بانتهاء مساء يوم الثلاثاء القادم تطوى صفحة مثيرة للجدل ومليئة بالأحداث في تاريخ الانتخابات الأمريكية، فهي المرة الأولى التي يأخذ فيها السباق نحو البيت الأبيض هذا الزخم والصدى على طول الكرة الأرضية وعرضها، في موسم انتخابي مليء بتصريحات وتراشقات المرشحين.
تحديات كثيرة تواجه الاقتصاد العالمي والسياسة الدولية مصحوبة بتخوف كبير من مواطني الشرق الأوسط خاصة بعد تصريحات المرشح الجمهوري دونالد ترامب المثيرة للجدل فيما يخص علاقة أمريكا بدول الشرق الأوسط، ومعروف أن دول الخليج تربطها مصالح استراتيجية مع أمريكا امتدت لعقود من الزمان.
لوسيل في هذا الملف تطرح الانتخابات الأمريكية من عدة محاور، نظرا لأهمية الانتخابات للمواطن الخليجي والعربي، ومحاولة لمعرفة ما إذا كانت هذه الانتخابات ستؤثر على التعاون الاقتصادي بين أمريكا والخليج من جهة وبين أمريكا وقطر من جهة أخرى.
بجانب استعراض حجم الإنفاق على سباق الرئاسة من الحزبين والمرشحين على حد سواء.
تساؤلات كثيرة وضعتها لوسيل على طاولة النقاش أمام الخبراء من مختلف الدول في محاولة منها لإيجاد ما يشبع فضول القارئ حول الفهم الصحيح للانتخابات الأمريكية.
الاستثمارات القطرية
لعل السؤال الذي يطرح نفسه بقوة هنا هل تتأثر الاستثمارات الخليجية والقطرية على وجه الخصوص بنتيجة الانتخابات الأمريكية، خاصة أن دولة مثل قطر خصصت نحو 35 مليار دولار لاستثمارات في الولايات المتحدة خلال الخمس سنوات المقبلة.
وينفي الدكتور محمود حداد هذه الفرضية (تأثر الاستثمارات) بشكل قاطع، فحسب وجهة نظره فإن الاستثمارات الدولية وخاصة الخليجية لن تتأثر بمن سيدخل قلعة الكابتال هول (أي البيت الأبيض)، لأن هذه الاستثمارات تحدد وفقاً للسياسات الاقتصادية على المدى الطويل، بالتوازي مع السياسات التجارية وقوة السوق.
ويؤكد الدكتور حداد الذي يشغل منصب مدير عام أحد البرامج الاستثمارية بجامعة تينسي الأمريكية، أن أي تغيير جذري في سياسة الولايات المتحدة الاستثمارية سياسهم في إضعاف الأمن والتجارة العالمية، بالتالي تتأثر الثقة العالمية في النمو الاقتصادي.
على الرغم من أن الدكتور إبراهيم العيسى يتفق مع حداد في أن الاستثمارات الخليجية في مأمن من نتيجة الانتخابات، إلا أنه حذر من أن إقرار قانون مثل قانون جاستا (الذي يخول المحاكم الأمريكية النظر في قضايا مرفوعة ضد حكومات أجنبية من قبل ضحايا العمليات الإرهابية في أمريكا) قد يكون له تأثير سلبي محتمل وجدي.
ويرى العيسى أن دول الخليج تفضل في العادة الحزب الجمهوري على الديمقراطي، لكن فوز دونالد ترامب (صاحب التصاريح النارية والمستفزة) حسب تعبيره، قد يجعل دول الخليج في حيرة من أمرها.
ليس هناك قلق من ناحية ترامب حسب رأي العيسى، من ناحية أن الرئيس الأمريكي يتخذ قراراته بناء على إجراءات صارمة ويكون فيه توجه الحزب هو الأثر الفعال الأمر الذي يبعث الاطمئنان على وضع العلاقات مستقبلاً.
ولا يرى العيسى أي تأثير محتمل على الاستثمارات القطرية في أمريكا، وإن كان هناك بعض الهزات فهي ستكون على الجميع (جميع الاستثمارات).
الدكتور عثمان محمد الذوادي، الأستاذ المساعد في كلية الإدارة والاقتصاد بجامعة قطر يرى أن التأثير قد بدأ بالفعل حتى قبل انتهاء الانتخابات نتيجة لتمرير قانون (جاستا). مبيناً أن هذا القانون هو ما قد يؤثر وبشكل كبير على مستقبل الاستثمارات الأجنبية بشكل عام في أمريكا وتحديداً المرتبطة بالحكومات أو أذرعها الاستثمارية.
وحسب وجهة نظر عثمان محمد الذوادي فالبيئة القانونية المحفزة للاستثمار هي ما يميز أمريكا، بالتالي أي تغيير في هذه البيئة يتطلب وقتاً لكي يتفهم المستثمرون طبيعة القانون الجديد والمخاطر التي يشكلها عليهم.
ويختلف الأستاذ عبد الرحمن بن أحمد القبيعي، وهو مصرفي سعودي سابق، عن سابقيه بأن الاستثمارات بأمريكا ستتأثر وقد يكون هذا التأثير بشكل غير مباشر لكن سرعان ما تتعافى مع مرور الوقت وتحديد السياسات الاقتصادية للرئيس الجديد كما حدث في بداية عهد أوباما.
الا أن القبيعي نفسه وضع استثمارات قطر في مأمن من أي تأثير لأن قطر ملتزمة ومهتمة بالجانب الاقتصادي الداخلي والخارجي وسياساتها الاقتصادية تؤكد ذلك في جميع أنحاء العالم.
ولم يتردد الدكتور الذوادي في القول إن السوق الأمريكي لا يزال الأفضل حول العالم، إلا أن توسع الاستثمارات أو تقليصها مرهون بما سيئول إليه تطبيق قانون جاستا ومن سيقود أمريكا في السنوات الأربع القادمة.
بعد موسم الانتخابات المليء بالتصريحات يتوجب على الرئيس القادم بعث رسائل طمأنة لحلفاء أمريكا وللأسواق العالمية.
وحسب الذوادي فإن انتخاب ترامب لن يساهم في طمئنة الأسواق وبالتالي من المتوقع في حالة فوزه أن تكون هناك فترة ترقب طويلة وتأجيل لقرارات الدخول باستثمارات جديدة.
التعاون الاقتصادي
العلاقة ما بين أمريكا ودول الخليج هي علاقة تاريخية، لا سيما علاقتها بدولة قطر، ويبقى السؤال عن مستقبل هذه العلاقة خاصة التعاون الاقتصادي بين البلدين في ظل ولاية الرئيس القادم للولايات المتحدة محل اهتمام الجميع.
وهنا يقول الدكتور حداد، الأستاذ بجامعة تينسي الأمريكية، إنه لا ينبغي أن تؤثر نتيجة الانتخابات الأمريكية على التعاون الاقتصادي بين قطر وأمريكا، لأن التعاون بين هذين البلدين يقوم على التعاون الاقتصادي على المدى الطويل لمصلحة البلدين.
والسياسات الإستراتيجية على المدى الطويل لا تتغير بين عشية وضحاها مع تغيير رئيس الولايات المتحدة.
ويمضي حداد قائلاً: أعتقد أنه إذا فاز ترامب فإن أحد أهدافه سيكون الاستقرار الاقتصادي وسيقوم بتشجيع الاستثمارات الأجنبية في الولايات المتحدة، ولا أظن أن قطر تخشى مستقبل الاستثمار في الولايات المتحدة.
وفي ذات الاتجاه يذهب الدكتور إبراهيم العيسى بأن الحكومات الغربية تؤمن دائماً بمبدأ المصلحة أو المصالح المتبادلة.
فإن وجدت لدى قطر مصالح، فسوف تكون العلاقات إيجابية بلا شك، وإن اختفت المصالح فإن الأثر السلبي سيظهر منهم بالمقابل.
شبه إجماع من الاقتصاديين بأن العلاقة والتعاون الاقتصادي ما بين قطر وأمريكا سيبقى كما هو لن يتأثر بالقادم الجديد.
ويضيف في هذا الإطار الدكتور والاقتصادي القطري عثمان محمد الذوادي، بأن فوز هيلاري سيصاحبه بطبيعة الحال انتقال سلس للسلطة يدفع نحو الاستمرار بالعلاقات الأمريكية مع حلفائها وتناول الملفات المشتركة بفعالية أكبر.
أما فوز ترامب سيؤدي إلى فتور مرحلي في العلاقات حتى يتم ترتيب الأمور الداخلية ووضع توجه واضح من قبل الإدارة الجديدة ورؤية لبناء علاقات أفضل مع حلفاء أمريكا، مبدأ المصلحة وتبادل المنافع حاضر في كل الأوقات بين البلدين.
ويرى القبيعي أن قطر تتمتع بسياسة اقتصادية حكيمة جداً خاصة أنها تستثمر مليارات الدولارات داخل الولايات المتحدة، فضلاً عن إمدادها بالغاز والصناديق السيادية بالتالي هذه السياسة لن تتأثر اقتصادياً بنتيجة الانتخابات فهي علاقة إستراتيجية قائمة على المصالح.
اقتصادات الخليج
يرى الدكتور محمود حداد الخبير الاقتصادي والأستاذ بجامعة تينسي الأمريكية، في إفاداته لـ لوسيل أن الوضع الاقتصادي في منطقة الشرق الأوسط لن يتأثر بنتائج السباق الرئاسي المحموم نحو البيت الأبيض، وذلك لأن اقتصاد الشرق الأوسط يعتمد بشكل أساسي على أسعار النفط والاستقرار السياسي العالمي والإقليمي، ويضيف أن أمريكا تستورد فقط 10% من نفط الشرق الأوسط.
ويتفق الدكتور محمد إبراهيم العيسى، الخبير الاقتصادي السعودي والمتخصص في القانون التجاري مع حداد، في أن اقتصاد الخليج يرتبط بشكل مباشر بعنصري أسعار النفط والاستقرار السياسي في المنطقة، إلا أنه يضيف بأن هذا التأثير بات جلياً في السنة الماضية وسوف يواصل استمراره لسنتين قادمتين، مضيفاً أن الوضع في الشرق الأوسط سيطغى (بلا شك) حسب تعبيره، على ما يحدث في الساحة السياسة الأمريكية لذلك فإن تأثير الانتخابات على المنطقة هامشي، من وجهة نظره.
إلا أن الدكتور عثمان محمد الذوادي، أستاذ الاقتصاد بجامعة قطر، ذهب إلى ما بعد الانتخابات الأمريكية، حيث شخَّصَ الوضع الاقتصادي في المنطقة بأن عوامل مثل الأزمة الأمريكية مع روسيا قد تجعل من أسواق النفط مرة أخرى مسرحا للضغط على روسيا، وهذا قد يدفع بالأسعار للنزول أو عدم العودة لمستويات 80 دولاراً للبرميل بالتالي سيفقد الخليج مدخولا أساسيا للميزانيات وتستمر فترة التقشف التي دخلنا بها من العام الماضي.
الوضع الاقتصادي في دول الخليج لن يختلف كثيراً في حال فوز هيلاري أو ترامب ، هكذا بدأ الخبير الاقتصادي عبد الرحمن أحمد القبيعي حديثه لـ لوسيل الذي برر ذلك بأن ربط الدولار بالبترول والغاز والتعاملات المالية والصناديق السيادية الخليجية، فكل هذه العوامل بجانب صفقات الأسلحة تجبر كلا المرشحين على التعامل مع دول الخليج بشكل أكبر.
ويرى القبيعي أن هذا التعاون هو سلسلة مترابطة ببعضها البعض ناحية البترول ومشتقات البترول والغاز وصفقات الأسلحة والتعاملات المالية كلها تنعش الاقتصاد الأمريكي قبل الخليجي، فلا يمكن التنازل عن هذا الدخل المهول من دول الخليج ولا يمكن للخليج أن يسمح للاقتصاد الأمريكي بالتدهور إلى مستوى غير مقبول قد يكون هناك تذبذب في العائدات الخليجية في بداية فترة الرئاسة ولكن سيعود الوضع الاقتصادي للانتعاش لكلا الطرفين.
الإنفاق على الانتخابات
الحديث عن الانتخابات الأمريكية لابد أن يصحبه حديث عن حجم الإنفاق على هذه الانتخابات، وكانت لجنة الانتخابات الأمريكية ذكرت في تقرير في يوليو الماضي حول مقدار الأموال التي أنفقها المرشحان في الحملة الانتخابية في سباق الرئاسة الأمريكي، أن مقدار ما جمعته مرشحة الحزب الديمقراطي هيلاري كلينتون بلغ نحو 386.1 مليون دولار، أنفقت منها نحو 301 مليون دولار ولديها سيولة نقدية في اليد نحو 85.9 مليون دولار.
وبالمقابل جمع مرشح الحزب الجمهوري دونالد ترامب نحو 94.2 مليون دولار أنفق منها نحو 73 مليون دولار وتبقت له نحو 22.5 مليون دولار.
وحسب التقرير الذي نشرته وكالة بلومبيرج الأمريكية في تقريرها بعنوان متابعة أموال سباق الرئاسة الأمريكي والذي حصلت لوسيل على نسخة منه فإن كلينتون استطاعت أن تجمع أموالاً أكثر في شهر يونيو الذي فازت فيه بترشيح الحزب متفوقة على أي مرشح آخر.
وكذلك فعل دونالد ترامب، الذي بدأ حملة جمع التبرعات بعد التمويل الذاتي الكبير لحملته الانتخابية.
دعم الحملات
وكشف التقرير عن الدعم المهني للحملات الانتخابية لكل من هيلاري كلينتون من حيث القطاعات المهنية، أوضح أن أكثر القطاعات دعماً لهيلاري كان قطاع المحامين حيث قدم نحو 24.7 مليون دولار من إجمالي 45.7 مليون دولار، وبالمقابل نجد أن رجال الأعمال هم الأكثر دعماً لحملة دونالد ترامب بنحو 0.29 مليون دولار من إجمالي 1.06 مليون دولار.
أما دعم الحملات الانتخابية من حيث الوظائف نجد أن الأشخاص الذين يعملون لحسابهم الشخصي هم أكثر الفئات دعماً للحملتين الانتخابيتين لكل من هيلاري وترامب، حيث دعموا هيلاري بنحو 27.07 مليون دولار بينما حصل منهم ترامب على نحو 1.09 مليون دولار وبالمحصلة نجد أن هيلاري استطاعت أن تحصل على دعم من هذه الفئات أكثر من ترامب بنحو 28.32 مليون دولار بينما حصل ترامب نحو 1.21 مليون دولار.
الأموال الحزبية
فيما يخص الأموال الحزبية حصلت اللجنة الوطنية للحزب الجمهوري على دعم أكثر من نظيرتها في الحزب الديمقراطي بنحو 60 مليون دولار.
وبالأرقام حصلت اللجنة الوطنية للحزب الجمهوري على دعم يقدر بنحو 178.5 مليون دولار بينما حصلت اللجنة الوطنية للحزب الديمقراطي على نحو 118.2 مليون دولار.
ويشار إلى أن كلينتون حصلت على دعم من لجان جمع التبرعات المشتركة بنحو 141 مليون دولار بينما حصل ترامب على نحو 6.7 مليون دولار.
الإنفاق على الحملات
أنفق ترامب على الإعلانات نحو 20.2 مليون دولار بنسبة 26.5% من الإنفاق على الحملة، بينما بلغ الإنفاق على التنقل نحو 8.4 مليون دولار، أي ما نسبته 11.1%. في الوقت الذي أنفقت فيه هيلاري على الإعلانات نحو 82.5 مليون دولار بنسبة 36.2% من الإنفاق على حملتها الانتخابية، بينما أنفقت على التنقل نحو 15.4 مليون دولار بنسبة 6.8% من إجمالي الإنفاق العام على الحملة.