اليوم العالمي لضحايا الاختفاء القسري.. الأمل واليأس جنبا إلى جنب
حول العالم
30 أغسطس 2017 , 10:35ص
قنا
تحتفل الأمم المتحدة والأسرة الدولية باليوم العالمي لضحايا الاختفاء القسري، الذي يوافق الثلاثين من شهر أغسطس من كل عام، وكان قد بدأ الاحتفال به اعتبارا من عام 2011 بعد أن تبنت الجمعية العامة اتفاقية دولية لحماية الأشخاص من الاختفاء القسري، والتي دخلت حيز التنفيذ عام 2010، وطلبت من الأمين العام ومفوضة الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان أن يواصلا جهودهما المكثفة لمساعدة الـدول على أن تصبح أطرافا في الاتفاقية بهدف تحقيق الانضمام العالمي إليها.
ويأتي الاحتفال بهذا اليوم في وقت انتشرت فيه الحروب والأزمات، وكان من بين ضحاياها مئات الآلاف من المفقودين أو المختفين، فضلا عن القتلى والجرحى والخسائر المادية، حيث تشكل هذه المناسبة فرصة لتسليط الضوء على هذه المأساة الإنسانية وعلى جهود كافة الأطراف المعنية لمكافحة هذه الظاهرة، ورفع الوعي العام بها، والدعوة إلى زيادة التبرعات للعمل في مجالات تعزيز حقوق الإنسان.
وتستذكر الأمم المتحدة في هذا اليوم العالمي، مئات الآلاف من الضحايا الذين اختفوا وما زالوا يختفون كل يوم في مناطق مختلفة من العالم جراء هذه الجريمة التي تمتهن كرامة الإنسان، وتنتهك أبسط حقوقه المتعارف عليها دوليا، وربما يبدو مصطلح "الاختفاء القسري" غامضا وغير مألوف بالنسبة للبعض، ولكن القصة الإنسانية الماثلة وراءه هي قصة بسيطة، إذ يختفي الناس بكل معنى الكلمة من حياة ذويهم وأحبتهم ومجتمعاتهم فجأة ودون سابق إنذار عندما يختطفهم أشخاص من الشارع أو المنزل، ثم ينكرون وجودهم في عهدتهم أو يرفضون الكشف عن أماكن تواجدهم.. وفي كثير من الأحيان لا يفصح منفذو هذا العمل عن هويتهم، أو السلطة التي يأتمرون بأوامرها، ولا الأسباب التي دفعتهم إلى هذا العمل، وهكذا يبدأ الفصل الأول من مأساة الاختفاء القسري.
ولايخضع ضحايا الاختفاء القسري عادة إلى محاكمات، حتى عندما تتولى عملية الإخفاء أجهزة رسمية، وإن خضعوا إليها فهي محاكمات شكلية تحكم عليهم بسجن لا يشبه السجون، فلا اتصال لهم بالعالم الخارجي، ولا دليل على وجودهم أصلا بالنسبة إلى هذا العالم.. وقد يحكم عليهم بموت مباشر، مع موت أي معلومات عنهم، لكنهم يبقون هكذا معلقين بالنسبة إلى الأهل، الذين يترقبون في حيرة، طيلة سنوات أحيانا، وصول أخبار عن ذويهم قد لا تأتي أبدا، لتبقى عواطف الأهل متأرجحة بين الأمل واليأس، ويدرك الضحايا جيدا أن أسرهم لا تعرف شيئا عما حل بهم، وأن فرص حضور من يمد لهم يد المساعدة ضئيلة أو ربما معدومة.
المعطيات المتوفرة للمؤسسات الدولية حول ضحايا الاختفاء القسري تشير إلى تفاقم هذه الجريمة حول العالم.. أما الضحايا فهم من الجنسين، ومن كل الشرائح العمرية، كبارا وأطفالا، ومن مختلف الطبقات الاجتماعية.
وتقول الأمم المتحدة إن الاختفاء القسري لا يسلب ضحاياه حريتهم فحسب، بل يزج بهم في أقبية احتجاز سرية، وغالبا ما يعيشون في خوف دائم من الفتك بحياتهم، وحتى إذا أُطلق سراحهم في نهاية المطاف، فلن تفارقهم الآلام البدنية والنفسية طيلة ما تبقى من عمرهم.
ومن الواضح أن العامل المشترك بين ضحايا الاختفاء القسري هو بقاء الخاطف مجهولا في كثير من الأحيان، وبقاء المخطوف مجهول المصير، بينما تنقلب حياة أهله وذويه رأسا على عقب.. وقد يبقى الوضع على هذا الحال طويلا وربما إلى الأبد، وكثيرا ما تزداد محنة أسر الضحايا جراء العواقب المادية للاختفاء القسري، ذلك أن الشخص المختفي غالبا ما يكون هو العائل الرئيسي للأسرة، وقد يكون هو الفرد الوحيد في العائلة الذي يستطيع زراعة الأرض أو إدارة المشروع التجاري للأسرة، وهكذا يتفاقم الاضطراب العائلي باقترانه بالحرمان المادي الذي تشتد حدته نتيجة التكاليف الإضافية التي تتحملها الأسرة إذا قررت البحث عن عائلها المختفي.
فضلا عن ذلك، فإن للاختفاء القسري آثاره القاسية على النساء والأطفال، فالزوجات والأمهات والأطفال هم الذين يتحملون في معظم الأحيان عواقب الاختفاء القسري، وهم الأشخاص الأكثر تضررا منه، ناهيك عما يمكن أن يتعرضوا له من أضرار ومعاناة إذا ما اختفوا هم أنفسهم.
وسعيا إلى حظر ومكافحة الاختفاء القسري، تنادي الاتفاقية الدولية ذات الصلة بالعمل من أجل الحيلولة دون إفلات ممارسي هذه الجريمة من العقاب، وتلزم الدول الأعضاء فيها بإحالة مرتكبيها إلى العدالة، كما تلزمها بمحاكمتهم أو تسليمهم، حتى لا يفلت أي منهم من حكم العدالة.
وتنص الاتفاقية الدولية لحماية الأشخاص من الاختفاء القسري على عدد من الضمانات الإجرائية للحيلولة دون اختفاء الأشخاص، من بينها "ضرورة الإبقاء على كل شخص محروم من حريته في مكان رسمي، وتسجيله وتسجيل كل تنقلاته"، والأهم أنها تنص على "ضرورة السماح لكل محروم من حريته بأن يكون على صلة بالعالم الخارجي، وأن يكون على اتصال بعائلته ومحاميه".. وتقر الاتفاقية بأن مفهوم ضحايا الاختفاء القسري لا يقتصر على المختفين فحسب، بل يشمل أقرباءهم أيضا، وتعترف بحق العائلات في معرفة مصير أقربائها وحق الضحايا في التعويض عن الضرر الذي ألمَّ بهم.
وتقضي بأنه "لا يجوز لأي دولة التذرع بأي ظرف استثنائي كان، سواء تعلق الأمر بحالة حرب أو التهديد باندلاع حرب، أو بانعدام الاستقرار السياسي الداخلي، أو بأية حالة استثناء أخرى، لتبرير الاختفاء القسري".
وينص القانون الدولي على أنه "إذا كانت الحكومات لا تعرف حقا مكان احتجاز المختفين أو المفقودين، فعليها أن تبذل المزيد من الجهود لمعرفة ذلك، ويتعين عليها حينها أن تحرص على إخلاء سبيلهم أو توفر معلومات عن مكان مقتلهم، كما يتعين على الحكومات القيام بالتحقيق ومقاضاة المسؤولين عن الاختفاء القسري في محاكمات عادلة، وضمان حصول الناجين والأشخاص الذين فقدوا أحباءهم الحق في التعويض، وإعادة التأهيل، ورد الاعتبار، وضمان ألا تقع حوادث الاختفاء مرة أخرى".
كما يقضي القانون الدولي بأنه "لا يجوز لأي دولة أن تطرد أو تعيد أو تسلم أي شخص إلي أي دولة أخري إذا وجدت أسباب جدية تدعو إلي الاعتقاد بأنه سيتعرض عندئذ لخطر الاختفاء القسري"، ويطالب القانون والاتفاقات الدولية كافة الدول الأعضاء باتخاذ الإجراءات التي تكفل لجميع المشاركين في التحقيق، بمن فيهم الشاكي والمحامي والشهود والذين يقومون بالتحقيق، الحماية من سوء المعاملة أو التهديد أو الانتقام.
وقد وثَّقت منظمة العفو الدولية في عدد من البلدان في شتى أنحاء العالم كيف تعرض الشهود على عمليات الاختفاء القسري وأقرباء من يختفون للمضايقات ولسوء المعاملة والترهيب، وكيف ظل هؤلاء في معظم الأحيان عاجزين عن التماس العدالة والانصاف.
وعلى الرغم من تحقيق بعض التقدم في ملفات العديد من حالات الاختفاء القسري، تقول منظمة العفو الدولية إن بعض الحكومات في مناطق مختلفة من العالم لا تزال تُقدم بلا هوادة على إخفاء منتقديها قسرا وبث الرعب في صفوف الجماعات المستهدفة، لكن المنظمة تؤكد عزمها على الاستمرار في جهودها وممارسة الضغط على الحكومات كي تكشف مصير جميع المفقودين وأماكن تواجدهم.
وإذا كانت الصورة رمادية في هذا الجانب الإنساني، فلابد من القول إنه لا يمكن لأية معاهدة دولية أن تساعد فعلا على ضمان الالتزام بحقوق الإنسان إلا عندما يبدأ العمل بها وتنفيذها وتطبيقها بجدية، لذلك، فإن آلية إنفاذ دولية مثل اللجنة المعنية بالاختفاء القسري المقررة بموجب الاتفاقية والتي تتيح لأي شخص أن يرفع شكواه إلى جهاز دولي من شأنها أن تسهم في منع وقوع حالات الاختفاء القسري أو التقليل ويبقى الاختبار الحقيقي للاتفاقية الدولية ذات الصلة ، وفائدتها وتحقيق دورها في حماية البشر يتمثل في تطبيقها على أرض الواقع بكل دقة وجدية.