هَلَّ علينا شهر رمضان المبارك وهو شهر عظيم وموسم كريم، إذ تُضَاعَف فيه الحسنات وتُفْتَح فيه أبواب الجنة، وتقبَل فيه التوبة إلى الله، شهر أوله رحمة وأوسطه مغفرة وآخره عتق من النار، فكيف نحسن استقبال شهر رمضان؟ وكيف نخطط لقضاء أيامه وساعاته ابتغاء مرضاة الله؟. نستقبله بالتوبة الى الله الرؤوف الرحيم التواب، ثبت في الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: لله أشد فرحا بتوبة عبده حين يتوب إليه من أحدكم كان على راحلته بأرض فلاة، فانفلتت منه، وعليها طعامه وشرابه فأيس منها فأتى شجرة فاضطجع في ظلها قد أيس من راحلته فبينما هو كذلك إذا هو بها قائمة عنده فأخذ بخطامها ثم قال من شدة الفرح اللهم أنت عبدي وأنا ربك أخطأ من شدة الفرح .
الفضل العظيم والأجر الكبير
استشعار الفضل العظيم والأجر الكبير المترتب على الصيام لأن تجديد النية أمر مهم فبعض الناس تعوَّدَ على الصيام ولم يستشعر الأجر والثواب المترتب على الصيام ففي الصحيحين من حديث أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من صام رمضان إيمانا واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه. قال الحافظ ابن حجر في فتح الباري : المراد بالإيمان: الاعتقاد بفرضية صومه. وبالاحتساب: طلب الثواب من الله تعالى. وقال الخطابي: احتسابا أي: عزيمة، وهو أن يصومه على معنى الرغبة في ثوابه طيبة نفسه بذلك غير مستثقل لصيامه ولا مستطيل لأيامه.
استشعار الفضل العظيم والأجر الكبير المترتب على القيام في هذا الشهر، عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (من قام رمضان إيماناً واحتساباً غُفر له ما تقدم من ذنبه) متفق عليه، فالاهتمام بالمحافظة على صلاة التراويح مع الامام حتى ينصرف من أفضل الاعمال ففي حديث ابي ذر ان النبي صلى الله عليه وسلم قال: من قام مع الامام حتى ينصرف كتب له قيام ليلة. رواه ابو داود وغيره.
الابتعاد عن تضييع أيامه بالنوم ولياليه بالسهر فمن كان هذا ديدنه فلم يستفد من شهره شيئا بل لربما كان وبالا عليه.
إفطار الصائمين
الحرص على افطار الصائمين فعن زيد الجهني رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم من فطر صائما كان له مثل أجر صومه غير أنه لا ينقص من أجر الصائم شيء . رواه الترمذي وقال حديث حسن صحيح (غير أنه لا ينقص من أجر الصائم شيء) استدراك لما قد يتوهم من أن إثابته كذلك تنقص ثواب الصائم وإنما لم تنقص إثابته بذلك إثابة الصائم لاختلاف جهة ثوابهما، كما لا ينقص ثواب الدال على الهدى ثواب فاعله. الاكثار من تلاوة القرآن الكريم وتدبر معانيه وتمعنه، فعن عثمان رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: خيركم من تعلم القرآن وعلمه. عن أبي أمامة رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ قال: سمعت رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّم يقول: اقرأوا القرآن فإنه يأتي يوم القيامة شفيعاً لأصحابه رَوَاهُ مُسلِمٌ. فلقد عرض جبريل القرآن على رسول الله صلى الله عليه وسلم مرة وفي السنة الأخيرة قبل موته عليه السلام مرتين فلذا كان السلف يختمون القرآن كل ثلاث ليال وفي العشر الاخيرة كل ليلة، يا لها من همم عظيمة عرفت الدنيا والآخرة ففضلت الآخرة على الاولى قال تعالى: (وَلَلآخِرَةُ خَيْرٌ لَّكَ مِنَ الأولى) سورة الضحى. حفظ اللسان وبقية الجوارح عن الحرام، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه.
حسن الخلق مع المراجعين لمعاملاتهم
نستقبل شهر رمضان بحسن الخلق مع الناس كلهم ولا سيما المراجعين لمعاملاتهم ولا نجعله شهر هم وحزن، فعن أبي أمامة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أنا زعيم ببيت في ربض الجنة لمن ترك المراء وإن كان محقا، وببيت في وسط الجنة لمن ترك الكذب وإن كان مازحا، وببيت في أعلى الجنة لمن حسن خلقه. رواه أبو داود وحسنه الألباني ـ رحمهما الله تعالى. وعن جابر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إن من أحبكم إليَّ وأقربكم مني مجلسا يوم القيامة أحاسنكم أخلاقا) رواه الترمذي وحسنه الالباني. ومما يستغل في هذا الشهر الاكثار من الدعاء لأن الدعاء له فضل عظيم: قال تعالى: (وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ) وقال تعالى: (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ ). وقال صلى الله عليه وسلم: الدعاء هو العبادة، ثم قرأ (وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ). وقال صلى الله عليه وسلم: أفضل العبادة الدعاء. وقال صلى الله عليه وسلم : ليس شيء أكرم على الله تعالى من الدعاء. وقال صلى الله عليه وسلم: إن ربكم تبارك وتعالى حيي كريم يستحيي من عبده إذا رفع يديه إليه أن يردهما صفرا خائبتين. وقال صلى الله عليه وسلم : لا يرد القضاء إلا الدعاء ولا يزيد في العمر إلا البر. إحياء العشر الأواخر من رمضان بمزيد من العبادة حيث فيها ليلة القدر التي هي خير من ألف شهر، وكان من ديدن النبي صلى الله عليه وسلم أنه يشد مئزره ويعتزل اهله ويحيي ليله، كما قالت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها.