الواسطة والمحسوبية سرطان.. ومطلوب الإبلاغ عن المخالفات
تحقيقات
15 نوفمبر 2015 , 08:12ص
حامد سليمان
«لن نتسامح مع الفساد المالي والإداري، أو استغلال المنصب العام لأغراض خاصة، أو التخلي عن المعايير المهنية لمصلحة شخصية»، جانب من كلمة حضرة صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني أمير البلاد المفدى، أمام مجلس الشورى في افتتاح الدورة الرابعة والأربعين للمجلس، وكان لها صدى واسع بين المواطنين، لعلمهم بأن مشكلات الفساد الإداري طالما كانت بعيدة عن وطنهم.
ويجب التصدي لأي بوادر تظهر خلال المرحلة المقبلة من أجل المزيد من التنمية والرخاء.
مواطنون وقانونيون مختصون أكدوا لـ «العرب» أهمية مواجهة الفساد الإداري بشتى صوره، منوهين إلى أن المحسوبية والواسطة تظهر في بعض المؤسسات، وأن تفشي مثل هذا التوجه يمكن أن يكون له أثره السلبي على المجتمع القطري، خاصةً مع وجود كفاءات قطرية قادرة على تحمل المسؤولية، ويجب أن توكل لها المهام التي تناسب قدراتها.
ونوهوا إلى أن التشريعات القطرية بها الكثير من النصوص التي تحارب الواسطة والمحسوبية، والتي تصل عقوباتها للحبس لعشر سنوات والغرامة المالية الكبيرة في حال تربح الموظف من عمله بصورة غير قانونية، مشيدين بحملة النيابة العامة للإبلاغ عن جرائم الفساد، ولكن يبقى المعيار الحقيقي لنجاحها بتفاعل السكان معها بصورة إيجابية.
عقوبات مشددة
في البداية قال المحامي يوسف أحمد الزمان نائب رئيس محكمة الاستئناف الأسبق: يتعين على الجميع أن يعملوا على مكافحة المحسوبية والواسطة وغيرها من أوجه الفساد الإداري، والأمر لا يتعلق بجهة بعينها، فلا يمكن لمؤسسة رقابية أو تشريعية أو قضائية أن تقف ليل نهار بالمرصاد لمحاسبة كل مهمل، ولكن يتعين على المجتمع بمؤسساته وأفراده أن يتكاتفوا من أجل مواجهة هذه الحالات، التي لها أضرار جسيمة على المجتمع ككل.
وأضاف: وقد حرصت كافة التشريعات القانونية في معظم الدول على مكافحة الفساد تشريعياً، وعمدت دولة قطر إلى ذلك سواء في قانون العقوبات أو في التشريعات الأخرى لتجريم هذه الأفعال، ولوضع عقوبات شديدة توقع على كل من تسول له نفسه استغلال وظيفته أو التربح منها بطرق مخالفة للقانون، وكذلك الاستيلاء على المال العام بوسائل متعددة وغير مشروعة، فالقوانين بقطر وقفت على كل هذه الحالات ووضعت لها عقوبات مناسبة، ولا يمكن ترك شخص يستغل الوظيفة بأي وسيلة كانت.
وتابع الزمان: ولا بد من الحرص على تطبيق مبدأ تكافؤ الفرص في التوظيف، بحيث إن هناك شروطاً عامة ومجردة توضع لكل وظيفة، فإن لم تتوافر في الشخص المتقدم الشروط المطلوبة والمناسبة للوظيفة لا يتم اختياره، فلا يجوز أن تكون المسؤولية في يد من ليس أهلا لها.
وأوضح نائب رئيس محكمة الاستئناف الأسبق، أن الواقع يشير إلى بعض التجاوزات تقع من مديرين ببعض المؤسسات، فنجد أشخاصا ليسوا أفضل من يتولى الوظيفة، ولكن الواسطة والمحسوبية تلعب دورها في تقلدهم هذه الوظائف، وهو أمر يؤثر بصورة مباشرة على صالح العمل.
وشدد على أنه إذا ما ثبت مخالفة مسؤولين بشركة لقواعد التعيين المعتمدة في الأساس على الكفاءة، فيمكن مساءلتهم عنها، لأن الواقعة تندرج تحت الفساد الإداري، والأمر ينطبق على الكثير من المشكلات الإدارية التي تقع في محيط العمل.
وأكد الزمان أن قانون العقوبات القطري جرم أفعال المتاجرة بالوظيفة وفي مقدمتها جريمة الرشوة، وهي من الجرائم الخفية التي يصعب اكتشافها بسهولة، فتتطلب مجهودات كبيرة من سلطات الرقابة والضبط والجهات المختصة، فالمشرع القطري وضع عقوبات مشددة لكل من يضبط مرتكباً هذه الواقعة، لأنها تعد من الجرائم التي تؤثر على الوظيفة العامة، وعلى حصول المواطنين على الخدمات، فالخدمة تتحول لسلعة تقدم لمن يدفع أكثر.
وأشار إلى أن العقوبة التي توقع على الموظف المسؤول تختلف على حسب وظيفته ومدى حساسية القضية وتعلقها بشأن قطاع عريض من السكان، إضافة إلى المبلغ الذي حصل عليه، إن كانت القضية رشوة، بحيث إنه كلما زاد المبلغ تزيد العقوبة الموقعة على الموظف، وكذلك الأمر بالنسبة للمحسوبية والواسطة التي تزيد العقوبة بها إن كانت المخالفة كبيرة.
ونوه إلى أن القانون القطري نص على عقوبات في قضايا الفساد الإداري تصل للحبس عشر سنوات في بعض الحالات، ناهيك عن الغرامات المالية الكبيرة التي تصل إلى كامل المبلغ الذي حصل عليه الموظف إن كان مرتشيا، إضافة إلى العزل من الوظيفة التي يعمل بها، وهي عقوبات كفيلة بتحقيق عنصر الردع المطلوب من أي تشريع، والأمر يرجع في المقام الأول لسلطة القاضي التقديرية، فملابسات القضية تختلف من حالة لأخرى.
ولفت الزمان إلى أن حملة النيابة العامة التي أطلقتها قبل عدة أشهر للإبلاغ عن الفساد تمثل خطوة إيجابية في الكشف عن أي تلاعب من قبل بعض الموظفين، خاصة أن النيابة العامة أكدت على عدم إعلان بيانات المشتكي، وغيرها من الضمانات التي توقع الجميع بأن يكون لها أثر كبير في مساندة المختصين في محاصرة هذه الحالات المخالفة.
وأشاد نائب رئيس محكمة الاستئناف الأسبق بجهود النيابة العامة، فالقائمون عليها لا يدخرون جهداً في الوقوف على قضايا الفساد الإداري، ومحاسبة كل من يثبت تورطه في أي منها، لتوقيع العقوبات عليه، ولكن الأمر يحتاج إلى تضافر جهود كافة السكان، فالنيابة والتشريعات التي تطبقها ضلع في منظومة لا تكتمل إلا بمساعدة كافة المؤسسات والأفراد.
وشدد على أهمية دور الإعلام في محاربة الفساد الإداري، خاصةً الصحف القطرية ودورها في الكشف عن حالات الإهمال، فبعض المواقع يتجلى فيها الخطأ في التنفيذ، ويجب ألا تكتف الصحيفة بنشر الأخبار، ولكن تساعد السلطات المختصة في التعريف بها، فهذا التوجه يساعد النيابة العامة على الوقوف على الأخطاء، لأن الصحافة ركن في كشف حالات الإهمال والفساد الإداري، وكذلك الوقوف على حقيقة الشكاوى المتعلقة بمرفق أو مؤسسة معينة، وهو الدور الذي لم تتمكن الصحف حتى الآن من أدائه بالصورة المطلوبة.
قطر الأقل فساداً
ومن جانبه، قال الدكتور محمد لحبيل الرئيس التنفيذي لشركة «هبتك للحلول التكنولوجية»: إن حرص القيادة القطرية على مواجهة الفساد الإداري في أي مؤسسة بالدولة توجه متميز جداً، فخطاب حضرة صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني أمير البلاد المفدى، حمل في طياته الكثير من الرسائل الهامة التي تضع كل موظف بالدولة أمام مسؤولياته، وهو أمر هام جداً، فأي بلد يستشري فيه الفساد بأي صورة من صوره لن يستطيع أن ينهض سواء كان بشبابها وكوادرها أو بثرواتها التي يتعين على الجميع استثمارها على النحو الأمثل.
وأضاف: والقيادة الحكيمة أكدت على أن توجه الدولة بات منصباً على محاسبة أي فساد إداري يقع في الدولة، وهو أمر هام جداً من أجل المحافظة على مسيرة التقدم.
وأكد الرئيس التنفيذي لشركة «هبتك للحلول التكنولوجية» أن قطر تأتي في مقدمة البلدان الأقل فساداً بين الدول العربية والإسلامية، مشيراً إلى أن خطوات الحكومة الرشيدة في هذا الصدد تعد استباقية بصورة أساسية، وهو توجه رائع في مجابهة أي بوادر للفساد الإداري، لأن ترك الأمر حتى يستشري يكبد الدولة تكلفة باهظة تعود بالسلب على أبنائها.
وأردف لحبيل: لا تخلو دولة في العالم من حالات فساد، فالمسؤولية توضع بيد بشر خطائين، ومنهم من تقوده خطاه إلى الوقوع في سقطات كثيرة، ولكن طمأنة القيادة لمواطنيها تعني الكثير، فمؤداها أن المحافظة على حقوق المواطن أولوية ولن يُعفى أحد من تحمل المسؤولية، فالمواطنة تتبعها مجموعة من الواجبات كما لها من الحقوق نصيب.
وأشار إلى أن مشكلة الواسطة منتشرة في المجتمعات العربية بصورة عامة، فمبدأ «الأقربون أولى بالمعروف» يطبق حتى في اختيار الموظف الكفء، وهو خطأ كبير لأنه وضع الكفاءات في الصفوف الخلفية لكل مؤسسة، والأمر يزداد سوءا إن ترك المسؤول لنفسه زمام الأمور في تعيين المقربين، لأنه سيصادف كل يوم قريبا له أو معرفة لقريب له، ومن ثم تملأ المؤسسة بمن هم أقل كفاءة، فيضيع الصالح العام، وهذا لا ينفي المساندة للحالات المحتاجة للوظيفة، فالأهم أن تكون متناسبة مع قدراتها وبعيدة عن الشواغر الحساسة في الدولة، لأن الشخص كلما ارتفع في منصبه كلما كان للمنصب تبعات كبيرة، ما يترتب عليه واجبات كثيرة نحو السكان.
وشدد على أهمية إعطاء الدورات للموظفين في مؤسسات الدولة، خاصةً الخدمية منها، لأن البعض يشعر أن المراجع في حاجة له، وهو سلوك خاطئ في التعامل مع المراجعين، لافتاً إلى أن الإبلاغ عن الفساد أيضاً يحتاج إلى دورات لكافة الموظفين، فزيادة مساحة الثقافة لدى كافة السكان يكون لها مردود إيجابي على حياتهم، فعلى سبيل المثال ثقافة النظافة العامة في أوروبا يلاحظها كافة زوارها لما توليه الدولة من توعية وتعريف بأهميتها، والأمر نفسه ينطبق على كافة الأمور، فالموظف لن يستشعر خطورة الفساد على مجتمعه إن لم يتلق الثقافة المتعلقة بهذا الشأن.
سرطان المؤسسات
وقال راشد الدوسري إن الواسطة تعد ظلماً بيِّن للكثيرين، فبعض الأشخاص يكونون على كفاءة عالية، ولا يجدون فرصة تناسب قدراتهم، لأن الفيصل في بعض الحالات يكون للواسطة، فتضيع على الدولة كفاءة هي في حاجة ماسة لها، وهذه الحالات وإن قلت فلا بد من مواجهتها، ولا بد أن يكون للأكفاء من أبناء الوطن دور في دفعه للأمام في مسيرة التقدم، فالفساد الإداري بشتى صوره يمثل سرطان المؤسسات ينهك هيكلها.
وأضاف: المقصود بمواجهة الواسطة ليس رفع الرعاية عمن هم بحاجة لها، فبعض الحالات تحتاج إلى العمل ليتوافر لها مستوى معيشي جيد، وهذا تكفله الدولة في بعض الوظائف البسيطة التي تتناسب مع قدرات كل شخص، ولكن ليس من المعقول أن يشغل شخص وظيفة أعلى من قدراته، وهذا الأمر لا يحتاج «واسطة» بموجب ما تضعه الدولة من تشريعات، فالعيش الكريم مكفول لكل قطري.
وتابع الدوسري: بعض المديرين يهتم بجمع أقاربه بجانبه في المؤسسة بغض النظر عن مدى كفاءة كل شخص منهم، وهو أمر يعود بالضرر على الكثيرين، وعلى الوطن والمواطن في النهاية، فبعض الحالات نجد فيها أن مدير شركة يستقطب خمساً أو ستاً من أقاربه، ولا ينظر لصالح العمل، وهذا أمر مرفوض تماماً، فالمشاريع التي تضعها المؤسسة تتضرر بصورة كبيرة.
وشدد على أن القيادة الحكيمة ترفض استغلال المنصب، وهو ما نشهده بالفعل على أرض الواقع، فتعامل المسؤول على أساس أن المنصب حق له، وأنه تشريف وليس تكليفا توجه مرفوض، متوقعاً أن تتراجع مثل هذه الحالات خلال الفترة المقبلة، لتشهد الدولة حرصا من أبنائها على الصالح العام.
وأشاد بالشفافية التي اكتنفت خطاب سمو أمير البلاد المفدى أمام مجلس الشورى في دورته الرابعة والأربعين، منوهاً بأن سموه تعامل بكل صراحة مع مشكلات الفساد الإداري، وحرص على التنويه بضرورة مواجهتها، فكل مسؤول في منصبه عليه أن يعمل بكل جد من أجل خدمة بلده.
وأكد أن حملة النيابة العامة للإبلاغ عن الفساد هي في صالح المجتمع القطري ككل، منوهاً إلى أن العاملين في هذا الصرح القضائي ذوو خبرة عالية وقادرون على تقديم كل من تثبت إدانته للمحاكمة، وهو توجه جيد من الدولة من أجل الضرب بيد من حديد على يد كل من يخالف، منوهاً إلى أن النيابة العامة دائماً ما تكمل الثغرات من أجل محاسبة كل من يخطئ.
ولفت إلى أن النيابة العامة وضعت المسؤولية في يد المواطن والمقيم في مواجهة الفساد الإداري، فأبواب العاملين في النيابة باتت مفتوحة على مصراعيها للإبلاغ عن أي حالة فساد، ولكن يبقى دور السكان في التفاعل مع الحملة، موضحاً أن الوازع الديني لدى كل شخص له دور كبير في حثه على الإبلاغ، فالضمير الحي يسوق صاحبه إلى التصرف الأمثل، خاصة أن كافة الهيئات الرقابية في الدولة تسعى وتساعد في ضبط أي حالات فساد إداري، والقانون يسري على الجميع ليضع ضوابط في التعامل بين كافة أفراد المجتمع، فلا يُظلم أحد ولا يهضم حق أي شخص.