alsharq

د. زينب المحمود

عدد المقالات 329

النجاح الحقيقي

22 سبتمبر 2019 , 03:29ص

العمل لا ينتهي، والالتزامات في ازدياد، فضلاً عن مشاغل وإجراءات وأمور بعضها فوق بعض، حتى غدا لسان حالنا يصدح باستمرار: «زحمة، زحمة، زحمة». حقاً هو «لهاث مسعور»؛ إنه لهاث لا يعقبه إلا التعب. وفي السياق نفسه، أسترجع ذكرى مرت بي حينما كنت في الحرم المكي قاصدة أداء العمرة، وقرع جرس التنبيه باب أسماعي وكأنه يدعوني إلى سماع خطبة الجمعة. وكان الخطيب حينها يفسّر حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: «احْفَظِ اللهَ يَحْفَظْكَ». سمعته وكأنني أسمعه أول مرة، على الرغم من تدريسي إياه في مقرر التربية الإسلامية بالمدرسة. استوقفني جزم الفعل المشروط ثم معنى الحديث، وتذكّرت ما تكرّره أمي على مسمعي دائماً: «الله يحفظك مع زحمة أشغالك إلّي ما تنتهي». ومن يعرفني كان يكتفي بالقول: «الله يحفظك». كم يعتصرني شعور الإحساس بتأنيب الضمير عندما أتأمل نفسي فأجدها غارقة في بحر الأمنيات والسعي وراء تحقيق ما يجعلني أتفوق على غيري، أجري وأتعب وأُرهَق، ولا أقف؛ بل أمضي بلا هوادة، غير مصغية إلى من حولي حينما يقولون: «ما نعرف ليش تسوّي بروحها كذا». والله إن الحياة أسهل مما نظن ونتخيل؛ فنحن من نصعّبها ونضع العقبات في الطريق، ولا أجلّ من مبدأ ما وصّانا الله به ورسوله في الحديث الشريف: «احْفَظِ اللهَ يَحْفَظْكَ»، ولا أجمل من حفظ الله. ويكمن النجاح الحقيقي في نجاح أنفسنا، وفي مدى رعايتنا إياها واحتوائها وتحقيق توازنها. لذلك، ووسط هذا الزحام، عقدت العزم على قطع عهد جديد مع نفسي يقوم على التركيز في نفسي فحسب، وعدم الالتفات إلى غيري؛ فكفاني ما يقع على كاهلي من أعباء. وفعلاً، توقفت عن هذه الحماقة، وقمت بشيء واحد فحسب، أتعرفون ما هو؟ إنه التركيز والتصويب نحو الهدف، ومعرفة الأهم، فالمهم، والأوجب، والواجب، والأصلح، والصالح... وهكذا. توزيع العبء بتكليف من أثق بقدراتهم وأخلاقهم بالقيام به، والثقة في هذا السياق أمر ضروري؛ حتى لا يتولد عنصر القلق بأن من وُكّل إليه العمل قد لا يتقنه أو لا يجيده أو لا يقوم به كما يجب. لقد ثبت لي أن مجريات الأمور في حالة ازدحامي تجري كما تجري حالة هدوئي؛ فالكرة الأرضية لم تتحرك من مكانها، ونسبة الماء أو اليابس لم تتغير في الطبيعة، ولم ينقلب الزمان والمكان؛ بل على العكس من ذلك، فعندما أصبحت هادئة وأنال منالي من غرف العلم وارتشاف المعرفة الحقة وحفظ الوقت بما ينفع الذات والروح، كان -قطعاً- أفضل، وكان مكسباً لا يضاهيه مكسب. لذلك كله، علينا أن نقرر جميعاً، اليوم وليس غداً، أن الحياة ستستقيم، وأن الأمور كلها ستمضي، ولا داعي لمشاغل يمكن تأجيلها أو تخفيفها أو توكيلها إلى من يُوثق بهم أو تفويضها إليهم. وما دام أحدنا يغذّي روحه بغذائه، ويغذّي العقل بغذائه، وينتفع بما ينفعه، ويصاحب الأخيار، فسيهدأ منه البال، ويدان كذلك الحال، من دون تهويل ومن دون صال جال، وقيل وقال، وحتماً سيحقق بإذن الله المنال. فالعمل لا ينتهي، والمشاغل في ازدياد. وفي المقابل، لو أهملنا ما يريحنا ويملأ جعبتنا بالمنافع، فسوف نخسر أرواحاً ونكسب أجساداً متعبة لا روح فيها ولا حركة. وربما لو أصابها أمر، لسقطت ولم تستطع الوقوف. ختاماً، أذكّركم ونفسي بأن عجلة الحياة تسحبنا إلى ما يكدّر أنفسنا؛ ولكن علينا أن نذكّر أنفسنا دوماً بأن القرب من الله هو ما يحفظنا، وأن القرب منه هو المذاق الطيب للحياة، وفيه وحده الفلاح والنجاح.

ربُّ القوافي

قد يتساءل البعض عن العلاقة التي تجمع مفردة الربّ بما يضاف إليها، وهل يبقى معناها وفق ما هو في سياقها الديني واللغوي؟ حقيقة، لكلمة الربّ خارج معناها الإلهي معانٍ مختلفة، يحدّدها السياق وما يرتبط به...

غالبٌ على أَمْرِهِ

في هذه الأيام، يتوسل المسلمون في مشارق الأرض ومغاربها باسم الله الغالب؛ ليرد عنهم كيد الكائدين، وغيظ المعتدين، وكل حقد ظاهر ودفين. فالأمة منذ حين تمر بمخاض القيام والانتفاض، ولهذا القيام تكاليفه الوافية من الخوف...

أَبصر به وأَسمع

كلّنا ندعو الله عزّ وجلّ باسميه «السميع والبصير»، ومؤكَّدٌ أنَّنا كلَّما ذكرناه بهما سبحانه، قَفَزَ إلى ذاكرتنا وألسنتنا قوله تعالى: «لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيْرُ» (الشورى: 11)، ولكن هناك فرق بين من يقولها مستشعرًا...

مفتاح النصر

لم يُنصر نبي أو عبد من عباد الله إلا بيقينه بالله وحده، وبإدراكه المطلق أن الأمر كلّه بيد الله، وأنّ الله تبارك وتعالى هو الغَالب القَاهر أبدًا، لا يَمْلك أحدٌ أنْ يردَّ ما قَضَى، أو...

كمال الستر

كلّنا نسمع باسم الله «الستير»، وكلّنا نردده في كثير من الحالات، لكن هل علمنا حقيقته وغاية تسمية الله به؟ وما علاقته بالمجتمعات وسلمها وأمانها؟ وماذا لو استحضرنا هذا الاسم في جوانب حياتنا المختلفة؟ إنّ مدارسة...

رغم المكر.. قطر ستبقى حرة

كلٌّ منا يمضي نحو قدره، وكل منا يختار طريقه التي ارتضتها نفسه له، فإن خيرًا فخير، وإن شرًا فشر، والبشر في إطار القدر قسمان، قسم هو الأعلى بقربه من الله وإطاعته، وقسم هو الأسفل ببعده...

كمال غناه

إنّ كمال غِنى الله سبحانه وتعالى عظيم؛ لا يحدّ ملكه حدّ، ولا يحصيه أحد، إنساً كان أو جنًا أو ملكاً، أو ما دون ذلك. ولو أن الخلق جميعًا، أولهم وآخرهم، وإنسهم وجنهم، سألوه، فأعطى كل...

الحقُّ أحقُّ أن يُتّبع

لو تتبعنا اسم «الحق» في كتاب الله عزّ وجلَّ، لوجدناه في عدة مواضع؛ فيقول الحقّ جلَّ وعلا: }ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ{ [الحج: 6]، }يَوْمَئِذٍ يُوَفِّيهِمُ اللَّهُ دِينَهُمُ الْحَقَّ وَيَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ الْمُبِينُ{...

إِلهٌ حميد

مَنْ مِنّا لا يحمد الله إن أَصابته سراء؟ ومن منّا لا يشكره سبحانه إنّ أظلته أفياء نعمة؟ هذا حال من يردّ الفضل إلى صاحبه، ويهب الثناء لمن هو أهل له. وهل تفكّرتم يومًا في اسم...

لربنا حامدون

هل شعرت يومًا بعظيم أفياء الله عليك فبادرت بحمده؟ وهل وقعتَ في ابتلاء ونجوتَ منه، فحدثتك نفسك بضرورة حمد الله؟ وهل أبصرت حينًا مصائب غيرك، فنبض قلبك بحمد الله الذي عافاك مما ابتلى به سواك؟...

لا تقنطوا...

معلوم أنّ العبد هو الذي يتوب من ذنبه ومما اقترفته نفسه ويداه وجوارحه، لكن هل هذه التوبة تؤتى لأيّ إنسان؟ أم أنّها منحة إلهية يختصّ بها من يستحق من عباده؟ حقيقة إنّ توبة الله على...

خليفة

لا شكَّ في أنّ مَن يقرأ كلمة «خليفة» أو يسمعها، يتذكر قول الله تعالى: ﴿وَإِذ قَالَ رَبُّكَ لِلمَلَاـئِكَةِ إِنِّی جَاعِل فِی الأرض خَلِیفَة ﴾ [البقرة: 30]، وكذلك يتذكر منصب الخلافة في الإسلام. لكن هل حاول...