

د. علي القره داغي: آباء يقيسون الصيام على الصلاة وهناك فرق
د. أحمد الفرجابي: الأطفال في رمضان بين الإفراط والتفريط
تلجأ بعض الأسر في شهر رمضان المبارك إلى «ترغيب وتدريب» أطفالها على فضيلة الصيام، بتعويدهم على ما يعرف بـ «صيام العصفورة».. أي التوقف عن تناول الطعام والشراب من الفجر وحتى أذان الظهر طيلة أيام الشهر الفضيل، في حين يبادر بعض الأطفال أنفسهم للمبادرة وبدء الصيام، مدفوعين بالرغبة في تقليد الكبار في المحيط الأسري والاجتماعي، أو في الحصول على «مكافأة» الأهل الذين يغرونهم بها من أجل الصيام، دون اعتبار لصحة الطفل الذي قد يواجه صراعاً بين «الإحساس بالمسؤولية» و«الإحساس بالجوع والعطش».
الأم (أم خالد) تحرص على تعزيز الجانب الديني والروحاني لدى طفلها البالغ 7 سنوات، بتعويده على تجربة الصيام، لكي يعرف معاني الشهر الفضيل. تقول أم خالد إن الصيام يعمل على إضفاء البهجة في نفوس الأطفال الصغار، ووسيلة لشرح حكمة الصيام ومعانيه الإيمانية والسلوكية وفوائده الصحية، على ألا يتم إجبارهم على الصيام من باب التباهي أمام الآخرين، لافتة إلى ضرورة مراعاة قدرة الطفل على تحمل ساعات الصيام.
ووافقتها الرأي في هذا الإطار «أم ناصر»، مبينة ضرورة تهيئة الأطفال للصيام في سن مبكرة، ليصبح الصيام قيمة مترسخة لديهم ولزرع بذرة محبة هذا الشهر الكريم في نفوسهم، وأكدت أنها تحرص على تعويد أطفالها على الصيام ومعرفة أركان دينهم لكي يتدرّجوا ويتعوّدوا على أداء التكاليف الدينية في سن مبكرة، وصولاً إلى الصيام الكامل، حتى لا يشعر الطفل بالتعب والإرهاق حين سن البلوغ.
دعوة للصيام
ويرى المستشار التربوي والأسري الشيخ الدكتور أحمد الفرجاني، أن تربية الأبناء على القيام بواجباتهم في العبادات، مسؤولية أمام الله، كما أخبر بذلك النبي - صلى الله عليه وسلم - في قوله: «كلكم راعٍ، وكلكم مسؤول عن رعيته»، لهذا يجب أن يتم تشجيع الأطفال على الصيام وتعويدهم عليه كما درج عليه الصحابة الكرام، كما قال الربيع، رضي الله عنه، في صيام عاشوراء: «فكنا نصومه ونصوم صبياننا فإذا بكى الطفل من الجوع أعطي اللعبة من العهن يتلهى بها ويتشاغل»، ومن هنا فنحن ندعو الآباء والأمهات إلى تعويد أبنائهم على الصيام.
سن الإطاقة
وأضاف د. الفرجابي: أصبح الناس في صيام الأطفال بين الإفراط والتفريط، فهناك من يكلف الصغار بصيام يوم كامل وقد لا يحتمله، وهناك من يمنع من بلغوا من الصيام بحجة أنهم صغار والعمر الذي يجب أن يبدأ الوالدان بتعليم أولادهما الصيام فيه هو سن الإطاقة للصيام، وهو يختلف باختلاف بُنية الولد، وحدَّده بعض العلماء بسن الـ(10) سنوات، فلو أن الأم أعدت لأطفالها طعاما وشرابا عند العاشرة صباحاً ثم تطالبهم بأن يتموا اليوم ويشاركوا في مراسيم الإفطار وهكذا كل طفل بحسب قدرته على الصيام وطاقته له، أما إذا بلغ فيجب عليه الصيام.
وأشار إلى أن كثيرا من الآباء والأمهات يتساءلون عن الوسائل التي يمكن من خلالها تعويد أبنائهم على الصيام، ولعل من أهمها تحديثهم بفضائل الصيام، وأنَّه سبب مهم من أسباب دخول الجنة، وأنَّ في الجنة باباً يُسمَّى «الريَّان» يدخل منه الصائمون، إلى جانب صيام بعض النهار، على أن تُزاد المدة شيئاً فشيئا، والتدريب على الصيام مطلوب لأنه عبادة كالصلاة ومن هنا فنحن ندعو الجميع إلى تدريب أبنائهم على العبادات والطاعات لأن ذلك مما يسهل عليهم أداءها عندما يكلفون بها شرعاً.
التدرج والمكافأة
وتؤكد الأستاذة خولة مسلم أهمية التدرج مع الطفل في الصوم عدة ساعات من النهار، ومكافأته عن كل يوم يصومه، مشيرة أن التدرج في تدريب الطفل على الصيام يساعده على الاستمرار فيه، بمعنى بدء صيام الطفل ببضع ساعات في بداية النهار، وهو ما يساعد أيضاً في تحديد السن المناسبة لصيام الطفل، فكل طفل يختلف عن غيره، وفقاً للحالة الصحية لكل طفل وإذا كان يعاني مثلاً من سوء تغذية أو نقص في الفيتامينات أو يعاني من أي أمراض أخرى.. وأكدت أنه يمكن البدء في تشجيع الطفل على الصيام من سن سبع سنوات، حينها نشجعه على الصوم ونحببه فيه ونحرص على أن ينام الطفل لفترات كافية في الليل، فالنوم مهم لنمو الطفل، كذلك نحرص على أن يتناول الطفل وجبة سحور تحتوي على كربوهيدرات تضمن مصدر طاقة له خلال فترة طويلة من النهار، والحرص على أن تكون فترة ما بعد الإفطار فترة تعويض لحالة الجفاف التي تحدث خلال النهار بأن نوفر له الكثير من الفواكه الطازجة والخضراوات لتعويض أي نقص في الفيتامينات والأملاح المعدنية اللازمة لنموه الطبيعي.
التدرج هو الهدف
من جانبهم، يرى الأطباء عدم السماح للطفل الذي يقل عمره عن عشرة أعوام تقريباً بصيام شهر رمضان كاملاً، فالهدف من السماح للأطفال بالصيام هو التدرج معهم ليعتادوا على أداء الفروض والقيام بالعبادات وليس إسقاط الفريضة، خصوصاً عند الحديث عن أطفال السادسة والسابعة. فالأطفال في مثل هذا العمر قد لا يجدون في أنفسهم القدرة على القيام بصيام شهر رمضان كاملا، إلا أنهم يصرون على استكمال الصيام حتى لا يكونوا من المفطرين، لذا لا بد من توجيههم بشكل سليم والسماح لهم بصيام بعض أيام الشهر.. مؤكدين ضرورة عدم السماح للطفل بصيام الأيام التي لم يتناول فيها السحور؛ لأن ذلك سيزيد من طول الفترة الزمنية التي يمتنع الطفل خلالها عن الطعام والشراب لتصل في بعض الحالات إلى نحو عشرين ساعة، مما يتسبب بإجهاد الطفل وتأثر صحته بسبب تعريضه للجفاف أو نقص حاد في مستوى السكر.
الحكمة والتشويق
من الناحية الشرعية، يقول فضيلة الشيخ الدكتور علي محي الدين القره داغي، إنه يجب على الآباء والأمهات أن يحثوا أبناءهم الصغار على إقامة الصلاة وأداء الصيام، ولكن بالنسبة للصيام، فإن علماءنا قالوا إن كان يتأذى به الطفل فلا يجوز إجبارهم عليه.. وإنما إخبارهم بأن الصيام ليس واجباً عليهم وإنما عليهم احترام فريضة الصيام والتحلي بالآداب الأساسية بعدم تناول الطعام والشراب أمام الكبار.
وأضاف د. القره داغي: إن بعض الآباء يقيسون الصيام على الصلاة، وذلك لقول النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث النبوي الشريف: «مُرُوا أَبْنَاءَكُمْ بِالصَّلَاةِ لِسَبْعِ سِنِينَ، وَاضْرِبُوهُمْ عَلَيْهَا لِعَشْرِ سِنِينَ».
ولا قياس في العبادات، وهنالك فرق بين الصيام والصلاة لأن الصلاة عبادة بدنية دائمة تبدأ منذ سن السابعة أما الصيام ففيها مشقة بترك الطعام والشراب حتى أن المكلف يعفى من أدائها إذا وجد مشقة المرض أو مشقة السفر.. وما بالك بالطفل الصغير.. ولكن من الأفضل قيام ولي أمرهم بحثهم وتشجيعهم على الصيام وتدريبهم عليه ولكن برفق ولين وحكمة وتشويق ودون إدخالهم في حرج ومشقة ونفرة.