قال سعادة الدكتور محمد بن صالح السادة، وزير الطاقة والصناعة والرئيس الحالي لمنظمة الـ أوبك : إنه من المتوقع أن تشهد الشهور المتبقية من العام الحالي زيادة في الطلب على النفط.
وأضاف سعادته، في بيان صدر عن المنظمة أمس: إن أسعار النفط كانت قد شهدت منذ فبراير الماضي تحسنا مطرداً نتيجة تراجع الإنتاج من النفط الخام، وتوقف عدد من المحطات عن الإنتاج، وانخفاض المخزون النفطي، مع زيادة الطلب العالمي خلال الفترة ذاتها.
وأكد الدكتور السادة أن تراجع الأسعار الحالي وتذبذب سوق النفط هو أمر عارض وجاء نتيجة لعدة عوامل، من بينها ضعف هامش الربح لمصافي النفط، وزيادة المخزون من النفط، خاصة من منتجات المصافي، وتوقيت خروج بريطانيا من السوق الأوروبية وأثره على الأسواق المالية وسوق النفط الخام.
وأضاف سعادة الوزير أنه من المتوقع أن تشهد اقتصاديات كبرى الدول المستهلكة للنفط تحسنا ملحوظا خلال الربعين الأخيرين من العام الحالي، وأن ذلك سوف يؤدي إلى زيادة الطلب على النفط، خاصة مع اقتراب موسم الشتاء في النصف الشمالي من الأرض.
وأشار سعادته إلى أن هذه التوقعات، وانخفاض حجم النفط المتاح عالميا، أدت بالمحللين والمراقبين إلى الحكم بأن التراجع الحالي الذي تشهده سوق النفط أمر عارض وأن الأسعار سوف ترتفع خلال هذه الفترة.
وأكد سعادة الدكتور السادة أن قطاع النفط بحاجة إلى عودة الاستثمارات، ليس فقط لاستيعاب النمو في الطلب، بل أيضا لمواجهة التراجع الطبيعي في إنتاج النفط من الآبار النشطة.
وألمح سعادته إلى الانخفاض المتوقع في إمدادات النفط، والحذر الذي سوف يسود الأسواق في المرحلة المقبلة نظرا للانخفاض غير المسبوق في رأس المال الموجه إلى مشروعات النفط والغاز حول العالم خلال العامين (2015 2016)، مما أدى إلى تقليص الاستثمارات التي كانت مقررة للسنوات الأربع القادمة.
وتواصل منظمة أوبك متابعتها للتطورات التي تشهدها السوق العالمية، كما تواصل مشاوراتها مع جميع الدول الأعضاء لإيجاد السبل والوسائل التي من شأنها إعادة الاستقرار والتوازن إلى سوق النفط، ومن المقرر أن يعقد اجتماع غير رسمي للدول الأعضاء بمنظمة أوبك على هامش اجتماعات منتدى الطاقة العالمي الخامس عشر المقرر عقده في الجزائر في الفترة من (26-28 سبتمبر 2016).
ويعزو ممدوح سلامة، خبير في الشأن النفطي، ومستشار للبنك الدولي في واشنطن، وعمل خبيرًا فنيا لدى منظمة الأمم المتحدة للتنمية الفنية في فيينا، أسباب الهبوط الحاد في أسعار النفط الخام إلى عوامل عديدة، إذ فقَد سعر النفط الخام أكثر من 54 في المئة من قيمته خلال الفترة من سبتمبر 2014 إلى سبتمبر 2015.
ومن بين الأسباب التي كانت حاسمةً في قضية انخفاض سعر النفط الفورة في سوق النفط العالمية، نتيجةً لزيادة إنتاج النفط الصخري في الولايات المتحدة الأمريكية، وزيادة إنتاج بعض أعضاء منظمة الدول المصدرة للنفط أوبك ما يتجاوز حصص إنتاجه، وكذلك تباطؤ النمو الاقتصادي في الصين والاتحاد الأوروبي، وهو ما قلّل طلب النفط.
وربما يكون ثمّة سبب آخر متمثّل بأنّ تأثير حوادث سوريا والعراق وليبيا واليمن في أسعار النفط حجبه ارتفاع إنتاج النفط الصخري الأمريكي، لهذا أهملته سوق النفط العالمية.
إلى ذلك، يشكك خبراء بقدرة منظمة الدول المصدرة للنفط بالتحكم في المسار السعري للنفط من خلال عدم قدرتها على التوصل لتوافق بين أعضائها حول إبقاء سقف إنتاج أعضاء أوبك عند حدود يناير الماضي.
وفي هذا الصدد يقول الكاتب والمحلل السر السيد أحمد: أوبك مثلها مثل بقية المنظمات الإقليمية والدولية محكومة بمدى التوافق بين أعضائها، أو على الأقل الكبار منهم، وفي غياب ذلك التوافق يضيق هامش الحركة أمام مسؤوليها التنفيذيين وهو ضيق في الأساس، لكن أهم من ذلك حالة التغيير التي تمر بها السوق وجعلت من أوبك لاعبا بين لاعبين بدلا من أن تكون اللاعب الأساسي .
وأضاف السيد أحمد لـ لوسيل أن هناك زيادة في حجم الإمدادات من الدول المنتجة من داخل أوبك وخارجها، وبالتالي لم تعد المنظمة الجهة الوحيدة المؤهلة والقادرة على التأثير في السوق، مشيرا إلى التطور التقني الذي جعل من الممكن استخراج النفط الصخري وبسببه تحولت الولايات المتحدة من أكبر مستورد للنفط إلى دائرة كبار المنتجين.
ورأت منظمة الأقطار العربية المصدرة للبترول أوابك ، أن التطورات الراهنة في السوق النفطي العالمي أكدت التأثير الكبير للمخزونات النفطية للدول المستهلكة الرئيسية على حركة أسعار النفط التي تشهد حالة تذبذب نتيجة عوامل عدة أبرزها ارتفاع مستويات المخزونات البترولية الأمريكية.
وقالت أوابك في افتتاحية نشرتها الشهرية الأخيرة أمس: إن المخزونات النفطية (النفط الخام والمنتجات البترولية) تعرف بأنها كميات النفط التي تحتفظ بها الدول لاستخدامها في حال انقطاع الإمدادات نتيجة أي طارئ ولمعالجة أي اختلالات غير متوقعة في العرض والطلب على النفط، فضلا عن أنها أحد المؤشرات الدالة على مدى قدرة الدول على التعامل مع التقلبات في السوق النفطي.
وأوضحت أنه يمكن تصنيف المخزونات النفطية بحسب الغرض منها إلى ثلاثة أنواع، هي المخزون الأوَّلِي ويتكون من المخزون التجاري والمخزون الإستراتيجي، أي الذي تحتفظ به الدول الصناعية لأغراض صناعتها النفطية ويدخل في عمليات الإنتاج والتكرير.
وذكرت أنه يضاف إلى ذلك المخزون الثانوي ويشتمل على كميات النفط التي يحتفظ بها الموزعون ومراكز التوزيع الثانوية، في حين يتمثل النوع الثالث من المخزون في (المنتجات النفطية الموجودة لدى مراكز التوزيع للمستهلك النهائي)، كالجازولين في المركبات أو زيت التدفئة وخلافه.
النفط الصخري
أكدت تقارير دولية متخصصة أن احتياطي أمريكا من النفط الصخري يبلغ ما يعادل 1.5 تريليون برميل وغالباً ما تفخر معظم هذه التقارير بأن هذا الاحتياطي يعادل 5 مرات الاحتياطي المؤكد للسعودية.
وبلا شك، هناك فئة من التقارير تركز على علاقة هذه الاحتياطيات بالأمن القومي الأمريكي.
وتشير التقارير إلى أن هناك تطورا هائلا في تقنيات النفط الصخري وإنتاجه، ففي عام 2000 كان في الولايات المتحدة 23 ألف بئر تنتج 102 ألف برميل يومياً، أي بمعدل 4.4 برميل لكل بئر يومياً، واليوم هناك 300 ألف بئر تنتج 4.3 مليون برميل يومياً أي بمعدل 14.3 برميل لكل بئر يومياً.
لقد كان إنتاج النفط الصخري عام 2000 يشكل 2% من إنتاج أمريكا، واليوم يشكل أكثر من نصف إنتاجها من النفط الخام وهذه أسرع وتيرة لزيادة الإنتاج في تاريخها، وهذا الارتفاع الكبير في الإنتاج أدى إلى انهيار الأسعار في منتصف 2014، حيث وصل انخفاض سعر برميل الخام إلى 75%.
محاولات منتجي النفط لإنقاذ الأسعار
اتفقت كل من قطر والسعودية وروسيا وفنزويلا إثر اجتماع رباعي عقد في الدوحة فبراير الماضي، على تجميد إنتاجها من النفط عند مستويات يناير شرط التزام المنتجين الآخرين بذلك، وقال وزير الطاقة والصناعة القطري سعادة الدكتور محمد بن صالح السادة، للصحفيين آنذاك: اتفقت الدول الأربع وبهدف استقرار أسواق النفط، على تجميد الإنتاج عند مستوى يناير بشرط أن يحذو منتجون كبار آخرون حذونا . ورفضت أوبك، مدفوعة بالدرجة الأولى بقرار السعودية والدول الخليجية الأخرى، خفض إنتاجها سعيًا لإعادة الاستقرار إلى الأسعار.
واعتبرت دول في المنظمة أن قرار الخفض المنفرد للإنتاج سيؤدي إلى فقدانها حصتها من الأسواق، ولن يساهم في انتعاش الأسعار، إن لم تتخذ الدول المنتجة من خارج المنظمة خطوة مماثلة.
اجتماع أبريل مزيد من الدراسة
لم يتوصل اجتماع الدول المنتجة للنفط من داخل أوبك وخارجها في أبريل إلى اتفاق بتجميد الإنتاج عند حدود يناير الماضي وهو الاجتماع الثاني الذي عقد في الدوحة، ففي غضون ساعات من الإعلان عن فشل الاجتماع المنعقد في الدوحة، تراجعت أسعار النفط بأكثر من خمسة في المئة.
وكان منتجو أوبك يأملون في التوصل إلى اتفاق، إلا أن المشاكل ظهرت في تلك المباحثات حول حصة ودور إيران في سوق النفط، وتسعى السعودية إلى عدم فرض سقف محدد للإنتاج إلا إذا وافقت إيران على الأمر نفسه، في حين يسعى الإيرانيون إلى بيع المزيد من نفطهم مستفيدين من رفع العقوبات عنهم.
وقال سعادة الدكتور محمد بن صالح السادة، وزير الطاقة القطري، في مؤتمر صحفي عقده بعد انتهاء الاجتماع: إننا في حاجة إلى مزيد من المناقشات ودراسة العوامل الأساسية في الأسواق دون تحديد سقف زمني لاجتماع آخر.
وأضاف أن الاجتماع كان سيصبح أكثر إيجابية لو أن إيران شاركت، في إشارة لعدم حضور إيران.
اجتماع أوبك في فيينا
فشل اجتماع منظمة الأوبك والذي عقد في يونيو الماضي في التوصل إلى نتائج تؤثر فعليا على تحركات أسعار النفط في الأسواق عن طريق تغيير معدلات الإنتاج، ولكن انتهى الاجتماع باتخاذ بعض القرارات الإدارية التنظيمية منها تعيين محمد باركيندو نيجيري الجنسية أمينا عاما لمنظمة الأوبك بدلا من عبد الله البدري ليبي الجنسية، وذلك بموافقة الدول الأعضاء في اجتماعها 169 وأشارت العديد من التوقعات إلى أن أي اجتماعات سواء لمنظمة الأوبك أو غيرها لبحث سبل خفض المعروض العالمي من أجل دعم أسعار النفط لن تجدي نفعا، خاصة أن في الفترة الأخيرة كانت هناك تحركات واسعة لبعض الدول في منظمة الأوبك مثل نيجيريا وفنزويلا وقطر وخارج المنظمة مثل روسيا والتي بذلت قصارى جهدها من أجل التوصل إلى اتفاق لخفض المعروض ورفع أسعار النفط لدعم اقتصادها ولكن كل تلك المحاولات باءت بالفشل.
ومن جهة أخرى توجد دول مستفيدة من تراجع أسعار النفط وهي الدول المستوردة له، حيث إن هبوط الأسعار يعمل على خفض تكلفة الاستيراد لأن ارتفاع أسعار النفط يؤثر سلبا على الموازنة العامة لهذه الدول، أما بالنسبة للدول التي يعتمد اقتصادها على النفط فيعتبر هبوط أسعار النفط أمرا سيئا لديها مثل روسيا وإيران التي تعمل جاهدة لتعويض خسائرها التي تكبدتها أثناء فترة العقوبات التي كانت مفروضة عليها.