نقاشات ساخنة وثرية في افتتاح منتدى دراسات الخليج
محليات
06 ديسمبر 2015 , 07:18ص
اسماعيل طلاي
شهدت الجلسة الأولى لمنتدى دراسات الخليج والجزيرة العربية نقاشا ثريا بين المتدخلين والجمهور حول إشكالية «طغيان» التعليم باللغة الإنجليزية في المدارس والمعاهد والجامعات بدول مجلس التعاون الخليجي. وساد شبه إجماع بين المشاركين على دعم تطوير تعليم اللغة الإنجليزية، باعتبارها لغة عالمية، وسط مخاوف من الاكتساح الذي تحققه لغة فولتير في المناهج الدراسية، ودعم قوي لأكاديميين لتعميم التدريس بالإنجليزية لكل العلوم، بما في ذلك العلوم الاجتماعية والإدارية.
كما شكَّلت قضايا الهوية والحرية في التعليم ونظام التعليم وعلاقة التعليم بسوق العمل في دول الخليج العربية محاور رئيسة في أولى جلسات منتدى دراسات الخليج والجزيرة العربية الذي انطلقت أعماله أمس بالدوحة وتدوم ثلاثة أيام. وخصصت الجلستان الأكاديميتان الأوليين في محور التعليم لعرض واقع العملية التعليمية في دول الخليج العربية والتحديات التي تواجهها.
د. مروان قبلان: منتدى دراسات الخليج منبر أكاديمي وفكري وثقافي
أكد الدكتور مروان قبلان، رئيس لجنة تنظيم منتدى دراسات الخليج والجزيرة العربية في كلمته الافتتاحية أن فكرة المنتدى نشأت بعد النجاح الذي حققه المؤتمر الثالث لمراكز الأبحاث الذي عقده المركز العربي في ديسمبر 2014، وكان موضوعه «دول مجلس التعاون الخليجي: السياسة والاقتصاد في ظل المتغيرات الإقليمية والدولية»، كما جاء إطلاق المنتدى بناء على رغبة وطلب العديد من المشاركين الذين أبدو رغبة وحماسة في إنشاء منبر أكاديمي وفكري وثقافي خليجي يجمع نخب الخليج الأكاديمية والفكرية ضمن هامش حرية معقول، لمناقشة مختلف القضايا التي تواجهها منطقة الخليج العربية.
وأوضح قبلان الباحث بالمركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات أنه تقرر أن يشمل المنتدى سنوياً محورين اثنين، أولهما متغير يخصص لقضية داخلية مهمة يجري تناولها بطريقة أكاديمية رصينة، وثانيهما ثابت كل عام ويتصل بقضايا البيئة الخارجية لمنطقة الخليج (أي قضايا الأمن والسياسة الخارجية والعلاقات الدولية) نظراً للتغيرات المتسارعة التي تطرأ عليها من جهة خاصة في السنوات الأخيرة، ولأن هدفاً أساسياً من أهداف إنشاء هذا المنتدى هو تناول هذه القضايا بالبحث والدراسة والتحليل.
وعن الاعتبارات التي حفزت المنتدى على اختيار قضية التعليم في دول الخليج العربية موضوعاً للمحور المتغير في أول دورات المنتدى، قال الدكتور مروان قبلان: «يعدّ التعليم من أكثر التحديات التي تواجهها دول الخليج العربية إلحاحاً، وأكثرها حضوراً في خططها التنموية.. ويمثّل الإنفاق على التعليم سواء كان بنية تحتية أو استثماراً في الإنسان، جزءاً كبيراً من موازنات هذه الدول.. مع ذلك نحن لا نعرف تماماً مخرجات العملية التعليمية، وما زلنا لا نملك أو لا نعتمد أدوات لقياس عائدية أو مردودية التعليم وأثرها في عملية تنمية المجتمع»؛ ولذلك ونظراً لأهمية الموضوع ومصيريته في حياة دول ومجتمعات دول مجلس التعاون الخليجي، اختار المركز العربي طرحه أمام الخبراء والمهتمين للإدلاء بدلوهم في هذا المجال، وتقديم ما لديهم حيث يمكننا المساهمة من خلال ذلك في نهضة أمتنا وتنمية مجتمعاتنا عبر الخروج بأفكار ومقترحات مهمة في هذا القطاع الحيوي.
وشدّد الدكتور قبلان على أن قضية «التعليم» التي اختيرت هذا العام ضمن المحور المتغير للمنتدى لا تنفصل في الحقيقة عن القضايا التي يجري تناولها في المحور الثابت المتعلق بالبيئة الخارجية لمنطقة الخليج والتي تشمل قضايا الأمن والسياسة الخارجية والعلاقات الدولية. وقال إن هذه التحديات وإن كان يمكن الفصل بينها نظرياً إلا أنه لا يمكن القيام بذلك عملياً فبدون النهوض بالتعليم في عالم متغير تتنافس فيه الأمم لجهة الفكر والتعليم وتحقيق الإنجازات في ميادين المعرفة والتطور التقني، لا يمكن مواجهة التحديات والتهديدات والمخاطر التي تفرضها عوامل مختلفة في البيئة الخارجية سواء كانت أمنية أو اقتصادية أو غيرها.
د. عبدالهادي العجمي: الكتابة التاريخية في الخليج تعيش أزمة حقيقية
تناول الدكتور عبدالهادي العجمي في ورقة عنوانها «التعليم وحرية البحث العلمي: الدراسات التاريخية في دول الخليج العربية بين المحظور السياسي والديني» جانبًا مهمًا من القضايا التي يعانيها مجتمع التعليم والتفاعل داخل المؤسسات التعليمية في المجتمعات الخليجية وهي الحرية الأكاديمية. وأشار إلى أنّ الفترة الماضية شهدت نموًا متزايدًا في ابتعاث المجتمعات الخليجية أبنائها للخارج للدراسة ونيل الدرجات الأكاديمية، ومن ثَمَّ العودة للتدريس في الجامعات والمؤسسات التعليمية الوطنية.
ورغم الإثراء والإنتاج المعرفي الذي أضافه الأكاديميون الذين قدّموا للمؤسسات التعليمية في الخليج عددًا كبيرًا من المؤلفات والدراسات بخاصة في مجال الدراسات التاريخية، إلا أن هذا الجانب الإيجابي تواجهه اليوم إشكاليات وتحدّيات مختلفة هددت القدرة على إنجاز ما كان متوقعًا. وبحسب الباحث، يمكن إحصاء عدد من هذه التحديات، وأهمّها تصادم الأكاديميين بالمحظور الديني والسياسي؛ فالكتابة التاريخية حسب الباحث تصبح حقلًا شائكًا حينما تتعلق بموضوعات تتناول أشخاصًا أو أحداثًا ذات حساسية.
وأضاف الباحث أن الكتابة التاريخية في منطقة الخليج تعيش أزمة حقيقية، مشددًا على أنه لا تقدّم في العلم إلا بتوافر الحرية؛ فالبحث العلمي يكون حيث تكون الحرية والإبداع، ولا يوجد بحث علمي حقيقي بلا حرية فكرية بعيدًا عن المحظورات السياسية والدينية والرقابة السلطوية والجهات التي تتصف بضيق الأفق.
فحظر كتبٍ بعينها، أو ضرورة الحصول على تصاريح، بل رفض بعض الإنتاجات الفكرية بسبب أنّها لا تتفق ورؤية الجهات الرسمية والسياسية أو بعض الشخصيات الدينية لها، سيجعل المجتمعات الخليجية مجتمعاتٍ منغلقة فكريًا ومتأخرة علميًا، وسيصنع أجيالًا غير قادرة على تقبّل الآخرين، ويخلق نمطًا ثقافيًا قاصرًا بعيدًا عن إنتاج القيم والأنساق الفكرية.
د. عبدالله البريدي: الهجرة للإنجليزية تخلق مأزقاً هوياتياً
أكد الأستاذ الدكتور عبدالله البريدي أستاذ الإدارة والسلوك التنظيمي بجامعة القصيم في مداخلة له بعنوان «المأزق الهوياتي في مؤسسات التعليم الجامعي الخليجي: الهجرة نحو الإنجليزية»، أن ثمة شواهد وممارسات مستفيضة ودالة على حقيقة وجود «هجرة نحو اللغة الإنجليزية في السياقات البحثية والتدريسية في العلوم الإدارية والاقتصادية في مؤسسات التعليم العالي الخليجي.
وأوضح الباحث في ورقته وجود عدد كبير من كليات الإدارة والأعمال والاقتصاد تتبنى الإنجليزية لغة للتدريس ومجالاً للبحث العلمي، ولم يكن ذلك مقتصراً على الكليات الخاصة، مشيراً إلى أن هذا الوضع لا يقتصر على العلوم الإدارية والاقتصادية لوحدها، بل يشمل تخصصات أخرى مندرجة ضمن العلوم الاجتماعية والإنسانية، فقد حولت -على سبيل المثال- بعض الجامعات الخليجية التدريس نحو الإنجليزية في تخصصات كالإعلام والاتصال الجماهيري.
وأوضح قائلا: «نحن لسنا ضد تعلم الإنجليزية أو أي لغة أجنبية أخرى، بل إننا معه لتحصيل المنافع الكبيرة المترتبة على هذا التعلم، غير أننا نشدد على أن يكون ذلك وفق أطر مدروسة، مع اشتراط تحقيق النفع الخاص والعام في وقت لا تخل فيه بالسيادة اللغوية للضاد في سائر أراضيها وسياقاتها الوطنية والقومية والدينية والحضارية. إذن، أين المشكل؟ الإشكال يكمن في المبالغة في تحصيل اللغات الأجنبية أو في التحدث بها واستخدامها في سياقات لا تستدعيها أو لا تحقق نفعاً عاماً حقيقياً».
وحذر من اكتساح الإنجليزية لغة للتعليم بدول الخليج، قائلاً: «تنبع الإشكالية البحثية من حقيقة تنامي استخدام اللغة الإنجليزية في مؤسسات التعليم العالي الخليجي، ليس في الطب والهندسة والعلوم البحتة فحسب، بل في تخصصات العلوم الاجتماعية والإنسانية وهو الأخطر، وهو ما يعنينا أكثر في هذه الورقة، مما يخلق «مأزقاً هوياتياً»، له آثاره الفكرية والتنموية السلبية على المستويات المرحلية والاستراتيجية».
وذهب الباحث إلى حد الحديث عن مفهوم «الرق» في وصفه لدفاع بعض الأكاديميين عن التدريس بالإنجليزية، قائلا: «قد يظن البعض أن في طرح مفهوم «الرق العلمي» شيئاً من المبالغة أو التوسل بألفاظ ممسرحة، كلا، فالواقع العلمي العربي فيه من البؤس ما يلجئنا إلى التقرير بتورط بعض الباحثين وصانعي السياسات العامة العلمية والبحثية بنوع من الرق الذي لا مكاتبة فيه، أي لا انعتاق منه البتة، فهو «رق مستحكم مؤبد»، وهو ما يعرف عند العرب في سالف الأزمان بالرق الكامل.
والرق العلمي بأبسط عبارة هو أفكار موهمة بأن تبعيتنا للآخر هي قنطرة للنجاعة العلمية والبحثية، ومن ثم التنموية. ثمة أكاديميون خليجيون يروجون بحماسة كبيرة لنهج التبعية بتقليد الجامعات الغربية «الرائدة» في ممارساتها وأنشطتها.
وخلص الباحث إلى المطالبة بضرورة الإسراع في مراجعة الممارسات العملية التي تبنت اللغة الإنجليزية في التدريس والبحث العلمي في جميع مؤسسات التعليم العالي، المنتمية للعلوم الاجتماعية والإنسانية في الدول الخليجية، مع وضع خريطة طريق للتصحيح بإعادة الاعتبار للغة العربية في أقرب فرصة ممكنة، وعدم السماح لبعض المسؤولين في تلك المؤسسات بالعبث بهوية الأمة ومستقبلها، عبر الجور على لسانها، منفذها نحو الاستقلالية الفكرية والتنموية.