تثار بأوساط شعبية وتنفيذية مشكلة الاحتكار التي يعاني منها المستهلكون والآلاف من منتجي الأسماك، لوسيل التقت جميع الأطراف التي ذكرت أن أسعار الأسماك تباع للمستهلكين بضعف السعر الذي يبيعه المنتج للتاجر، ووجه المنتجون أصابع الاتهام للتجار والدلالين باستغلالهم وشراء الأسماك منهم بأسعار بخسة، وناشدوا الجهات المعنية بوزارتي الاقتصاد و البلدية للقيام بدورها لمنع هذا النوع من الاحتكار، بينما أوضح التجار والدلالون أن هذه هي أسعار السوق التي تخضع للعرض والطلب.
والمعروف أن وزارة البلدية والبيئة تدعم تجار المزادات بمنحهم مكاتب مقابل رسوم إيجار رمزية لا تتعدى 500 ريال شهرياً، حيث يصل إيجار المحل في هذه المنطقة لـ 20 ألف ريال، واقترح من التقتهم لوسيل حلولاً حال تطبيقها فإن الاحتكار سيكسر وتنخفض أسعار الأسماك.
يشخص ناصر بن حسن الكبيسي - عضو المجلس البلدي وصاحب مراكب صيد - المشكلة بالقول: إن الأسماك من السلة الغذائية الإستراتيجية التي يفضلها المواطنون كغذاء بوجباتهم اليومية الرئيسية وبالتالي يتوجب على الأجهزة المعنية في الدولة ألا تغفل مراقبة عملية إنتاجها وتسويقها وجودتها وسلامتها، وتوفيرها بأسعار مناسبة للمستهلك وحصول المنتج على أسعار عادلة، لكن للأسف ذلك لا يتم بالشكل المطلوب وتكون النتيجة أن الصياد يرسل شحنات الأسماك المنتجة إلى السوق المركزي وهناك تتم أكبر عملية تلاعب في المنتج السمكي الكلي للدولة عبر مزادات وهمية يديرها أفراد من التجار معدودين على أصابع اليد ومعروفين لنا بالاسم، وذلك عن طريق وسطاء ودلالين غالبيتهم من كارلا بالهند وجنوب شرق آسيا والمقابل نسبة من الأموال يتقاضاها هؤلاء الدلالون . ويمضي الكبيسي قائلا: على سبيل المثال لا الحصر هؤلاء التجار يشترون منا ثلاجة الأسماك زنة 35 كيلو بـ 1500 ريال ويبيعونها بـ 4 آلاف ريال.
وهنا يتدخل مبارك أحمد صاحب مراكب صيد قائلا: القطريون يحبون أكل أنواع معروفة من الأسماك، أهمها الصافي والهامور والشعري والربيب والكنعد، ويضيف: الثلاجة زنة 35 كيلو أسماك شعري نبيعها في المزاد بـ 300 ريال مع العلم أن سعر الكيلو بالسوق 16 ريالا وأسماك الهامور نبيع الكيلو في المزاد بـ 50 أو 60 ريالا ويباع في الأسواق بـ 80 و90 ريالا. مؤكدا: لقد وصل الأمر إلى أن السائق الآسيوي الذي ينقل أسماكنا للمزاد لديه دفتر فاتورة ويتلاعب بأسعار الأسماك حسبما يريد، بينما يحتجز الدلالون قطعة سمك أو أكثر من كل منتج لحسابهم.
الاستغلال
ويقول أحمد مبارك المهيزع إن سلة الهامور (45 كيلو) يشتريها التاجر منا عبر المزاد بـ 2000 ريال ويبيعها بـ 4500 ريال لتكون أرباحه في السلة الواحدة 2500 ريال يوميا ويأخذ الدلال نسبة من 3 إلى 6%، بينما في الإمارات والبحرين تباع نفس السلة بـ 3 آلاف ريال والتاجر يربح 1500 ريال.
ويستطرد أحمد مبارك قائلا بأنه يوجد المئات من الطرادات تمارس الصيد بـ 6 مناطق صيد وهي الوكرة والشمال والدوحة والخور ومسيعيد، مؤكدا أن بضعة تجار يحتكرون شراء الأسماك وتصديرها إلى خارج الدولة ويتحكمون بأسعارها ويشعلون أسعارها بالأسواق.
ناصر بن حسن الكبيسي يرى أن الحل في مواجهة الاحتكار هو اتباع الخطوات التي قامت بها دول مجاورة ومن بينها إنشاء جمعية مساهمة للصيادين، تلك الجمعية تقوم بإدارة الأسواق المحلية للأسماك وتحديد طرق البيع والشراء ودعم الصيادين ووسائل صيدهم، مؤكدا أن بعض الصيادين في الدولة يعزفون عن المطالبة بتلك الجمعية لأنهم كانت لديهم تجربة فردية خاصة سلبية مع إحدى الجمعيات، لكن ما يميز الجمعية المقترحة الجديدة أنها تتم تحت مظلة وزارة الاقتصاد والتجارة وتحت إدارة التسويق وحماية المستهلك بها وتقدم الجمعية أيضا سلفا مالية لمن يريد.
وقال حمد المري - مستهلك: نشتري أسماك الهامور من المحلات بالمولات التجارية وغير المولات بأسعار تتراوح بين 85 إلى 90 ريالا، وأنهم يستغلوننا، وعلى الجهات المعنية التدخل.
وقالت خديجة السويفي - مقيمة: التجار يخزنون ويصدرون أسماك الهامور لدول مجاورة ولذلك أسعارها ترتفع على المستهلك المحلي ومطلوب ضوابط لهذا الأمر. بينما قال سلطان العلي: توجد أسماك بـ 15 ريالا مثل الشعيري وغيره وعلى المستهلك ألا يركز على أصناف بعينها.
البلدي يناقش
أثار العضو بالمجلس البلدي المركزي، ناصر الكبيسي، الموضوع في جلسة المجلس الماضية وقال لـ لوسيل : سوف يُستدعى المعنيون بتجارة الأسماك للمجلس ويطرح الموضوع أمامه للمناقشة والبحث واعداد توصية ترفع للجهة المعنية حول تأسيس الجمعية، مؤكدا أن الصيادين في انتظار إعلان الجمعية.
ويقول أحمد مبارك المهيزع، صاحب مراكب صيد: إننا عقدنا بالفعل جلسة تأسيسية للجمعية عام 2014 بحضور 200 صياد وكان من المنتظر أن يتم الإعلان عن قيام الجمعية لكن تعثر الأمر، وأشار إلى أن بعض الصيادين يتكسبون من شراء أدوات الصيد ومعداته من دبي والبحرين وبيعها في الأسواق المحلية القطرية ويخشون حال الإعلان عن تأسيس الجمعية أن يفقدوا ميزاتهم تلك، ويصف ذلك بأنه نظرة ضيقة لأن إعلان الجمعية سيمكنهم من الربح بشكل أكبر.
ويشير أحمد مبارك المهيزع إلى نظام آخر تتبعه دول مجاورة يعرف بـ المن من خلاله تقوم وزارة الاقتصاد بتحديد أسعار الأسماك التي يتم صيدها سواء بالنسبة للمستهلك أو المنتج أو التاجر.
وقال عيدان المري، صاحب مراكب صيد: إن 8 تجار على الأكثر هم من يحتكرون تجارة الأسماك في الدولة الآن من بينهم 4 تجار يحتكرون التصدير للخارج وكل من لديهم علاقة بمجالات صيد وتجارة الأسماك يعرفون هذا الأمر، وهو أمر يستدعي تدخل الدولة لوضع حد له.
وقال عبد العزيز الدهيمي رئيس قسم المصائد السمكية لـ لوسيل : إن الهامور يباع بالساحات التي تشرف عليها الوزارة بسعر يتراوح بين 60 و65 ريالا للكيلو وعلى الرغم من ذلك فنحن على استعداد للتعاون مع الصيادين إن أرادوا تأسيس جمعية لهم تنظم بيع منتجاتهم.
دلالون وتجار
وفي السوق المركزي قال الدلال غاندي سومو بأنه ليس صحيحاً اتفاقهم مع التجار من أجل ممارسة نوع من الاستغلال للمنتجين وأسعار الأسماك يحكمها العرض والطلب، مشيرا إلى أنه توجد أنواع كثيرة من الأسماك رخيصة وهامش ربحها محدود، وقال أحمد ماهيداب، تاجر: نخضع للقانون ولرقابة الدولة ونمارس حقنا في الكسب المشروع ونحن لا نحتكر لكون أن عمليات المزايدة والبيع والشراء يحكمها القانون. وأشار إلى أن الصيادين يعتقدون خطأ بأننا نستغلهم. وأوضح أن قرابة (40%) من المعروض لديه من الأسماك تقوم بشرائه الفنادق والمطاعم، وما يتم تصديره كميات محدودة. وقال أحد المفتشين بوزارة البلدية والبيئة بالسوق المركزي لـ لوسيل أثناء إحدى جولاته: إننا نراقب جودة الأسماك والتزام الجميع بالقانون وأي مخالفات لا يتم التساهل معها أبدا، بل يحيل المخالفين للنيابة، وقال المفتش الذي رفض ذكر اسمه: على الصيادين أن ينظموا جهودهم للدفاع عن مصالحهم وسد الثغرات القانونية التي تسبب الاحتكار.
حجم الإنتاج
وتكشف بيانات إدارة الثروة السمكية بوزارة البلدية والبيئة أن حجم الإنتاج السنوي للدولة من الأسماك يتراوح بين 15 إلى 17 ألف طن، ويغطي نسبة 85% من حاجة البلاد للاكتفاء الذاتي بالنسبة لاستهلاك الأسماك الطازجة..
البيانات أوضحت أيضا أن نسبة الـ 15% المتبقية 3 أطنان - لا تعتبر نقصا في إنتاج الأسماك بالدولة، وإنما ترجع لثقافة المستهلك الذي يرغب في تنويع استهلاك الأسماك التي ليست متوفرة في المياه الإقليمية القطرية، واستيرادها من الخارج، حيث تعمل في صيد الأسماك بدولة قطر حوالي 520 سفينة.
منذ الخمسينيات شهدت قطر زيادة هائلة في كمية الأسماك التي يتم صيدها، فمن عام 1950 حتى عام 1999 تضاعف إجمالي استغلال الثروة السمكية في قطر أكثر من 10 أضعاف من 400 إلى 4397 طنا متريا سنويا ومن عام 2000 حتى عام 2008 زاد معدل استغلال الثروة السمكية أكثر من الضعف من 7140 إلى 17 ألفا و688 طنا متريا سنويا.
بينما انخفض مجموع ما يتم صيده من 14066 طن متري سنويا عام 2009 إلى 11274 طنا متريا سنويا عام 2012.
أسباب تذبذب الإنتاج
وتشير دراسة حول مؤشرات التنمية للدولة للعام الأخير إلى أنه يمكن تفسير تذبذب الإنتاج السنوي من الأسماك بأنه يعود إلى ضعف استخدام التكنولوجيا المتقدمة في عمليات الصيد، وضعف الاستثمار الخاص، ونقص العمالة المتخصصة وصعوبة الظروف الاقتصادية والاجتماعية التي يعيشها صيادو السمك. ومن المتوقع ارتفاع كميات الصيد في المستقبل القريب لتترافق مع الزيادة السكانية المتوقعة جراء تنفيذ مشروع بحثي إنتاجي في مجال الثروة السمكية إضافة إلى وحدات للاستزراع الكامل للأسماك والروبيان تشمل وحدات التفريخ والتسمين الأولى والنهائي. ويقام المشروع الذي أنجزت منه 85% من مرافقه وبنيته التحتية الآن على مسافة 110 آلاف متر مربع في منطقة الخور وتقدر تكلفة إنشاء المباني والتجهيزات للوحدات الإنتاجية للأسماك والروبيان بنحو 150 مليون ريال. وتحصي التقارير البيئية أن عدد قوارب الصيد كان 499 قاربا عام 2012 ووصل الآن لـ 520 سفينة وانخفض عدد الصيادين بعد ذلك بنسبة 31% على أثر قرار يحظر نزول الأجانب البحر للصيد ووصل عدد العاملين بالصيد إلى 3573 شخصا. وتصل معدلات صيد القارب 22.6 طن متري سنويا، بمعدل 3.2 طن متري لكل صياد.