QNB: هناك أسباب قوية تدفع للتوقع بتزايد التحول في زخم النمو العالمي خلال الأشهر المقبلة

لوسيل

الدوحة - قنا

قال بنك قطر الوطني (QNB) في تحليله الأسبوعي، إن هناك أسبابا قوية تدفع إلى التوقع بتزايد التحول في زخم النمو العالمي خلال الأشهر المقبلة، على الرغم من أن النمو العالمي قد بلغ ذروته في الأشهر القليلة الماضية دون أن يصاحب ذلك ضجيج كبير، كما أن الاقتصاد العالمي في عمومه لا يزال بخير، ومؤشرات التراجع منخفضة إلى حد كبير حتى الآن.

وأضاف البنك في تحليله الصادر اليوم أن أحدث التوقعات تظهر بوضوح أن النمو العالمي بدأ في التراجع من الذروة التي وصل إليها، فمتوسط معدل النمو العالمي للعام الجاري 2018 الذي ارتفع باطراد من 3.3 بالمئة في سبتمبر الماضي إلى 3.8 بالمئة في يونيو الماضي، قد تراجع الآن قليلا إلى 3.7 %، كما أن التوقعات لعام 2019 آخذة في الانخفاض، حيث تراجعت إلى 3.6 % بعد الوصول إلى 3.7 % في أوائل يونيو الماضي.

وأشار إلى أن الجدير بالملاحظة هو أن النمو العالمي يتراجع الآن حتى مع وجود بوادر تسارع أكبر في الاقتصاد الأمريكي، فقد ارتفعت التوقعات الإجماعية لنمو الناتج المحلي الإجمالي الأمريكي لعام 2018 بشكل كبير خلال الشهر الماضي، حيث ارتفعت بمقدار 10 نقاط أساس لتصل إلى 2.9 %، كما أن تقديرات نمو الاقتصاد الأمريكي لعام 2019 ثابتة أيضا، حيث لا تزال تبلغ في المتوسط 2.5 %، التي تعدّ نسبة عالية.

ونوه البنك إلى أنه مع نفي أن تكون الولايات المتحدة هي سبب تباطؤ النمو العالمي، تشير التوقعات إلى أماكن أخرى مرشحة لانخفاضات مفاجئة، وتحديدا، من المتوقع أن تكون منطقة اليورو واليابان والأسواق الناشئة هي المسؤولة بالدرجة الأولى عن تباطؤ النمو العالمي، فعلى سبيل المثال، انخفضت التوقعات لنمو منطقة اليورو في العام الجاري 2018 من 2.4 % في أبريل الماضي إلى 2.2 %، وتراجعت تقديرات 2019 أيضا إلى 1.9 % من ذروتها الأخيرة عند 2 %، وشهدت اليابان تحولا أكبر في الزخم مع توقعات بانخفاض نمو الناتج المحلي الإجمالي لعام 2018 إلى 1.1 % من 1.4 % في أبريل.

وأفاد البنك بأن التباطؤ الأخير في كل من منطقة اليورو واليابان يعد مصدر قلق بسبب التيسير المفرط للسياسة النقدية لدى البنكين المركزيين في الاقتصادين المذكورين، والآن بعد أن بدأ تباطؤ النمو بالفعل، فإن قدرة البنكين المركزيين على تشديد السياسة في النهاية أصبحت موضع تساؤل متزايد.

وأوضح أيضا أن عدم اتساق معدلات النمو العالمي كان هو الدافع الرئيسي وراء انتعاش الدولار الأمريكي في الأشهر الأخيرة، وأدت صلابة النمو في الولايات المتحدة إلى ترسيخ التوقعات بشأن مواصلة بنك الاحتياطي الفيدرالي للرفع التدريجي لأسعار الفائدة رغم تراجع آفاق تشديد السياسة النقدية في أوربا واليابان مع تباطؤ اقتصادات هذه المناطق.

ولفت إلى أن ارتفاع قيمة الدولار الأمريكي أدى إلى إثارة الدافع الرئيسي الآخر لتباطؤ النمو العالمي، وهو تراجع الأسواق الناشئة، ففي الواقع، يعمل ارتفاع الدولار الأمريكي بمثابة محفز لتشديد السياسة النقدية في العديد من اقتصادات العالم، حيث يحفز هروب رؤوس الأموال إلى الولايات المتحدة ويجبر العديد من الاقتصادات الناشئة على تشديد السياسة النقدية من أجل الحد من هروب رؤوس الأموال واستقرار العملة.

وبين بنك قطر الوطني في تحليله أنه مع اكتساب مؤشر الدولار الأمريكي المرجح بالتجارة الواسع النطاق حوالي 5 % منذ نهاية مارس، فليس من المستغرب أن تنخفض آفاق النمو في الاقتصادات الناشئة، فقد تراجع إجماع التوقعات بشأن نمو الناتج المحلي الإجمالي في جميع الأسواق الناشئة في 2018 من 5 % إلى 4.9 % خلال الشهر الماضي، كما بدأت التوقعات لعام 2019 في الانخفاض أيضا بمقدار 10 نقاط أساس إلى 5 %.

ووفقا لبنك قطر الوطني (QNB) فإن التوقعات بشأن نمو الأسواق الناشئة تتجه نحو التراجع على الرغم من أن التوقعات الخاصة بنمو الناتج المحلي لأكبر سوق ناشئة، أي الصين، ظلت ثابتة حتى الآن عند 6.5 % لعام 2018 و6.3 % في 2019، لكن، كما هو موضح في تقرير البنك للأسبوع الماضي، تظهر البيانات الصينية الأخيرة إشارات واضحة عن تراجع الطلب المحلي، وخلافا لأغلب الأسواق الناشئة، تقوم الصين حاليا بتخفيف سياستها النقدية، وبالنظر إلى التأخر الحتمي لتأثير تدابير السياسة النقدية على الاقتصاد الحقيقي، فإن إجراءات التخفيف التي اتخذتها الصين مؤخرا قد لا تظهر نتائجها في الأشهر القليلة القادمة.

وبحسب تحليل البنك فإنه باستشراف المستقبل، توجد ثلاثة عوامل رئيسية تدعم التوقعات باستمرار عملية تحول الزخم الجارية في الاقتصاد العالمي حاليا، الأول: يبدو أن بنك الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي عازم على المضي قدما في التشديد البطيء للسياسة النقدية لكن بوتيرة ثابتة حتى يتراجع معدل النمو المرتفع للاقتصاد الأمريكي الذي يبلغ حوالي 3 % إلى معدل مستدام على المدى الطويل يبلغ نحو 2 %، ونظرا لأن الاقتصاد الأمريكي يقترب من طاقته الإنتاجية القصوى ويُتوقع له أن ينمو بنحو نقطة مئوية واحدة فوق المسار المحدد له على المدى الطويل خلال العام الحالي، لن يكون بمقدوره في الواقع سوى التحرك في اتجاه واحد.

والثاني: نظرا لاستمرار تراجع أوضاع السياسة النقدية في منطقة اليورو واليابان من كافة النواحي، ستكون الوسائل المتاحة لدى البنوك المركزية للتصدي لأي تراجع إضافي في هذين الاقتصادين المهمين قليلة، أو منعدمة، والأداة الحقيقية الوحيدة التي يمكنهما اللجوء إليها هي تأخير خطط تكوين المخصصات للبدء في تطبيع الأوضاع النقدية في عام 2019، لكن، مع زيادة التباين المتوقع في السياسات النقدية مقارنة مع الولايات المتحدة، فإن ذلك سيؤدي إلى استفحال الارتفاع الأخير في قيمة الدولار الأمريكي، وهو ما سيزيد بدوره الضغوط على الأسواق الناشئة.

والعامل الثالث، ولعله الأهم، هو الخطر المتصاعد من نشوب حرب تجارية عالمية بقيادة الولايات المتحدة والصين، وعلى الرغم من أن الرسوم الجمركية المتبادلة التي فُرضت حتى الآن تؤثر على أجزاء صغيرة من كلا الاقتصادين، إلا أن أي تصعيد إضافي يقلل من فرص التوصل لتسوية ويزيد بالتالي من مخاطر حدوث حرب تجارية شاملة، ومع النفاد السريع للواردات الأمريكية التي يمكن للصين فرض رسوم انتقامية عليها، فإن إقدام الولايات المتحدة على فرض المزيد من الرسوم الجمركية قد يجبر الصين على الرد من خلال اتخاذ تدابير لا ترتبط بالرسوم الجمركية

ولعل الخطر الأكبر من بين هذه التدابير هو قيام الصين بإجراء تخفيض تنافسي كبير لقيمة عملتها، اليوان، ومن خلال تضخيمه لارتفاع قيمة الدولار الأمريكي، فإن تخفيض قيمة اليوان سيزيد من تشدد الأوضاع النقدية العالمية، وهو ما سيقحم بقية دول العالم في الصراع التجاري الدائر بين الولايات المتحدة والصين.

واختتم بنك قطر الوطني تحليله بالإشارة إلى أن عمليات التشديد المستمرة للسياسة النقدية من قبل بنك الاحتياطي الفيدرالي، ومحدودية الفرص المتاحة لتدابير السياسة النقدية في أوروبا واليابان، وتصاعد تهديدات ومخاطر الحرب التجارية العالمية، كلها تؤدي إلى المزيد من خفض توقعات النمو العالمي، وقد عمل أكبر اقتصادين في العالم- الولايات المتحدة والصين- حتى الآن على دعم توقعات النمو العالمي، إلا أن المخاطر الهبوطية في كلا الاقتصادين تتصاعد الآن مع ارتفاع أسعار الفائدة الأمريكية بشكل مطرد في وقت يسير فيه البلدان فيما يبدو في مسار تصادمي بشأن التجارة.