قدرة المنتجات الوطنية على المنافسة بالأسواق العالمية والمحلية إحدى ابرز التحديات التي تواجه الصناعات الوطنية على مستوى العالم حيث تختلف ظروف الإنتاج وبيئة الأعمال والكلف التشغيلية من دولة إلى أخرى إلا أن السعر النهائي وجودة المنتج هي من تجعله حاضرا في الأسواق ويلقى القبول لدى المستهلكين.
تتلقى المنتجات القطرية جملة من الامتيازات منذ بداية تأسيس المنشأة الصناعية إلى تسويق المنتج محليا إلا أن بعض الصناعيين يرى في ضرورة تقديم مزيد من الدعم والمزايا للمنتجات الوطنية سواء خلال عمليات الإنتاج وتخفيض كلف التشغيل وفرض بعض القيود بما يضمن تسويق المنتج الوطني في السوق المحلي وزيادة أفضلية شرائها في المؤسسات الحكومية أو شبه الحكومية.
بحسب الخبراء يحصل المصنع المحلي على تخصيص قطعة ارض بالمناطق الصناعية بالدولة وتسهيلات تمويلية من بنك قطر للتنمية وتخفيض في أسعار الكهرباء مقارنة بباقي القطاعات التجارية والخدماتية بالإضافة إلى أفضلية في شراء المنتجات الوطنية من قبل المؤسسات الحكومية وبعض التدابير التي من شأنها حكاية المنتج الوطني من الممارسات الضارة وسياسات الإغراق في السوق المحلي.
بالرغم من من تلك المزايا والامتيازات المتنوعة هناك أصوات تطالب بزيادة أشكال الدعم بما يضمن قدرة المنتج الوطني على تحمل المنافسة الشرسة من قبل المنتجات المستوردة التي تكون تكلفتها إنتاجها اقل بكثير من تكلفة الإنتاج محليا لعدة عوامل أبرزها انخفاض الأيادي العاملة وانخفاض إيجارات الأراضي وانخفاض الرسوم الحكومية التي تفرض على المصانع المحلية.
وأعطت قطر أولوية كبرى لصناعاتها الوطنية وسعت إلى تحفيز إنتاجية المنشآت الصناعية وتعزيز تنافسية منتجاتها، حيث ساهمت تلك الجهود بدعم نمو القطاع الصناعي، حيث ارتفع عدد المصانع العاملة في دولة قطر إلى 927 مصنعاً في العام 2020، بزيادة قدرها 17٪ مقارنة بالعام 2017، وتم تسريع استكمال مشروع توسعة منطقة الصناعات الصغيرة والمتوسطة، حيث يتم حاليا إنشاء 393 مشروعاً صناعياً وتم تخصيص 769 قطعة أرض صناعية في العام 2019 في المنطقة.
أكد رجال أعمال وصناعيون أن الامتيازات التي منحت خلال السنوات الماضية للقطاع الصناعي جيدة إلا أنها تحتاج إلى إعادة صياغة بما يتناسب مع مختلف المعطيات في السوق المحلي، لافتين إلى أن هناك نية حقيقية لدى القطاع الحكومي بتقديم الدعم للصناعة الوطنية إلا انه نحتاج آلية واضحة في تقديم الدعم وتوجيهه بالشكل الجيد والمتميز بما يزيد من تنافسية المنتجات القطرية في الأسواق المحلية والأسواق العالمية.
ولخص الصناعيون جملة من الإجراءات والقرارات التي من شأنها تقديم الدعم للصناعة بشكل غير مباشر ومنها تخفيض الإيجارات للأراضي الصناعية التي يصل المتر الواحد فيها إلى 20 ريالا سنويا، بالإضافة إلى تخفيض الرسوم على معاملات القطاع الصناعي، وتطبيق القرارات والقوانين والتشريعات وتفعيلها بالشكل المطلوب الذي يضمن سرعة تنفيذ المشاريع الصناعية، وفرض رسوم على المنتجات المستوردة إلى السوق المحلي في حال توفر المنتجات المحلية بذات الجودة، وتسهيل وتسريع الإجراءات الحكومية بما يضمن حصول على بعض الشهادات والسجلات وتكلفة الإيجارات والرسوم والمدة التي تتطلب فيها استخراج رخصة صناعية أو سجل صناعي بسرعة.
أكد سعادة الشيخ خالد بن أحمد بن مبارك آل ثاني رئيس مجلس إدارة مجموعة سهيل القابضة أن الصناعة الوطنية تحتاج إلى تسهيلات حقيقية في العديد من القضايا أهمها تطبيق التشريعات والقوانين والسرعة باتخاذ الإجراءات والقرارات المهمة للقطاع الصناعي المحلي والتي من شأنها البدء في عمليات الإنتاج وزيادة الكميات وجودة المنتج بما ينعكس بنهاية المطاف على أسعار المنتج الوطني وعلى تنافسيته في السوق المحلي وفي الأسواق العالمية، موضحا أن هناك بعض المؤسسات غير متابعة في تطبيق القوانين الجاذبة للاستثمار وتفعيلها بالشكل الأمثل بما يقضي على التأخير في تنفيذ المعاملات ويضمن استمرار عجلة الإنتاج النوعي والكمي في المصانع المحلية.
وأشار إلى أن صدور القوانين الاقتصادية المشجعة للاستثمار دفع المستثمرين القطريين للدخول في مجالات إنتاجية جديدة، لافتا إلى أن المحفزات التي قُدِّمَت خلال السنوات الماضية والمزايا التي تتمتع بها الصناعة الوطنية ساهمت بنمو القطاع الصناعي وزيادة تنافسية المنتجات القطرية بالأسواق العالمية، مشيرا إلى أن أسعار الكهرباء الصناعية في قطر جيدة ومدعومة من قبل الحكومة لتشجيع الصناعات الوطنية، لافتا إلى أن شكاوى بعض الصناعيين من ارتفاع الكهرباء ناتج عن عدم قدرتهم على تحقيق الأرباح التي تغطي الكلف التشغيلية لديهم ومن أبرزها الكهرباء.
ونوه إلى ضرورة أن يكون هناك تدابير لحماية المنتجات الوطنية في السوق المحلي منها فرض بعض الرسوم على السلع المستوردة شريطة أن تضاهي المنتجات الوطنية المتواجدة بالسوق بما يضمن استمرار التصنيع المحلي ضمن أعلى المواصفات على كافة الأصعدة، مشيرا إلى أن المؤسسات الحكومية تساهم بشكل أو بآخر بدعم المنتجات الوطنية ضمن قانون شراء المنتجات الوطنية لا سميا وان المنتجات الوطنية تتمتع بجودة عالية تنسجم مع المشاريع الكبرى بالدولة.
وأشار إلى السنوات الماضية شهدت صدور العديد من القوانين المشجعة للاستثمار والمستثمرين القطريين للدخول في مجالات إنتاجية جديدة، بالإضافة إلى الدعم الذي قدمته الدولة عبر بنك قطر للتنمية من خلال برامج تمويلية مكَّنَت العديد من تطوير الصناعة لديهم للوصول إلى ما نشهده اليوم من تطور كبير في الصناعة الوطنية.
أكد الدكتور ناصر بن حمد الهاجري المستشار الصناعي والاقتصادي أن هناك نية حقيقية لدى الدولة في تقديم دعم حقيقي وملموس للمصانع المحلية لضمان استمرار مسيرة الإنتاج الوطني، لافتا إلى أن هذه النية والتوجه ينقصها آلية واضحة لتوجيه الدعم بشكل فعال للمنتج الوطني.
وأشار الهاجري في حديثه لـ لوسيل إلى أن عدم وجود آلية فعالة للدعم الحكومي وضع المنتج الوطني في منافسة شرسة في السوق المحلي أمام المنتجات المستوردة من مختلف دول العالم، مشيرا إلى أن هناك صعوبة حقيقية في وصول المنتجات الوطنية إلى الأسواق العالمية لا سميا الصناعات الصغيرة والمتوسطة والتي يملكها القطاع الخاص المحلي والمستثمرين.
ونوه إلى أن المنتجات الوطنية باتت تتمتع بجودة جيدة جدا ويمكنها منافسة المنتجات العالمية سواء في الأسواق المحلية أو الأسواق العالمية ومنها المنتجات الغذائية إلا انه القضية في تكلفة الإنتاج داخل قطر والتي تعتبر عالية نتيجة للتشريعات والقوانين والمعوقات التي تواجه الصناعي في بناء المشاريع والحصول على بعض الشهادات والسجلات وتكلفة الإيجارات والرسوم والمدة التي تتطلب فيها استخراج رخصة صناعية أو سجل صناعي، مشيرا إلى انه بالرغم من تأسيس النافذة الواحدة والتي قدمت نوعا من التسهيل على رجال الأعمال إلا أن ما زال استخراج الأوراق المطلوبة يحتاج إلى ما يقارب العام.
وأكد أن خلال مرحلة التأسيس أن هناك العديد من الرسوم التي يتم تحصيلها من العديد من الجهات الحكومية مما يفرض على المصنع في نهاية المطاف أن يعكس هذه التكاليف على أسعار المنتجات الوطنية والتي تنعكس على قدرته على التنافسية في السوق المحلية.
وشدد على أن بدل إيجار الأراضي الصناعية باستثناء المنطقة الصناعية القديمة يعتبر سعر مرتفع جدا ولا يعبر عن نية المؤسسات الحكومية في تقديم الدعم الحقيقي للقطاع الصناعي وإنما سعر استثماري، مشيرا إلى أن بعض المناطق يصل في بدل الإيجار السنوي 200 ألف ريال سنويا ولمدة تصل إلى 30 سنة ليصل المبلغ الإجمالي 6 ملايين ريال بدل قطعة ارض غير مبنية مما يحمل تكاليف على المنتجات الوطنية.
وحول ما هو المطلوب من قبل الجهات الحكومية لتعزيز تواجد المنتجات المحلية وتعزيز تنافسينه في الأسواق العالمية، بين الهاجري أن المطلوب قرارات شجاعة للدعم المنتجات الوطنية ومنها تخفيض الإيجارات في الأراضي الصناعية بالإضافة إلى تعديل سياسية تخصيص الأراضي بما يضمن وقت مجاني للصناعي خلال فترات التأسيس بما يشجع الصناعيين على إنتاج منتجات ذات تكلفة منافسة على مستوى المنطقة، مشيرا إلى أن من الضروري إعطاء خصوصية للمصانع المحلية من حيث الجهات المشرفة عليها بحيث يكون جهة واحدة تشمل كافة الإجراءات بحيث أن الجهة المشرفة على بناء المنطقة الصناعية هي التي تعرف تفاصيل الكهرباء والماء والغاز.
وأشار إلى أن بعض المتطلبات للدفاع المدني تعتبر تعجيزية والأعلى على مستوى المنطقة بالإضافة إلى الوقت الطويل الذي تجتاحه الموافقات النهائية من قبل الجهات المعنية عليها الأمر يجعل هناك معوقات وتكاليف إضافية.
استحوذت الصناعات الصغيرة والمتوسطة على حوالي 84% من إجمالي عدد المصانع العاملة بدولة قطر بنحو 721 مصنعا عاملا بنهاية العام 2019 مقارنة بـ 664 مصنعا في العام 2018 بنسبة نمو 8.6%، موزعة على 371 مصنعا صغيرا ونحو 350 مصنعا من فئة المتوسطة، وذلك وفقا لدراسة لوزارة التجارة والصناعة حصلت لوسيل على نسخة منها.
وبلغ إجمالي عدد المصانع الكبيرة نحو 141 مصنعا بنهاية العام الماضي بنسبة نمو بلغت 8%، إذ بلغ عددها بنهاية 2018 نحو 131 مصنعا، فيما تشكل ما نسبته 16% من إجمالي عدد المصانع بالدولة.
وتعرف الصناعات الصغيرة على أنها التي يقل حجم الاستثمار فيها عن 10 ملايين ريال، فيما تعرف الصناعات المتوسطة هي التي يتراوح حجم الاستثمار فيها من 10 ملايين ريال إلى 50 مليون ريال، وأما الصناعات الكبيرة هي التي يبلغ حجم رأس مالها 50 مليون ريال فأكثر.
تؤكد الأرقام والمؤشرات على صدارة القطاع الصناعي النمو والإنتاج خلال العامين 2019 و2020، إذ حافظ القطاع الصناعي على وتيرة نموه المتواصلة منذ بداية العام 2019 بمختلف القطاعات الإنتاجية، لمواكبة حاجة السوق المحلي من السلع والبضائع التي بات يعتمد فيها على التصنيع الوطني، إذ بلغ عدد المصانع الجديدة منذ بداية العام 2019 نحو 132 مصنعا.
نمت المنشآت الصناعية المسجلة العاملة بنحو 65 مصنعا خلال العام 2020 ليبلغ عددها الإجمالي نحو 927 مصنعا مقارنة بـ 862 منشأة مع نهاية العام 2019، فيما انخفضت المنشآت الصناعية المرخصة إلى 473 منشأة مقارنة بـ 602 منشأة، ليسجل العام الماضي نموا بعدد المصانع القائمة بالدولة.
وبحسب بوابة قطر الصناعية نمت الاستثمارات الصناعية المسجلة العاملة والمرخصة بنحو 244 مليون ريال خلال العام 2020 ليصبح إجمالي الاستثمارات 292711 مليون ريال، لتسجل الاستثمارات الصناعية أعلى نمو منذ العام 2016.
وتوزعت الاستثمارات للمنشآت الصناعية إلى استثمارات مسجلة عاملة بنحو 262651 مليون ريال ومرخصة بنحو 30060 مليون ريال.
ويعزى انخفاض قيم الاستثمارات الصناعية المرخصة وعدد المنشآت الصناعية الحاصلة على ترخيص كونها بدأت بالإنتاج الفعلي خلال العام الماضي وانتقلت إلى سجل المنشآت العاملة والقائمة فعليا.
وبحسب خبراء فإن المنشآت الصناعية المرخصة يقصد بها المصانع التي حصلت على ترخيص إقامة للمصانع وهي بمراحل التأسيس والإنشاء، وأما المنشآت الصناعية العاملة فهي المنشآت القائمة ولديها خطوط إنتاج بالفعل.
بلغت مساهمة الصناعات التحويلية في الناتج الإجمالي المحلي بنحو 9.2% بنهاية العام 2018 مرتفعة بنحو 21% مقارنة بالعام الذي سبقه على الرغم من الظروف التي أثرت بشكل عام على مختلف القطاعات الاقتصادية وذلك وفقا لدراسة لوزارة التجارة والصناعة.
وذكرت الدراسة أن الدعم الحكومي للقطاع الصناعي ساهم في تعزيز نمو القطاع وتطوير أدائه من خلال إطلاق العديد من المبادرات والتسهيلات بما في ذلك تأجيل بعض دفعات القروض البنكية لبنك قطر للتنمية والإعفاء من القيمة الإيجارية وإطلاق مبادرة امتلك مصنعا خلال 72 ساعة وإيجاد أسواق بديلة للمصانع المحلية واستيراد المواد الخام من خلالها وتصدير منتجاتها.