مديرة البحوث وتطوير المحتوى في مؤتمر «وايز» لـ«لوسيل»:

الدول الفقيرة تواجه تحدى الانتقال للتعلم عن بعد في وقت الكورونا

لوسيل

الدوحة - لوسيل

قالت الدكتورة أسماء الفضالة، مديرة البحوث وتطوير المحتوى في مؤتمر القمة العالمي للابتكار في التعليم وايز إن التعلم عن بعد وضع تحدياً أمام الطلاب، مشيرة إلي أن جائحة كورونا أثبتت إننا قادرون علي إحداث تغيير جذري ناجح ومستدام في التعليم.

وقالت الفضالة لـ لوسيل يحتاج القادة التربويون الآن أكثر من أي وقت مضى إلى التكيّف مع التحولات السريعة التي تطرأ على أنظمتنا ومدارسنا. في أعقاب جائحة كوفيد-19، هناك إجماع عام حول صورة التعليم في القرن الحادي والعشرين، لكننا يجب أيضًا أن نُطبق المعايير ذاتها على التربويين وقادة المدارس لدينا.

** مع تفشي جائحة كوفيد-19 في العالم، مما أدى إلى وجود أكثر من 1.5 مليار طالب خارج المدارس والجامعات، تمكنّت العديد من المؤسسات التعليمية، ومنها مؤسسة قطر، من التحوّل السريع إلى التعلّم عبر الإنترنت، في حين كان هذا التحوّل صعبًا في أنحاء أخرى من العالم، برأيك، ما هي التحديات المترتبة على ذلك؟

بالنسبة للدول الغنيّة والتي تمتلك شبكات إنترنت عالية السرعة وإمكانية الوصول إلى الأجهزة الرقمية، كانت استجابتها لكوفيد- 19 عن طريق تحويل المناهج الدراسية بكاملها إلى الدراسة عبر الإنترنت بين عشيّة وضحاها، بحيث يعمل أولياء الأمور ومقدمو الرعاية كمشرفين على عملية التعلّم من المنزل حيث أمكن ذلك.

ولكن بالنسبة للدول والمجتمعات الفقيرة التي كانت تعاني من هشاشة في أنظمتها الصحية والاقتصادية والاجتماعية قبل أزمة الجائحة، بدا الوضع مختلفًا إلى حدٍ كبير، حيث تسببت جائحة كوفيد-19 في حرمان العديد من الطلاب من الوصول إلى أي نوع من أنواع التعليم بسبب ظروف الفقر المدقع، وغياب إمكانية الوصول إلى التقنيات الرقمية.

في الحقيقة، ومنذ بداية الأزمة، حذرت منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو) من أن إغلاق المدارس على نطاق واسع في الدول النامية قد ينتج عنه مخاطر مدمرة، لاسيّما بالنسبة للفتيات، اللاتي تزيد احتمالية خروجهن من المدرسة على الأرجح بمعدل مرتين ونصف مقارنة بالأولاد، خلال فترات طويلة من إغلاق المدارس. وبالنظر إلى البيانات خلال تفشي فيروس إيبولا في غرب أفريقيا في الفترة 2014 2016، تظهر البيانات أن إغلاق المدارس كان له تأثير مدمّر ليس فقط من ناحية التعلّم، بل كذلك من حيث أمن الأطفال وسلامتهم، وهذا دليل واضح على أن المدرسة تقدّم للطلاب أكثر من مجرد منهج دراسي.

** تُسلط إحدى مقالاتك الضوء على أهمية تعزيز مهارات القيادة التربوية للمُعلّم ودوره في تطبيق السياسات التعليمية، مثل أن يكون قائدًا. كيف يمكن لهذه الحركة أن تساعد المؤسسات التعليمية في التخفيف من آثار الأزمة؟

أثبتت جائحة كوفيد-19 بأننا كي نتمكّن من إحداث تغيير جذري ناجح ومستدام على المدى الطويل في التعليم، فنحن بحاجة إلى مفهوم جديد وهو القائد التربوي لدعم المدارس والأنظمة وتوجيهها. ومن إحدى النتائج الفريدة للأزمة، هي ظهور توزيع جديد لأدوار التعليم التقليدية، وهي المعلّم والقائد والمتعلّم، وذلك في منظومة التعليم بكاملها بهدف ضمان استمرارية عملية التعلّم على مدار فترات طويلة من إغلاق المدارس.

على مدار فصل دراسي، تمت إعادة تشكيل هيكل المدراس التقليدية، وشهدنا الآباء والمعلمين وقادة المدارس والمتعلمين يتعاونون جميعًا بطرق جديدة وعلى مستويات غير مسبوقة لتحقيق هدف مشترك. ومع خروجنا من هذه الأزمة والإقبال على عام دراسي جديد في صورة جديدة في عالم ما بعد جائحة كوفيد-19، علينا أن نفكر في الأدوار الجديدة لكل من المعلم والقائد والمتعلّم.

خلال العام الماضي، أطلقنا في مؤتمر القمة العالمي للابتكار في التعليم وايز تقريرًا شارك في كتابته جيمس سبيلان من جامعة نورثوسترن حول القيادة التربوية من منظور موزّع متعدد المستويات، وهو مرتبط ارتباطًا وثيقًا بهذا الموضوع. ونعمل حاليًا على إعداد تقرير تابع له سيتم نشره في عام 2021، يعتمد على مفهوم القيادة الموزعة والمشتركة ويبحث في صورتها في أعقاب جائحة كوفيد-19، ويتضمن دراسات حالة لتلك النماذج وما يترتب عليها بالنسبة لبرامج تطوير التربويين لدينا.

** ما هي الصعوبات التي يواجهها الطلاب خاصةً في المجالات التي تعتمد بشكل كبير على العمل في البحوث والمختبرات؟ وبرأيك، هل للتفاعل وجهًا لوجه مع المعلمين دور في أداء الطالب الأكاديمي؟

ذكرتنا هذه الأزمة مرارًا وتكرارًا بأن التعليم هو تجربة اجتماعية إضافة إلى كونه تجربة أكاديمية، وأن متعة التجربة التعليمية تكمن في تفاعل المتعلّم مع معلميه وأقرانه، وهذا ينطبق على مرحلة الروضة وحتى الصف الثاني عشر إضافةً إلى مرحلة التعليم العالي.

بالنسبة للطلاب في المجالات التي تنطوي على البحوث والعمل المخبري، يمثل التعلّم عن بُعد تحديًا عمليًا أكبر، وذلك بسبب عدم قدرة الطلاب على إجراء البحوث الميدانية بأنفسهم أو التواجد في المختبرات أو إجراء الاستشارات الطبية الشخصية، وما إلى ذلك. أعتقد بأن هذا تحدٍ كبير ولا يمكن التغلب عليه بسهولة حتى باستخدام أفضل التقنيات. بصفتي كباحثة، وعلى الرغم من إمكانية الوصول التي تتيحها الأنظمة الرقمية مثل Microsoft Teams وغيرها من المنصات، لازلت أعتقد بأن هناك قيمة عظيمة للتجربة البشرية في التفاعل مع الآخرين من خلال التواجد في الميدان، والتعرّف على مكان وسياق جديد بصورة مادية، وإنجاز البحوث شخصيًا. فعلى الرغم من تفوق التقنيات التي نمتلكها، لا أعتقد بأننا قادرين على استبدال عنصر التجربة العملية اللازمة لإتقان العديد من تخصصاتنا الأكاديمية.

** طبّقت مؤسسة قطر منهجيات تعلم لدعم التفكير الإبداعي والتفكير التحليلي لدى الطلاب، مثل أكاديمتي . ما هي أهمية تطبيق مثل هذه المناهج التعليمية خاصةً في مؤسسات البحوث والابتكار لتلبية احتياجات سوق العمل اليوم؟

كشفت لنا هذه الأزمة أن أطفالنا سيدخلون إلى عالم من عدم اليقين لم نشهد مثله من قبل. فمدارس الماضي ليست كفيلة بإعدادهم للمستقبل الذي ينتظرهم. وفي الوقت الحالي، من الصعب توقع الصورة التي سيبدو عليها الغد، بما في ذلك الفرص المهنية المستقبلية. وأنا أسمع مرارًا وتكرارًا بأن مهن المستقبل قد لا يكون لها وجود اليوم. ما تسعى إليه أكاديميتي وغيرها من المدارس التقدميّة، وأضيف إليها نموذج الفنون الحرّة، هو إعداد الطلاب للمستقبل من خلال إدماجهم في أساليب وأهداف التعلّم التي تسُهم في تحضيرهم للتعامل مع مستقبل معقد وغير واضح. هذا نقاش استمر تداوله في الميدان لعدة سنوات حتى الآن، ولكن تم تعزيزه بشكل أكبر في أعقاب جائحة كوفيد-19 بدافع الضرورة.

الفكرة التي حظيت باهتمام العديد من الأنظمة التعليمية هي الفكرة القائلة بأن التعلّم في القرن الحادي والعشرين يتطلب إعادة تصميم نموذجنا الأساسي والهدف من التعليم، بحيث ننتقل من نموذج يُعطي الأولوية لاكتساب المعرفة إلى نموذج يركز على تطوير المهارات الأكاديمية والمهارات الشخصية بصورة متساوية، وأعتقد أننا سنشهد تحولًا بارزًا في هذا الاتجاه.

** في عالم يتغير بوتيرة سريعة، كيف يُمكن للقادة التربويين تكييّف نماذجهم وفقًا لذلك؟

يحتاج القادة التربويون الآن أكثر من أي وقت مضى إلى التكيّف مع التحولات السريعة التي تطرأ على أنظمتنا ومدارسنا. في أعقاب جائحة كوفيد-19، هناك إجماع عام حول صورة التعليم في القرن الحادي والعشرين، لكننا يجب أيضًا أن نُطبق المعايير ذاتها على التربويين وقادة المدارس لدينا.

إذا كان التعلّم في القرن الحادي والعشرين يجسد نهجًا تعليميًا يمزج بين المهارات الأكاديمية والكفاءات السلوكية - مثل التعاون وحل المشكلات والإبداع والتعلم مدى الحياة - بحيث يتمكن المتعلمون من مواصلة الازدهار في عالمنا الحالي في ظل عدم اليقين الذي نعيشه، أليس من الضروري أن يكون كذلك هو الحال بالنسبة للمهارات والكفاءات المطلوبة من معلمينا وقادة المدارس لدعم هذا التعلم ودفعه والتأثير عليه؟ ألا يجب علينا أن نغيّر نهجنا في تطوير قادة المدارس من نهج يركز على الإدارة إلى نهج يعطي الأولوية للعديد من نفس المهارات والكفاءات الضرورية في المتعلمين المستعدين للمستقبل؟

سوف يتطلب هذا تحولًا نموذجيًا من دور قائد المدرسة كمدير إلى دوره بصفته محركًا تعاونيًا وذكاءًا تقنيًا ومعالجًا للمشكلات يدعم أنظمة التعلّم المستقبلية ويغذيها ويؤثر فيها. كما سوف يتطلب ذلك إتاحة إمكانية الوصول على نطاق واسع إلى برامج تطوير القيادة المزوّدة بنماذج التعلم في القرن الحادي والعشرين، والاستفادة من المعرفة والأبحاث الحالية لما يبدو عليه نموذج تعلّم القيادة المناسب في المستقبل. والأهم من ذلك بالنسبة لكثير من دول العالم، بما في ذلك قطر، سيتطلب هذا استثمارات جديدة أو أكثر عمقًا في تطوير القيادة المدرسية وأنواع الشبكات المهنية الحيوية لنشر المعرفة الجديدة واحتضان مناهج وبرامج تطوير قادة المدارس ودعمها وتعزيزها.