راشد المهندي خطاط مصحف كتارا في حوار لـ «العرب»: قطر سبّاقة في النهوض بالفنون الإسلامية

alarab
المزيد 30 أبريل 2025 , 01:26ص
محمد عابد

أكد الخطاط القطري راشد مبارك المهندي خطاط مشروع مصحف كتارا، أن دولة قطر كانت وما زالت سباقة في المبادرة لكل ما ينهض بالفنون عامة وبالفن الإسلامي والخط العربي خاصة، مثمنا مبادرات وزارتي الأوقاف والشؤون الاسلامية والثقافة في تقديم مسابقات دولية في الخط العربي بما يعزز هذا الفن في الدولة.  وقال في حوار لـ «العرب «إنه على الرغم من التحديات فقد انتهى حتى الآن من أكثر من 25 جزءا من المصحف الشريف ليبقى اقل من خمسة أجزاء ويسعى لمواصلة جهوده للانتهاء منها معتبرا أنها كانت عونا وسندا في تجاوز التحديات.
 وأعرب عن أمله في أن يكون هذا المشروع مقدمة للمزيد من الإنجازات، وأن يخرج من هذه الأرض الطيبة أرض قطر من يواصل في هذه المجال، ليس فيما يتعلق بالخط فقط، بل في كل ما يخدم المصحف، كتابة وزخرفة وتذهيبا وتجليدا داعيا إلى أن تتبنى إحدى الجهات الرسمية في الدولة إنشاء مركز متخصص في الفنون الإسلامية يلبي شغف المبدعين الشباب.
وكان مشروع مصحف كتارا قد انطلق منذ عام 2017م، ليعكف راشد مبارك المهندي على خط مصحف جديد بخط النسخ، وتقوم كتارا بتبني طباعته ونشره وتوزيعه، وقد وضعت له معايير خاصة تتمثل في جودة الخط، والجمالية الفنية، وجماليات الكتابة، ووضوحها، وذلك وفق مواصفات فنية وجمالية خاصة، وقد كتب المصحف في ثلاث قارات، وكتب الجزء السابع في مدينة إسطنبول جامع السليمانية وغرفة شيخ الإسلام، بحسب تصريحات سابقة للمهندي.. إلى الحوار.
◆ ما شعورك كونك أول خطاط قطري معاصر يكتب المصحف الشريف بخط اليد؟ وإلى أين وصلت حتى الآن في مشروع مصحف كتارا؟
¶ لا شك أن كتابة المصحف عمل جليل يستدعي جهدا كبيرا وتركيزا عاليا لإنجازه وشرف منيف يكرم الله به من يشاء من عباده.
وكم كان الشرف عظيما والمسؤولية جسيمة أن أتصدى لمثل هذا العمل الجليل كخطاط قطري يسعى لوضع اسم بلده الحبيب قطر في سجل هذا الشرف العظيم. فأرجو الله تعالى أن يوفقني لإتمامه كما وفقني للمضي فيه حتى الآن.
ومنذ أن بدأت منذ سنوات وأنا أواصل العمل لإنجازه بأفضل ما لدي من إمكانات، وأكبر قدر ممكن من التركيز لكي يخرج العمل متناسبا مع جلالة قدر كتاب الله عز وجل، والحمد لله أن وفقني إلى كتابة ما يزيد على خمسة وعشرين جزءا حتى الآن ولم يبق في مرحلة الكتابة إلا القليل.
وبعد الانتهاء من مرحلة الكتابة تبدأ مراحل أخرى من التصحيح والمراجعة والتدقيق، وهي لا تقل أهمية عن مرحلة الكتابة، بل قد تكون أهم منها، إذ إن تصحيح كتابة المصحف لا تشبه تصحيح أي كتاب آخر، فيراجع آية بآية وكلمة بكلمة وحرفا بحرف ونقطة بنقطة، بل قد يصل عدد مرات المراجعة لكل صفحة إلى مائة مرة حسب كل مرحلة، إلى أن يخرج المصحف سليما من أي تصحيف أو تحريف.

◆ ما أبرز التحديات التي واجهتك أثناء كتابة «مصحف كتارا» وكيف تغلبت عليها؟
¶ هناك تحديات متعلقة بطبيعة المشروع، وتحديات لأمور خارجة عنها، أما ما يتعلق بطبيعة المشروع فأهمها وأبرزها هو توخي الدقة في تنفيذ الكتابة، فتمر كتابة كل صفحة بعدة مراحل، بدءا بالتخطيط بقلم الرصاص لتوزيع الكتابة على الصفحة بشكل متناغم، ثم مراجعة الكتابة والتوزيع، ثم التحبير النهائي، وقد يحدث أحيانا أن أقوم بتغيير طفيف لتوزيع الكتابة أثناء مرحلة التحبير، وهنا قد تقع بعض الأخطاء، فأضطر لتصحيح هذا الخطأ إن أمكن، وإلا فيكون عليَّ أن أعيد الكتابة.
أما التحديات الخارجة عن طبيعة المشروع فتتمثل ببعض الظروف الصحية التي مر بها بعض أفراد أسرتي وكذلك الظروف التي مررت بها شخصيا، ولكنني وجدت في كتابة المصحف عونا وسندا في تجاوز هذه التحديات ولله الحمد، وأرجو الله أن يعينني لإتمام ما بدأته.

◆ كيف ترى واقع الخط العربي في قطر؟ وهل هناك اهتمام كافٍ بهذا الفن؟ وتقييمك لجهود الدولة التي تمثلت في جهود وزارة الأوقاف ومسابقها الدولية الرقيم ووزارة الثقافة ومسابقتها الأخلاق؟
¶ لا شك أن دولة قطر كانت وما زالت سباقة في المبادرة لكل ما ينهض بالفنون عامة وبالفن الإسلامي والخط العربي خاصة، فقد كانت ثمة مبادرات عديدة ومتميزة في هذا السياق، سواء كان ذلك برعاية الخطاطين أو إقامة المعارض والفعاليات التي تحتفي بالخط والخطاطين، وهي لا تكتفي بذلك بل تسعى للتميز، فكما كان مشروع مصحف قطر قبل سنوات متميزا في طريقة اختيار الخطاطين والمزخرفين، حيث أجريت مسابقة دولية لاختيار الأفضل، إلى أن خرج مصحف قطر بخط الأستاذ عبيدة البنكي في أبهى حلة.
وعلى هذا المنوال من البحث عن التميز أقيمت مؤخرا مسابقة الرقيم، فبدأت كبيرة في دورتها الأولى، حيث استقطبت نخبة من الخطاطين للتحكيم، وتعاونوا مع مؤسسة (أرسيكا) العريقة للمشاركة بخبرتها في هذا المجال، ويتواصل هذا الشغف بالتميز حين أعلنت وزارة الثقافة عن مسابقتها التي تدور حول موضوع الأخلاق، فكانت متميزة بطريقتها الخارجة عن المألوف في إقامة مثل هذه المسابقات شكلا ومضمونا.
كل هذا يشير إلى تطلع دولة قطر الدائم لتقديم الجديد والمميز وتقديم الإضافة النوعية في كل مجال تطرقه، لدرجة تجعل الآخرين يحذون حذوها ويترسمون خطاها.
 
◆ ما طموحاتك المستقبلية بعد الانتهاء من كتابة «مصحف كتارا»؟
¶ أرجو أن أستمر في خدمة كتاب الله تعالى، وأن يكون هذا المشروع مقدمة للمزيد من الإنجازات، وأن يخرج من هذه الأرض الطيبة من يواصل في هذه المجال، ليس فيما يتعلق بالخط فقط، بل في كل ما يخدم المصحف، كتابة وزخرفة وتذهيبا وتجليدا وغيرها من الفنون التي نشأت وترعرت في ظل عناية الأمة الاسلامية بالقرآن الكريم.
فإن كان لي من رجاء هو أن تقوم جهة رسمية بتأسيس مركز يستقطب خبراء في هذه الفنون ليكون قبلة لكل من ينشد تعلم هذه الفنون بشكل احترافي من الشباب من كل الفئات، فلا تمر بضع سنوات إلا وقد أصبح عندنا فنانون متمكنون في الخط والزخرفة والتوريق والتجليد وصناعة الورق والأحبار وغيرها.

◆ هل تفكر في إقامة ورش عمل أو دورات تدريبية لنقل خبرتك إلى الجيل الجديد من الخطاطين؟
¶ مما لا شك فيه أنني بعد أن أمضيت عدة سنوات في العمل على هذا المشروع، قد تراكم لدي كم لا بأس به من التجارب والخبرات مما يمكن أن يفيد من يهتم بهذا المجال، وكم أكون سعيدا لو وجد غيري ما يمكن أن يستفيده من تجربتي ومكنني الله من نقل شيء من هذه التجربة للراغبين فيها، سواء عن طريق الدورات أو اللقاءات الشخصية أو غير ذلك.

◆ ما الرسالة التي تود توجيهها لشبابنا المهتم بالخط العربي؟
¶ رغم كل التقدم التكنولوجي والثورة الرقمية إلا أنني متفائل بأصالة شبابنا وارتباطه بتراثه، فقد رأيت كثيرا منهم يتقدون حماسا ورغبة في الدخول إلى هذا العالم، وكثيرا ما تردني رسائل يسألونني فيها عن دورات وأساتذة يعلمون الخط، فأحاول إرشادهم بحسب ما أستطيع، ولولا انهماكي في كتابة المصحف لما ترددت في القيام بذلك بنفسي؛ لذلك لدي أمل كبير في أن تنهض ثلة من هذا الشباب اليافع بحمل الراية ومواصلة المسيرة، فنصيحتي لهم أن يثابروا في السعي لتعلم تراث أمتهم والتعرف إلى مكامن الجمال والإبداع فيما تركه لنا الأقدمون.