

نعيم بلاسمة: الفلسطيني يتجرّع ألماً تجاه وطنه حتى لو عاش آمناً بعيداً عنه
قصي: عندما كبرت عرفت أن كل بيت فلسطيني فيه شهيد على الأقل
قيس: ذهبنا في وطننا الثاني قطر لوقفة تضامنية وجددنا العهد على الصمود
أميمة: شقيقي أسير في قبضة الصهاينة.. وممتنة لدعم الشعوب العربية
ظن البعض خلال السنوات الأخيرة أن القضية الفلسطينية أصبحت على هامش اهتمام الأجيال الجديدة، خاصة في ظل الأوضاع العربية ودعوات التطبيع، لكن يتفاجأ الجميع بأن القضية ما زالت تنبض في القلوب. فبمجرد مشاهداتهم ما يحدث في حي الشيخ جراح، حيث استيلاء المستوطنين الإسرائيليين على بيوت الأهالي هناك، ثم القصف العنيف على قطاع غزة، تبادل الجميع الصور والمقاطع المصورة التي تُظهر وحشية وهمجية الكيان الصهيوني، وأخذت مواقع التواصل الاجتماعي تعبر عن غضبها.
وعبر فلسطينيون مقيمون بالدوحة عن مشاعرهم أثناء استقبال هذه الأخبار، خاصة أن ما زال لديهم أسر وعائلات هناك في المدن الفلسطينية، مؤكدين أنهم ما زالوا يتجرعون الألم والحسرة والفزع على ما يحدث في وطنهم، لكن هذا لا يمنع شعورهم بالفخر والعزة بأن القضية ما زالت في قلوبهم، وأنهم يورثون الاهتمام بها لأبنائهم حتى لو تواجدوا آمنين في بلدان عربية أخرى.

قضية كل العرب
قال نعيم بلاسمة، فلسطيني مقيم بالدوحة، إنه بمجرد مشاهداته الصور والمقاطع المصورة والأخبار الخاصة بما يحدث هذه الأيام من القصف المستمر على قطاع غزة، وكذلك الاستيلاء على منازل أهالي حي الشيخ جراح في فلسطين دون أي وجه حق، والاعتداءات المستمرة، تجعله يشعر بالغضب والحزن لأجل القدس من عدو غاشم صهيوني يعتدي على الأقصى، ويحارب المصلين العزل منذ شهر رمضان حتى اليوم. واصفاً ما يتعرض له الفلسطينيون بالحرب الوحشية، والتي يدفع ثمنها أولئك من دماء أبنائهم والتهجير من بيوتهم التي ورثوها عن آبائهم وأجدادهم منذ مئات السنين.
وأكد أن القضية الفلسطينية قضية كل العرب، ولكن يظل للمواطن الفلسطيني ألم خاص به؛ لأنه لا ينسى واقع أرضه المغتصبة، ولا يغيب عن باله هذه الحقيقة حتى لو كان يعيش آمناً في دولة أخرى، لافتاً إلى أن الإحساس بالعزة والفخر يتجدد مع تجدد دماء وجهاد المقاومة الفلسطينية التي سطرت أعظم معاني الجهاد، ووحدت كل فلسطين تحت عنوان واحد هو «ما أخذ بالقوة لا يسترد إلا بالقوة»، رغم أنف بني صهيون، حسب تعبيره، معتبراً أن ما تحدثه المقاومة في نفوس الأعداء من رعب دائم نتيجة صواريخ المقاومة يشعره بالفخر، ومادة دسمة عملية يستطيع أن يشرح من خلالها لأبنائه الصغار جوانب القضية الفلسطينية بحيث لا تغيب عن أذهانهم، في ظل الدعوات التي تطالب بالتطبيع مع الكيان الإسرائيلي.
الجيل الجديد
«العرب» التقت أيضاً ابني نعيم بلاسمة، وهما قصي «١٦ سنة» وقيس «١٤ سنة»، فتحدثا عن مشاعرهما عند مشاهدة التلفاز وتداول الأخبار الخاصة بما يحدث هذه الأيام في فلسطين، باعتبارها الانتفاضة الأولى بالنسبة لهم التي يعاصرانها بوعي لما يجري على الأرض. فقال قصي: «عندما كنت أسمع الكبار ووالدي يتكلمون عن فلسطين وأهلها وأننا يجب أن نكون هناك ونساعدهم ونساندهم كنت أظن أنهم يتكلمون عن أي بلد عادي ولم أكن أتوقع المعاناة التي يعيشونها، إلى أن كبرت وفهمت أن جذوري من هناك ويجب علينا أن نسقيها بدمائنا، فلم أكن أعلم أن كل بيت فلسطيني فيه شهيد على الأقل».
وأضاف: «وهناك حسرات في قلوب هذا الشعب والشعوب المسلمة تجاه أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين، وقلت في نفسي إلى متى سنبقى ننظر إليهم كمن ينظر إلى تمثيل أحداث قصة محزنة وننسى وننام، وكأن شيئاً لم يكن وهم شعبي الذي يدفع نفسه وروحه ثمناً لتحرير أقصانا وبلادنا المغتصبة، وأخذت أتساءل: ألسنا منهم؟ أليسوا هم أهلنا؟ أليسوا شرفنا وعزتنا؟ أليست هذه الأرض أرضنا وهذا الأقصى أقصانا؟ وكل حبة رمل في هذه البلاد هي لنا كمسلمين أولاً وعرب ثانياً وفلسطينيين ثالثاً.
من أي بلد أنت؟
وقال قيس: أتذكر عندما كنت في الصف الثاني الابتدائي وقد بدأ أستاذي بالسؤال للطلاب: من أي بلد أنت؟ هل ولدت هنا أي الأردن أم في مكان آخر؟ وعندما وصل إليّ قال لي: أين ولدت؟ قلت له: في الأردن، في عمان، وأنا أردني. وبعد أن قلتها نكزني صديقي الذي بجانبي وقال لي: ألم تعلم أنك ولدت في الأردن، لكن أصولك من فلسطين؟ فقلت له: أعلم أن جدي من فلسطين، لكني ولدت في عمان، إذن أنا أردني. فقال صديقي للأستاذ: إن أصولي فلسطينية. وقال الأستاذ لنا حينها قصة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الذي أحب المدينة المنورة وأحب أهلها جداً وتوفي فيها، ولكنه عندما قال لولا أنه أخرج منها ما خرج، حينها أخذ معلمي يقول لي: هكذا يا قيس هم أجدادك أحبوا الأردن وأهلها ولم ينسوا فضلها، لكن والله لو لم يخرجوهم اليهود من بلادهم ما خرجوا.
وأردف قائلاً: «منذ ذلك الحين طلبت من والدي أن يحدثني أكثر عن فلسطين وتاريخها وعرفتها جيداً، ودخل حبها قلبي مثل الأردن، التي ولدت فيها، وكلما أرى الآن الناس يقتلون أتمنى لو أنني بينهم لأقاتل معهم، وقد ذهبنا في موطننا الثاني قطر في تظاهرة سلمية أمام مسجد الأمام محمد بن عبد الوهاب، ورفعنا أعلام فلسطين، وجددنا العهد على بقائنا صامدين في وجه الصهاينة، وأني مهما غيرت مكان سكني لن أنسى موطني الأصلي وموطن أجدادي، وسنعود يوماً ما بإذن الله، ونصلي في الأقصى الشريف لنعمر ما حطموه الصهاينة من أراضيها وبنيانها».
وتابع: «بعد متابعاتي خلال الأيام الماضية لما يحدث وما تقوم به المقاومة أخذت أفكر ما الطريقة لتحرير الأقصى فتذكرت قوله صلى الله عليه وسلم: «من رأى منكم منكراً فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان».
ومن ثم أخذت عهداً على نفسي أنني سأكتب عن وطني فلسطين ما حييت، وعندما تحين لي الفرصة لا بد من العودة إليها مشاركاً في تحريرها.
رفع معنويات شعبنا
من جهتها، قالت أميمة، فلسطينية من الضفة الغربية، مقيمة بالدوحة، إنها تعيش مشاعر ألم وحزن نتيجة ما يحدث هذه الأيام، والذي وصفته بأنه ليس جديداً على أهالي فلسطين، فضلاً عن مشاعر الخوف التي تشعر بها قلقاً على الأهل والأقارب الذين ما زالوا جميعاً هناك حيث إنها تنام قرابة ٤ ساعات يومياً فقط خلال الظروف الراهنة، نظراً لمتابعتها للأخبار، مشيرة إلى أن لديها أخاً أسيراً تحت قبضة الاحتلال هناك منذ عام تقريباً، نتيجة مواجهات بينه وبين العدو الصهيوني.
وعبرت عن امتنانها لتفاعل الشعوب العربية والشباب العربي وبعض من الشعوب الغربية مع القضية الفلسطينية، مؤكدة أن مثل هذه المساندات ترفع من معنوية الفلسطينيين، وتجعلهم يشعرون أنهم ليسوا بمفردهم، وبسؤالها عن الأهل أشارت إلى أنهم يتمتعون بروح عالية متوكلين على الله حسب تعبيرها.