خلال مؤتمر «أفريقيا وتحديات الأمن» لـ «الجزيرة للدراسات».. خبراء: التدخلات الخارجية والأطماع الاستعمارية وراء تراجع القارة السمراء

alarab
محليات 14 ديسمبر 2025 , 01:25ص
هشام يس - حامد سليمان

أكد خبراء وباحثون في الشأن الأفريقي أن القارة السمراء بما تتمتع به من ثروات طبيعية وموقع جغرافي إستراتيجي بالنسبة للقوى العسكرية والاقتصادية الدولية، لا تزال تعاني من الفقر وغياب الأمن بسبب التدخلات الخارجية والأطماع الاستعمارية.
ولفتوا خلال فعاليات مؤتمر «أفريقيا وتحديات الأمن والسيادة في ظل التحولات الجيوسياسية الراهنة» الذي ينظمه مركز الجزيرة للدراسات على مدار يومين، إلى أن الكونغو الديمقراطية التي استقلت عام 1960 لم تسيطر على كامل أراضيها إلا 15 يومًا بسبب التدخلات الخارجية، وكان شرقها بؤرة للصراع بسبب الموارد والمعادن النادرة التي تدخل في الصناعات العسكرية والصناعات الدقيقة، حيث تمتلك حوالي 80 % من تلك المعادن في العالم.
وشدد الدكتور محمد مختار الخليل، مدير مركز الجزيرة للدراسات، خلال افتتاح المؤتمر، على أن القارة الأفريقية تعيش حالياً لحظة فارقة لها ما بعدها، لافتاً إلى أن ما نشاهده في الساحة هو مقدمات نظام عالمي جديد؛ بشأن من يسيطر ومن يتحكم.
وأشار إلى أن الباحثين الحاضرين في المؤتمر جميعًا باحثون أفارقة؛ وقال: «إننا يجب أن نفهم الأفارقة، وأن يفهم الآخرون الأفارقة من خلال الأفارقة أنفسهم، وليس من خلال أحد المستشرقين أو المتأفرقين».
وقدم الشكر للباحثين الذين حضروا في وقت قياسي للمشاركة في فعاليات المؤتمر، وتابع: «عملية التحضير لم تكن سهلة، لذلك حاولنا بشتى الطرق الوصول إلى الإخوة الباحثين وأن يصلوا إلى الدوحة، والأمر لم يكن سهلاً في ظل الظروف المختلفة الحالية».
وتناولت الجلسة الأولى في المؤتمر: النزاعات المسلحة في أفريقيا: جذورها وتداعياتها، وركز المشاركون فيها على خريطة النزاعات الأفريقية من زواياها، الأمنية والسياسية والاقتصادية، مركزة على بؤر توتر أساسية تتمثل في بحث تعقيد المشهد القاري. ففي الساحل الأفريقي، تمثل نماذج دالّة تتشابك فيها التحديات الأمنية مع تمدد الجماعات المسلحة وانهيار منظومات الدولة. 
وفي شرق الكونغو الديمقراطية، يتداخل الصراع على الموارد مع تنافس القوى الإقليمية والدولية. أما التدخلات العسكرية الأجنبية، فتثير سؤالاً محورياً حول حدود السيادة الأفريقية بين المصالح الإستراتيجية ومزاعم حفظ الأمن. 
وقدم المتحدثون تحليلا للمسارات المختلفة في ضوء التحولات الجيوسياسية الراهنة ومآلاتها على استقرار القارة.

نبيل زكاوي: منطقة الساحل الأفريقي أصبحت مثل رقعة الشطرنج

قال نبيل زكاوي، أستاذ باحث في الدراسات السياسية والدولية، خلال الجلسة الأولى: دول منطقة الساحل الأفريقي تشترك في سمات جغرافية وثقافية وتاريخية مهمة، وهذه المنطقة تعاني من تدهور وضعها الأمني، ويمكن وصف الوضع فيها بانعدام الأمن، والمفارقة الغريبة أنها - بالرغم من أنها شاسعة وبها عدد سكان كبير - إلا أنها تفتقر إلى الأمن».
وتابع: «هذه المنطقة أصبحت مثل رقعة الشطرنج بالنسبة للحروب الجديدة التي تنطلق من جهات فاعلة غير حكومية فالمساحات الشاسعة تحولت إلى منافذ لعبور التهديدات الأمنية، والجماعات المقاتلة تستغل الحدود الشاسعة التي يفترض أن تكون هدف لضمان الأمن والاستقرار، أصبح يسهل اختراقها من الجماعات المقاتلة».
ولفت إلى أن هجمات الجماعات المقاتلة تكون غير متوقعة، وتعتمد على استغلال انتهازي للحدود المفتوحة، كما أن فترة القتال تتطور بسرعة كبيرة، وتزداد مع انضمام المزيد من المقاتلين إلى هذه الجماعات.
وأشار إلى أن دول الساحل وبعد عقود من الاستقلال تواجه مشكلة الشرعية بسبب عدم قدرتها على توفير الدعم الاجتماعي الأساسي للسكان فضلا عن التدهور الاقتصادي وتحولت الدولة في منطقة الساحل إلى مجرد هياكل وهمية بسبب ضعف المؤسسات الحكومية.

مبيريك: الكونغو تمتلك 80 % من المعادن في العالم

أوضح عبد الرحمن مبيريك صحفي بقناة الجزيرة ومتخصص في الشؤون الأفريقية، خلال المؤتمر، أن الصراع في شرق الكونغو هو صراع بين الشعوب النيلية، وبالتحديد بين عرقيتي التوتسي والهوتو، وهذه الشعوب لا تمثل إلا 10 % من السكان البالغ عددهم 100 مليون، وهو صراع فرض على الكونغو نتيجة التداخل الجغرافي في منطقة البحيرات الكبرى.
وأضاف: الصراع الذي شهدته الكونغو الديمقراطية هو امتداد لصراع يعود إلى الحقبة الاستعمارية، والسبب هو التمييز الذي فرضه المستعمر والعمل على التفرقة بين العرقيات المختلفة، موضحا أن الكونغو عندما استقلت عام 1960 لم تسيطر على كامل أراضيها إلا 15 يومًا بسبب التدخلات الخارجية، وكان شرقها بؤرة للصراع بسبب الموارد والمعادن النادرة التي تدخل في الصناعات العسكرية والصناعات الدقيقة، وهي تمتلك حوالي 80 % من تلك المعادن في العالم.

سنكري: تدخلات متعاقبة للسيطرة على ثروات القارة

أكد محمد بن مصطفى سنكري، باحث وأستاذ بجامعة أفريقيا الفرنسية العربية بباماكو، أن القارة الأفريقية تشهد منذ عقود كثيرة تدخلات متعاقبة، كان هدفها جميعًا السعي نحو السيطرة على ثرواتها الهائلة، وذلك بداية من الحقبة الاستعمارية مرورًا بفترة الحرب الباردة، وصولاً إلى التدخلات المعاصرة تحت غطاء مكافحة الإرهاب وحفظ السلام.
وقال: «تملك أفريقيا ثروات طبيعية ضخمة تشمل النفط والغاز والمعادن النفيسة كالذهب والماس، والمعادن الإستراتيجية مثل اليورانيوم والليثيوم التي أصبحت محورية في الاقتصاد العالمي والصناعات الحديثة، كما تمتلك ممرات جيوسياسية هامة، إلا أن هذه الثروات لم تترجم إلى رفاهية للشعوب، بل إلى مصدر للصراع».
ولفت إلى أهمية التركيز على فهم التحولات الجيوسياسية في أفريقيا وتأثيرها حاليًا على الأمن الإقليمي والدولي، خاصة مع تصاعد نفوذ قوى جديدة وتراجع نفوذ قوى تقليدية تاريخية.