مصمم خطوط «ذي المنارتين» لـ العرب: المشهد المعماري القطري باقٍ على هويته رغم الحداثة

alarab
المزيد 18 أبريل 2024 , 01:06ص
محمد عابد

أكد المصمم المعماري البريطاني العراقي المهندس طه الهيتي، ومصمم الخطوط في مبنى كلية الدراسات الإسلامية بجامعة حمد بن خليفة (مسجد المدينة التعليمية ذي المنارتين) أن المشهد المعماري القطري، وعلى الرغم من انفتاحه وحداثته، فإنه لا يخلو من وعي حذر، لتأكيد الهوية المحلية والإبقاء على العناصر المهمة للتأكيد على الشخصية القطرية /العربية/ الإسلامية، مستدلا على ذلك بمبنى ذي المنارتين بحداثته وخطوطه العربية، واعتبره المشروع الأكثر نجاحا في مسيرته وحقق الرضا النفسي له كمصمم معماري.  وقال المهندس والخطاط طه الهيتي  في حوار لـ « العرب «: إن الهوية المعمارية لأي تصميم، تكون أقوى تأثيرا على المتلقي إن استمدت جذورها ومعانيها من البيئة المحلية للمنشأ، سواء أكانت مواد البناء، أم توقيع الكتلة والفراغ، وصولا إلى أبسط التفاصيل المعمارية.
 وإلى نص الحوار:

◆ في البداية نود التعرف على تجربتك الذاتية في التصميم المعماري وكيف استفدت من كونك خطاطا في أعمالك؟
¶ تجربتي المعمارية تمتد الآن لأكثر من ربع قرن، في حين تمتد تجربتي مع الحروف العربية الى ضعف ذلك تقريبا، وعليه، فإنه من المتوقع أن تنعكس تأثيرات الحروف في تكويناتي المعمارية، وهذا ما تحقق فعلا من خلال سعيي الى توظيف الحرف العربي كعنصر معماري وظيفي. 

◆ وكيف تجمع بين العناصر التقليدية والحديثة في تصاميمك؟
¶ يعتبر الخط العربي فنا تقليديا يخضع لقواعد وتسقيطات عمرها مئات السنين ابتدأت كفن منذ ولاية الإمام علي للكوفة، والتي ينسب اليها الخط الكوفي، ومن ثم ازدهر بعد ذلك خلال الفترة العباسية في بغداد حيث بلغ الحرف العربي ذروته، ولم يتطور الا قليلا الى يومنا هذا.. في حين تعتبر العمارة فنا متجددا على مر العصور، تتأثر طبقا للتطور في مواد البناء والتطور التكنولوجي وما الى ذلك. ولذا فإن المزاوجة بين الاثنين تنتج تضادا جميلا، بين ما هو حديث من فضاءات معمارية، وما هو تقليدي من خطوط عربية.

جامع المدينة التعليمية
◆ نود الحديث عن جامع المدينة التعليمية ذي المنارتين ودورك في تصميمه الداخلي والرسائل التي اردت ان تكون في هذا المبنى؟
¶ في أواخر عام 2009 طلب مني المشاركة في تصميم الاعمال الفنية لكلية الدراسات الإسلامية وجامع المدينة التعليمية، وبعد دراسة التصميم الأساسي للمشروع، عكفت لمدة تزيد على السنتين لتصميم مسودات النصوص المختارة آنذاك، والتي مرت بمراحل مختلفة، وتغيرات متعددة إلى حين وصولنا معها إلى النتيجة النهائية التي نراها الآن.

◆ ما أبرز التحديات التي تواجهها في إدارة عملية التصميم والبناء ولنأخذ ذا المنارتين كمثال؟
¶ لا يخفى عن أي متلقٍ، الحداثة الواضحة المستخدمة في اللغة التصميمية لهذا المبنى، ولهذا فإنه أبعد ما يكون عن الشكل التقليدي للمسجد او المبنى، كأن يكون ذا شكل هندسي منتظم كالمربع او المستطيل، بل على العكس جاءت أغلب سطوحه وواجهاته على شكل منحنيات عضوية غير منتظمة، وعليه كان لابد من أن يتماشى تصميم الخطوط مع منحنيات المبنى، ويقدم الحروف العربية التقليدية بشكل منفرد ومصمم خصيصا للمساحة التي يشغلها، ولهذا نجد أن كل مساحة حروفية، جاءت بتصميم مختلف ومتجانس مع مجاوراته، متوازن مع المساحة المخصصة له، وذلك على الرغم من اختلاف اتجاهات الخطوط وطرق تنفيذها. فتارة نجد المنارتين مزينتين بخطوط تم تركيبها بشكل عمودي -على غير العادة، ومنفذة على ألواح من الالومنيوم، في حين أن مدخل المسجد مزين بخطوط بارزة تم نقشها بشكل بارز على مادة مشابهه للحجر، بينما يتفرد الفناء الوسطي بحروف معدنية كبيرة، معلقة على أوتار معدنية، لتبدو وكأنها حروف معلقة في الهواء، وهذا ما يشارك في إعطاء هذه البناية شخصيتها الفريدة، حتى أصبحت تعرف بمبنى المنارتين لتفرد منارتيه على جميع الأصعدة.
 وهناك المئات من المسودات الخطية التي تروي قصة التصميم، وتبين التحديات التي واجهتها العملية التصميمية من تغييرات في النصوص القرآنية المختارة، الى تعديلات في تراكيب الكلمات، ودراسات في كيفية التنفيذ والمواد المستخدمة لكل مساحة خطية، وقد تم التغلب على تلك التحديات من خلال التجربة والخطأ، لحين الوصول الى هذه النتائج النهائية الفريدة والمبهرة.
مصادر الإلهام
◆ما هي المصادر التي تستلهم منها الإلهام لتصميماتك المعمارية؟
¶ العناصر المحلية، والتراثية، البيئية والاجتماعية، الوظيفية والتعبيرية، وجميع محددات التصميم، تؤدي الى استنباط الفلسفة التصميمية، ولهذا أجد نفسي ميالا لاستخدام الخط العربي أكثر، كعنصر معماري في دول الخليج العربي، او الدول الإسلامية بصورة عامة.. فالهوية المعمارية لأي تصميم، تكون أقوى تأثيرا على المتلقي، إن استمدت جذورها ومعانيها من البيئة المحلية للمنشأ، سواء أكانت مواد البناء، أم توقيع الكتلة والفراغ، وصولا الى أبسط التفاصيل المعمارية.

◆كيف تتعامل مع التوازن بين الجمالية والوظيفية في تصاميمك؟
¶ الغرض الذي تنشأ من اجله أي عمارة، له الدور الرئيسي في تحديد العنصر المسيطر على التصميم، فمثلا تغلب الوظيفة على تصميم مبنى وظيفي كمستشفى او مدرسة او معمل، كونه منشأ ليؤدي وظيفة محددة، في حين أن تصميم متحف، أو نصب تذكاري (على سبيل المثال) يتطلب اللجوء الى عناصر ومفردات تعبيرية وجمالية، أكثر من حاجته الى حلول وظيفية.
مع ذلك فإن أي تصميم وبصورة عامة، لابد له أن يوفر الناحيتين (الجمالية، والوظيفية)، وبقدر متناسب مع حاجة التصميم لأي منهما. فتصميم المساجد مثلا، يتطلب حلا وظيفيا لعملية الصلاة، من وضوء، وتوجه للقبلة، وفصل بين النساء والرجال، وهذه عناصر وظيفية. وبنفس الوقت يتطلب التصميم توفير الناحية الروحية من خشوع، وهدوء، ونسب معمارية تعزز قدسية الدين وعظمة الخالق، وهذه نواح فلسفية وجمالية، وما خطوط مبنى المنارتين إلا مثال على تفوق الناحية الجمالية فيه.

◆ وماذا عن قضايا الاستدامة في التصاميم الخاصة بكم وبالتطبيق على مسجد المدينة التعليمية؟
¶ الاستدامة موضوع متشعب التطبيقات في العمارة والتصميم، ويدخل في أغلب التفاصيل، يخصنا منه استخدام الحروف العربية كعنصر معماري، علاوة على كونه عنصرا جماليا. فنجد خطوط الباحة الوسطية في مبنى المنارتين، تشكل فلترا ضوئيا، لتقليل اشعة الشمس النافذة الى الفضاءات الزجاجية التي تغطيها، وبهذا يكون داخل المبنى مغطى بإيقاعات من الضوء والظلال، تقلل من حاجة المبنى للتكييف في الجو القطري المشمس، وهذا علاوة على كون تلك الخطوط تحمل رسالة قرآنية كريمة للتأمل، بما يجعلها عنصرا جماليا، روحيا، وظيفيا وبيئيا.

العمارة في قطر
◆ وماذا عن العمارة الحديثة في قطر وانطباعك عنها وأهم ما يميزها؟
¶ الحديث عن العمارة الحديثة متفرع وغني بالنتاج المعماري العالمي. لكن الحديث عن العمارة في قطر له نكهته الخاصة، ذلك أن المشهد المعماري القطري، وعلى الرغم من انفتاحه وحداثته، فإنه لا يخلو من وعي حذر، لتأكيد الهوية المحلية والإبقاء على العناصر المهمة للتأكيد على الشخصية القطرية /العربية/ الإسلامية. وما مبنى المنارتين بحداثته وخطوطه العربية، إلا شاهدٌ على ذلك.

◆ من وجهة نظرك ما هي أبرز الخصائص الرئيسية للعمارة الإسلامية؟
¶ العمارة الإسلامية من وجهة نظري، وبحكم اتساع رقعتها الجغرافية غنية بتفاصيل وطرق ومواد بناء مختلفة كليا من مكان إلى آخر، لهذا نرى أن الطابع المعماري لمسجد في إسطنبول (على سبيل المثال) يختلف كليا عن ذلك الموجود في مسجد في الأندلس، والذي بدوره يختلف كليا عن الطابع المعماري للمساجد في مصر، وهكذا ذلك أن عمارة كل إقليم من الأقاليم الإسلامية هي عمارة محلية ناتجة من بيئة ذلك الإقليم، وعليه وجد ذلك التنوع الفلسفي والغنى التفصيلي وبحسب بيئته المحلية.
 
◆ وما هي المبادئ الرئيسية التي تستند إليها في تصميم المباني الإسلامية؟
¶ البساطة والتواضع، والتكامل مع البيئة، سواء كانت الطبيعية أم الاجتماعية، والتركيز على الدقة والتفاصيل والاعتدال والتوازن، كلها من القيم والمبادئ الإسلامية، والتي انعكست بشكل مباشر او غير مباشر على عمارة الرقعة الإسلامية.
مع ذلك، فإنني أزعم ان القاسم المشترك الذي لا يقبل الشك في توحيد هوية عمارة الرقعة الإسلامية، هو الخط العربي، فأينما وجدت حروف القرآن الكريم، عرفت هوية ذلك المكان او المنشأ بشخصية تلك العمارة الغنية والمختلفة التفاصيل كما أسلفنا.

 ◆ وما هو المشروع الذي تعتبره الأكثر نجاحا ويحقق رضا نفسيا لك في مسيرتك المهنية؟
¶ كلية الدراسات الإسلامية في قطر، وقاعة مجلس النواب في بغداد، بالإضافة الى العديد من المشاريع السكنية والقصور في أوروبا والشرق الأوسط.

الاندماج والتأثير في العمارة
◆ بما أنك تقيم في الغرب.. هل هناك عناصر معمارية مميزة في العمارة الإسلامية وما رؤيتك للاندماج أو التأثير بين خصائص عمارتنا الإسلامية والعمارة في الثقافات المختلفة؟
¶ العمارة الغربية مختلفة بطبيعتها الوظيفية والبيئية والاجتماعية، الا أن الفنون والعمارة بصورة عامة، تنهل من بعضها البعض، وتتطور من خلال الاستفادة من التجارب السابقة، فنجد ان العناصر المعمارية والانشائية، كالأعمدة أو الأقواس، مستخدمة في اغلب أنواع العمارة، مع اختلاف تفاصيلها الدقيقة باختلاف الرقعة الجغرافية او الدينية، فالقوس القبطي مثلا له خصائصه المختلفة عن القوس العباسي. ومن الأمثلة اللطيفة في هذا الصدد، تحول مسجد الحاجة صوفيا في إسطنبول، من كنيسة الى مسجد، بما يضفي بعدا جديدا على التفاصيل لكلتا العمارتين.

◆ هل لديك أي نصائح للشباب الذين يرغبون في دخول مجال العمارة وتصميم المباني؟
¶ بالإضافة الى دراسة العمارة والتصميم، أرى أهمية دراسة علم الاجتماع والتاريخ لإنتاج جيل واعٍ بهويته التاريخية والمعمارية، ولفهم الإرث الحضاري الذي بين يديه، والاستفادة منه في إنتاج حضارة معمارية تؤكد الاستمرارية والتجدد.