بكين سترد مع استمرار التفاوض بين الطرفين

أمريكا تصعد الحرب التجارية مع الصين

لوسيل

عواصم - رويترز

صعدت الولايات المتحدة حرب الرسوم الجمركية مع أمس الجمعة عبر زيادة الرسوم على سلع صينية بقيمة 200 مليار دولار في ظل محادثات تمثل محاولة أخيرة لإنقاذ اتفاق تجاري.
لكن حتى في الوقت الذي تهدد فيه بكين بالرد، اتفق مفاوضون في واشنطن على الاستمرار في التفاوض لليوم الثاني، مما يُبقي على آمال التوصل إلى اتفاق في نهاية المطاف سيزيل تهديدا كبيرا للاقتصاد العالمي.
وأصدر الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أوامر زيادة الرسوم الجمركية، قائلا إن بكين خرقت الاتفاق عبر التنصل من تعهدات سابقة قدمتها خلال أشهر من المفاوضات. ويتبني ترامب سياسات حماية تجارية في إطار شعار أمريكا أولا.
وقالت وزارة التجارة الصينية إنها ستتخذ إجراءات مضادة دون أن تذكر تفاصيل.
وتحدث نائب رئيس الوزراء الصيني ليو خه والممثل التجاري الأمريكي روبرت لايتهايزر ووزير الخزانة الأمريكي ستيفن منوتشين لمدة 90 دقيقة أمس الأول ومن المتوقع أن يستأنفوا مساعي الجمعة لإنقاذ اتفاق قد يُنهي حربا تجارية مستمرة منذ عشرة أشهر بين أكبر اقتصادين في العالم.
وقالت وزارة التجارة إن المحادثات مستمرة، وإنها تأمل في أن يكون بمقدور الولايات المتحدة لقاء مع الصين في منتصف الطريق، وبذل جهود مشتركة، وحل القضية عبر التعاون والتشاور .
وفي ضوء تقدم المفاوضات، فرضت هيئة الجمارك وحماية الحدود الأمريكية الرسوم الجمركية الجديدة بنسبة 25 % على أكثر من 5700 فئة منتجات تغادر الصين بعد الساعة 12:01 بتوقيت الولايات المتحدة أمس.
ولن تخضع الشحنات القادمة بحرا من الصين قبل منتصف الليل للضريبة الجديدة طالما وصلت إلى الولايات المتحدة قبل أول يونيو. وستدفع تلك الشحنات الرسوم الأصلية البالغة 10 %.
ولم يتم تطبيق فترة سماح في الجولات الثلاث السابقة من الرسوم الجمركية التي فُرضت العام الماضي على سلع صينية، والتي حظت بفترات إخطار أطول بلغت ما لا يقل عن 3 أسابيع قبل دخول الرسوم حيز النفاذ.
وكتب بنك جولدمان ساكس الاستثماري في مذكرة هذا التأجيل قد يخلق فرصة غير رسمية سيمكن خلالها للولايات المتحدة والصين مواصلة التفاوض مضيفا أن هذه إشارة إيجابية نوعا ما على استمرار المحادثات.
ومنح ترامب المستوردين الأمريكيين إخطارا تقل مدته عن خمسة أيام بشأن قراره زيادة الرسوم على سلع بقيمة 200 مليار دولار إلى 25 %، والتي تماثل حاليا النسبة المفروضة في وقت سابق على آلات ومنتجات تكنولوجية صينية بقيمة 50 مليار دولار.

كما هدد بفرض رسوم جديدة قريبا.

هبوط الأسهم

وانخفضت الأسهم الأمريكية وقلصت الأسهم الآسيوية مكاسبها بعد أن مضت واشنطن قدما في رفع الرسوم، مما يشير إلى مخاوف من أن حربا تجارية واسعة وتمتد لفترة أطول ستلحق ضررا أكبر بالاقتصاد العالمي.
وقال وزير المالية الفرنسي برونو لو مير أمس إنه لا يوجد تهديد أكبر للنمو العالمي من تصاعد النزاع التجاري بين الولايات المتحدة والصين.
وقالت أوكسفورد ايكونوميكس للاستشارات إن الرسوم الإضافية قد تقلص الناتج المحلي الإجمالي الأمريكي بنسبة 0.3 % والناتج الصيني بنسبة 0.8 % في 2020.
وقال جيمس جرين المستشار لدى ماكلارتي اسوسيتس والذي كان حتى أغسطس أكبر مسؤول بمكتب الممثل التجاري الأمريكي في السفارة في بكين اعتقد أن الصينيين في النهاية سيرغبون في استمرار المفاوضات. السؤال: أين سيتوجهون بالرد؟ .
ويعتقد جرين أن الصين ستعزز الحواجز غير المتعلقة بالرسوم على الشركات الأمريكية، مثل تأجيل موافقات الجهات التنظيمية، إذ ليس بمقدورها فرض رسوم جمركية أعلى على واردات سلع أمريكية بنفس القيمة.
والقطاع الأكبر تأثرا من الواردات الصينية بأحدث زيادة للرسوم هو فئة تبلغ قيمتها ما يزيد عن 20 مليار دولار، وتضم أجهزة مودم الإنترنت وأجهزة التوجيه (رواتر) وأجهزة أخرى لنقل البيانات، تليها لوحات الدوائر المطبوعة البالغة قيمتها نحو 12 مليار دولار والمستخدمة على نطاق واسع في منتجات مُصنعة في الولايات المتحدة.
كما تتصدر قائمة المنتجات الخاضعة لزيادة الرسوم الجمركية الأثاث ومنتجات الإضاءة ومكونات السيارات والمكانس الكهربائية ومواد البناء.
وبعد ساعات من تحرك الولايات المتحدة، الذي سيفرض مزيدا من الضغوط على الاقتصاد الصيني المتباطئ بالفعل، قال البنك المركزي الصيني إن بمقدوره بالكامل التكيف مع أي ضبابية خارجية.
وقال صن قوه فنغ رئيس إدارة السياسة النقدية في بنك الشعب الصيني للصحفيين في بكين في مواجهة التغييرات الاقتصادية الداخلية والخارجية، تملك السياسة النقدية لبلدنا مجالا واسعا (للرد) وأدواتنا فيما يخص سياسة النقد غنية .
ويوم الاثنين، بعد ساعات من إعلان ترامب اعتزامه زيادة الرسوم، خفض بنك الشعب الصيني قيمة الاحتياطيات التي يتعين على بعض البنوك الصغيرة والمتوسطة الحجم الاحتفاظ بها، مما يتيح أموالا أكبر لإقراض الشركات التي تعاني من أزمة سيولة.

تأثير مباشر على النفط

ارتفعت أسعار النفط أمس الجمعة حتى في الوقت الذي تسبب فيه بدء تنفيذ زيادة أمر بها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب للرسوم الجمركية على سلع صينية بقيمة 200 مليار دولار في إبقاء التوترات مرتفعة في النزاع التجاري بين أكبر اقتصادين في العالم.
وارتفعت العقود الآجلة لخام القياس العالمي مزيج برنت 67 سنتا إلى 71.06 دولار للبرميل، بعد أن لامست المستوى المرتفع البالغ 71.23 دولار للبرميل. وصعدت العقود الآجلة لخام غرب تكساس الوسيط الأمريكي 35 سنتا إلى 62.05 دولار للبرميل بعد أن بلغت 62.49 دولار للبرميل في وقت سابق.
ويتجه خام برنت وخام غرب تكساس الوسيط لتحقيق مكاسب محدودة على أساس أسبوعي.
وتتلقى الأسعار الدعم بفضل شح الإمدادات في ظل استمرار تخفيضات الإنتاج التي تنفذها منظمة البلدان المصدرة للبترول (أوبك) والعقوبات الأمريكية على إيران وفنزويلا.

أبرز القضايا العالقة بين واشنطن وبكين
الملكية الفكرية والتكنولوجيا
ترى واشنطن أن بكين شجعت على سرقة الملكية الفكرية الأميركية بينما تجبر الشركات الأميركية على كشف أسرارها التجارية مقابل الوصول إلى السوق.
ولطالما نفت بكين الاتهامات لكنها تعمل على تشديد العقوبات بشأن سرقة الملكية الفكرية وتسريع العمل على قانون جديد متعلق بالاستثمارات الأجنبية يمنع صراحة النقل الإجباري للتكنولوجيا.
وفي هذه الأثناء، تزيد بكين تدريجا الصناعات التي يمكن للشركات الأجنبية العمل فيها بدون عقد شراكة مع الجانب الصيني. ولا يزال من غير الواضح ما إذا كانت هذه الخطوات ستكفي لإرضاء إدارة ترامب. وأفاد مكتب التحقيقات الفدرالي (إف بي آي) مؤخرا أنه يحقق في مسألة التجسس الاقتصادي الصيني في أنحاء الولايات المتحدة بينما تقود وزارة العدل الأميركية حملة لتحديد عمليات التجسس والسرقة الصينية والتشهير بها واتخاذ اجراءات قانونية ضدها.
واتهم مدعون أميركيون مؤخرا مجموعة هواوي الصينية العملاقة بسرقة أسرار المهنة بما في ذلك اتهامها بوضع برنامج مفترض لمكافأة سرقة التكنولوجيا من الخصوم.

السياسة الصناعية

أثارت سياسة الصين الصناعية القلق، وخصوصا مبادرة صنع في الصين 2025 الهادفة لمنح العملاق الآسيوي دورا رياديا على الصعيد العالمي في مجال التكنولوجيا الجديدة على غرار الذكاء الاصطناعي من خلال الدعم السخي الذي تقدمه الحكومة للشركات المحلية.
وقللت بكين ووسائل الإعلام الصينية من أهمية هذه السياسة خلال العام المنصرم في وقت أثارت جدلا. لكن بالنسبة للصين، عززت التوترات التجارية الحاجة لتعزيز الاكتفاء الذاتي في مجالات التكنولوجيا المهمة.
وكاد الحظر الأميركي الذي استمر لمدة قصيرة على بيع أشباه الموصلات لمجموعة زي تي إي العملاقة للاتصالات أن يشكل ضربة قاضية بالنسبة للشركة العام الماضي.

الدعم الحكومي

عززت الشركات الحكومية الصينية في السنوات الأخيرة هيمنتها محليا في وجه المطالب الغربية بإدخال إصلاحات على السوق.
وتأمل واشنطن بأن تخفف الصين من الدور الذي تمارسه الدولة في الاقتصاد وتقلّص المعونات السخيّة التي تقدمها للصناعات والشركات.
لكن الخبير الاقتصادي كوي فان من جامعة الأعمال التجارية الدولية والاقتصاد في بكين حذر من أن الصين قد لا تتراجع في حال أرادت الولايات المتحدة مناقشة المعونات الحكومية خارج نطاق اتفاق منظمة التجارة العالمية.
وقال أخشى أن حل المسألة بشكل تام هذا الشهر سيكون أمرا صعبا .

العجز التجاري

بلغ الفائض التجاري الصيني مع الولايات المتحدة -- المسألة التي تحمل حساسية سياسية -- مبلغا قياسيا قدره 323,3 مليار دولار العام الماضي في وقت أبعدت الرسوم المتبادلة الزبائن الصينيين عن السلع الزراعية الأميركية وتلك المرتبطة بمجال الطاقة.
وتعهدت بكين استئناف عمليات شراء الصويا الأميركي وغيره من السلع وقدمت عروض شراء ضخمة خلال المفاوضات لإقناع البيت الأبيض بإبرام اتفاق.
وأكد البيت الأبيض الجمعة وجود محادثات تتعلق بعمليات شراء لخفض العجز التجاري الثنائي الكبير والمستمر .
لكن سيكون على أي عمليات شراء الاعتماد بشكل كبير على الشركات الصينية الحكومية التي تعمل واشنطن على تهميشها.

هل الاتفاق ممكن؟

يعمل الطرفان على التوصل إلى مذكرة تفاهم تفصّل التزاماتهما قبيل اجتماع محتمل بين ترامب والرئيس الصيني شي جينبينغ.
ويمكن الاختبار فيما اذا كان ترامب سيوافق على اتفاق يتعامل مع مسألة العجز التجاري ويؤجل القيام بتغييرات بنيوية.
وفي وقت سابق قال إن أي اتفاق يجب أن يتضمن تغييرا بنيويا حقيقيا لإنهاء الممارسات التجارية غير المنصفة .
لكن محللين صينيين يشيرون إلى أن ذلك سيستغرق وقتا.
وهناك كذلك كيفية تطبيق أي اتفاق يتم التوصل إليه إذ تتوجس بكين من أي إشراف خارجي.