شكل الاقتصاد والشراكة الإستراتيجية عنوانا بارزا في تنامي العلاقات القطرية الألمانية التى بدأت منذ كثر من 60 عاما، وفي الآونة الأخيرة جرى تفعيل وتوقيع عدد من الاتفاقيات الإستراتيجية بين الجانبين من بينها اتفاق التجارة الحرة، واتفاقية لإقامة شراكة في قطاع الطاقة تهدف لتزويد ألمانيا بالغاز المسال ابتداء من العام 2026. وتبلغ قيمة الاستثمارات القطرية في المانيا 25 مليار يورو، وتشمل قطاعات صناعة السيارات، والاتصالات، والضيافة والخدمات المصرفية، وغيرها من القطاعات المهمة. ووفق سجلات رسمية بلغ حجم التبادل التجاري بين البلدين خلال العام الماضي 7.1 مليار ريال، مقابل 6.8 مليار ريال عام 2022، وبزيادة بلغت نسبتها 4.4%، مما يجعل المانيا أحد أهم الشركاء التجاريين لدولة قطر، وتمتلك دولة قطر حصصا في أهم المجموعات التجارية والمصرفية الألمانية، ومن بينها مجموعة فولكس فاغن العملاقة لصناعة السيارات، وتساهم فيها بحصة تبلغ قيمتها 9 مليارات دولار أمريكي، وتستثمر في مجموعة إمدادات الطاقة أر دبليو إي - RWE AG ، من أكبر منتجي الطاقة المتجددة على مستوى العالم، بمبلغ 2.4 مليار يورو، وبحصة تبلغ 21% في شركة سمينز الرائدة، المتخصصة في مجال الطاقة والإلكترونيات، بما في ذلك الرعاية الصحية والبنية التحتية، وحصة تساوي 6.1% في دويتشه بنك أحد أهم البنوك العالمية المعروفة بدورها الريادي في الاستثمارات والصفقات العالمية الكبرى، كما تستحوذ الدولة على حصة قدرها 49% بشركة سولار وورلد لصناعة تكنولوجيا الألواح الشمسية، التي تصنف من كبريات الشركات العالمية في هذا المجال.
ووقعت قطر للطاقة اتفاقا مع شركة كونوكو فيليبس لتصدير الغاز المسال إلى ألمانيا لمدة 15 عاما بدءا من عام 2026. وقال سعادة السيد سعد بن شريدة الكعبي، وزير الدولة لشؤون الطاقة القطري العضو المنتدب والرئيس التنفيذي لقطر للطاقة، إن الاتفاق سيوفر لألمانيا مليوني طن من الغاز المسال سنويا، تصل من راس لفان في قطر إلى محطة الغاز المسال شمالي ألمانيا. وأضاف الكعبي أن ألمانيا تمثل أكبر سوق للغاز في أوروبا، مؤكدا الالتزام بدعم أمن الطاقة فيها.
تعزيز الاستثمارات المتبادلة
وخلال لقاء جرى بين غرفة قطر ووفد من رجال الاعمال الالمان مؤخرا اشار السيد محمد بن احمد بن طوار الكواري النائب الأول لرئيس غرفة قطر، الى العلاقات المتميزة التي تجمع بين دولة قطر وجمهورية المانيا الاتحادية في مختلف المجالات وخصوصا في الجوانب التجارية والاقتصادية، واهمية تعزيز الاستثمارات المتبادلة، لافتا الى وجود عشرات الشركات الألمانية في السوق القطري، حيث تعمل في قطاعات متنوعة كالتجارة والمقاولات والخدمات والشحن والأجهزة والمعدات الطبية وغيرها، وفي الجانب المقابل، تتنوع الاستثمارات القطرية في ألمانيا لتشمل قطاعات مختلفة مثل صناعة السيارات، الطاقة والالكترونيات، الطاقة الشمسية، البنوك، الرعاية الصحية، البنية التحتية، متوقعا أن تشهد الفترة المقبلة مزيداً من الاستثمارات القطرية في ألمانيا.
ودعا بن طوار الشركات الألمانية إلى الاستفادة من المحفزات والمزايا التي توفرها قطر للمستثمر الأجنبي واستكشاف الفرص المتاحة للاستثمار في قطر، حيث تتوفر في قطر بنية تحتية على مستوى عالمي، ومنظومة تشريعية تتضمن العديد من التشريعات والقوانين المحفزة على الاستثمار والتي جعلت من دولة قطر مركزا عالميا رائدا للأعمال والاستثمار، مما يجعل بيئة الاعمال في قطر جاذبة للشركات العالمية الكبرى، لا سيما في ظل تشريعات اتاحت الفرصة للمستثمرين الأجانب للتملك بنسبة 100% في جميع القطاعات والأنشطة الاقتصادية والتجارية، علاوة على ما توفره المناطق الحرة والصناعية واللوجستية من فرص استثمارية رائدة ومحفزات استثمارية جاذبة.
إنشاء شراكات حقيقية
واكد بن طوار دعم غرفة قطر وتشجيعها للتعاون والشراكة بين الشركات القطرية والألمانية، مضيفا ان الغرفة ترحب بمزيد من الشركات الألمانية في السوق القطري والاستفادة من التكنولوجيا الألمانية، كما تشجع المستثمرين القطريين إلى استكشاف الفرص المتاحة للاستثمار في المانيا وتعزيز التعاون مع الشركات الألمانية وانشاء شراكات حقيقية سواء في قطر أو في المانيا، خاصة وأن المانيا تعتبر وجهة استثمارية جاذبة وتزخر بالكثير من الفرص الاستثمارية في أغلب القطاعات، وأَن الشركات الألمانية العاملة في قطر تلعب دورا هاما في تطوير الاقتصاد القطري. فقد بلغ عدد هذه الشركات ما يزيد عن 300 شركة تعمل في قطاعات حيوية كالإنشاءات والبنية التحتية والخدمات الاستشارية. بالإضافة لذلك فإن ألمانيا تعتبر مقصدا مهما للاستثمارات القطرية التي بلغت نحو 25 مليار يورو .
وخلص للقول تشمل هذه الاستثمارات مشروعات حيوِية في قطاعات السيارات وتكنولوجيا المعلومات والبنوك. ولابد من الإشارة هنا إلى أَن النقل الجوي يقوم بدور رئيسي في مد جسور التعاون والتواصل الثنائي في المجالات التجارية والسياحية والاستثمارية والثقافية بين بلدينا. فالرحلات العديدة التي تقوم بها الخطوط الجوية القطرية إلى ألمانيا ساهمت في ارتفاع عدد الزائرين الألمان إلى دولة قطر الذي تزايد بنسبة عالية عام 2017 .
شراكات طويلة الأمد
من جهته قال السيد محمد بن أحمد العبيدلي عضو مجلس إدارة غرفة قطر إن رجال الأعمال القطريين مهتمون بشراكات طويلة الأمد مع الشركات الألمانية، وأن القطاع الخاص في كلا البلدين عليه دور في تعزيز الميزان التجاري بين البلدين، خاصة في ظل توفر البنية التحتية في قطر لاستيعاب استثمارات في مختلف القطاعات الاقتصادية، وأن هناك رغبة من جانب رجال الأعمال القطريين في الاستفادة من التكنولوجية الألمانية في الصناعة.
وأكد العبيدلي أن دولة قطر تعتبر محطة هامة في المنطقة ومركزاً للاستثمار وفرص الأعمال للتوسع في الأسواق الخارجية، وأن القطاعات التي يمكن للقطريين والألمان التعاون فيها متنوعة لاسيما في قطاعات التكنولوجية المصرفية والأمن الغذائي والسياحة وتنظيم الفعاليات الكبرى والرقمنة وغيرها.
وفي هذا السياق، أكد نزار معروف المدير الإقليمي للرابطة الألمانية الاتحادية للشركات الصغيرة والمتوسطة بي في إم دبليو (BVMW) بقطر، أن زيارة أمير دولة قطر إلى جمهورية ألمانيا شكلت فرصة فريدة لتعزيز تنويع الأسواق أمام القطاع الخاص القطري.
وقال معروف لوكالة الأنباء القطرية إن تنامي التعاون القطري الالماني يفتح آفاقا جديدة لرجال الأعمال القطريين وتوسيع التعاون مع نظرائهم الألمان، مما سيسهم في تعزيز النمو الاقتصادي والتبادل التجاري بين البلدين، ويخلق مناخا إيجابيا لعقد صفقات جديدة، واستكشاف أسواق جديدة في قطاعات مختلفة.
ومن جانبه أكد سعادة السيد عبد الله إبراهيم عبد الرحمن سلطان الحمر سفير دولة قطر لدى جمهورية ألمانيا الاتحادية لقنا إن ألمانيا تولي اهتماما كبيرا لتنمية قطاع الشركات الصغيرة والمتوسطة، وتطوير الطاقة النظيفة، مثل طاقة الرياح والهيدروجين الأخضر ، معتبرا هذه المجالات فرصا كبيرة للشركات القطرية والألمانية لبناء شراكات اقتصادية واستثمار مباشر.
وعن الاستثمار القطري في ألمانيا، أشار سعادة السيد عبد الله إبراهيم عبد الرحمن سلطان الحمر، إلى تركيز دولة قطر على الاستثمار في قطاعات الشركات الناشئة، وتكنولوجيا المعلومات، والذكاء الاصطناعي، وإنتاج أشباه الموصلات، لاسيما أن هذه القطاعات تشكل فرصا كبيرة للاستثمار والتوسع بين البلدين .
الطاقة المتجددة
وتهتم المانيا بالاستثمارات بمجالات الطاقة المتجددة نظرا لتنامي دور الطاقة المتجددة في ألمانيا في توليد الكهرباء منها، لكنها لم تؤثر في استعمال الفحم الذي ما تزال تعوّل عليه برلين في هذا الخصوص بسبب شُح الغاز الروسي. وأسهمت الطاقة المتجددة بنحو 47% من إجمالي الكهرباء المستهلكة في ألمانيا، بيد أن استعمال الفحم قد ارتفع هو الآخر في نتيجة مباشرة لتراجع إمدادات الغاز الروسي على خلفية الحرب الأوكرانية، وفق ما نشره موقع ري تشارج RECHARGE، نقلًا عن بيانات الرابطة الاتحادية لصناعات المياه والطاقة بي دي إي دبليو .
ونظرًا إلى اضطرار ألمانيا (أكبر اقتصاد في أوروبا)، إلى اللجوء لتوليد الكهرباء من بعض المحطات المعطلة التي تعمل بالفحم، بغية تعويض إمدادات الغاز المنخفضة، فقد ارتفعت تلقائيًا مستويات انبعاثات غاز ثاني أكسيد الكربون في قطاع الطاقة ارتفاعًا طفيفًا مجددًا، وذلك للمرة الأولى منذ سنوات.
وقالت العضوة المنتدبة في بي دي إي دبليو ، كريستين أندريا، صار لزامًا علينا أن نعطي دفعة جديدة للاستثمارات في الطاقة المتجددة في ألمانيا، ومحطات الكهرباء التي تعمل بالهيدروجين، بالتوازي مع شبكات الطاقة .
وانخفض استعمال الغاز في إجمالي توليد الكهرباء من 15.4% في عام 2021 إلى 13.5% في 2022، في حين قفزت معدلات توليد الكهرباء من مصادر الطاقة المتجددة كافّة إلى 44.6% (2022) من 40.5% في العام (2021).
وتأتي الأرقام الخاصة باستهلاك الكهرباء وتوليدها مختلفة نوعًا ما، إذ يُنظر إلى ألمانيا على أنها بلد مصدّر للكهرباء، في حين يتعرّض جزء من الكهرباء المولدة للهدر إبان عملية النقل.
تبلغ مساحة ألمانيا أكثر من 357 ألف كيلو متر مربع، ويزيد عدد سكانها على 84 مليون نسمة، وأظهرت بيانات رسمية حديثة أن ألمانيا تجاوزت اليابان لتصبح ثالث أكبر اقتصاد في العالم، وقد بلغ إنتاجها المحلي خلال العام الماضي حوالي 4.50 تريليون دولار، وهي أكبر وأهم سوق بدول الاتحاد الأوروبي، ويتركز اقتصادها على المنتجات الصناعية والخدمات.