اعتبر الدكتور مهند الحاج علي، باحث مقيم في مركز كارنيغي للشرق الأوسط في بيروت، أن الأزمة التي ستواجه لبنان جراء هذا الانفجار هي اقتصادية إنسانية، خاصة وأن انفجار مرفأ بيروت خلف وراءه عشرات الشهداء وآلاف الجرحى وسبب أضرارا جسيمة في المباني والخدمات والبنية التحتية المحيطة بالمرفأ.
وقال الدكتور علي في تصريح لـ لوسيل إن لبنان اليوم يقف أمام أزمة اقتصادية بسبب تدمير المرفأ والوسط التجاري لبيروت، حيث دمرت العديد من المباني والمحلات التجارية والخدمية في يوم واحد واليوم نحن نقف في وسط أزمة سياسية واقتصادية واجتماعية جاءت فوق كارثة إنسانية من هذا الحجم. وأعتقد أن الأمور وصلت لمرحلة يحتاج فيها لبنان لمساعدة على المستوى الإنساني لإغاثة المتضررين وعلى المستوى الاقتصادي لمساعدة لبنان على لملمة جروحه الاقتصادية.
ونوه الدكتور علي أن لبنان يعاني بالأساس من تفشي فيروس كورونا خلال الفترة الماضية ووصل ذروة التصاعد في حالات كورونا وبالتالي اكتظت المستشفيات بالمصابين وحالياً لا توجد أماكن لمعالجة الجرحى والمصابين. عملياً طفح كيل المصائب في لبنان ولا أعتقد بأن البلاد قادرة على تحمل المزيد.
واعتبر الباحث بمركز كارنيغي للشرق الأوسط في بيروت أن المساعدات التي قدمتها عدد من الدول ومن بينها قطر التي أرسلت على الفور مساعدات عينية لبيروت هي خطوة ممتازة وهي مساعدات سريعة ستعمل على تخفيف وطأة الحدث لأيام وعلى المدى الطويل يحتاج لبنان للمزيد من المساعدات لأن حجم الكارثة التي وقعت كبير خاصة وأن التقديرات تشير إلى أن لبنان خسر حوالي 5 مليارات دولار نتيجة هذه الأضرار، ولبنان يقدر هذه المساعدات من قطر ودول أوروبية وخليجية وأمريكا ويتطلع لمساعدات من صندوق النقد الدولي لفتح المزيد من المساعدات الاقتصادية للبنان.
هذه الخطوة وفقاً للدكتور علي يجب أن يرافقها دور أكبر للحكومة قائلاً: أولاً يجب على السلطات اللبنانية أن تؤدي مسؤولياتها تجاه المواطنين بإقامة إصلاحات جذرية اقتصادية ومحاسبة المسؤولين، لأن القضاء اللبناني عاجز عن محاسبة المسؤولين المقصرين لذلك أعتقد أن هناك ضرورة لإصلاحات جذرية.
وشدد الخبير الدولي على الدور الذي يمكن أن تقوم به دول الخليج، مشيراً إلى أن دول الخليج تستطيع تقديم مساعدات اقتصادية إلى لبنان بشكل أسرع وذلك من خلال تقديم حزم استثمارات مباشرة دون أن تمر على الحكومة اللبنانية بمعنى أن تستثمر في إعادة إعمار المرفأ والمحلات المؤسسات التجارية المدمرة، وإعادة إعمار المنازل التي دمرت كلها من شأنها أن تحافظ على الاقتصاد اللبناني خلال الفترة المقبلة.
وتابع: بيروت صارت اليوم بلا مرفأ وفقد الآلاف من السكان منازلهم بالإضافة للأزمة الاقتصادية الموجودة أصلاً ويعاني المواطنون من ارتفاع الأسعار نتيجة لانهيار سعر صرف الدولار والعملة اللبنانية أصبحت لا تساوي شيئاً. ولا يملك اللبنانيون قدرة على شراء الدولار والمواد الأولية لإعادة البناء والترميم.
أكد الدكتور حامد أحمد المرواني الباحث الأكاديمي الاقتصادي أن الاقتصاد اللبناني تعرض إلى ضغوطات كبيرة خلال السنة الحالية من ضمنها الضغوظ على العملة اللبنانية وغيرها من الضغوط الاقتصادية التي أثرت بشكل مباشر على صورة الاقتصاد اللبناني عالميا، لافتا إلى أن الانفجار جاء ضاغطا جديدا على الاقتصاد في لبنان الشقيق مما سينعكس بشكل مباشر على الثقة بالاقتصاد والإدارة والاستثمار بلبنان خلال الفترة المقبلة.
وأشار إلى أن الانفجار جاء بمرفق اقتصادي حيوي في الاقتصاد بلبنان، إذ يستحوذ ميناء بيروت على نحو 70% من حجم التجارة اللبنانية الخارحية مما سيجعل له أثرا مباشرا على القطاع الخاص من حيث الصادرات والواردات، بالإضافة إلى تأثر الخزينة جراء انخفاض عمليات الاستيراد والتصدير.
وأوضح أن الميناء يعتبر المخزن الرئيسي للمواد الغذائية والدوائية في لبنان مما يعني وجود أزمة حقيقية بما يتعلق بالأمن الغذائي والدوائي خلال الفترة المقبلة بعد انتهاء صلاحية هذه المواد الغذائية ومنها القمح جراء الانفجار، لافتا إلى أنه في حال عدم وجود مساعدات حقيقية من المجتمع الدولي ووجود بدائل سريعة ستواجه لبنان أزمة غذائية كبيرة.
ونوه المرواني إلى مبادرة حضرة صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني أمير البلاد المفدى بإرسال المساعدات الطبية إلى لبنان بالسرعة المطلوبة وهو ما يحتاجه اليوم لبنان الشقيق قبل المساعدات الأخرى التي تتعلق بالاقتصاد والغذاء، مؤكدا أن قطر وقيادتها من أوائل الدول التي تقدم العون للأشقاء كما كانت دائما.
وتوقع أن تشهد التقديرات الأولية للخسائر جراء انفجار لبنان زيادة متواصلة عن الخمسة مليارات دولار، لافتا إلى أنه لا يمكن اليوم حصر هذه الخسائر لا سيما وأنها ترتبط بمرفق حيوي له ارتباط وثيق بإيرادات الدولة من ناحية وبالقطاع الخاص من ناحية أخرى مما سيؤثر على الاقتصاد خلال الفترة المقبلة خاصة أنه يتعرض إلى ضغوط ما قبل الانفجار.
أكد طه عبد الغني الخبير الاقتصادي أن لبنان دخلت نفقا مظلما اقتصاديا ما قبل الانفجار الذي حدث أمس في مرفأ بيروت نتيجة الفساد وتشتت الطبقة السياسية ووجود العديد من الأطياف السياسية والأحزاب وغيرها التي كان لها الأثر السلبي على الاقتصاد اللبناني وصولا إلى الإعلان عن عجزها عن سداد الالتزامات الخارجية، لافتا إلى أن الانفجار شكَّل الضربة القاضية للاقتصاد اللبناني ويزيد من عمق الأزمة الاقتصادية في الاقتصاد اللبناني خلال الفترة المقبلة.
وبين أنه في حال عدم وجود دعم ومساعدات حقيقية للبنان خلال الفترة المقبلة فإن لبنان سيتعرض إلى أزمة حقيقية غير مسبوقة تمتد إلى سنوات طويلة، لافتا إلى أن الانفجار جاء في ظروف سياسية صعبة للغاية في لبنان خاصة وأن هناك ترقبا لقرار المحكمة في قضية اغتيال الحريري مما يشكل ضغطا كبيرا على الاقتصاد اللبناني خلال الأشهر المقلبة.
وحول مكان الانفجار في مرفأ بيروت، قال عبدالغني إن ميناء بيروت من أهم المرافق الاقتصادية الحيوية في لبنان كونه مصدرا رئيسيا للصادرات اللبنانية وأيضا حركة الواردات إلى السوق اللبناني، إذ يستقبل نحو 3500 سفينة خلال العام، لافتا إلى أن تأثر حركة التجارة اللبنانية مع مختلف دول العالم سيكون له أثر على الاقتصاد اللبناني.
ونوه إلى أن إعادة إعمار الميناء ستتطلب أموالا كثيرة تتجاوز قدرة لبنان خلال المرحلة الحالية بالإضافة إلى ضرورة أن يكون هناك بديل للميناء خلال فترة إعادة الإعمار للحفاظ على حركة التجارة الخارجية لمساعدة القطاع الخاص على تجاوز الأزمة الحالية.