تتزايد المخاوف من تأثيرات الحرب الروسية الأوكرانية على أسعار السلع الأساسية في مختلف الأسواق العالمية، لاسيما وأن ارتفاع نسب التضخم ما قبل بدء التوترات بالقارة الأوروبية جاء نتيجة للعديد من الأسباب أبرزها حالة التعافي العالمي من آثار جائحة كورونا ونمو الطلب على مختلف السلع بشكل متسارع، وسط ارتفاع سريع لأسعار الطاقة.
وبحسب توقعات صندوق النقد الدولي أن يظل التضخم العالمي مرتفعا، على أن تبلغ زيادات الأسعار هذا العام في متوسطها 3.9 % في الاقتصادات المتقدمة، و5.9 % في الاقتصادات الناشئة والبلدان النامية، قبل أن تنحسر في العام المقبل.
وتوقع تقرير الصندوق أن ترتفع أسعار المواد الغذائية بنحو 4.5 % في هذا العام 2022 على أن تنخفض مرة أخرى في العام المقبل، بعد ارتفاعها بنسبة 23.1 % في العام الماضي، وذلك وفقًا لبيانات منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة.
محليا سجل مؤشر أسعار المستهلك ارتفاعا بنسبة 4.16 % قياسا بالشهر المماثل من العام 2021، ليصل إلى 101.15 نقطة خلال شهر يناير الماضي.
ولخص خبراء اقتصاديون التخفيف من انعكاس ارتفاع نسب التضخم عالميا بأربع أدوات منها تعزيز المخزون الإستراتيجي وتنويع الموردين والمنتجات وتحديد نسب الزيادة على أسعار السلع محليا، بالإضافة إلى تكثيف الحملات التفتيشية على الأسواق.
وناقش مجلس الشورى مؤخرا موضوع التضخم وارتفاع تكاليف المعيشة وزيادة الأعباء المالية في المجتمع، ونوّه المجلس إلى أنَّ ثقافة الاستهلاك الخاطئة تلعب دورًا كبيرًا في رفع الأسعار، مشددًا على ضرورة نشر الوعي حول الاستهلاك والحدّ من إنفاق الأموال على السلع والخدمات الكمالية.
أكد المحلل الاقتصادي علاء الشيخلي أن ارتفاع نسب التضخم عالميا يعتمد على العديد من المؤثرات أولها ارتفاع أسعار النفط وأسعار الغاز بالإضافة إلى أن روسيا تعمل بتصنيع البلاديوم الذي يدخل في تصنيع أشباه الموصلات الذي يعاني من نقص عالمي فيها، كما أن الموضوع الغذائي من الأمور الرئيسية التي ستتأثر خلال الفترة المقبلة لا سيما في ظل استحواذ روسيا وأوكرانيا على ما يقارب 25 % من الإنتاج العالمي من القمح وغيرها من السلع الأساسية.
نوه إلى أنه في ظل المعطيات المتوفرة حاليا على المستوى العالمي من المتوقع أن يكون هناك ارتفاع في نسب التضخم على المستوى العالمي، كما أنه سيكون هناك انعكاس بشكل مباشر على مختلف الاقتصاديات العالمية لا سميا الدول المستهلكة.
وعلى الصعيد المحلي بين الشيخلي أن دولة قطر لديها تخطيط مسبق للعديد من الأزمات وذلك بامتلاكها مخزونا إستراتيجيا عاليا من السلع والمواد الغذائية والاستهلاكية ضمن جهود الجهات المعنية بمنظومة المخزون الإستراتيجي مما سيكون له أثر في التخفيف من وطأة ارتفاع السلع الأساسية في الأسواق المحلية، لافتا إلى أنه من الممكن أن تشهد أسعار بعض السلع التي يتم استيرادها بشكل مباشر من الأسواق الأوروبية ارتفاعات متباينة حسب نسب التضخم في تلك الدول.
وبين أن هناك العديد من الأدوات التي يمكن استخدامها للتخفيف من ارتفاع نسب التضخم أولها تعزيز المخزون الإستراتيجي من مختلف السلع الغذائية والاستهلاكية، وتنويع الموردين من أكثر من دولة أو تنويع نفس المنتجات بحيث لا يكون السوق رهينة تقلبات أسواق معينة.
وأوضح أهمية الدور الرقابي الذي تقوم به الجهات المعنية في الحفاظ على التوازن في الأسواق وحفظ حقوق المستهلكين وحقوق التجار على حد سواء، لافتا إلى ضرورة أن يكون ارتفاع الأسعار في السوق المحلية يعتمد على نسب معينة معتمدة من قبل الجهات المعنية دون اللجوء إلى ارتفاع الأسعار بشكل مبالغ فيه.
ونوه إلى مشكلة الشحن البحري التي ألقت بظلالها على الاقتصاد العالمي خلال العام 2021 ربما أنه في ظل التحديات التي تواجهها الموانئ الروسية والأوكرانية خلال الفترة الحالية والتي يمكن أن تؤثر على صادراتهما من السلع الأساسية خلال الفترة المقبلة.
وشدد على أن مسألة ارتفاع الأسعار ونمو نسب التضخم على المستوى العالمي هي مسألة قد لا تستمر طويلا لاسيما وأن الاقتصاديات الكبرى ترغب في انتهاء التوترات في المنطقة الأوروبية، مشيرا إلى أن مؤشرات التضخم لا تدوم طويلا وستشهد انخفاضات خلال الفترة المقبلة وسط الحديث عن إجراءات من قبل البنوك المركزية للحد من ارتفاع نسب التضخم ومنها رفع أسعار الفائدة وزيادة المشتريات الحكومية.
إلى ذلك أكد المواطن عبدالله المنصوري أن الأسواق المحلية تشهد ارتفاعا في الأسعار بشكل مبالغ فيه نتيجة ارتفاع نسب التضخم في الاقتصاديات العالمية وارتفاع أسعار النفط والغاز، لافتا إلى أنه لابد وضع حلول جذرية من قبل الجهات المحلية للحد من انعكاس ارتفاع نسب التضخم في الأسواق العالمية على الأسواق المحلية.
وأوضح ضرورة التخفيف من بدل الإيجارات للمحلات التجارية بالإضافة إلى زيادة السلع التموينية المدعومة وضمان استقرار أسعار السلع الأساسية الغذائية والاستهلاكية في السوق المحلي، مشيرا إلى ضرورة تحديد أسعار بعض السلع خلال الفترة الحالية لضمان عدم المبالغة في رفع الأسعار.
وشدد على ضرورة أن تكون هناك فرق رقابية في السوق المحلي لضمان عدم استغلال التجار لحالة ارتفاع نسب التضخم، مشيرا إلى ضرورة تكثيف الحملات التفتيشية خلال الفترة المقبلة وعدم ترك الأسواق المحلية لتحكم التجار.
ووفقا لبيانات حديثة صادرة عن جهاز التخطيط والإحصاء القطري، يأتي ارتفاع التضخم نتيجة زيادة أسعار ثماني مجموعات أبرزها الترفيه والثقافة التي سجلت ارتفاعا كبيرا بنسبة 26.42 بالمائة، ثم الغذاء والمشروبات التي زادت بنحو 7.23 بالمائة، والنقل بنسبة 6.58 بالمائة، والسلع والخدمات الأخرى بنسبة 2.55 بالمائة.
كما ارتفعت مجموعة الملابس والأحذية بنسبة 1.99 بالمائة، ومجموعة الاتصالات بنسبة 0.57 بالمائة، ومجموعة التعليم بنسبة 0.48 بالمائة، ومجموعة الأثاث والأجهزة المنزلية بنسبة 0.34 بالمائة.
أما الانخفاض فكان في مجموعات الصحة بنسبة 3.09 بالمائة، والمطاعم والفنادق بنسبة 2.70 بالمائة، والسكن والماء والكهرباء والغاز وأنواع الوقود الأخرى بنسبة 1.31 بالمائة، بينما لم يحدث أي تغير على مجموعة التبغ.
ويضم مؤشر أسعار المستهلك القطري، الذي يقيس التضخم، 12 مجموعة رئيسية من السلع الاستهلاكية تندرج تحتها 737 سلعة وخدمة، ومحسوب على سنة أساس 2018 تبعا للنتائج المحسوبة من بيانات مسح إنفاق دخل الأسرة 2017 - 2018.