الشهر الفضيل أكثر متعة وروحانية في ماليزيا.. أجواء رمضانية يغلفها التنوع الثقافي والتميز الديني في «الجنة الاستوائية»

alarab
الملاحق 25 مارس 2025 , 01:26ص
هشام يس

تنظيم ولائم عشاء جماعية بالبيوت والمساجد في الليلة الأخيرة من شعبان
المسحراتي لا يزال يتجول لإيقاظ الناس باستخدام الطبول أو النداءات التقليدية
الإفطار يبدأ بالتمر و«ناسي ليماك» التقليدي أبرز الأطباق المفضلة على المائدة
«ناسي كيرانغ» الأشهر في السحور مع فطائر «روتي جان» ومشروب «الكولاك»

 

مع إشراقة يوم جديد في شهر رمضان المبارك، تتسلل أشعة الشمس الاستوائية عبر نوافذ الغرف، ويسود الهدوء الشوارع الخارجية، حيث تبدو طرقات كوالالمبور أقل ازدحامًا نتيجة بقاء الكثير من الناس في منازلهم خلال النهار.
وإذا قررت استكشاف المدينة، ستجد برجي بتروناس التوأم محاطين بحديقة يعانقها نسيم الصباح المنعش، ومع حلول المساء، يوقظك صوت خافت للمسحراتي وهو يطرق طبلته بنغمة تقليدية، مرددًا «سحور! سحور!»، فتنهض لتجد على الطاولة طبقًا من «ناسي كيرانغ» وكوبًا من «الكولاك».

هكذا يمكنك قضاء يوم رمضاني مشمس وممتع في عاصمة «الجنة الاستوائية» النابضة بالحياة، ماليزيا، حيث تتألق المعالم الإسلامية الشهيرة بجمال العمارة الإسلامية، مع تنوع ثقافي وديني مميز وتعايش سلمي رائع.

التحضير لرمضان
يستعد المسلمون في ماليزيا لاستقبال شهر رمضان المبارك كما يفعل المسلمون في معظم أنحاء العالم، حيث يبدأون قبل أيام من حلوله بتنظيف المساجد والمنازل، وتزيين الشوارع بالأضواء والزينة الرمضانية.
وفي الليلة الأخيرة من شعبان، تُقام ولائم عشاء جماعية في البيوت أو المساجد، يتبعها دعاء جماعي لاستقبال الشهر الكريم وطلب التوفيق في صيامه وقيامه.
ومع بدء الشهر الفضيل، تنتشر الأسواق الرمضانية المؤقتة المعروفة بـ»بازار رمضان» في الهواء الطلق، وتقدم الأطعمة والمشروبات والمستلزمات الرمضانية بأسعار مناسبة، ويتبادل الناس التهاني والزيارات العائلية، مما يعزز أواصر القرابة والترابط الأسري.
وتزدحم المساجد بصلاة التراويح، وتُنظم مسابقات دينية مثل حفظ القرآن الكريم وقراءته بين الأطفال والشباب، إلى جانب محاضرات دينية تُبث عبر الإذاعة والتلفزيون.
ولا يزال المسحراتي حاضرًا في بعض القرى والمناطق، يتجول لإيقاظ الناس للسحور بالطبول أو النداءات التقليدية.
ومع اقتراب نهاية رمضان، تبدأ عمليات جمع زكاة الفطر وتوزيعها على الفقراء والمحتاجين، مصحوبة بتوزيع الملابس الجديدة والحلويات على الأطفال.
وتُطلق مبادرات خيرية مثل توزيع وجبات الإفطار على العمال والأسر المحتاجة، ما يعكس قيم التكافل والمحبة.
ومن العادات النسائية البارزة ما يُعرف بـ»طوف السيدات»، حيث تجتمع النساء لزيارة المنازل وقراءة القرآن الكريم بين الإفطار والسحور، في أجواء تجمع بين الروحانية والتواصل الاجتماعي.

الإفطار والسحور
تُعد الموائد الجماعية في المساجد والساحات العامة من أبرز العادات الاجتماعية، وتحرص العائلات والأصدقاء على تناول الطعام معًا، مما يعزز روح الأخوة والترابط. كما تقدم الفنادق والمطاعم الكبرى بوفيهات إفطار فاخرة تُعرف بـ «Iftar Buffets»، بأسعار تتراوح بين 30 و100 رينجيت ماليزي (أي ما يعادل 7 إلى 23 دولارًا أمريكيًا)، وتضم تشكيلة متنوعة من الأطباق التقليدية.
ويلتزم الماليزيون ببدء الإفطار بتناول التمر، اقتداءً بالسنة النبوية الشريفة، يليه مشروب بارد كعصير الفاكهة أو الماء لترطيب الجسم بعد ساعات الصيام، ثم يتناولون طبق «ناسي ليماك» التقليدي، وهو أرز مطبوخ بحليب جوز الهند، يُقدم مع السمك المقلي أو الدجاج، والبيض المسلوق، والخيار، وصلصة «السامبال» الحارة.
ومن الأطباق المميزة على مائدة الإفطار «رندانغ»، وهو لحم بقري أو دجاج مطهو ببطء مع جوز الهند والتوابل، يتميز بنكهته الغنية ويُعد من أشهر أطباق رمضان. أما «ساتيه» فهو مقبلة شعبية تتكون من أسياخ لحم مشوية تُقدم مع صلصة الفول السوداني، إلى جانب فطائر «موارتاباك» المحشوة باللحم أو الدجاج أو البيض، وتُقلى لتُقدم ساخنة، وكذلك نودلز «كوي تياو» المطهوة مع الروبيان أو الدجاج والخضراوات في مرق خفيف.
وبفضل التنوع العرقي في ماليزيا (مالاي، صينيون، هنود)، تتأثر موائد الإفطار ببعض العادات، مثل تقديم أطباق هندية كالبرياني أو صينية كنودلز.
أما في السحور، فيبرز طبق «ناسي كيرانغ» كالأشهر في هذا البلد الآسيوي المتميز، وهو أرز ملوّن بالأعشاب الطبيعية، يُقدم مع السمك المجفف أو المقلي والخضراوات. وتُضاف إليه فطائر «روتي جان» الشبكية، التي تشبه الكريب وتُقدم مع الكاري أو الحساء، مع مشروب «الكولاك» التقليدي، وحساء الأرز «بوريج» الحلو أو المالح، المُحضر مع الدجاج أو الفول الأخضر.
ومع اقتراب عيد الفطر، تُعد الحلويات التقليدية مثل «كوي مامول» (حلوى محشوة بالتمر أو المكسرات) و»كيتوبات» (أرز مضغوط في أوراق النخيل)، وتُزين المنازل بالأضواء والفوانيس.

تسهيل العبادات
تعمل الحكومة الماليزية على تسهيل العبادة خلال رمضان، فتُخفض ساعات العمل للموظفين المسلمين، وتُشجع على الإنتاجية من خلال تقديم حوافز متنوعة.
والإسلام هو الدين الرسمي في ماليزيا، ويشكل المسلمون نحو 60 % من السكان، ويؤثر بشكل بارز في الحياة اليومية والثقافة، من خلال العادات والتقاليد والقوانين والسياسة.
وبدأ الإسلام بالانتشار في شبه جزيرة الملايو عبر التجار المسلمين من شبه الجزيرة العربية والهند، ومع اعتناق العديد من الحكام المحليين له، تعززت مكانته بين الشعب، ليصبح جزءًا لا يتجزأ من الهوية الماليزية.
وتضم ماليزيا معالم إسلامية شهيرة تعكس جمال العمارة الإسلامية وأهميتها الثقافية، مثل المسجد الوطني في كوالالمبور، ومسجد الكريستال في تيرينجانو، ومسجد بوترا في بوتراجايا، وتتميز بالتنوع الثقافي والديني والتعايش السلمي بين المسلمين والبوذيين والمسيحيين والهندوس.

الجنة الاستوائية
تُعرف ماليزيا بألقاب تعكس تنوعها الطبيعي والثقافي ومكانتها السياحية، أشهرها «آسيا الحقيقية»، وهو شعار سياحي رسمي يبرز التنوع الثقافي الفريد الذي يجمع بين الشعوب المالاوية والصينية والهندية والمجتمعات الأصلية.
كما تُلقب بـ»الجنة الاستوائية» لمناخها الاستوائي وتنوعها البيولوجي الغني، من شواطئ رملية بيضاء ومياه صافية إلى غابات مليئة بالحياة البرية النادرة.
ويُطلق عليها «بلد التوأمين» نسبة إلى برجي بتروناس التوأم في كوالالمبور، رمز العاصمة وأحد أشهر المعالم المعمارية عالميًا.
ومن ألقابها أيضًا «جوهرة جنوب شرق آسيا»، بفضل جمال طبيعتها الخلابة، من جزر استوائية كلانكاوي وبينانغ، إلى غابات بورنيو المطيرة وجبالها مثل جبل كينابالو.