قرر البنك المركزي المصري أمس تحرير سعر صرف الجنيه، مع السماح للبنوك المصرية بالتداول في نطاق يزيد أو ينقص 10% عن سعر الصرف الجديد الذي حدده بـ 13 جنيها للدولار الواحد، مشددا على أن صرف العملة المحلية المصرية سيكون للعرض والطلب.
يرتقب أن تسفر خطوات البنك المركزي المصري عن عدة نتائج في الداخل والخارج المصري، تلامس بشكل خاص الاقتصاد الذي يعاني من عدة صعوبات جعلت صندوق النقد الدولي يدعو الحكومة المصرية إلى اعتماد إصلاحات اقتصادية قبل تمكينها من قرض بقيمة 12 مليار دولار، ما يعادل 43.6 مليار ريال قطري، ومن بين هذه الإصلاحات تعويم أو تحرير العملة مقابل الدولة.
ويؤكد خبراء اقتصاديون أن الفترة المقبلة ستسجل عدة تبعات وآثار جانبية لهذا القرار الذي رافقه تأكيد من قبل البنك برفع أسعار الفائدة 300 نقطة أساس في خطوة تهدف إلى استعادة التوازن بأسواق العملة، إضافة إلى إزالة القيود على إيداع وسحب العملات الأجنبية، مع إجازة البنوك لفتح فروعها كامل أيام الأسبوع وحتى ساعات متأخرة لتنفيذ عمليات شراء وبيع العملة وصرف حوالات العاملين في الخارج، والذين يبلغ إجمالي تحويلاتهم سنويا إلى مصر نحو 19 مليار دولار، أي نحو 69.1 مليار ريال قطري، فيما بلغ تحويل العمالة الموجودة في قطر إلى مصر نحو 1.05 مليار دولار نهاية العام الماضي.
ويرى مسؤولون بشركات صرافة عاملة في الدولة أن قرار البنك المركزي المصري ستكون له تأثيرات مباشرة على التحويلات من قطر إلى مصر.
التعويم وربط العملة
وفقا للتعريف الاقتصادي فإن تعويم أو تحرير العملة هو عكس ربط العملة، فتحرير العملة يعتبر من أساليب إدارة السياسات النقدية، وينقسم إلى قسمين أو بالأحرى نوعين رئيسيين الأول تحرير حر يترك فيه البنك المركزي سعر الصرف يتغير وفقا لمتطلبات السوق - العرض والطلب - وهو الذي انتهجه البنك المركزي المصري.
أما النوع الثاني يقوم على تدخل جزئي من قبل البنك المركزي في بعض الحالات المحددة التي تستوجب التدخل لتعديل الأسعار عند وجود فجوة كبيرة بين سوق الصرف الرسمي والأسواق الموازية، مع المحافظة على مبدأ تحرك سعر الصرف وفقا للعرض والطلب.
تحويلات المصريين
تشير مصادر رسمية مصرية إلى أن عدد الجالية الوافدة للعمل في قطر في مختلف المواقع تجاوز مطلع العام الجاري نحو 200 ألف نسمة لتتصدر المركز الأول من حيث الجاليات العربية الوافدة إلى الدوحة، والمركز الخامس من حيث حجم الجاليات الموجودة في الدولة، حيث تشغل نسبة مهمة منها في العديد من القطاعات كالهندسة والإنشاءات والخدمات المالية والعلاقات العامة إضافة إلى الأعمال الحرة الثانية.
وتستأثر التحويلات المالية للعمالة المصرية الوافدة إلى الدولة بنسبة مهمة من التحويلات من الدوحة نحو القاهرة، حيث تحتل المركز الأول عربيا بنحو 1.05 مليار ريال بنهاية العام الماضي، فيما كشفت مصادر لوسيل أمس أن حجم التحويلات المالية للمصريين خلال الثلاثة أشهر الأولى من العام الجاري قدرت بنحو 1.2 مليار ريال من إجمالي التحويلات المقدرة بنحو 42 مليار ريال، وهو ما يمثل نحو 3% من إجمالي التحويلات التي تتجه أغلبها إلى دول جنوب آسيا، إلى الهند التي تأتي في المركز الأول بنحو 14.2 مليار ريال والنيبال بنحو 7.4 مليار ريال وبنجلادش بنحو 2 مليار ريال وسيريلانكا بنحو 1.9 مليار ريال وباكستان بنحو 1.5 مليار ريال.
أما على المستوى العربي فتأتي الأردن في المركز الثاني بعد مصر بنحو 800 مليون ريال.
ووفقا لمتابعة سوق التحويلات المالية الخاصة بالجالية المصرية خلال الأشهر الأخيرة من العام الجاري يتبين تراجع في حجم التحويلات المالية للمصريين من الدوحة نحو القاهرة، حيث اقتصرت هذه التحويلات على مبالغ مالية صغيرة هي عبارة عن مصاريف شهرية يرسلها المصريون إلى العائلة، الأمر الذي أدى إلى تراجع نسق التحويل بنحو 15% مقارنة بالأشهر الأولى من العام الجاري.
20 %نموا
ومنذ إعلان البنك المركزي المصري أمس عن قراره تعويم الجنيه، انطلق النقاش في أوساط الجالية المصرية الموجودة في الدوحة عن أهمية القرار وانعكاساته على تحويلاتهم المالية، حيث عجت وسائل التواصل الاجتماعي بكم ضخم من الآراء والاحتمالات حول سعر الصرف خلال الفترة المقبلة وآثاره على الحوالات.
توقع مدير الفروع بصرافة الجزيرة والخبير المالي عمرو سيد عبد الله السيد أن تسجل الفترة المقبلة نشاط سوق التحويلات المالية للمصريين نحو القاهرة بنحو 20%، بعد قرار المركزي المصري، مشيرا إلى أن العمالة المصرية الوافدة ستعود لتحويل الأموال بالدولار إلى حساباتهم البنكية بعد عزوف عن ذلك استمر لأشهر متتالية، مضيفا لـ لوسيل : أصبح الدولار اليوم بالنسبة للمصري المغترب أو الموجود داخل مصر بمثابة الكنز، حيث أتوقع أن يرتفع حجم التحويل من الخارج ليس فقط من دول الخليج وإنما كذلك من باقي دول العالم، إضافة إلى ارتفاع حجم الودائع داخل مصر .
فيما اعتبر مدير الفروع بصرافة الجزيرة أنه كان على المركزي المصري اعتماد تعويم أو تحرير الجنيه المدار، بدلا من التحرير الحر، مشيرا إلى عدد من الآثار السلبية التي ستتبع القرار منها انخفاض أسعار المنتجات المصدرة إلى الخارج بالدولار مقابل ارتفاع الأسعار الأساسية داخل السوق المحلية المصرية كالوقود والغاز والمواد الغذائية الأساسية، وتابع قائلا: كما أن سماح البنك المركزي للبنوك المصرية بفتح فروعها لساعات متأخرة وكامل الأسبوع بهدف الحد من السوق الموازية إلا أنه سيجعل البنوك وشركات الصرافة في منافسة حادة مما قد يؤثر عليهما سلبا .
السقف الأقصى
وأول ردة فعل للقطاعات الاقتصادية المصرية، أتت من البورصة، حيث قفز مؤشرها العام عند الافتتاح إلى نحو 8.3% مدفوعا بارتفاع عدد من الأسهم المدرحة.
وفي تعليقه على قرار البنك المركزي المصري، قال رئيس العمليات المالية بشركة اكسبرس موني سوديش غيريان لـ لوسيل إن خطوة المركزي المصري تعتبر إيجابية، حيث إنها ستساهم في تشجيع المصريين المغتربين في دول الخليج وأوروبا والقارة الأمريكية والأسترالية على تحويل الأموال إلى مصر عبر شركات الصرافة والبنوك، متوقعا أن تشهد الفترة المقبلة نموا في كمية التحويلات تفوق المستويات المسجلة في وقت سابق وتابع قائلا قرارات المركزي ستدفع المصريين الى التحويل ليس فقط بالدولار وإنما كذلك بالجنيه .
وأشار رئيس العمليات المالية بشركة اكسبرس موني سوديش غيريان إلى أن مصر تحتل المركز السادس عالميا من حيث استقبال التحويلات المالية، موضحا أنه من المنتظر ان تصدر توجيهات من البنوك المحلية سواء في مصر أو البنوك المركزية في مختلف الدول وخاصة دول الخليج عن طرق التعامل خلال الفترة المقبلة مع قرارات المركزي المصري وسبل التحويل المالي للمصريين.
وفي رده على سؤال لـ لوسيل حول إمكانية تحديد سقف المبالغ المالية التي سيسمح للمصريين بتحويلها من دول الخليج حفاظا على الموجودات من الدولار، قال رئيس العمليات المالية بشركة اكسبراس موني سوديش غيريان إنه إلى هذه اللحظة لا توجد توصيات بخصوص حد أقصى للحوالة المالية للمغترب المصري، وتابع قائلا: إلى حد هذا التاريخ لم ترد توصيات بشأن تحديد سقف للتحويلات، خاصة أن النظم المعتمدة حددت سقف تحويلات المصريين من دول الخليج بـ 7500 دولار أو ما يقابله بالجنيه الإسترليني، بـ 5000 دولار أو ما يقابله بالجنيه الإسترليني بالنسبة للتحويلات من أوروبا وباقي دول العالم، ولكن لا نستبعد أن تصدر خلال الفترة المقبلة توصيات حول السقف الأقصى للتحويل المالي الخاص بالمصريين .