يعيش اقتصاد مملكة البحرين تحت وقع العديد من الضغوطات الداخلية والخارجية، قد تعصف بتطلعات البحرينيين في عيش رغد يضاهي مستويات المعيشة في باقي دول الخليج، خاصة أن مملكة البحرين أصبحت تواجه هاجسا وعبئا ثقيلا يتمثل في الديون الخارجية التي أصبحت ترهق كاهل المالية العامة للدولة، التي تعاني من عجز متراكم نتيجة عاملين أساسيين، الأول تراجع أسعار النفط، والثاني ارتفاع المصاريف والنفقات مما دفع بالدولة إلى الكفاح نحو بناء توافق سياسي بشأن خطط التقشف المزمعة.
وتوقع المحللون أن تكون البحرين نسخة مماثلة من اليونان، وما لحق بها من إضرابات اقتصادية، أدى بها في نهاية الأمر إلى الوقوف على حافة الإفلاس.. ففي ظرف 10 سنوات نما الدين العام لمملكة البحرين بنسبة 1381%، حيث قفز الدين العام من نحو 1.6 مليار دولار إلى نحو 23.7 مليار دولار في الأشهر الأولى من العام الجاري، وبنسبة 3% بعد أن كان في العام الماضي عند مستوى 23 مليار دولار وبنسبة 26.73% عن العام 2015، والذي قدر فيه الدين العام لمملكة البحرين بنحو 18.7 مليار دولار، وذلك وفقا للبيانات الصادرة عن مصرف البحرين المركزي.
دين المملكة
وأشار مصرف البحرين المركزي إلى أن دين المملكة قفز بنحو 8.95 مليار دينار أي ما يعادل 23.7 مليار دولار في مارس2017 من 7.3 مليار دينار، أي ما يعادل 19.3 مليار دولار في نهاية الربع الأول من العام الماضي، بنسبة نمو تساوي 23% على أساس سنوي، ومن المتوقع أن يقفز الدين العام لمملكة البحرين خلال الأشهر المقبلة إلى مستويات أعلى من ذلك، خاصة بعد أن تم إقرار الميزانية العامة للبحرين للعام الجاري والمقبل بعجز يصل إلى نحو 6.7 مليار دولار أمريكي.
ووفقا لذات البيانات فإن إجمالي الدين العام في مملكة البحرين يوازي 76% من إجمالي الناتج المحلي الإجمالي والمقدر بنحو 31 مليار دولار، ما يعادل 11.7 مليار دينار بحريني، في حين تمت مناقشة رفع نسبة الدين العام إلى 100% مقارنة بالناتج المحلي الإجمالي لمملكة البحرين، والذي يعتبر أعلى مستوى للدين في تاريخ مملكة البحرين. كما تمت التوصية عند مناقشة ميزانية مملكة البحرين بضرورة الأخذ بعين الاعتبار الحاجة إلى تمويل عجز الميزانية العامة للعام 2017-2018 من جهة، واهتمام الحكومة بإدارة الدين العام والمحاولة في إيجاد برنامج توازن مالي يهدف إلى تقليل مستويات الدين العام إلى ما دون ذلك بهدف تقليص الضغوطات، التي قد تعجل من وتيرة تهاوي صرح الاقتصاد البحريني، وتدخله إلى بوتقة العجز والدين الخارجي، خاصة مع ضعف إيرادات النفط مقارنة بباقي دول الخليج، حيث تنتج البحرين يوميا نحو 200 ألف برميل نفط، فيما يقول الخبراء إن البحرين بحاجة إلى الوصول بسعر البرميل إلى 100 دولار للبرميل لسد العجز في الموازنة.
التصنيف يربك البحرين
حملت الأيام الماضية أنباء غير سارة للاقتصاد البحرين، حيث قامت وكالة التصنيف الائتماني العالمية موديز نهاية شهر يوليو 2017 بتخفيض تصنيفها الائتماني للمملكة من Ba2 الذي يشير إلى درجة غير استثمارية ليصبح B1 الذي يفيد بأن اقتصاد المملكة أصبح يحمل مخاطر استثمارية عالية، مع تشديد الوكالة على أن النظرة المستقبلية لمملكة البحرين تبقى سلبية. وأرجعت الوكالة تخفيض تصنيف البحرين إلى أن العجز الحكومي سيواصل تراجعه الحاد خلال السنوات المقبلة في ظل المشاكل والمصاعب التي تواجه المالية العامة للدولة وارتفاع المصاريف على حساب الإيرادات وتوسع فجوة الدين العام.
غياب الإستراتيجية
وأشارت الوكالة في تقريرها إلى أن غياب الإستراتيجية والرؤية الواضحة لتعزيز الاستقرار، متوقعة أن تواصل المملكة تسجيل عجز في الموازنة خلال السنوات المقبلة، مشددة على أنها لن ترفع من نظرتها المستقبلة للبحرين إلا إذا قامت البحرين بإصلاحات جذرية تنعش الاقتصاد البحريني. وجاء تخفيض تصنيف موديز للتصنيف الائتماني للبحرين في أقل من 30 يوما منذ أن قامت وكالة التصنيف الائتماني العالمية فيتش بتخفيض تصنيفها للاقتصاد البحريني من مستقر إلى سلبي، مؤكدة وجود مشاكل كبيرة في السياسة النقدية والمالية في البحرين، ومشددة على أن تخفيض التصنيف استند إلى المؤشرات الاقتصادية الصادرة عن الجهات الرسمية البحرينية والتي أظهرت تراجعا في مستويات الأداء الكلي للدولة وحتى للقطاع الخاص.
وسيكون لتقليص التصنيفات الائتمانية لمملكة البحرين انعكاسات سلبية على المدى المتوسط والبعيد، خاصة عند محاولة البحرين الخروج نحو أسواق الدين العالمية، حيث سترتفع تكلفة الإصدارات السيادية مما يعمق فجوة الدين العام للدولة بدرجة أولى، إضافة إلى إمكانية عزوف المستثمرين عن الاكتتاب في تلك الإصدارات، خاصة إذا استمرت باقي مؤسسات التصنيف الائتماني في تقليص تصنيفاتها الائتمانية.
سندات سيادية
يشار إلى أن حجم إصدار السندات السيادية البحرينية نما بنسبة 30.6%، حيث قفز إلى 14.1 مليار دولار، ما يعادل 5.3 مليار دينار بحريني في نهاية الربع الأول من العام الجاري، مقارنة بنحو 10.8 مليار دولار، ما يعادل 4.1 مليار دينار بحريني في مارس من العام الماضي.
وكان صندوق النقد الدولي توقع في وقت سابق من العام الجاري أن يرتفع الدين العام لمملكة البحرين خلال عام2017، في ظل المحاولة للتأقلم مع التدهور الاقتصادي الناجم عن أسعار النفط وتواصل سياسة الإنفاق الموسعة وغير المدروسة، محذرا البحرين من مخاطر تواصل تراجع المؤشرات، مشددا على أن البحرين بحاجة إلى إجراء تخفيضات في الإنفاق المالي.
كما قال بنك أوف أمريكا ميريل لينش في احدث تقاريره إلى إمكانية مطالبة دول الخليج لمملكة البحرين بإجراء إصلاحات كبيرة لاستعادة الاستدامة والتنمية، مشيرًا إلى أنه من المتوقع أن يظل الوضع الاقتصادي لمملكة البحرين دون تحسن خلال الفترة المقبلة، وارجع التقرير ذلك إلى التدهور الكبير في الاقتصاد البحريني وتراجع الاحتياطات النقدية بالإضافة إلى ارتفاع الدين الحكومي.
سندات دولية
وأشار بنك أوف أمريكا أن مملكة البحرين تعاني من عدم وجود خطة جديرة بالثقة لتحسن الأوضاع المالية خلال الفترة المقبلة، ما أسهم في اللجوء إلى السندات الدولية، إضافة إلى مؤسسة كابيتال إيكونوميكس التي توقعت أن يتراجع الناتج المحلي الإجمالي للبحرين، خلال العام الجاري إلى 2%، مقارنة بنمو 3.5% خلال عام 2016.
إلى ذلك تراجعت مستويات الاحتياطي الأجنبي في البحرين بنسبة 11% حيث انخفض صافي الأصول الأجنبية إلى نحو 1.7 مليار دولار أي ما يعادل نحو 645.2 مليون دينار بعد أن كانت تقدر بنحو 1.93 مليار دولار أمريكي أي ما يعادل 725.9 مليون دينار في مطلع العام الجاري مما يظهر انخفاضا بنسبة 71% مقارنة بنحو 6.6 مليار دولار في 2014.
كما توقعت الإندبندنت البريطانية أن تفقد البحرين سيولتها المالية بحلول العام 2020 إذا لم تتدارك المصاعب الاقتصادية والنزيف المالي الذي تواجهه.
المواطن أكبر المتضررين
أجلت مملكة البحرين في وقت سابق تأجيل البت في مشروع بقانون يجيز بسحب 200 مليون دينار من حساب احتياطي الأجيال القادمة، وذلك لسد العجز المالي ومحاولة الحد من المشاكل التي يعاني منها الاقتصاد البحريني، وهذه الاحتياطيات كانت مخصصة بدرجة أولى للأجيال البحرينية المقبلة غير أن الضغوطات المالية دفعت بالبحرين إلى تسييل أموال الأجيال القادمة وسط معاناة البحرينيين من قلة فرص العمل مع ارتفاع معدل البطالة إلى 4.3% في نهاية العام الماضي، في حين تصل هذه النسبة إلى 20% بين الشباب، وارتفاع مستويات التضخم بنسبة 0.17% وبلغ الرقم القياسي لأسعار المستهلك 128.4 نقطة، مقارنة بـ127.5 نقطة في مايو 2016.
وحسب بيانات الهيئة، ارتفعت أسعار السكن والمرافق بنسبة 3.1%، فيما زادت أسعار التعليم إلى 2.6%، وأسعار السلع والخدمات الأخرى 1.7%. كما تدرس البحرين فرض رسوم على العقارات والمباني والمنشآت وتطوير البنية التحتية، حيث من المنتظر أن فرض رسوم بقيمة 12 دينارا عن كل متر مربع في صافي المساحة المطلوب بنائها بالمتر المربع لأي عقار سواء كان سكنيا أو تجاريا أو استثماريا، وتهدف تلك الرسوم الجديدة التي تسمى بمرسوم استرداد التكلفة، وتحصل لدى هيئة الكهرباء والماء ولا يتم إصدار ترخيص البناء إلا بعد دفع هذه الرسوم التي تدفع على 3 دفعات.