النموذج «الحقوقي» لا «الرعائي» يكفل حقوق ذوي الاحتياجات
حوارات
20 يناير 2013 , 12:00ص
الدوحة - محمد عيادي
أكد الدكتور مهند العزة، خبير وباحث في شؤون الإعاقة ومستشار دولي، على أهمية تبني المقاربة الحقوقية في التعامل مع قضايا ذوي الاحتياجات الخاصة بدل المقاربة الإحسانية، مشيراً إلى أن الاتفاقية الدولية للأشخاص ذوي الإعاقة بات لها أثر على الأرض. وقال في حوار مع «العرب» على هامش مشاركته نهاية الأسبوع الماضي بالدوحة في ورشة تدريبية بعنوان «إعداد كوادر عربية متخصصة في تطبيق الاتفاقية الدولية للأشخاص ذوي الإعاقة» من تنظيم منظمة التأهيل الدولي- المنطقة العربية: إن الاتفاقية ورقة رابحة لذوي الإعاقة ويتحمل الجميع مسؤولية تطبيقها الدولة من جانبها وذوو الإعاقة أنفسهم ومنظمات المجتمع المدني من خلال آلية التضمين. وشدد الدكتور العزة الذي أشرف على أغلب محاور الورشة المذكورة على أن تغيير المفاهيم يحتاج لوقت طويل حتى يستطيع ذوو الإعاقة ومنظماتهم تبني فلسفة مغايرة تقوم على الحقوق وعلى التخطيط الاستراتيجي.
• سألت في عرضك عن النموذج الطب الرعائي والنموذج الاجتماعي الحقوقي هل تنظير أم حقيقة أثر وتأثير؟ ما رأيك كخبير؟
- في الحقيقة هو أثر وتأثير، ولكن من خلال النقاشات داخل الورشة اتضح أن تبني النموذج الرعائي سيؤدي إلى تبني قوانين رعائية نصوصها أقرب للتمنيات وفعل الخيرات وتكون بمثابة الإحسان، بينما تبني نموذج حقوقي أو مقاربة حقوقية فإننا بالتأكيد نكون في سياق حقوق الإنسان شأن فئة ذوي الإعاقة كشأن الطفل والمرأة والعمال والمهاجرين. وكل اتفاقيات حقوق الإنسان الأساسية قائمة وتسير على النموذج الحقوقي، وهذا يثمر قوانين منضبطة واضحة وسوابق قضائية مبنية على أسس تكافؤ الفرص والمساواة وعدم التمييز.
• ما القيمة المضافة التي جاءت بها اتفاقية حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة على الأرض؟
- يبدو أن ما تمر به الدول العربية بشكل عام حاليا من ظروف وسياقات جعل الناس إلى حد ما تفقد الأمل وثقتها في حقوق الإنسان لاعتقادهم أنه يتم استخدامها للتسييس، وحتى على مستوى القوانين لأن عدم وجود آليات لتفعيل العديد منها في مجال الأشخاص ذوي الإعاقة تدفع الناس لقول: إن القوانين مجرد حبر على ورق، وإن ما ينفع هو الوساطات والعلاقات، وهذه مقولة صعبة على رجل قانون وناشط حقوقي أن يسمعها، لأن التجربة العملية أثبتت أن الاتفاقيات والقوانين هي بالتأكيد ورقة رابحة إذا أحسن استخدامها بدليل أن الثورات التي قامت في بعض الدول العربية في تونس ومصر مثلا أول خطوة قامت بها لتحصين الثورة هي صياغة الدستور ولم تترك للعبث، فتوجت ثوراتها بصياغة دساتير تدعم الديمقراطية والشيء نفسه بالنسبة للأشخاص ذوي الإعاقة، فالاتفاقية الدولية للأشخاص ذوي الإعاقة حصنت حقوقهم، وحصلوا على إنجاز مهم باعتماد الاتفاقية، وإذا قامت منظمات المجتمع المدني والناشطون والناشطات فيها بما عليهم، وتفهم أصحاب القرار في العالم العربي الاتفاقية المذكورة، وطبقت على الأرض فستعود بالخير الكبير والكثير لفئة ذوي الإعاقة.
• طيب من المسؤول عن تطبيق الاتفاقية. حسب رأيكم؟
- الطرفان معا الأشخاص ذوو الإعاقة أنفسهم من حيث المطالبة ومن حيث إنهم أصحاب الخبرة والشأن، والدولة بما عليها من التزامات ومسؤوليات ألزمت نفسها بها من خلال مصادقتها على الاتفاقية، فالدولة مسؤولة تماما عن توفير البيئة والموارد لتطبيق الاتفاقية، والأشخاص ذوو الإعاقة مسؤولون عن المساعدة وتعزيز التطبيق ورصد ذلك أيضا.
• ما تقييمكم لتطبيق الاتفاقية في العالم العربي بشكل عام منذ المصادقة عليها إلى يوم الناس هذا؟
- نحن نتكلم عن فترة خمس سنوات تقريبا أو أقل قليلا أي منذ 2008، وأعتقد أن الحركات التي تمت عقب مصادقة الدول على الاتفاقية والبرامج التدريبية التي عقدت والمبادرات التي ظهرت في مختلف الدول لمراجعة التشريعات واستدعاء الخبراء تدل على أن التوجه أكثر من إيجابي ومشجع جدا، ولم ألحظ اتفاقية لها أثر على الأرض بهذه السرعة مثل اتفاقية الأشخاص ذوي الإعاقة.
• ما مدى وعي فئة ذوي الإعاقة أنفسهم بما ورد في الاتفاقية؟
- بدأ يحصل نوع من الوعي ونحن في بداية الطريق، لأن تغيير المفاهيم ليس أمرا سهلا بعد عقود من فرض نموذج ونمط معين من التعامل، والتغيير يحتاج لوقت طويل حتى يستطيع ذوو الإعاقة ومنظماتهم تبني فلسفة مغايرة تقوم على الحقوق وعلى التخطيط الاستراتيجي وليس على المسارعة لمطالبة آنية، وقد بدأ نوع من تغيير اللغة ونوع من محاولة التعاطي مع الأمور بشكل مختلف، ولكن أمامنا عمل كثير يجب القيام به.
• كيف يمكن للمنظمات المدنية تعزيز حقوق ذوي الإعاقة؟
- هذا أمر مهم جدا، لأنه يصب فيما نسميه التضمين لقضايا ذوي الإعاقة، وإذا كان مثلا في العالم العربي المركز الوطني أو المجلس القومي أو أي مؤسسة وطنية لحقوق الإنسان قائمة على ما يسمى بوثيقة باريس تصدر تقارير سنوية، وترصد الانتهاكات الواقعة ومدى تطبيق القوانين، وتضع توصياتها بهذا الشأن فحقوق ذوي الإعاقة يجب أن تكون على رأس عمل هذه الأخيرة وأولوياتها، فليست بالضرورة بحاجة إلى إنشاء منظمة حقوقية خاصة بذوي الإعاقة، بل يمكن ويجب على كل منظمة تعمل في مجال من مجالات حقوق الإنسان أن تضمن وفق سياقها وعملها حقوق ذوي الإعاقة، فالجمعيات النسائية عليها أخذ حقوق المرأة ذات الإعاقة بعين الاعتبار وكذلك الأمر بالنسبة للأطفال أو مكافحة التعذيب أو الاحتجاز وهكذا والأمر بالنسبة لفئة العمال والشباب بمعنى آخر إذا تم تضمين ودمج حقوق ذوي الإعاقة في مختلف منظمات حقوق الإنسان، لو نجحنا في هذا سنكون كما يقال: ضربنا عصفورين بحجر واحد.