تتصاعد مخططات القمع التي تمارسها سلطات الاحتلال الإسرائيلي ضد الأسرى الفلسطينيين يوما بعد يوم، سواء بسياسة العزل والتنكيل أو المنع والتضييق أو بسلب حقوقهم المدنية، وآخرها قرار إيتمار بن غفير وزير الأمن القومي الإسرائيلي الذي أعلنه قبل أيام، بشأن تقليص الزيارات العائلية للأسرى إلى مرة كل شهرين بدلا من مرة شهريا، وينتظر أن يبت بنيامين نتنياهو رئيس حكومة الكيان الإسرائيلي فيه لاحقا.
وتتجسد هذه المخططات التي تستهدف النشطاء والشبان الفلسطينيين في اعتقال سلطات الاحتلال أكثر من خمسة آلاف أسير فلسطيني، بينهم العشرات ممن أمضوا أكثر من 20 عاما قيد الاعتقال، بحسب إحصائيات فلسطينية حقوقية، بالإضافة إلى أكثر من 1200 أسير تحت التوقيف الإداري، بما يشكل تقريبا ربع الحركة الوطنية الفلسطينية الأسيرة في السجون الإسرائيلية.
ومنذ تسلم حكومة نتنياهو وشركائها اليمينيين المتطرفين، أمثال إيتمار بن غفير وبتسليل سموتريش، مقاليد الأمور نهاية العام الماضي، وهي تسخر كل جهودها لكسر إرادة الشعب الفلسطيني، من جهة خاصرة الفلسطينيين وهم الأسرى الذين يعانون الأمرين وسط الزنازين، حيث يأتي القرار، بعد دعوة بن غفير الأسبوع الماضي لحرمان الأسرى من القنوات التلفزيونية، والمس بالبنى التنظيمية لهم، خاصة أن هذه الدعوة جاءت بعد نحو أسبوع على زيارته لسجني (عوفر، والنقب)، التي تلتها عمليات قمع لعدة أقسام في سجن (النقب).
ولم تتأخر ردود فعل الفلسطينيين ضد هذه العنصرية التي ترتفع وتيرتها بشكل مطرد، فقد قالت لجنة الطوارئ للأسرى الفلسطينيين في سجون الاحتلال، في بيان، إن الأسرى سيبدؤون إضرابا عن الطعام ابتداء من يوم 14 سبتمبر الجاري، للمطالبة بوقف كل القرارات والسياسات التي تضيق على الأسرى شروط حياتهم، وتسلبهم حقوقهم خلال الفترة الماضية، ومنها سلسلة الاقتحامات التي طالت مؤخرا عدة أقسام، كان آخرها قسما (3،4)، وسبق ذلك قسم (26) في سجن النقب، إضافة إلى عمليات النقل الفردية التي طالت عددا من كوادر الحركة الأسيرة في سجن (ريمون).
وتحت شعار حقوقنا التي نعيش في ظلها انتزعناها بدمائنا ، أكدت لجنة الأسرى أن حقوق الأسرى ليست محل تفاوض أو تنازل، مشددة على أن المعركة مع الكيان المحتل معركة مفتوحة، بحاجة إلى جاهزية واستنفار دائمين.
وليست هذه الهبة الأولى للأسرى، إذ سبق للحركة الأسيرة أن نفذت مواجهة ارتكزت فيها على ما يعرف بخطوات العصيان والتمرد خلال شهر فبراير من العام الجاري ضد إجراءات المتطرف بن غفير، واستمرت لأكثر من شهر، حتى نالت حقوقها.
من جانبها، تعهدت هيئة شؤون الأسرى، بإفشال مخططات بن غفير وحكومته، مشددة على أن إدارة سجون الاحتلال تعلم جيدا أن الأسرى أصحاب فعل، لا أصحاب قول، لافتة إلى أن إضراب الحرية والكرامة عام 2017 الذي خاضه الأسرى كان يتعلق بالدرجة الأولى بطبيعة زيارة الأسرى، ودعت الهيئة، الشعب الفلسطيني، إلى التضامن ومساندة الإضراب، حفاظا على كرامة الأسرى ومن أجل حقوقهم الإنسانية.
وعلى المستوى الرسمي، أعلن محمد اشتية رئيس الوزراء الفلسطيني، في تصريحات، تخصيص اجتماع مجلس الوزراء الأسبوعي في رام الله، لملف الأسرى الفلسطينيين لدى إسرائيل، مؤكدا دعم مجلس الوزراء لجميع مطالب الأسيرات والأسرى وحقوقهم في سجون الاحتلال، ومنددا بالتضييق عليهم وتقليص الزيارات لهم، وطالب اشتية مجلس حقوق الإنسان واللجنة الدولية للصليب الأحمر بـالتحرك فورا لوقف هذه السياسة التي تتبناها هذه الحكومة الإسرائيلية بحق الأسرى.
وتتسع قائمة القمع والتضييق الإسرائيلية إلى اتباع سياسة العزل، فقد قالت هيئة شؤون الأسرى والمحررين ونادي الأسير الفلسطيني، إن إدارة السجون الإسرائيلية شرعت بنقل 120 أسيرا، من ذوي المحكوميات العالية من سجن (نفحة) إلى قسم عزل جماعي في سجن (عوفر)، أقامته خصيصا للأسرى الذين تصنفهم بالخطيرين أمنيا، مضيفة أن 22 معتقلا يقبعون في مركز توقيف (حوارة) يعانون أوضاعا حياتية قاسية ومزرية للغاية، وسط تواصل قيام إدارة المعتقل بممارسات غير إنسانية بحق المعتقلين، إضافة إلى تعمدها تجاهل أمراضهم وآلامهم، ولا تقدم لهم أي علاج لأوضاعهم الصحية الصعبة.
وناشدت الهيئة المؤسسات الحقوقية والقانونية وعلى رأسها الصليب الأحمر الدولي بضرورة إجراء زيارة عاجلة، للوقوف على الأوضاع الصحية واللاإنسانية التي يتعرضون لها داخل المعتقل، ومحاسبة سلطات الاحتلال على ما ترتكبه من انتهاكات وجرائم مخالفة لكل الاتفاقيات والقوانين الدولية التي تعنى بحقوق الأسير.
ويتزامن هذا التصعيد الفلسطيني المقابل مع إقرار لجنة المعتقلين الإداريين في سجون الاحتلال، تنفيذ اعتصام في ساحات السجون، وإعادة وجبات الطعام، ووقف التعامل مع العيادة ووقف تناول الدواء، وصولا إلى العصيان، والذي ستصاحبه في الفترة المقبلة دفعات من الأسرى تشارك في الإضراب عن الطعام، والذي سيصل في النهاية إلى الإضراب الجماعي المفتوح لجميع الأسرى الإداريين، مع التنسيق لتجديد وتوسيع حركة المقاطعة للمحاكم التي بدأها أكثر من 100 معتقل في سبتمبر الماضي بعد الإضراب الجماعي الأخير عن الطعام.
وتمثل قضية الاعتقال الإداري أحد أسوأ أساليب كسر صمود الفلسطينيين عبر تنفيذ حملات الاعتقال بشكل يومي، وإصدار أحكام بالاعتقال الإداري، وتمديد اعتقالهم إداريا لأكثر من مرة، وتجديد اعتقالهم قبل الإفراج عنهم، وهو تحايل على الأنظمة والأعراف الدولية، يقرأه الفلسطينيون على أنه سعي من الاحتلال لتدمير الحياة الاجتماعية لهم، إذ أن هناك أسرى توفي ذووهم قبل أيام من الإفراج عنهم، ولم يتمكنوا من وداعهم.
وحذرت لجنة الطوارئ للحركة الأسيرة داخل السجون الإسرائيلية من سياسة الباب الدوار التي تتيح لإدارة سجون الاحتلال التفنن في تعذيب الأسرى، حيث ينال الأسير الحرية لعدة أسابيع ليعاد اعتقاله مرة أخرى، وتحويل الكثير منهم إلى الاعتقال الإداري، وكل ذلك يجري بأوامر جهاز الشاباك الأمني بحجج ومبررات واهية، واتهامات افتراضية باطلة، مستندين إلى ما يسمى قوانين الطوارئ البريطانية ، والتي أصبحت دائمة بعد 78 عاما على إقرارها، والتعديلات التي أدخلت عليها، وأكاذيبهم حول ما يسمى بالملف السري والخطورة على أمن المنطقة والجمهور.
يشار إلى أنه منذ بداية العام الجاري أصدر الاحتلال نحو 2000 أمر اعتقال إداري، بينها 370 أمرا خلال شهر يوليو، بحسب لجنة الأسرى التي تؤكد أن ما يزيد على 80% من المعتقلين الإداريين هم معتقلون سابقون، تعرضوا للاعتقال الإداري مرات عديدة، من بينهم كبار في السن ومرضى، وأطفال.
على ذات المنوال، تستمر إدارة السجن في فرض عقوبات بحق الأسرى، وتعمد حرمانهم من الأشغال والأعمال اليدوية، والزيارات والاتصالات مع الأهل، والخروج إلى ساحة الفورة، فضلا عن انتهاك حقوق الأسيرات الفلسطينيات في مراكز التحقيق والتوقيف، دون مراعاة لخصوصيتهن واحتياجاتهن، إذ يبلغ عدد الأسيرات حاليا (31) أسيرة.
ووصف مركز الدفاع عن الحريات والحقوق المدنية الفلسطيني هذه السياسة العنصرية بـ جريمة الحرب المركبة ، مشددا على ضرورة الوقوف الداخلي إلى جانب الحركة الأسيرة وإسنادهم، حتى كسر هذه السياسة الإسرائيلية، دون إغفال التوجه إلى الجهات الدولية الخارجية وبينها المؤسسات الحقوقية ومناقشة المكانة القانونية للأسرى.
ويرى المتابعون للشأن الإسرائيلي أن هذه السياسة العنصرية محاولة للهروب من حالة الغليان المستمر التي يشهدها الكيان المحتل منذ شهور، حيث يتظاهر عشرات آلاف الإسرائيليين في المدن الرئيسية ضد قانون إصلاح النظام القضائي الذي تحاول حكومة نتنياهو إقراره رغم رفض المعارضة والشارع الإسرائيلي، ما اضطرها لتجميد هذه التعديلات وإيجاد صيغة توافقية لإقرارها .
كما تهدف التعديلات القضائية إلى منح أعضاء الكنيست نفوذا أوسع في لجنة تعيين قضاة المحكمة العليا، وحماية نتنياهو وحلفائه، بالائتلاف الحاكم وحل مشكلاتهم القانونية مثل قضايا الفساد والاحتيال التي تلاحقهم، وبينها سن قوانين تمنع تنحية رئيس الوزراء من منصبه، وهو ما أكدته هيئة شؤون الأسرى الفلسطينية التي لفتت الأنظار إلى أن قضية الأسرى شكلت وما تزال، الأداة الأبرز لحكومات الاحتلال وللأحزاب المتطرفة، لكسب الرأي العام الإسرائيلي، وتغطية حالة العجز أمام الأزمات الداخلية العميقة التي يعيشها الاحتلال.