منذ رفض مجلس النواب الأمريكي بأغلبية كاسحة، الأربعاء الماضي، الفيتو الذي استخدمه الرئيس الأمريكي باراك أوباما، ضد مشروع قانون يتيح لأقارب ضحايا هجمات 11 سبتمبر2001 التي وقعت قبل 15 عاماً بمقاضاة السعودية في أول إسقاط لفيتو رئاسي خلال فترة حكم أوباما لقانون (العدالة ضد رعاة الارهاب) أي (Justice Against Sponsors of Terrorism Act JASTA) أي ما يعرف اعلامياً بقانون (جاستا)، أثار القرار ضجة في دول مجلس التعاون الخليجي التي تعتبر الحليف الاقتصادي والسياسي الأكبر لامريكا في المنطقة، والتي يسود التوتر علاقاتها مع الولايات المتحدة في ظل اتهامها لأمريكا بمحاولة اعادة إيران للساحة الدبلوماسية، بل إن البعض يرون أن الاربعاء الماضي أحد اكثر الأيام تأثيراً في التحالف الطويل والعميق بين أمريكا والسعودية.
تقاطع المصالح
المتابع للمشهد الاقتصادي الذي يحكم العلاقة ما بين الخليج وامريكا من جهة وما بين السعودية وأمريكا من جهة أخرى يجد أن مياها كثيرة قد عبرت من تحت الجسر فيما يخص مشروع القانون، تحذيرات من عواقب اقتصادية كبيرة قد تلقي بظلالها علي العلاقات الامريكية السعودية الاستراتيجية بسبب هذا القانون، وصدرت تحذيرات من مسؤولين سعوديين بسحب أرصدة أو بيع أسهم تبلغ قيمتها نحو 750 مليار دولار، أكثر من ذلك قالها وزير الخارجية السعودي عادل الجبير، صراحة بأن السعودية ستكون مضطرة لسحب استثماراتها، التي تقدر بـ 750 مليار دولار خشية أن يتم تجميدها بسبب قانون جاستا .
تريليون دولار سعودي بأمريكا
تساؤلات كثيرة طفت على السطح عن حجم الاستثمارات السعودية في امريكا وقيمتها والاصول التي تملكها السعودية في أمريكا، لوسيل حاولت رصد هذه الاستثمارات بالرغم من عدم وجود ارقام رسمية محددة نظراً للتعتيم عليها خاصة من قبل وزارة الخزانة الامريكية، الا أن اقتصاديين قدروها ما بين 700 مليار إلى تريليون دولار منها نحو 70% على شكل سندات.
وحسب آخر تقرير لوزارة الخزانة عن حجم الاصول السعودية للعام 2015-2016 بلغت نحو 612.371 مليار دولار إلى جانب امتلاكها لسيولة حجمها 285.238 مليار دولار تضاف إلى امتلاكها لسندات دين آجلة بقيمة 264.768 مليار دولار وسندات دين عاجلة بقيمة 62.370 مليار دولار.
الشركات السعودية ايضاً لديها تواجد قوي في السوق الامريكي، وعلى سبيل المثال استحوذت ارامكو السعودية مؤخراً علي أكبر مصفاة بأمريكا بعد شرائها مصفاة بورت آرثر بولاية تكساس التي تعتبر جوهرة التاج بالنسبة لصناعة النفط الأمريكية. الأمر الذي يبين قوة الاستثمارات السعودية في قطاعات حيوية بالاقتصاد الامريكي.
السعودية ترد
الموقف الرسمي للحكومة السعودية عبر عنه مصدر مسؤول في وزارة الخارجية امس الاول الذي قال إن اعتماد قانون العدالة ضد رعاة الارهاب الأمريكي المعروف بقانون (جاستا) يشكل مصدر قلق كبير للدول التي تعترض على مبدأ اضعاف الحصانة السيادية باعتباره المبدأ الذي يحكم العلاقات الدولية منذ مئات السنين .
واضاف المسؤول أن من شأن إضعاف الحصانة السيادية التأثير سلبا على جميع الدول، بما في ذلك الولايات المتحدة .
هل تجمد الاستثمارات؟
هل سيكون للقانون أي أثر سلبي علي الاستثمارات السعودية في أمريكا؟ سؤال طرحته لوسيل علي الدكتور السعودي محمد بن ابراهيم العيسي الذي قال إن اقرار قانون (جاستا) لا شك سيكون له تأثير مباشر وسلبي على أصول واستثمارات الحكومة السعودية في الولايات المتحدة الامريكية، والتي تقدر قيمتها بأكثر من 750 مليار دولار، ومن المحتمل أن يكون مصيرها التجميد لحين الانتهاء من القضايا المرفوعة ضدها والتي سوف تستنزف الحكومة السعودية مبالغ طائلة في تكاليف التقاضي.
وتختلف الكاتبة الاقتصادية والاعلامية السعودية الاستاذة فضيلة الجفال مع العيسى والتي قالت لــ لوسيل ، في حقيقة الامر مازال الوقت مبكرا لتقدير الموقف تماما، لكن تاريخ العلاقات السعودية الأميركية يشفع لها بالتروي في اتخاذ قرارات قد تكسر هذه العلاقة الاستراتيجية، وكما تعلمون ما زالت المباحثات قائمة بشأن القانون الجائر الذي فرضته الحالة والمرحلة حيث موسم الانتخابات والمزايدات السياسية في الولايات المتحدة .
ويري الدكتور ابراهيم العيسي المتخصص في القانون الدولي التجاري أيضا بأن هذه الأصول ستكون تحت رحمة أي طلب للتجميد لحين انتهاء القضايا المرفوعة على الحكومة السعودية، وهذه القضايا قد تكون بالمئات من المحامين نيابة عن اسر ضحايا احداث سبتمبر الإرهابية، أو عن الشركات المتضررة مثل شركات التأمين، ومبالغ التعويضات التي ستُطلب قد تصل إلى اكثر من تريليوني دولار.
3 تريليونات دولار
لماذا لا تزال امريكا ترفع سيف المصادرة والتجميد ضد الاستثمارات الخليجية منذ أمد؟ سؤال اجاب عليه الخبير الاقتصادي الخليجي الاستاذ نجيب عبدالله الشامسي الذي يشغل منصب المدير العام للهيئة الاستشارية للمجلس الأعلى بدول مجلس التعاون الخليجي في افادته لـ لوسيل ، قال بأنه دق ناقوس الخطر منذ تسعينيات القرن الماضي بأن رؤوس الاموال العربية لا سيما الخليجية الموجودة في دول الغرب وخاصة الولايات المتحدة الامريكية تتعرض للعديد من محاولات البطش بها، سواء من خلال التجميد أو المصادرة ، يضيف بأن هذا حدث كثيراً وتقدر الاستثمارات الخليجية بأكثر من ثلاثة تريليونات دولار، وخسرت دول مجلس التعاون الكثير من اصولها الاجنبية عقب أحداث سبتمبر المصطنعة لكي تتمكن الولايات المتحدة من هذه الأصول، فقضية بنك ليمان براذر ماهي الا احدي وسائل الابتزاز المالي والارهاب الاقتصادي الذي تمارسه الولايات المتحدة الامريكية ضد دول وشعوب ورؤوس أموال واستثمارات دول المنطقة، وما زالت هذه الدولة تمارس ابتزازها لدول المجلس حتي حينما حاول عدد من أصحاب رؤوس الاموال الخاصة الخليجيين سحب ودائعهم واصولهم عقب احداث سبتمبر تحركت الولايات المتحدة ضدهم وبرز عدد من المحامين بأن سحب هذه الاموال سوف يعرض أصحابها للمساءلة القانونية بأنهم داعمون للارهاب.
ابتزاز اقتصادي وسياسي:
دول مجلس التعاون الخليجي باعتبارها تكتلا اقتصاديا واحدا ستجد نفسها حسب مراقبين تصطف في خندق واحد مع المملكة وذلك بحكم تقاطعات المصالح الاقتصادية والسياسية بالتالي ستعمل على مساندة السعودية وبكل الطرق والأساليب، وقد تكون إحداها فك ارتباط العملات الخليجية بالدولار.
وهنا يؤكد الدكتور محمد بن ابراهيم العيسي بأن قضية فك ارتباط الريال السعودي بالدولار من المسائل الواردة والتي قد تقدم عليها الحكومة السعودية رغم صعوبة هذا القرار واثره السلبي على البلدين، لكن هذا شر لا بد منه، فالحكومة السعودية يجب أن تبدأ بالبحث عن عملة عالمية تناسب تحالفات الفترة القادمة.
رائحة غير مريحة علي الأقل تشتم من هذه الخطوة الامريكية، خاصة وان موقف أمريكا ككل في المنطقة لم يعد كما كان في السابق، الأمر الذي جعل الاستاذة فضيلة الجفال تقول بأن خطورة هذا القانون تكمن في مبدأ سيادة الدول والقانون الدولي، كما أن خطورته الرمزية الكامنة سواء على تأثر العلاقات أو في الابتزاز المالي أو السياسي، الا أن الجفال اضافت بأن النسخة الأخيرة الموقعة من القانون نفسه تختلف عن النسخة الأصلية، فقد فقدت النسخة الاخيرة القيمة الأساسية التي بدأ بها هذا المقترح، فهو مجرد قانون فارغ من المحتوى ومن أي خطورة فعلية، من بين ذلك إمكانية احتجاز الأموال والممتلكات من قبل المحاكم الفيدرالية، والتي أزيلت في النسخة الأخيرة.
وفي نفس الوقت يرفع العيسي درجة الحذر عالياً فيما يخص الاستثمارات السعودية في امريكا، ويقول إن هناك امرا آخر وهو بيع الأصول والاستثمارات التي في أمريكا، حيث ان صدور أي قرار قضائي بتجميد هذه الأصول قد يعني سنوات طويلة من التجميد، فهذه القضايا عادة لا تنتهي في فترة قصيرة .
ويضيف الاستاذ نجيب الشامسي الذي له عدة مؤلفات في اقتصاديات الخليج أبرزها كتاب (اقتصاديات دول مجلس التعاون، بين تحديات الداخل وازمات الخارج) الذي يعتبر مرجعاً لفهم اقتصاديات الخليج، قال بأن دول المنطقة اليوم لا سيما السعودية تتعرض لموجة جديدة وباساليب حديثة للارهاب الاقتصادي والابتزاز المالي الدولي، من خلال هذا القانون الجائر الذي يشكل تهديداً واضحاً ومباشراً للاستثمارات العربية ولا سيما السعودية والخليجية، وجاء هذا القانون في ظل وضع مالي غير مريح للسعودية ودول المنطقة بسبب تراجع أسعار النفط، والانفاق العسكري الكبير للسعودية ودول المنطقة في جبهات مختلفة (اليمن، والعراق، وسوريا...) الأمر الذي يجعل دول المنطقة عرضة لهجمة شرسة تقودها الولايات المتحدة الامريكية وتستهدف فيها اقتصاديات المنطقة فالسعودية وغيرها من دول المجلس لا تستطيع سحب استثمارات او رؤوس أموالها من الولايات المتحدة الامريكية باعتبار ان هذا يهدد الأمن الاقتصادي القومي للولايات المتحدة.
الخطوة التالية
إذن ما هي الخطوة التالية التي ستقوم بها الحكومة السعودية تجاه قانون (جاستا)؟ سؤال يجيب عليه الدكتور محمد بن ابراهيم العيسي قائلاً بأن الحكومة السعودية لديها سياسة خارجية فعالة وذات قوة وتأثير في العالم العربي والإسلامي، اذا تخطينا مسألة قيام السعودية ببيع أصولها واستثماراتها في الولايات المتحدة الامريكية، وكذلك مسألة فك ارتباط الريال بالدولار، أو القيام ببيع النفط لدول الشرق بعملة أخرى كوسيلة ضغط على الدولار الأمريكي.
وتذهب فضيلة الجفال في اتجاه آخر حيث تتوقع أن يتم اعادة كتابة القانون وإجراء تعديلات عليه بعد حمى انتخابات الكونجرس في الثامن من نوفمبر، مضيفة أن الكونجرس ومتحدث البيت الأبيض عبرا عن ذلك أخيرا، كما أنهم شعروا بالندم والتسرع. الا أن الجفال تضيف، لكن من يعلم، فقد تتحسن الأمور فيما بعد مع الإدارة القادمة. فما تزال السعودية الحليف الحيوي الأهم في المنطقة بالنسبة للولايات المتحدة وهذا غير مختلف عليه، كما لن تفرط السعودية بعلاقتها العريقة مع الولايات المتحدة جراء توتر مثل هذا .
السؤال الذي يطرح نفسه وبقوة في كيفية استخدام السعودية لعلاقاتها في المنطقة؟ هنا يقول الدكتور العيسي، إن الحكومة السعودية سوف تستخدم علاقاتها وقوتها في العالم العربي والإسلامية لتكوين تحالفات لتقويض هذا القرار، لكن يجب ان لا ننسى بأننا امام اقوى قوة اقتصادية وعسكرية في العالم. فمثل هذه القرارات يجب ان تكون مدروسة بحيث ان يكون هناك خط رجعة، ومجال لإعادة الأمور إلى نصابها الصحيح.
ويتساءل كثيرون عن توقيت هذا القانون ولماذا الان، في الوقت الذي يعاني فيه الاقتصاد الامريكي واقتصادات العالم، هنا يقول الشامسي، بأن توقيت القانون يأتي ضمن مسرحية هزلية شهدتها المؤسسات الامريكية لتؤكد لدول المنطقة حقيقة الدور الذي تلعبه الولايات المتحدة ضد دول المنطقة وشعوبها ومحاولات لكسر هذه الاقتصاديات التي تتضمن أكبر اقتصاديين عربيين هما الاقتصاد السعودي والاقتصاد الاماراتي ولن تقف عند هذا الحد وانما تسعي الي تدمير البنية الاقتصادية والبيئة الاستثمارية الخليجية والعربية لاعادة رسم الخريطة العربية /العربية اقتصادياً وفقاً لمصالحها الاستراتيجية.
أي أن ما يحدث هو اتفاقية سايكس بيكو الاقتصادية لجعل المنطقة العربية وخاصة الخليجية بيئة طاردة وغير مستقرة لرؤوس الاموال والاستثمارات كي تصبح أسواق واقتصاديات الغرب وخاصة الولايات المتحدة الامريكية حاضنة لهذه الاستثمارات وعليه لن تستطيع السعودية او دول المجلس سحب أصولها ورؤوس أموالها لتظل تخدم الاقتصاد الامريكي وتعزز الدولار الامريكي وسوف تتعرض رؤوس الاموال الخليجية لمزيد من محاولات الابتزاز مهما حاولت دول الخليج حمايتها.
الاستثمارات الخليجية
العلاقات العريقة بين الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية والتحالفات الاستراتيجية وثقل السعودية في المنطقة والعالم، كل هذه العوامل هي تحرك الخطوة القادمة وتحصن الاستثمارات السعودية في امريكا علي المدي الطويلة، بالتالي لن تتأثر بهذه الخطوة كما تضيف الاستاذة فضيلة الجفال قائلة، بطبيعة الحال لا تزال الاستثمارات والعلاقات الاقتصادية بين البلدين كما هي لن يحدث تغيير .
يقول الدكتور العيسي إن دول الخليج لا شك تعتبر في الحقيقة دولة واحدة ذات مصالح متشابهة، تجمعهم صلة الدم والعرق والدين. وأي تأثير على دولة واحدة سيثير باقي الدول، وفي حالتنا أي تهديد برفع القضايا على السعودية يعني ان هذا الاحتمال قابل للتكرار لجميع دول الخليج.
ويتابع العيسي، بأن دول الخليج بصفة عامة هي دول مسالمة ولديها أموال ضخمة، مما يجعلها تحت تهديد أطماع المحامين الأمريكيين، فهم سيربحون اتعابهم إما كخصم، أو كمحامين عن هذه الدول. واستثمارات دول الخليج ضخمة جدا في دول العالم بصفة عامة ولدى الولايات المتحدة الامريكية بصفة خاصة، ومثل هذا القانون سيؤثر بلا شك في مسألة استقرار هذه الاستثمارات، وجعلها دائماً تحت خطر التجميد من جراء كثرة مطالبات التعويضات.
مستقبل العلاقات الأمريكية الخليجية
لا شك أن المصالح هي التي تربط علاقة أمريكا بالخليج بالتالي يمثل مستقبل العلاقة بين الطرفين بعيد تشريع قانون جاستا تحديا كبيرا للجميع، وهنا يقول الدكتور محمد بن ابراهيم العيسي، إن المطلع على السياسة الغربية بصفة عامة، والسياسة الامريكية بصفة خاصة يعرف ان علاقات هذه الدول تقوم على المصالح المحضة والخالصة. وهذا ما يجب ان نفهمه بوضوح، لذا يجب على دول الخليج إعادة النظر في طريقة تعاملها السياسية، وان تفتح فرص التعاون حتى لو استدعى ذلك ان يكون مع الخصوم. فالسياسة متغيرة والمصالح دائما متبادلة، واي مصلحة من طرف واحد فمصيرها دائما الفشل .
وابان العيسي أن مستقبل العلاقات في المستقبل القريب سيشوبه بعض التوتر وعدم الاستقرار، وإن استطاعت دول الخليج في تكوين علاقات جيدة مع المنافسين للحكومة الامريكية سيجعل الحكومة الامريكية تعيد النظر فيما أصدرته من قوانين، لأنهم يؤمنون فقط بالمصلحة اما العلاقة الودية التاريخية لا تثمر بنفع وخاصة إذا صار هناك تهديد لاقتصادهم.
هل ستقوم السعودية بسحب استثماراتها؟
المحامي والمستشار القانوني الدكتور محمد بن ابراهيم العيسي الذي لديه دكتوراه في القانون التجاري الدولي، قال لـ لوسيل ، إن السعودية تستطيع بيع أصول واستثماراتها في امريكا من الناحية النظرية، ولكن ستواجه عددا من الصعوبات فيما يتعلق بإخراج هذه الأموال، والضرائب المرتبطة بها، هذا بالإضافة إلى القيود الموجودة بخصوص كل استثمار بشكل منفصل. فهي استثمارات بالمليارات ولا يمكن أن تنفذ هذا القرار في يوم وليلة فمثل هذه العمليات تحتاج لاشهر وبحث عن مشتر وقبول من قبل الجهات الحكومية المنظمة إلى آخره من إجراءات.
اما من الناحية الفعلية أو العملية يرى الدكتور العيسي، أن هذه العملية جدا معقدة وقد لا تقدم عليها السعودية أو أن الضرر الاقتصادي الذي قد يصيب قيمة هذه الاستثمارات سيكون اكبر، هذا بالإضافة إلى أن الضرر سيطول الاقتصاد الأمريكي، لذا فإني استصعب هذه العملية. وما أتوقعه -رغم تأكدي من سلامة موقف السعودية من الاتهامات التي نُسبت إليها في أحداث سبتمبر الإرهابية- هو قيام الحكومة السعودية بعمل تسوية مالية -لن تفصح عن قيمتها- من اجل إقفال هذه القضايا، لأن الضرر في تجميد الأموال وطول مدة التقاضي وتكلفته سيكون اكبر، وهذا إجراء طبيعي قد رأيناه من كبريات الشركات الأمريكية في بعض القضايا التي قد تؤثر على سمعتها.
جهود أقل من أوباما
يبقى السؤال الذي يطرح نفسه هل بذلت الادارة الامريكية وبالاخص الرئيس اوباما جهوداً كافية لتمرير حق الفيتو على قانون جاستا، الذي يحافظ علي العلاقة بين السعودية وامريكا؟ فمعلوم أن أمريكا الان تمر بموسم انتخابي بامتياز بمعنى اخر جميع أعضاء مجلس النواب يسعون لتجديد ولاياتهم وكذلك أعضاء مجلس الشيوخ.
الخبراء يرون أن الأيام القادمة حبلى بالمزيد وربما تكشف عن تحركات مكوكية لبعض اعضاء مجلس الشيوخ علي الاقل لتعديل صيغة مشروع القانون وتلافي العواقب الوخيمة التي يمكن أن يجلبها تنفيذ القانون. وذلك حتي نضع في الحسبان تصريحات رئيس مجلس النواب بول ريان الذي ذكر للصحفيين بعيد اقرار الكونجرس أن الكونجرس قد يضطر لاصلاح التشريع لحماية الجنود الامريكيين على وجه الخصوص واذا نظرنا ايضاً لحديث رئيس لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ السناتور الجمهوري بوب كوركر، الذي يعتقد أن القضية يمكن معالجتها في جلسة بعد انتخاب الكونجرس الجديد بعد انتخابات الثامن من نوفمبر المقبل.
ما هو قانون جاستا؟
جدل كثير أثير حول قانون جاستا الذي قام الكونجرس بنقض فيتو الرئيس الامريكي باراك اوباما لمنع تمرير القانون. ولمن لا يعرف قانون جاستا فهو يعرف بقانون العدالة ضد رعاة الارهاب وهو بمثابة اقرار للمحاكم الامريكية بالنظر في قضايا تتعلق بمطالبات ضد أي دولة اجنبية ترتبط بعمل ارهابي.
والقانون يحمل بين طياته تعديلا لتشريع قانون صدر في عام 1967 يعطي حصانة لبلدان أخرى من الملاحقة القضائية في الولايات المتحدة الأمريكية، الأمر الذي سيعطي الحق لأسر ضحايا هجمات الـ 11 من سبتمبر 2001 بمقاضاة دول أجنبية في قضايا الإرهاب .
ويسمح القانون للمحاكم الأمريكية بالنظر في قضايا تتعلق بـ مطالبات ضد أي دولة أجنبية فيما يخص الإصابات، أو القتل، أو الأضرار التي تحدث داخل الولايات المتحدة نتيجة لعمل إرهابي يرتكب في أي مكان من قبل دولة أو مسؤول أجنبي .
ويمكن من رفع دعاوى مدنية ضد أي دولة أجنبية أو مسؤول أجنبي في قضايا الإصابات أو القتل أو الأضرار الناجمة عن أي فعل من أفعال الإرهاب الدولي.
وجاء في بند محاسبة الدول الأجنبية ما يلي: لا يجوز لدولة أجنبية أن تكون في مأمن من اختصاص المحاكم الأميركية في أي قضية من القضايا التي تطالب بتعويضات مالية ضد دولة أجنبية جراء إصابات جسدية لشخص أو ممتلكات أو حوادث قتل تحدث في الولايات المتحدة ، وتكون نتيجة عمل من أعمال الإرهاب الدولي في الولايات المتحدة.
وتسري التعديلات التي أدخلت على هذا القانون للإجراءات المدنية المُعلقة أو التي قد بدأت أو بدأت بعد تاريخ صدور هذا القانون ، و رفع دعوى بالأضرار التي لحقت بالأشخاص أو الممتلكات في أو بعد 11 سبتمبر 2001 .
وسيطيح القانون بكل معايير حقوق الإنسان الدولية التي حرّمت أن يمتد العقاب على الجريمة لغير فاعلها، وسماح جاستا بتحميل الدولة مسؤولية جنائية بتحميل شعب بأكمله مسؤولية جريمة اقترفها أفراد يُعتبر أمراً جنونياً.