا ليس لهما إشكاليات فقط لكسب مهارات زواجية، وقد يأتي طرف دون الآخر عنده احتقان يحتاج لشيء من المعالجة.
والنوع الثاني حالات خاصة بالقسم الإصلاح الأسري تأتينا من المحاكم عموما أو الجهات ذات الطابع القانوني أو القضائي، لكن أغلبها من المحاكم بحكم الاتفاقية التي تربط المركز مع المجلس الأعلى للقضاء منذ 2012 بتحويل جميع قضايا الأسرة على المركز قبل النظر فيها من قبل المحكمة، وبالتالي فما من قضية تتعلق بالأسرة إلا تحول ابتداء على الاستشارات العائلية لبذل المساعي الودية.
• يعني حرص المحكمة على الصلح وترك التقاضي آخر حل؟
- بالضبط، كما يأتي في صحيفة الدعوة المحالة من المحكمة، فالهدف السعي لعلاج المشكلة وديا وتسوية الخلاف بعيدا عن ساحات المحاكم، لأن القضية إذا وصلت للمحكمة أو إلى أقسام الشرطة تصبح مشكلة معقدة، وتكثر فيها الاحتقانات، وترتفع الوتيرة العدائية بين أطراف الإشكالية، والمركز يقوم أساسا بدور الوسيط وتهدئة الوضع، ثم معرفة أسباب الاحتقان، ثم العمل على معالجتها، وإذا حلت المشكلة وعولجت القضية وديا فبها ونعمت، وإذا لم يحصل ذلك، يتم رفع تقرير للمحكمة لمواصلة إجراءات التقاضي، ولكن بفضل الله والحمد لله نسبة الصلح في هذه القضايا كبيرة جدا.
• شارك مركز الاستشارات العائلية مؤخرا في ندوة بالسعودية وقدم إحصاءات هل يمكن أن تطلعنا عليها؟
- نعم شاركنا في ملتقى الأسرة الذي نظمته جمعية «أسرتي» في المدينة المنورة بالمملكة العربية السعودية، وعرضت تجربة المركز، وهو ملتقى تخصصي ومهني وعلمي حضرته مؤسسات وجهات مهتمة بالشأن الأسري من العالم العربي وغير العالم العربي من قبيل ماليزيا وغيرها.
وقدمت كممثل للمركز ورقة والشهادة لله وليس مدحا للمركز وتحيزا له، فقد أعجب الجميع بالتجربة، لأنها تجربة قائمة على دراسة، ولأن المركز فريد من نوعه وأنموذج يتميز عن المؤسسات الشبيهة في العالم بالتنوع والتكامل، صحيح توجد مراكز ومكاتب للاستشارات العائلية أو للرعاية أو الإصلاح الأسري، لكن ليست بالشمولية والتكامل الذي يشتغل به المركز لأننا نشتغل على برامج الإرشاد الثلاثة، وهي البرنامج الإنمائي أو التنموي والبرنامج الوقائي والبرنامج العلاجي، ويقل لدرجة الانعدام أن تجد مركزا أو مؤسسة مهتمة بالأسرة تتبع البرامج الثلاثة المذكورة، كما نفعل، وأغلب المؤسسات والمراكز تشتغل على المنهج العلاجي فيما نشتغل على أساس التكامل.
كما يتميز المركز بكونه مدعوما من القيادة الرشيدة، ومتبنى من طرف الحكومة والدولة، وهذا قليل في غير قطر إن لم يكن نادرا.
والتميز الثالث أن المراكز المشابهة في العالم لها صيغة ودية تطوعية، لكن المركز له طابع مؤسساتي بحكم الاتفاقية المشار إليها سلفا بين المركز والمجلس الأعلى للقضاء، بالإضافة إلى أنه لا يشتغل فقط على طرفي القضية الرئيسيين الزوج والزوجة، بل على أبناء الأسر وأبناء المنفصلين من خلال قسم الرعاية الوالدية، وهذا لا يوجد في مراكز أخرى، حيث رؤية الأبناء تتم في المحاكم أو الشرطة، لأن المركز أراد إبعاد الطفل عن هذا تفاديا لإصابتهم بأي احتقان نفسي واجتماعي، مما قد يؤثر فيما بعد على سلوكياتهم وأخلاقهم ومستواهم العلمي، وفي هذا القسم تتم الرؤية لغير الحاضن، طبعا إما في المركز أو باصطحاب أو بمبيت، وهذا أمر جعل المركز مميزا تزوره وفود عربية وأجنبية.
• وماذا عن الإحصاءات؟
- لتقييم مردود البرامج التي يشتغل عليها مركز الاستشارات العائلية أعد دراسة عن الجدوى والمخرجات، فوجدنا أن نسبة الصلح في القضايا المحالة من المحكمة خلال سنة 2012 وصلت لـ%47، وهذا إنجاز مهم في مجتمع محافظ، أما القضايا الودية التي ترتفع فيها نسبة الصلح بشكل كبير فتجاوزت نسبة الصلح %80.
ودائما يفتخر المشتغلون والمتخصصون في الإصلاح الأسري بالنجاح في القضايا المحولة من المحاكم، وليس في القضايا الودية لأنها سهلة المعالجة في الغالب الأعم، لأنها تكون بسبب مشكلة أو احتقان مؤقت يسهل حله.
• كم أحيل عليكم مثلا سنة 2012 من الملفات من المحكمة؟
- أحيلت علينا 2975 قضية، وكما قلت لك كانت نسبة الإصلاح أو الصلح فيما تمت ما يقرب من النصف، وهذا أمر في غاية الأهمية.
• هل أثرت تكنولوجيا الاتصال المعاصرة على تماسك الأسرة؟
- من دون شك أن الحياة المعاصرة بمتغيراتها والأزمات الاقتصادية والاجتماعية التي مست كل المجتمعات، وتشابك العلاقات أثرت بشكل سلبي على الأسرة باعتباره الكيان الرئيسي للمجتمع ونواته، ولا شك أن وسائل التواصل الحديثة والمتطورة مثل البلاك بيري والآي فون وما يعرف بالهواتف الذكية ثم وسائل التواصل الاجتماعي مثل الفيس بوك والتويتر خلقت مشاكل كثيرة جدا ما كنا نسمع عنها في الإرشاد الأسري من قبل، لكنها اليوم تكاد تكون على رأس أسباب المشاكل في الاختلافات والاحتقانات.
• تقومون بدورات لتأهيل المقبلين على الزواج، كيف بدأت الفكرة وكيف يكون التفاعل معها؟
- انتهينا مؤخرا من الموسم الـ17 من الدورات في تأهيل المقبلين على الزواج، لأن المركز لا يشتغل، كما سلفت الإشارة على البرنامج العلاجي فقط، بل على البرنامج الإنمائي، وهذا يندرج ضمن البرامج التنموية والوقائية كذلك، وبالتالي الحرص على تكامل البرامج في عمل المركز لأجل تحقيق الاستقرار الأسري.
كما أن الفكرة جاءت بعدما لاحظنا أن الاحتقانات الأسرية خاصة في السنوات الأولى للزواج ترجع لعدم وجود وعي أسري وعدم معرفة الطرف الآخر وفهم نفسيته، وما إلى ذلك، والحقوق والواجبات الشرعية أو القانونية والاجتماعية، وقد انطلقت هذه الدورات سنة 2004.
• هل معنى هذا أنكم تنظمون دورتين إلى ثلاث دورات في السنة تقريباً؟
- نعم، ودربنا ما يقارب 2000 شاب وشابة، ورغم أن هذا الرقم مهم بفضل الله، إلا أنه ما يزال دون طموح المركز، ونأمل أن يكون الإقبال أكبر بكثير، خاصة أن دورات التأهيل تطوعية واختيارية وليست إلزامية، ويظهر أن كثيرا من الناس لا يستشعرون أهمية هذه الدورات، مع أن المركز يوليها اهتماما كبيرا.
• ربما الناس في العالم العربي عموما تعتقد أن الزواج وتأسيس أسرة أمر بسيط ولا يحتاج لدورة تكوين أو تأهيل؟
- صحيح، خاصة بالنسبة للرجل يعتقد نفسه عالم بالأمر، ولا يحتاج لمن يعلمه، ولذلك نجد النساء أكثر حضورا من الرجال، ونحن نطمح أن تكون هذه الدورات في يوم من الأيام إلزامية مثل الفحص الطبي قبل الزواج للمقبلين على الزواج، وعلى الناس أن تعرف أن الثقافة الأسرية هي أول مفتاح للسعادة الأسرية والزوجية.
وللأسف ما زال يغشى مؤسسة الأسرة أي كان من دون تأهيل من دون كفاءة، والذي يصلح ولا يصل، مع أن الكفاءة مطلوبة في بناء مؤسسة الأسرة، بحيث تشكل إضافة نوعية للمجتمع وعاملا من عوامل قوته واستقراره، نجد أن المتقدم للوظيفة في مؤسسة من المؤسسة تطلب منه شهادات ومهارات وخبرات، وكذلك الأمر بالنسبة لمؤسسة الأسرة، ولا بد من معرفة كل متقدم للزواج هل هو أهل للمسؤولية ولبناء أسرة، وله الإمكانات والمؤهلات (الدين والأخلاق والوعي الأسري..) لبنائها بالشكل السليم، ويجب عدم الاكتفاء بسؤال المتقدم للزواج فقط عن جيبه وأسرته ووظيفته، لأن وظيفة الأسرة وظيفة عظيمة ورابطة الزواج من أعظم الروابط وأقدسها، لأن الله تعالى وصف عقد الزواج بالميثاق الغليظ «وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا» وهو ما يحتاج كما سلف لدين وخلق ومستوى من الوعي الأسري يمكنه من فتح بيت والحفاظ عليه.
• هل قدمتم كمركز أو تفكرون في تقديم مقترح مثلا بإدماج الثقافة الأسرية والعائلية ضمن البرامج التعليمية في المستوى الثانوي والجامعي؟
- المركز يقدم دورات في المجتمع في المدارس ومحاضرات في القاعات والصالونات الثقافية، وله دور فعال في هذا، لكن لا علم لي بخصوص تقديم مقترح في هذا الشأن، وأتصور أنه من الأمور المهمة التي ينبغي الانتباه لها.
وقد قدمت في ملتقى الأسرة السعودية الذي تحدثنا فيه من قبل هذه التوصية بإدخال الثقافة الأسرية في البرامج والمنظومة التعليمية وإيجاد تخصصات أسرية في الكليات، لأن الإرشاد أو الإصلاح الأسري بات علما وفنا من فنون التنمية البشرية، خاصة بعد أن أصبح للإرشاد الأسري حضور وصيت، وظهرت مراكز في العالم تعنى بهذا الموضوع، لأن المفكرين والعقلاء والناصحين استشعروا الخطر الذي يحدق بالأسرة.
صحيح أن الرعاية الأسرية قد تختلف من بيئة لبيئة من حيث النضج أو عدمه من حيث القوة أو الضعف، لكن الحقيقة لما نحضر مؤتمرات وندوات نجد أعمال مهمة، ولا يمكن الاستهانة بها في الشأن الأسري، لأن الاستقرار الأسري يعني الاستقرار المجتمعي.