غسل الأموال، وتعرف أيضاً بتبييض الأموال، هي عملية متسلسلة تمر بحلقات طويلة لإعطاء صبغة شرعية لأموال تم الحصول عليها بطرق غير شرعية، يتم خلالها تحويل الأموال أو الأصول غير القانونية إلى أموال وأصول ذات شكل قانوني. وتشمل الأموال أو الأصول غير القانونية تلك التي تم الحصول عليها من تجارة وتهريب المخدرات، والتهرب من الضرائب وتهريب البشر والسرقات وتجارة السلاح غير المشروعة والفساد المالي وغيرذلك من الأنشطة التي تمكن الأشخاص أو المجموعات من الحصول على الأموال والأصول دون مسوغ قانوني.
وتعتبر الظاهرة جريمة لا تهدد النظام المالي والمصرفي بالكامل فحسب، وإنما يمتد تأثيرها على كثير من القطاعات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، بل وأكثر من ذلك تنخر في أخلاقيات وقيم وسلوك الأفراد والمجتمعات، ما يترتب على ذلك سيطرة الفساد وشموله.
وتعتبر من الجرائم الأكثر تنظيما وتعقيداً، لما يتطلبه الأمر من اختراق لكثير من الحلقات المرتبطة بحركة الأموال الداخلية وبين الدول. ولعل توفر أموال بأحجام كبيرة غير معروفة المصدر يسهم في ارتفاع معدلات التضخم والأسعار، لامتلاك تلك الفئة قدرات شرائية عالية تسمح لها بتدوير أموالها في قطاعات مختلفة كالعقارات والصناعة والخدمات ومن ثم تسييلها لشرعنة تمريرها عبر أنابيب المصارف.
وتستفيد العصابات المتخصصة في هذا النوع من الجريمة من عدم قدرة الدول على محاربتها للتكلفة العالية التي يتطلبها ذلك، مع استشراء الفساد والقدرة على التدمير، خاصة في ظل اقتصاديات دول منهكة.
مراحل العملية
مرحلة الإيداع
هي مرحلة توظيف أو إحلال، بحيث يتم التخلص من كمية كبيرة من النقود غير الشرعية (الأموال القذرة) بأساليب مختلفة إما بإيداعها في أحد المصارف أو المؤسسات المالية أو عن طريق تحويل هذه النقود إلى عملات أجنبية، أو عن طريق شراء سيارات فارهة ويخوت وعقارات مرتفعة الثمن يسهل بيعها والتصرف فيها بعد ذلك.
وتعد مرحلة الإيداع هذه أصعب مرحلة بالنسبة إلى القائمين بعملية غسل الأموال؛ حيث أنها مازالت عرضة لاكتشافها ، خاصة أنها تتضمن في العادة كميات كبيرة جداً من الأموال السائلة، حيث أن التعرف على من قام بعملية الإيداع لهذه الأموال ليس بالأمر العسير ومن ثم علاقته بمصدر هذه الأموال.
مرحلة التمويه
هي مرحلة التجميع أو التعتيم حيث تبدأ بعد دخول الأموال في قنوات النظام المصرفي الشرعى ، ويقوم غاسل الأموال بأتخاذ الخطوة التالية والتي تتمثل في الفصل أو التفريق بين الأموال المراد غسلها عن مصدرها غير الشرعى عن طريق مجموعة معقدة من العمليات المصرفية والتي تتخذ نمط العمليات المصرفية المشروعة ،والهدف من هذه المراحل جعل تتبع مصدر تلك الأموال غير المشروعة أمراً صعباً. وتتلخص أهم تلك الوسائل في تكرار عملية تحويل تلك الأموال من بنك إلى آخر، والتحويل الإلكتروني للأموال ، ويزيد من حالة التعقيد في تتبع تلك الأموال تحويلها إلى بنوك تتبنى قواعد صارمة من سرية الإيداعات في بلاد أخرى ، وهي ما يطلق عليها بالملاذات المصرفية الآمنة ، وتتسم هذه الملاذات بتساهل قوانينها، وجودة وسائل النقل من طائرات وسفن وسهولة تأسيس الشركات.
مرحلة الإدماج
وهي المرحلة الأخيرة ويترتب
عليها إضفاء طابع الشرعية على الأموال ، لذلك يطلق عليها مرحلة التجفيف ومن خلال هذة المرحلة يتم دمج الأموال المغسولة في الدورة الأقتصادية والنظام المصرفى ، لكى تبدو وكأنها عوائد أو مكتسبات طبيعية لصفقات تجارية ، مثل الشركات الوهمية والقروض المصطنعة، وتواطؤ البنوك الأجنبية ، وكذلك الفواتير الوهمية في مجال الاستيراد والتصدير. وعند الوصول لهذه المرحلة يكون من الصعب جداً التمييز بين تلك الأموال غير المشروعة والأموال المشروعة إلا من خلال أعمال البحث السرى وزرع المخبريين بين عصابات غسل الأموال.
جهود دولية لمحاربة الظاهرة
اتفاقية الأمم المتحدة
وقعت عام 1988 وتهدف إلى تعزيز التعاون بين الدول حتى تتمكن من التصدي بفعالية لمختلف مظاهر مشكلة الإتجار غير المشروع في المخدرات والمؤثرات العقلية، وتعتبر أول اتفاقية دولية تعرضت لموضوع غسل الأموال وقد تركت هذه الاتفاقية للدول حرية التصرف واتخاذ الإجراءات التي تراها كل دولة مناسبة وذلك حسب ظروفها لتحريم منع تحريف أو تمويه أو تبديل أو حذف حقيقة الأموال إذا كانت متحصلة من إحدى الجرائم الخطرة.
لجنة العمل الاقتصادي
أسست بمبادرة من رؤساء حكومات الدول الصناعية السبع وذلك بهدف إعاقة واكتشاف أعمال غسل الأموال. في عام 1990م أصدرت اللجنة أربعين توصية من بينها تطبيق قانون منع غسل الأموال ويقوم بوضع قوانين بنكية لاكتشاف المشتبه بهم والقيام بالإبلاغ عن الحالات المشتبه بها.
لجنة بازل
في عام 1988 أصدرت هذه اللجنة قانون المبادئ
الذي حظر بموجبه استخدام البنوك للنشاطات الإجرامية وذلك لأهداف تتعلق بغسل الأموال، وينص هذا القانون على ضرورة منع المعاملات التجارية ذات الخلفية الإجرامية وخصوصا المتأتية من عمليات غسل الأموال والمساهمة في اكتشاف ومنع هذه المعاملات .
(فوباك)
أسست في عام 1993 كإدراة تابعة للإنتربول مهمتها جمع المعلومات والأخبار وترجمتها وحفظها لديها ضمن أرشيف خاص، وإجراء الدراسات المتعلقة بملاحقة الموجودات غير الشرعية في الخارج.