د. مأمون مبيّض مدير إدارة العلاج والتأهيل بمركز دعم الصحة السلوكية يشرح لـ «العرب»: الجوانب الطبية النفسية الاجتماعية للتدخين والإقلاع عنه

alarab
محليات 28 مايو 2021 , 12:25ص
حنان غربي

غالبية الناس لا يعرفون حقيقة لماذا يستمرون في التدخين.. ولو عرفوا ربما توقّفوا مباشرة

في البداية يحسّن النيكوتين مزاج المدخّن وقدرته على التركيز.. لكن الدفعات المتتالية من هذه المادة للدماغ تبدأ التغيير في تركيبته 

كثير من الناس يدخّنون وكأن هذا الغالب «الطبيعي».. إلا أن الواقع يشهد بأن كلاً منهم يتمنى لو توقف عن الظاهرة
 

يستحق التدخين يوماً عالمياً للتوقف عنه، وهو يصادف يوم 31 مايو سنوياً. فالتبغ هو القاتل الأكبر القابل للوقاية، وبحسب إحصاءات منظمة الصحة العالمية، هناك في العالم أكثر من مليار مدخّن. تقتل السجائر في كل عام أكثر من كل ما تقتله حوادث السيارات ونقص المناعة الذاتية «الإيدز» وإدمان الكحول مجتمعة، ولا تخفى علاقة التدخين الوثيقة بالكثير من الأمراض ومنها السرطانات، وأمراض القلب، والسكتة الدماغية، وأمراض اللثة، والربو والأمراض الصدرية المزمنة الأخرى، والنوع الثاني من داء السكري، والكثير من مضاعفات السكري، والعقم، وتدهّور الصحة عموماً.

* لماذا يدخن الناس ابتداء؟
- بالرغم من اختلاف أسباب إدمان النيكوتين من شخص لآخر، فقد لا يعرف الكثيرون حقيقة لماذا يستمرون بالتدخين، ولو عرفوا ربما لتوقّفوا مباشرة، وفهم أسباب الإدمان يساعد مَن يريد الإقلاع.
يحتوي التبغ على آلاف المواد الكيميائية إلا أن النيكوتين بالذات مادة إدمانية شديدة، فهي التي تجعل المدخن يستمر بالتدخين، فعندما يدخن الإنسان فإن جرعة من النيكوتين تصل الدماغ بشكل مباشر وخلال عشر ثوانٍ، في البداية يحسّن النيكوتين مزاج المدخّن وقدرته على التركيز، ويخفف شعوره بالتوتر والغضب، فيساعد العضلات على الاسترخاء، ويقلل الشهية للطعام، إلا أن الدفعات المتتالية من النيكوتين للدماغ تبدأ بتغيير تركيبته وبنيته، مما يؤدي لظهور الأعراض الانسحابية، سواء البدنية أو النفسية، وعندما تقلّ كمية النيكوتين الواصلة للدماغ، تتطور هذه «العادة»، ويدخل المدخن الدائرة المعيبة التي تفسّر الاعتماد على النيكوتين.
وتلعب العوامل النفسية والاجتماعية دوراً رئيسياً في استمرار المدخن في التدخين، كوجود الأصدقاء والأقرباء المدخنين، وموقف الوالدين من التدخين، فنسمع من المدخن أنه إنما يدخن لمجاراة معارفه، أو من باب العادة والروتين، أو لأن هذا يساعده على الاسترخاء، و»تنفيخ» الهموم!
وأهم سببين رئيسيين أو مبررين، لبداية التدخين، ومما يفسر صعوبة التوقف:
1- كثير من الناس يدخنون، وكأن هذا الغالب «الطبيعي»، إلا أن الواقع يشهد بأن كلاً منهم يتمنى لو يتوقف عن التدخين.
2- الشعور الخادع عند الشاب أو المراهق، بأنه قد أصبح كبيراً راشداً من خلال التدخين! فهو لا يريد التخلي عن هذه المرحلة العمرية التي كان يتطلع إليها.

* كيف يتطور إدمان النيكوتين؟
- ليس هناك إنسان يبدأ بالسيجارة الأولى وهو ينوي أن يدمن، فالشباب يبدأ رغبة «بالتجريب» أو مجاراة الأصدقاء، وسريعاً ما يخرج عن سيطرته، وبشكل أسرع مما يعتقد.
يبدأ الكثير من المدخنين بالتدخين في سنّ مبكرة، كالمراهقة، وغالباً بسبب مصاحبتهم لأصدقاء مدخنين، أو لتدخين أحد أفراد الأسرة، وكلما صغر عمر الشاب كان أكثر عرضة لإدمان النيكوتين، لأنه يشعر بأن التدخين يساعده على صرف انتباهه عن ضغوط الحياة، إلا أن هذا الشعور وقتيّ وخادع.
وعندما يصبح الشخص مدمناً على النيكوتين، تظهر عنده الأعراض الانسحابية الجسدية والنفسية، كلما حاول التوقف، والتي يمكن أن تستمر لأيام أو أسابيع، مما يُصعّب التوقف عن التدخين، ومن طبيعة الإدمان، أي إدمان، أن المدمن يستمر بممارسة السلوك الإدماني بالرغم من معرفته بالضرر الحاصل، وهذا هو التعريف الدقيق للسلوك الإدماني.
ومما يفسر انتكاس التدخين أن المدخن الذي تطور عنده إدمان النيكوتين يحاول أن يقنع نفسه بأن سيجارته أمر أساسي ليمارس حياته، وهذا من التعلّق النفسي السلبي، ومع الوقت يطوّر المدخن منظومة خاصة به من الأعذار والمبررات لاستمراره بالتدخين بالرغم من كل مؤشرات الأضرار.

السيجارة الالكترونية «Electronic Cigarette»
وهي جهاز بسيط يشبه القلم أو الغليون، ويعمل على بطارية صغيرة، وقد دخلت السوق من الصين عام 2004، وهي ممنوعة في عدد من دول العالم، وغالباً ما تباع عن طريق الإنترنت.
يضع المدخن عبوة صغيرة تحوي مواد كيميائية وكميات مختلفة من النيكوتين، وعندما يستنشقها فإنها تُخرج دخاناً كدخان سيجارة التبغ إلا أنها لا تحتوي على التبغ، ولوجود النيكوتين وبعض المواد الكيميائية الأخرى فإن شعورها يشبه شعور مدخن السيجارة العادية، ولأنها لا تحوي التبغ، فهي لا تصدر الكثير من المواد الكيميائية التي يصدرها التبغ، ولذلك فقد تم تسويقها على أنها «بديل صحي» للسيجارة العادية، وأنها تساعد على التوقف عن التدخين، إلا أن الأبحاث لم تثبت هذا الأثر الإيجابي، وقد أعربت منظمة الصحة العالمية عن قلقها من انتشار هذه السيجارة، وأوصت الأطباء بعدم تشجيع الناس عليها.

الإقلاع عن التدخين
علاقة المدخن بالسيجارة علاقة مركّبة، فهي علاقة الحب/الكره، والصراع الداخلي العميق، وليس من السهل الإقلاع عن التدخين، والانتكاس يكاد يكون هو الأصل، يقول الشاعر الأميركي مارك توين ساخراً: «التوقف عن التدخين من أسهل الأمور في الحياة، وأنا أعلم هذا لأني فعلته مئات المرات»!
ربما كل مدخن يقول لنفسه يومياً: «أريد التوقف عن التدخين» أو يدعي بأنه «غير مدمن، ويستطيع التوقف متى شاء»! واسأل أي مدخن: وحتى الذي لا يرغب بالتوقف عن التدخين، هل تريد لأولادك أن يدخنوا؟ فالجواب دوماً: «طبعاً لا»!
لقد اهتم الكثير من الباحثين بمعرفة أسباب صعوبة التوقف عن التدخين بالرغم من رغبة المدخن، ووجد أن الأسباب مركّبة وتعود لتضافر الاعتماد الجسدي والأعراض الانسحابية، بالإضافة للعوامل المزاجية والنفسية والاجتماعية والاقتصادية، فمثلاً إذا نظرنا في العامل الاجتماعي، فقد وجد أن ثلث السجائر إنما تُدخّن في مواقف اجتماعية معيّنة، وعندما يلتقي المدخنون ببعضهم، حيث يصف المدخن نفسه بأنه أكثر هدوء وأكثر انطلاقاً مع الآخرين.

دائرة تغيير السلوك
لفهم أساليب تغيير السلوك المتعلق بالإدمان عامة، هناك حلقة مراحل تغيير السلوك الإدماني، عبر خمس مراحل وهي:
1. ما قبل التفكير بالتغيير، فما زال الشخص غير مدرك لمشكلة إدمانه.
2. التفكير في التغيير، عندما يبدأ ينتبه لبعض أضرار سلوكه، فيفكر في التغيير، إلا أنه ما زال لا يعرف ما هو المطلوب عمله.
3. التحضير للتغيير، فهو يعرف ما عليه عمله، ويستعد للقيام بهذا التغيير.
4. تنفيذ قرار التغيير، يقوم بالعمل المطلوب، وهو هنا التوقف عن التدخين.
5. الاستمرار بالتغيير، حيث يستمر في هذا الامتناع، والابتعاد عن السجائر.

أهم سببين لفشل محاولات التوقف:
1- تأثير المدخنين الآخرين.
2- حجّة مواجهة «يوم صعب» فيبرر المدخن لنفسه العودة مجدداً، ومن الطبيعي أن تكون هناك أيام سهلة وأخرى عسيرة، وهذا ليس مبرراً للتدخين أو ممارسة أي عمل سلبي، فحتى مع التدخين فإن هناك أياماً عسيرة، فالسجائر لا تذهب بمشكلاتنا وصعوباتنا.

موانع في طريق التوقف عن التدخين
كثيراً ما تقف بعض الأفكار والمواقف عقبة أمام توقف المدخن عن التغيير، ومنها:
- رهبة التخلي عن «صديق» وهي السيجارة بالرغم من ضررها.
- عدم التصديق بقدرته على التوقف.
- الشعور بافتقاد قوة الإرادة.
- خشية الارتباك الاجتماعي.
- تجنّب ضغط الرفقاء المدخنين.
- خشية الأعراض الانسحابية.
- خشية الدخول في اكتئاب. 
- خشية زيادة الوزن.
- خشية الانتكاس.
- ليس الآن، وبانتظار «الوقت المناسب» للتوقف!

من الأخطاء الشائعة في محاولات تغيير السلوك:
1. تجاهل أثر البيئة على السلوك، فالبيئة تلعب دوراً مهماً في استمرار الإدمان.
2. محاولة إيقاف السلوك القديم، بدل إيجاد السلوك الجديد البديل.
3. لوم الفشل على مجرّد ضعف أو غياب الدافعية.
4. التقليل من أهمية قدرة المثيرات التي تشرح استمرار الإدمان.
5. الاعتقاد بأن مجرد امتلاك المعلومات سيؤدي للتغيير.
6. التركيز على أهداف مجرّدة أكثر من الأهداف السلوكية المحددة والواضحة.
7. السعي للحصول على تغيير دائم للسلوك، وعدم الانتباه للانتكاس المحتمل.
8. افتراض أن الانتكاسة هي عودة للصفر، بينما هي كبوة وليس انتكاسة.
9. افتراض أن تغيير السلوك صعب أو مستحيل.

مما يساعد على الإقلاع عن التدخين:
- أهمية اتخاذ القرار بالتوقف.
- آخر سيجارة دخنتها كانت سيجارتك الأخيرة.
- لا تحزن وتبتئس من ترك السيجارة، وإنما استمتع واحتفل بهذا النجاح.
- ليس ضرورياً استبدال النيكوتين بشيء آخر، فأنت لا تحتاجه، فهو ليس غذاء لك.
- تذكر أن السيجارة لن تحل مشاكلك وصعوباتك.
- النظر للتدخين كنوع من العبودية الذاتية، يفرضها المدخن على نفسه.
- الانتقال من معاناة التوقف عن التدخين إلى الوصول لمتعة التعافي.
- عدم التوقف التدريجي بتقليل عدد السجائر، فالأنجح التوقف المباشر.
- الانتباه لخدعة «فقط سيجارة واحدة».
- لا تشك لحظة في قدرتك على التوقف.
- لا تنتظر أن تصبح غير مدخن، فأنت تفعله في الواقع.
- لا تفكر بالتوقف، وإنما توقف حقيقة، فالفعل ليس كالتفكير.
- لا تستعمل البدائل، فأنت غير مضطر لها.
- أن تتأسف لحالة المدخّن، وتحمد الله أنه عافاك.
- سواء واجهتك أيام سهلة أو صعبة، فأنت لا تغيّر نمط حياتك.
- كلما فكرت بالدخان، اصرخ مبتهجاً... أنا غير مدخن!

علاج إدمان الدخان
توجد في العديد من المشافي الكبيرة، ومنها مستشفى حمد في الدوحة، قسم خاص للعلاج الشامل من إدمان الدخان، وأحيانا نستعمل معوّضات النيكوتين (Nicotine Replacement Therapy -NRT)، أو أحد مضادات الاكتئاب، سواء وجد الاكتئاب أو لم يوجد، وبعض المدخنين يستفيدون من العلاجات النفسية كالعلاج المعرفي السلوكي (Cognitive Behavioral Therapy -CBT) والعلاج النفسي القائم على الحلول (Solution Focused Therapy-SFT)، بالإضافة لتنمية بعض المهارات الاجتماعية.

منع التدخين في الأماكن العامة أو المغلقة
لقد ظهرت نتائج ممتازة لمنع التدخين في الأماكن العامة المغلقة في بعض البلاد الغربية والعربية، حيث انخفضت معدلات الأمراض التنفسية والقلبية المختلفة وخاصة المتعلقة بالتدخين وإدمان النيكوتين، كسرطانات الرئتين والحنجرة والفم وغيرها، وعلى الحكومات القيام بتنفيذ القرار بكل حزم، ومعاقبة المخالفين له.