دماء جديدة لاستكمال المسيرة

التغييرات الوزارية تعزز إستراتيجية الطاقة وخطط التوسعات

لوسيل

شوقي مهدي

وصف خبراء قرار حضرة صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني أمير البلاد المفدى، بتعيين سعادة المهندس سعد بن شريدة الكعبي وزيراً للدولة لشؤون الطاقة عضواً بمجلس الوزراء، وقرارين آخرين بتنظيم المؤسسة العامة القطرية للكهرباء والماء وتشكيل مجلس إدارة قطر للبترول، من شأنه أن يدفع بقطاع الطاقة إلى الأمام بما يتواكب مع توجهات الدولة وريادتها في قطاع الطاقة عالمياً، عبر ضخ دماء جديدة لتكون مرجعية لشؤون الطاقة وتبني مشاريع وأفكار جديدة تنفذ مستقبلاً.

ويأتي قرار إعادة تشكيل مجلس إدارة قطر للبترول من أجل تعزيز إستراتيجية الشركة التي ترتكز على تعزيز قدرات الشركة وتعظيم قيمة الأصول لدولة قطر وإنشاء محفظة دولية ذات نطاق واسع وقيمة مضافة بالإضافة لتعزيز مكانة قطر الدولية في صناعة الغاز الطبيعي المسال والقيمة المضافة من الصناعات البتروكيماوية ودعم كفاءة الطاقة وتحقيق مزيج الطاقة الأمثل في قطر.
وتقوم رؤية قطر الوطنية 2030 على 6 ركائز أساسية من بينها التنمية الاقتصادية والتي تقوم على الاستغلال الأمثل للنفط والغاز، وخلق التوازن ما بين الاحتياطي والإنتاج والتنويع الاقتصادي.

استكمال المسيرة

وقال الخبير النفطي محمد يعقوب السيد لـ لوسيل إن تعيين المهندس الكعبي وزيراً للدولة لشؤون الطاقة عضواً بمجلس الوزراء يأتي استكمالاً لمسيرة سعادة الدكتور محمد بن صالح السادة وزير الطاقة والصناعة السابق، خاصة أن قطر تمر بمرحلة حساسة في مجال تطوير صناعة الغاز الطبيعي المسال إلى 110 ملايين طن سنوياً وذلك تجسيداً للرؤية الحكيمة لحضرة صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني أمير البلاد المفدى.
وبين أن قطر تطمح لأن تظل الأولى في تصدير الغاز الطبيعي المسال، ويحتاج التطوير لإضافة بصمات جديدة وأفكار جديدة خاصة أنه في الفترة الماضية عمل الجميع على التطوير لمواكبة المنظومة الشاملة لقطر في قطاع الطاقة.
وحول إدارة متخصصة للطاقة الجديدة والمتجددة قال السيد إن تطوير هذا القطاع له أهمية خاصة، لأنها طاقة ضرورية ولدى قطر أنواع مختلفة من الطاقات المتجددة مثل الطاقة الشمسية وطاقة الرياح بالإضافة لطاقات أخرى غير معروفة وهي طاقة البحر (المد والجزر)، ونحن سعداء بهذه القرارات التي من شأنها استغلال الطاقات الكامنة في قطر وتدفع بهذه المشاريع إلى الأمام وتطويرها.

صناعة الهيدروكربون

وبفضل عائدات الطاقة شهد الاقتصاد القطري نمواً قوياً خلال فترة زمنية قصيرة وأصبحت صناعة الهيدروكربون القاطرة التي قادت التحول الكبير في الاقتصاد، كما حققت الطاقة فائضاً كبيراً في الموازنة بالإضافة لكونها تدفع بقطاعات أخرى (غير الهيدروكربونية) للنمو والمساهمة في خطط الدولة نحو التنويع الاقتصادي وتبني اقتصاد قائم على المعرفة.
كما تدعم رؤية قطر الوطنية إدارة قطاع نفط وغاز محفز ومحرك للابتكارات التكنولوجية المتقدمة ومشارك في تنمية الموارد البشرية وبناء القدرات الاقتصادية، وبذل جهود مكثفة لتطوير صناعة الغاز وجعلها تحتل مرتبة متقدمة كمصدر للطاقة النظيفة لقطر والعالم، بالإضافة للاحتفاظ باحتياطي إستراتيجي من النفط والغاز على أسس طويلة الأمد لأسباب تتعلق بالأمن الوطني والتنمية المستدامة.
وفي سبتمبر الماضي أعلنت قطر للبترول قرارها رفع طاقة إنتاج الغاز الطبيعي القطري المسال من 77 مليون طن إلى 110 ملايين طن سنويا، وذلك بإنشاء خط إنتاج رابع عملاق تتم إضافته لخطوط الإنتاج الثلاثة التي تم الإعلان عنها في يوليو من العام الماضي.
وبإضافة خط الإنتاج الرابع في خطة التوسع، سينتج المشروع أيضا حوالي 4 آلاف طن من الإيثان و263 ألف برميل من المكثفات، و11 ألف طن من غاز البترول المسال، إضافة إلى حوالي 20 طنا من الهيليوم النقي يومياً. ومن شأن هذا المشروع الجديد أن يعزز مكانة قطر الرائدة في صناعة الغاز العالمية ويدعم الخطط الإستراتيجية لقطر للبترول في التوسع والنمو، كما سيساهم بشكل كبير في دعم موارد الدولة وتحفيز الاقتصاد وعملية التنمية.
ووفقاً للخبراء فإن صناعة الغاز الطبيعي المسال تفتح آفاقا مشرقة، وإن مشروع التوسع الجديد يعكس التزام قطر للبترول بتلبية الاحتياجات المتزايدة لعملائها في جميع أنحاء العالم من هذا الوقود الموثوق به والصديق للبيئة.

بنية تحتية راسخة تعكس ريادة قطر بصناعة الغاز الطبيعي

استطاعت قطر في العقود الماضية أن تضمن لنفسها الريادة العالمية في صناعة الغاز الطبيعي المسال، من خلال بنية تحتية راسخة تمد العالم بنحو ثلث الإنتاج ووصلت السفن القطرية لأقاصي الدنيا مساهمة في مد العالم بالطاقة النظيفة ووقود صديق للبيئة. وتعد عائدات النفط والغاز العمود الفقري للاقتصاد القطري وتسعى الحكومة لزيادة الإنتاجية من الغاز لدوره الكبير في دعم الأنشطة الصناعية المختلفة بجانب المحافظة على ريادتها في سوق الطاقة العالمي خلال السنوات القادمة.
وبإعلانها عن خطط التوسعات الكبيرة في سوق الطاقة بنسبة 43% في السنوات السبع المقبلة، قال خبراء إن قطر ستحتفظ بمركزها العالمي كأكبر منتج للغاز الطبيعي حول العالم، وأنها ستبقى لاعباً كبيراً على الخريطة الدولية لذلك القطاع، مهما كانت ظروف السوق صعبة.
ويرى الخبراء أن مستقبل العالم رهين بالتحول الكامل نحو بدائل الطاقة النظيفة لذلك أن الأنظار تتجه لبدائل الطاقة المتجددة أو النظيفة أو ما يعرف بالطاقة الخضراء، ويقصد بها أنواع وموارد الطاقة التي تتجدد تلقائيا في الطبيعة ولا تطلق غازات الكربون السامة. مؤكداً على الحاجة لتنوع مصادر الطاقة النظيفة المتعددة مثل طاقة المد والجزر، والطاقة المائية، والطاقة الكهرومائية، وطاقة الرياح، والطاقة الشمسية، والطاقة الحيوية، والطاقة الحرارية الأرضية وغيرها.
ويعد الغاز أحد أهم مصادر الطاقة النظيفة الأحفورية في العالم الأمر الذي يجعل دولا مثل قطر لاعباً أساسياً في إعادة توازن المناخ العالمي باستمرار إمدادات الغاز إلى العالم.
واستفادت من الاتفاقيات طويلة الأجل مع مستهلكين رئيسيين للغاز بالعالم في اليابان وكوريا الجنوبية والصين، بالإضافة إلى أن كلفة الغاز القطري المسال هي أقل من كل المنافسين، حيث تتراوح كلفة المليون وحدة حرارية بريطانية من الغاز القطري بين دولار ودولارين، مقارنة بنحو 2.5 دولار في أمريكا و3 دولارات في أستراليا.

التوسع نحو السوق الآسيوي

وبما أن الطلب على الغاز الطبيعي المسال ازداد خلال هذا العام ظهرت إستراتيجية الشركة التسويقية المتمثلة في تعزيز التعامل المباشر مع المستهلكين النهائيين، من خلال توقيع عقود طويلة الأجل مع عدد من الشركات الآسيوية، من ضمنها اتفاقية في أكتوبر الماضي لتزويد شركة أورينتال آينيرجي الصينية بشكل مباشر بحوالي 600 ألف طن من الغاز البترولي المسال سنوياً، ولمدة 5 أعوام.
وفي ذات الشهر أعلنت الشركة تولي إدارة وتشغيل حقل النفط البحري (العد الشرقي - القبة الشمالية) فور انتهاء اتفاقية التطوير والمشاركة بالإنتاج الموقعة مع شركة أوكسيدنتال قطر للبترول المحدودة في 6 أكتوبر 2019.
وفي أول أكتوبر الماضي أيضاً أعلنت الشركة عن اتفاقيتين لتزويد شركة ماروبيني اليابانية بما مجموعه 1,2 مليون طن من النافثا سنويا اعتبارا من شهر أكتوبر الماضي ولمدة خمسة أعوام لكل من العقدين. وتعتبر الاتفاقيتان مع ماروبيني الأكبر والأطول بينها وبين قطر للبترول منذ بدء التعاملات التجارية بينهما في مجال النافثا قبل أكثر من ثلاثة عقود.

استثمارات خارجية

وشهدت صناعة الغاز الطبيعي توسعاً خارجياً في إطار خطط قطر للبترول في التوجه لوجهات جديدة حول العالم من خلال توسعات طموحة في مختلف أرجاء العالم. ومن بين هذه التوسعات فوزها ضمن تحالف عالمي بعقد للاستكشاف عن النفط في البرازيل ضم كلا من شركة شل وشركة النفط البحرية الوطنية الصينية CNOOC للمشاركة في الإنتاج في قطاع (التو دي كابو فريو-اويستي) في حوض سانتوس في المياه العميقة المقابلة للسواحل البرازيلية، ومن ثم توقيعها اتفاقاً تصبح بموجبه شريكاً بنسبة 30% من نسبة المقاول (contractor) في أعمال الاستكشاف والمشاركة بالإنتاج في المنطقة البحرية رقم 52 قبالة شواطئ سلطنة عمان الشقيقة.
وفي المكسيك فازت بقعود الاستكشاف ومشاركة الإنتاج في خمس مناطق بحرية قبالة سواحل المكسيك، ووقعت قطر للبترول اتفاقاً مع شركة توتال الفرنسية تصبح بموجبه شريكاً بنسبة 25% في أعمال الاستكشاف في المنطقة البحرية رقم 11B/12B قبالة شواطئ جنوب إفريقيا.

وقود المستقبل

ووفقاً لخبراء فإن إنشاء إدارة متخصصة للطاقة الجديدة والمتجددة، مما يعزز توجه قطر نحو الاستغلال الأمثل للطاقة المتجددة خاصة أن الدولة تواصل تقدمها في صناعة الطاقة الشمسية لاستخدامها كطاقة بديلة لتقليل الاعتماد على الطاقة الهيدروكربونية. وبالفعل هناك خطوات جيدة تم اتخاذها في هذا الإطار مثل إطلاق شركة سراج للطاقة العام الماضي برأسمال قدره 500 مليون دولار وبقدرة 100 ميغاوات من الكهرباء، كما تستهدف شركة نبراس للطاقة التابعة لشركة الكهرباء والماء القطرية أن تستحوذ الطاقة المتجددة بأنواعها المختلفة على 30% من إجمالي الطاقة المنتجة.
ويتوقع الخبراء أن توسع قطر إنتاجها من الطاقة الشمسية من خلال المشاريع العملاقة وفي طريقها نحو استضافة أكبر حدث كروي في العالم وهو كأس العالم قطر 2022، كما أن الاعتماد على الطاقة المتجددة وترشيد استخدام الطاقة لم يعد مجرد خيارٍ في عالمٍ باتَ محفوفاً بمخاطر التلوث البيئي وتغيرات المُناخ، وثمّة حاجة تدعو لتعزيز ريادة دولة قطر في المنطقة والعالم ومشاركتها بفاعلية في التوجه العالمي نحو الطاقة المتجددة وترشيد الطاقة.
وحسب تقرير الشركة العربية للاستثمارات البترولية ابيكورب تسعى قطر إلى تنويع مزيج الطاقة المنتجة فيها، من خلال وضع وتنفيذ إستراتيجية للطاقة المتجددة شاملة سياستها ومظلتها القانونية. هذا بالإضافة إلى ما تقوم به المؤسسة العامة القطرية للكهرباء والماء كهرماء لتوليد 200 ميجاوات من الطاقة الشمسية بحلول عام 2020 تزيد إلى 500 ميجاوات بعد ذلك، مقرونة بمشاريع قطر للبترول ذات العلاقة.
وبحسب إستراتيجية قطر الوطنية فإن تبني الدولة لمشاريع الطاقة المتجددة سوف يخفف من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون، ويوفر من كميات النفط والغاز المستخدمة في تحلية المياه وتوليد الكهرباء، ويلبي حاجة الدولة المتزايدة من الطلب على الطاقة.
وتعد الطاقة الشمسية أحد أهم حلول الطاقة النظيفة البديلة على سطح الأرض حتى الآن، لكونها تساهم في توفير استهلاك الطاقة، وهي إحدى التقنيات التي تعمل دولة قطر على استخدامها حالياً، وبدأ تطبيقها بالفعل من خلال إنارة الشوارع والحدائق العامة وتوليد الطاقة في الأبراج ذات المسطحات الزجاجية الكبيرة، وكذلك فِي أنظمة الري وتأمين الكهرباء اللازمة للمزارع النائية.

كلمة لوسيل : قرارات مهمة تواكب المرحلة وتلامس المستقبل

قرارات مهمة أصدرها حضرة صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، أمير البلاد المفدى، أبرزها تعديل تشكيل مجلس الوزراء، ليأتي مواكبا للتطورات الملموسة التي شهدتها قطر في الشأن الاقتصادي، سواء بإعادة تنظيم القطاعات لتكون أكثر تخصصا وتحديدا بفصل قطاعي الطاقة والصناعة لتكون الأولى مستقلة بذاتها مع تعيين وزير للدولة لشؤون الطاقة والثانية في وزارة واحدة مع التجارة.
الطاقة أصبحت عنوانا رئيسيا في اقتصاديات الدول المتقدمة، إن تعلق الأمر بأسعار النفط والغاز وتراجعها في الفترة الأخيرة، أو المنافسة الحادة التي تشهدها الأسواق وليس أخيرا الاتجاه نحو الطاقة النظيفة لذلك ستكون الوزارة معنية بالتنوع وتطوير ذلك القطاع ليكون صناعة بحد ذاته، مع التذكير بقرار آخر مهم في هذا المجال وهو إنشاء إدارة متخصصة للطاقة الجديدة والمتجددة.
كذلك الصناعات القطرية شهدت تحولات جذرية خلال الأشهر القليلة الماضية ضمن خطة شاملة لتحقيق الأمن الغذائي والاكتفاء الذاتي لذلك استوجب أن تتوافق ووزارة التجارة في قطاعين متلازمين يكمل أحدهما الآخر، بين فتح آفاق جديدة نحو الأسواق العالمية في تنويع السلع المستوردة جودة وسعرا، في المقابل العمل على تمكين الصادرات غير النفطية بحصص أعظم من تلك التي حققتها في الآونة الأخيرة.
صاحب السمو أصدر قانون تنظيم السياحة وإنشاء المجلس الوطني للسياحة في قراءة مستقبلية للقطاع الذي يعد على رأس قائمة القطاعات الموردة للعملة الصعبة والإيرادات لدى الدول المتقدمة ولديه الفرص الواعدة في قطر التي تتمتع بالأماكن والامكانات والتضاريس الطبيعية لاستقطاب ما أمكن من الزوار، يأتي ايضا مكملا لقرارات سابقة تتعلق بتسهيلات التأشيرات وتوفير ما أمكن لتيسير الزيارات على أنواعها.
عمليا، فإن إعادة تشكيل مجالس إدارات مثل جهاز قطر للاستثمار وقطر للبترول وهيئة قطر للأسواق المالية يتيح المرونة الكافية لمواكبة التطورات الحاصلة عالميا على مستوى الأسواق أو الاستثمار، ذلك يمنح الفسحة لإيجاد أسواق جديدة للمنتجات الوطنية من بترول وغاز مع الدخول في شراكات عالمية مرموقة تكون عوائدها مجزية، واقتناص الفرص المجدية في تملك الأصول والاستثمارات حول العالم، كذلك جذب المستثمرين الأجانب إلى أسواق المال المحلية.
يقينا، قطر بقيادة صاحب السمو لا تتوقف عن التجديد والتغيير على المستوى المحلي فهي تواكب وتتفاعل من خلال القوانين الداعمة للاستثمارات والصناعات وصولا إلى الاكتفاء الذاتي وتنويع الصادرات، وخارجيا تتابع التطورات في الأسواق العالمية وقوانين التجارة والقرارات الدولية ذات الشأن لتكون حاضرة ومستعدة للسير في مواكب الدول المتقدمة كما كانت وحاليا وفي المستقبل.
lusail@lusailnews.qa