

هذه النسخة تبعث برسالة قوية «الكرة العربية دخلت مرحلة جديدة «
خروج الأسماء الثقيلة من مرحلة مبكرة أعاد رسم خريطة المنافسة بالكامل
كأس العرب لم تعد مرآة لتاريخ المنتخبات فقط بل مقياسًا حقيقيًا لمدى تطورها
لم يقتصر التحول العميق في النسخة الحالية من كأس العرب على صعود منتخبات لم تكن دائمًا ضمن دائرة الترشيحات، بل تجسد بوضوح في خروج أسماء ثقيلة ومعتادة على المنافسة، ما منح البطولة بعدًا تنافسيًا غير مسبوق ورسخ مبدأ تكافؤ الفرص.
منتخب الجزائر، حامل اللقب، ودّع البطولة من ربع النهائي بعد مواجهة قوية أمام منتخب الإمارات، انتهت في وقتيها الأصلي والإضافي بالتعادل الإيجابي هدف مقابل هدف، قبل أن تبتسم ركلات الترجيح للإمارات. إقصاء البطل لم يكن مجرد نتيجة عابرة، بل مؤشر واضح على أن التفوق التاريخي لم يعد كافيًا في بطولة باتت تُحسم بالتفاصيل الدقيقة والجاهزية الذهنية.
المفاجآت لم تتوقف عند هذا الحد، حيث شهد الدور الأول خروج منتخبات عريقة مثل تونس، مصر، وقطر. منتخبات اعتادت الذهاب بعيدًا في البطولات العربية والقارية، لكنها وجدت نفسها أمام منافسين أكثر تنظيمًا وجرأة، فرضوا إيقاعهم واستغلوا أدق الهفوات.
إقصاء هذه الأسماء الثقيلة من مرحلة مبكرة أعاد رسم خريطة المنافسة بالكامل، وفتح المجال أمام منتخبات أخرى لإثبات ذاتها والوصول إلى أدوار متقدمة. كما أكد أن كأس العرب لم تعد بطولة تُحسم بالخبرة وحدها، بل بمن يملك النفس الطويل، والقدرة على التطور داخل البطولة نفسها. ما يحدث في هذه النسخة يبعث برسالة قوية مفادها أن كرة القدم العربية دخلت مرحلة جديدة، مرحلة لا مكان فيها للثبات أو الركون إلى الأمجاد السابقة. فالميدان بات الحكم الوحيد، وكأس العرب أصبحت مرآة حقيقية لتحول موازين القوى وتطور اللعبة على امتداد الوطن العربي. تكشف مقارنة مسار المنتخبات الأربعة: السعودية، الأردن، المغرب، والإمارات، بين نسخة2021 والنسخة الحالية 2025 من كأس العرب، حجم التحول العميق الذي عرفته البطولة وتطور مستوى المنافسة فيها، ليس فقط على مستوى النتائج، بل في طبيعة الحضور الفني والذهني لهذه المنتخبات.
في نسخة2021، لم تكن هذه المنتخبات ضمن دائرة المنافسة على اللقب. حيث ودع المنتخب السعودية البطولة مبكرًا بعد خروجها من الدور الأول، في مشاركة عكست آنذاك غياب الاستقرار الفني وضعف الجاهزية مقارنة بمنتخبات الصف الأول.
بينما المنتخب الأردني قدم أداءً محترمًا لكنه اصطدم بمنتخب مصر في الدور ربع النهائي، ليغادر المنافسة أمام خبرة تاريخية أكبر وحسم في التفاصيل.
المغرب بدوره وصل إلى دور الثمانية، غير أنه فشل في تجاوز منتخب الجزائر وخرج بركلات الترجيح، بعد أن انتهى الوقت الأصلي والإضافي بنتيجة هدفين لكل منهما في مباراة أظهرت تقارب المستوى لكن غياب الحسم جاء في اللحظات الفاصلة. أما الإمارات، فكانت خسارتها الثقيلة أمام قطر بنتيجة خمسة أهداف دون رد واحدة من أبرز مفاجآت تلك النسخة، وكشفت عن فجوة كبيرة في التوازن الدفاعي والتنظيم الجماعي.
بعد خمس سنوات، تغير المشهد كليًا. نفس هذه المنتخبات أصبحت اليوم حاضرة في المربع الذهبي، وهو ما لا يمكن اعتباره صدفة أو نتاج ظرف مؤقت، بل نتيجة مسار طويل من العمل والتراكم. تطور المسابقات المحلية، الاستثمار في الفئات السنية، الانفتاح على المدارس التدريبية الحديثة، والاستقرار الفني والاحتكاك القاري والدولي، كلها عوامل ساهمت في إعادة تشكيل هوية هذه المنتخبات.
اللافت في النسخة الحالية أن هذه المنتخبات لم تبلغ هذا الدور اعتمادًا على الحظ، بل عبر أداء منظم، شخصية قوية، وقدرة واضحة على إدارة المباريات في لحظاتها الصعبة. وهو ما يعكس تحول كأس العرب من بطولة تقليدية إلى منافسة عالية المستوى، لا تعترف بالأسماء بقدر ما تكافئ الجاهزية والعمل.
هذا التباين بين نسختي 2021 والحالية يقدم دليلًا واضحًا على أن كرة القدم العربية تسير في منحنى تصاعدي، وأن موازين القوى باتت أكثر توازنًا. كأس العرب اليوم لم تعد مرآة لتاريخ المنتخبات فقط، بل مقياسًا حقيقيًا لمدى تطورها وقدرتها على مواكبة متطلبات كرة القدم الحديثة.