خبراء عقاريون يضعون «روشتة» للتغلب على ارتفاع أسعار الأراضي

alarab
تحقيقات 03 يناير 2016 , 02:23ص
حامد سليمان
تمثل غصة في حلق المطورين العقاريين، فلن تسأل أحدا منهم عن أسباب ارتفاع الإيجارات إلا ووضع لك زيادة أسعار الأراضي على رأس الأسباب، والأمر مدعاة لدهشة الكثير من المواطنين والمقيمين، لماذا تزيد أسعار الأراضي وثمة مساحات كبيرة منها في الدوحة والمناطق القريبة منها؟ والأمر يرجع إلى أن بعض الملاك يجدون فيها استثمارا جيدا لأن سعرها يزيد بصورة مستمرة، وآخرون ليس لديهم القدرة على تطويرها.

 خبراء عقاريون وضعوا في حديثهم لـ «العرب» ما يمكن اعتباره «روشتة» التغلب على الزيادة المستمرة في أسعار الأراضي، فبين التسهيلات المصرفية التي تسمح لملاكها أن يقوموا بتطويرها، وفرض الرسوم على من لا يرغب في البناء، يؤكد الخبراء أن الأمر يحتاج إلى دراسة تضع آليات عاجلة لزيادة العمل على التطوير العقاري . وشددوا على أهمية العمل على تطوير مساحات أكبر في المناطق الخارجية، إضافة إلى دعم البنى التحتية بها، ما يزيد من موجات الانتقال لمناطق كالوكرة والوكير وغيرها، ويخفف العبء على الدوحة، فيقلل من أسعار الإيجارات التي يعاني منها الكثير من السكان.

في البداية قال الخبير العقاري حمد علي العذبة المري: «غالبية مشتريي الأراضي يقومون بتطويرها بصورة سريعة، لما يمكن أن يعود عليهم من فائدة مضاعفة من عملية التطوير، والاستثمار يزداد قوة إن طورت الأرض لمشروع حيوي، فالفائدة ستكون كبيرة بالنسبة لمول على سبيل المثال أو عقار سكني، عن أرض فضاء حتى وإن زاد سعر الأخيرة بصورة دائمة».

وأضاف: «فرض الرسوم يمكن أن يطبق على مساحات الأراضي الكبيرة خارج الدوحة، فمناطق كالوكرة والوكير والخور وغيرها بها مساحات كبيرة لا يقوم أصحابها بتطويرها، سواء لعدم القدرة على العمل فيها دفعة واحدة، أو الانتظار حتى تزيد الكثافة السكانية، وتتضاعف الخدمات المقدمة للسكان، ومن ثم يصل السعر لمعدلات عالية».

وتابع المري: «شهدت الدوحة في الفترة الأخيرة عملا جادا على تطوير أراضيها، نظرا للزيادة السكانية الواضحة التي شهدتها العاصمة، على عكس المناطق خارجها، ففرض الرسوم داخل الدوحة يمثل إرهاقا للمستثمر، لأن سعر الأراضي مرتفع بصورة كبيرة، إضافة إلى تكلفة البناء التي تصل لمبالغ ضخمة، لذا فمقترح الرسوم يمكن أن يكون مجديا بصورة أوسع في مناطق كالوكرة والشمال وغيرها، ويمكن أن تمثل تشجيعا وتحريكا للمستثمر للعمل على التطوير بصورة أسرع من الحالية».

وأوضح أن التطوير في المناطق الخارجية يمكن أن يكون مفيدا للجميع بصورة أكبر من الدوحة، فإن افترضنا تطوير كافة الأراضي الفضاء في العاصمة فلن تكون مؤثرة بصورة كبيرة كأن طبق الأمر نفسه على المساحات الكبيرة في الوكرة والخور وغيرها من المدن التي بات التوجه إليها في الفترة الأخيرة خيار قطاع عريض من السكان.

ولفت الخبير العقاري إلى أن تشجيع أصحاب الأراضي في المناطق الخارجية على تطويرها سيكون نابعا من الرسوم التي تزيد عليهم بصورة مستمرة في حال فرضت، وسيهربون من هذه الرسوم بالإعلان عن مشروعات تفيدهم وتفيد السكان في الوقت نفسه.

وأشار المري إلى أن الأسعار استقرت بصورة كبيرة في الفترة الأخيرة، فثمة ثبوت في أثمان الأراضي وفق نشرات وزارة العدل التي تصدر بصورة دورية، ووفق حركة السوق التي يتابعها خبراء العمل العقاري، وثبات الحركة يمثل ركود بالنسبة للسوق القطري الذي امتاز لسنوات بنشاط كبير في القطاع العقاري، وأي عمل على خفض سعر الأراضي بصورة كبيرة سيؤثر على القطاع، وربما ينفر منه العاملين في هذا المجال ويهربون إلى قطاعات أخرى أكثر أمانا، والثبات والزيادة المحدودة لن تحدث ارتدادا عكسيا على السكان.

ولفت إلى أن المشاريع الكبرى والاستملاكات التي حدثت بالدوحة وغيرها كان لها أثر واضح على السوق العقاري، مشيرا إلى أن الأمر سيتراجع تدريجيا لأن حركة الاستملاك لن تستمر بالتأكيد، فالمشروعات بدأ العمل عليها بالفعل على أرض الواقع، وخطوط الريل الثلاث على سبيل المثال كان لها النصيب الأبرز من حركة الاستملاك، الأمر الذي قلل العرض من الوحدات المعروضة، فزادت الإيجارات.
وأشار المري إلى أن الحل في ارتفاع أسعار الإيجارات يكمن في توسعة نطاق التطوير ليشمل المناطق الخارجية، فثمة مساحات كبيرة في مختلف مناطق الدولة يمكن تطويرها بصورة كبيرة، والمواطنون والمقيمون باتت لديهم رغبة كبيرة في الخروج للمناطق الخارجية، والعرض قل لهذا السبب. وتوقع أن يشهد عام 2016 ثباتا في أسعار الإيجارات، وإن حدث تراجع فسيكون بنسب بسيطة لن تؤثر على حركة السوق العقارية، ولكن في المجمل ستكون الأسعار شبه ثابتة.

تسهيل الاستثمار أمام المطورين

ومن جانبه قال الخبير العقاري علي الحميدي: «قبل فرض رسوم على من يملكون أراضي وغير مطورين لها لا بد من تسهيل أعمال البناء أمامهم، فالمرحلة الأولى التي يقبل عليها المستثمر هي شراء الأرض، وهو الأمر الذي يستنفذ جزءا كبيرا من مخصصاته للتطوير، فيضطر للانتظار فترة معينة لكي يتمكن من استكمال العمل على هذه الأراضي».

وأضاف: «ليس كل من يشتري أرضا ينتظر لكي يبيعها ويستفيد من الزيادة في سعرها، فهناك من يبحثون بجد عن تمويل جيد ومعقول لمشروعاتهم، ولكن التسهيلات البنكية ما زالت دون المستوى المأمول، فمن المتوقع في قطاع حيوي كالقطاع العقاري أن يكون التمويل ميسر لأبسط درجة ممكنة».

وأشار الحميدي إلى أن المطلوب ليس إلغاء الفائدة للقروض العقارية، ولكن تخفضيها بالصورة التي تناسب الحاجة الملحة في السوق القطرية للمزيد من الوحدات السكنية، لافتا إلى أن الفائدة الحالية على القروض العقارية كبيرة.

ونوه بأن بعض الأراضي يستحيل فرض رسوم عليها كونها تابعة لورثة، ومنها ما تتبع لأطفال صغار وتمثل رصيدهم المستقبلي، فكيف يتم وضع رسوم في هذه الحالة، وهي حالات لا بد من أن توضع في الاعتبار في حال الحديث عن فرض رسوم من أجل التشجيع على التطوير العقاري.

ولفت إلى أن غالبية المطورين لا يمكنهم أن يقوموا بالتطوير مباشرة بعد شراء الأراضي، الأمر الذي يضع فرض الرسوم كمرحلة متقدمة، أي أن الأرض لا بد أن يمر عليها فترة بعينها تثبت نوايا المطور في العمل بها أو بيعها لمشتري آخر، لأن غالبية المطورين ينتظرون فترة لحين توافر مبالغ مالية تكفي لتطوير الأرض التي اشتراها وفرض رسوم عليها بعد الشراء مباشرة يعني إثقالا لكاهلهم ما يضر بالقطاع.

وأكد الحميدي أن القطاع العقاري هام جدا بالنسبة لقطاع عريض من المستثمرين في قطر، وأن نسبة كبيرة من رجال الأعمال يفضلون التوجه لهذا القطاع الآمن، لذا فلا بد من التشجيع على الاستثمار به، لا أن توضع العراقيل أمام الراغبين في الاستثمار بالعقارات، الأمر الذي يمكن أن يؤدي لنفور بعض المستثمرين، ولجوئهم لقطاعات أخرى أو ربما الاستثمار بالخارج، وهو أمر لا يرجوه أي قطري، ناهيك من ضرره في المجمل على القطاع العقاري وعلى المواطن والمقيم.

ونوه الحميدي بأن غالبية المستثمرين في القطاع العقاري يفضلون تطوير أراضيهم، ولكن موجة الغلاء تؤثر عليهم أيضا، لذا فلا بد أن تتم عملية خفض الأسعار تدريجيا وعلى عدة محاور، فالخفض المفاجئ للأسعار سيؤثر على العاملين في هذا القطاع، ولا يمكن تصور أن تخفض الإيجارات من 15 ألف ريال كقيمة إيجارية لفيلا على سبيل المثال لتصبح ثمانية آلاف فقط، فهذا الأمر سيخلف مشكلة أكبر.

وقال الخبير العقاري: «لا شك أن بعض المستثمرين يقوم بشراء الأراضي بنية بيعها مرة أخرى بعدما يزداد سعرها، وهو أمر متكرر بصورة كبيرة، ويضر القطاع ويرفع الأسعار بالتأكيد، والتغلب على هذه المشكلة أيضا يكمن في وضع المزيد من التسهيلات أمام المستثمر العقاري، الذي سيجد في التطوير وسيلة ربح أفضل بكثير من ترك الأرض لفترة وبيعها».

وأشار الحميدي إلى أن فرض الرسوم على الأراضي الفضاء تظل الحل الأخير، ولا يجب اللجوء إليها إلا بعد استنفاذ كافة الحلول وتيسير كافة الإجراءات أمام المطورين العقاريين، خاصة أن الكثير منهم ما زالوا يشتكون من إجراءات بنكية معقدة نوعا ما.

تنظيم العمل

ومن جانبه قال أحمد العروقي المدير العام لشركة روتس العقارية: «عملية فرض الرسوم على الأراضي الفضاء يجب ألا تتم بصورة عشوائية، فعلى سبيل المثال هناك بعض الأراضي على شوارع رئيسية ومتروكة دون تطوير، فهي تشوه المنظر العام، إضافة إلى أنه لا استفادة حقيقية بها على الرغم من أن أسعارها كبيرة جدا، فلا بد من فرض رسوم عليها تجبر صاحبها على تطويرها أو بيعها لمن لديه القدرة على التطوير».

وأضاف: «لا بد من تنظيم العمل والسماح لأصحاب المساحات الكبيرة من الأراضي بتطويرها، فالكثير من المساحات خارج الدوحة لم تستثمر بصورة جيدة، لذا فلا بد من وضع مخطط عام سواء للدوحة أو المدن الخارجية من أجل معرفة آليات التطوير كيف تتم، من أجل التشجيع على تطوير أكبر مساحات» لافتا إلى أن ملاك المساحات الكبيرة من الأراضي الفضاء سيقومون ببيع جزء منها وتطوير الباقي إن فرضت الرسوم، وهو توجه جيد يمكن أن يدعم زيادة المساحات المطورة، بما يقلل الأسعار والإيجارات بصورة كبيرة.

وأردف العروقي: «التسهيلات البنكية ليست بالعقبة الكبيرة أمام العاملين في القطاع العقاري في الفترة الأخيرة، فمع الارتفاع الكبير في أسعار الأراضي باتت تمثل نسبة تقارب %50 من المشروع، فإن كان المطور يملك الأرض خاصة في بعض المناطق الحيوية فإن التمويل بالنسبة له أمر مضمون بصورة كبيرة، فالبنك يبحث عن الفائدة المرجوة من المشروع، وحتى إن وضعت البنوك عراقيل أمامه فمن السهل أن يبيع جزءا في مقابل تطوير الجزء الآخر، بما يعود عليه وعلى المجتمع ككل بالنفع.

وأشار المدير العام لشركة روتس العقارية إلى أن معظم الأراضي الفضاء تعود ملكيتها لسنوات مضت، وتكلفتها على أصحابها قليلة جدا إن قورنت بسعرها في الوقت الحالي، لذا يرفض الكثير منهم البيع، في حين أن من يشتري أرضا في الوقت الحالي يبحث بجد عن آليات تطويرها.

وأكد على أن عملية فرض الرسوم ستكون على غير الراغبين في التطوير ممن اشتروا الأراضي بأسعار بخسة منذ عقود، سواء في وسط المدن أو الطرق الرئيسية خارجها، وهو أمر سيشجع على عملية التطوير بصورة عامة.

وشدد العروقي على أهمية تجنب فرض أي رسوم على الأراضي التي لم يجر عليها أي تنظيم حتى الآن، ففرض الرسوم يجب أن يكون بصورة دقيقة جدا يستهدف غير الراغبين في التطوير، حتى لا يتأذى أحد من هذه العملية، وحتى تصب في صالح القطاع العقاري.

وأكد على أن ارتفاع الإيجارات نابع بصورة أساسية من ارتفاع أسعار الأراضي، فالمطور يتكبد مبلغا كبيرا من أجل تطوير بناية أو مول تجاري، مشددا على أن «روشتة» التغلب على تطوير غلاء الأراضي يأتي في مقدمة بنودها فتح مناطق جديدة للتطوير في قطر ما يدعم زيادة العرض من الأراضي في قطر، ثم يأتي إمهال أصحاب الأراضي الذين يهملون تطويرها، فيتم إعطاؤهم فرصة معينة من أجل العمل على هذا الأمر، وهذا ربما يسهم في تحريك المياه الراكدة عن طريق بيع جزء من هذه الأراضي وتطوير الجزء الآخر.

وأشار المدير العام لشركة روتس العقارية إلى أن حل المشكلات المتعلقة ببعض الأراضي المتنازع عليها، سيكون له أثر كبير في التسريع من عملية التطوير، خاصة أن الكثير من المتنازعين يرغبون في التطوير ولكن تحول النزاعات دون العمل على ذلك، وهذا سيكون مفيدا بصورة كبيرة في الزحف للمناطق الخارجية، ومع الوقت سيقل سعر الأراضي بها لنصف ما هي عليه في العاصمة.

ونوه بأن تطوير مساحات واسعة من المناطق الخارجية لا بد أن يتبع بزيادة الخدمات بها، ما يدعم انتقال أكبر عدد من السكان إليها وتقليل العبء على مختلف المرافق الخدمية في الدوحة، والتطوير سيعدل من سعر الأراضي في خارج العاصمة، خاصة أن التركيز منذ فترة على مساحات محددة من الأراضي، وهو ما ضاعف من سعرها، فهي متداولة بصورة كبيرة بين السكان تنتقل من شخص لآخر في مزايدة واسعة على أسعارها.

وأشار العروقي إلى أن الميزانيات المرصودة للنية التحتية سيكون لها أثر إيجابي في تحسين المرافق خارج الدوحة، وهو ما سيدفع السكان للانتقال بصورة أكبر لمناطق الوكرة والوكير وغيرها من المدن القريبة من العاصمة، ولكن لا بد من توفير المزيد من الوحدات السكنية معقولة الإيجارات في هذه المناطق.