تنشر قصصهن من البداية حتى التألق.. 3 خريجات قطريات لـ «العرب»: مؤسسة قطر.. الركيزة الأساسية لنجاح مسيرتنا المهنية

alarab
محليات 14 ديسمبر 2025 , 01:24ص
حامد سليمان

تطورت رؤية مؤسسة قطر على مدار العقود الثلاثة الماضية، لتصبح منظومة متكاملة وفريدة من نوعها على مستوى العالم تتيح فرص التعلم مدى الحياة، وتعزز مسيرة الابتكار، وتمكن الأفراد من الإسهام في إحداث التغيير الإيجابي بشكل فاعل في مجتمعاتهم.  تتميز منظومة مؤسسة قطر بتنوعها وتكاملها من خلال التعليم النوعي الذي تقدمه عبر كافة المراحل التعليمية، بدءًا من الروضة وصولا إلى ما بعد الدكتوراه، ومراكز البحوث والابتكار والسياسات التي تعمل على ابتكار الحلول لأبرز التحديات المعاصرة، فضلا عن المرافق المجتمعية التي توفر مصادر المعرفة لمختلف الفئات العمرية، وتشجيعهم على تبني أنماط حياة صحية، وتوسيع آفاق التعلم لديهم في بيئة مفتوحة وجاذبة تحتضنها المدينة التعليمية الممتدة على مساحة 12 كيلومترا بالدوحة، قطر.
«العرب» تنشر ثلاث قصص نجاح لسيدات قطريات كانت مؤسسة قطر ركيزة أساسية في تحقيقهن للنجاح في قطاعات مختلفة، وتظهر التأثير الذي كان للمؤسسة على مسيرتهن، كنموذج من آلاف النماذج التي مرت على مؤسسة قطر والكيانات تحت مظلتها، ممن ساهموا في خطوات ملموسة بالنهضة التي تعيشها قطر.

د. عائشة يوسف: مسارات مهنية عديدة ونماذج نجاحات مبهرة

دكتورة عائشة من أوائل خريجات وايل كورنيل للطب – قطر إلى أول جراحة قطرية تُجري الجراحات الروبوتية في مجال طب النساء والإنجاب. بَنَت الدكتورة عائشة يوسف مسيرة مهنية حافلة بالإنجازات الريادية. واليوم، تقود مجال جراحة أمراض النساء الروبوتية وطفيفة التوغل، وتسهم في تحسين حياة النساء في قطر وصحتهم ومعافاتهم، مؤكدةً أن التعليم، والرؤية، والابتكار قادرة على إحداث تحول حقيقي في الرعاية الصحية.
 لطالما كانت الخطوط الأمامية هي الموقع الدائم للدكتورة عائشة يوسف طوال مسيرتها. فقد كانت من بين أوائل الطلاب الملتحقين بمدارس جديدة وبرامج أكاديمية رائدة في قطر، قبل أن يُسجل اسمها لاحقًا كأول جراحة قطرية تُجري الجراحات الروبوتية في مجال طب النساء والإنجاب. ومع ذلك، دائمًا ما تشدد الدكتورة عائشة على أنها لم تحاول يومًا أن تكون الأولى، ولا ترى في ذلك بوابة للوصول إلى الألقاب والشهرة، بل بابًا يفتح لها آفاقًا جديدة وحسب.
كُتب الكثير من سطور قصة الدكتورة عائشة في مؤسسة قطر. فمن هناك، بدأت الدكتورة مشوارها عبر برنامج الجسر الأكاديمي، الذي أُنشئ ليمد الشباب القطري بما يلزمهم من مهارات للالتحاق بأشهر الجامعات الدولية، ثم كانت في عام 2002 من بين 16 طالبًا فقط شكلوا الدفعة الأولى في كلية وايل كورنيل للطب – قطر، إحدى الجامعات الدولية الشريكة لمؤسسة قطر. 
وقالت الدكتورة عائشة يوسف: لم تفتح لنا مؤسسة قطر أبواب المستقبل فحسب، بل صَنعت فرصًا جديدة، وابتكرت مساراتٍ مهنية عديدة، وأنشأت عهدًا جديدًا لوطننا. ومسيرتي المهنية تُجسد نموذجًا واحدًا من نماذج عديدة أثمرت فيها نجاحات مؤسسة قطر.
 وعندما تعرفت على تخصص طب النساء والإنجاب، تبلور هدفها واتضحت بوصلتها. فهي تقول: «تشعر الكثير من السيدات براحة أكبر عند التعامل مع طبيبة امرأة، خاصة في هذه البقعة من العالم. ولكن الأمر لا يقتصر على الجانب الثقافي أو الديني، فالنساء في كل مكان يرغبن أحيانًا في هذا النوع من التواصل. وأردت أن أكون جراحة يمكنهن اللجوء إليها والثقة بها».
بعد تخرجها من وايل كورنيل للطب – قطر في عام 2008، انتقلت الدكتورة عائشة إلى الخارج لاستكمال تدريبها. وهناك، أنجزت فترة الإقامة في طب النساء والإنجاب في جامعة ميشيغان، تلتها زمالة في مجال الجراحة الروبوتية والجراحة طفيفة التدخل في تورنتو.
عادت الدكتورة عائشة إلى أرض الوطن، حاملة معها تلك الكفاءات المتقدمة، والرغبة في تسخير التكنولوجيا لتقديم أعلى مستويات الرعاية. وهنا، كان منصب مديرة الجراحة النسائية في طب الإنجاب بانتظارها لتشغله في سدرة للطب، عضو مؤسسة قطر.
تصف الدكتورة عائشة التجربة، فتقول: «لقد كانت لحظة اكتمال المسار. لقد درست في وايل كورنيل للطب – قطر، وعدت بعدها لأعمل في سدرة للطب الذي لا يبعد عنها سوى خطوات عن الكلية. أي من طالبة تتلقى العلم والمعرفة إلى طبيبة تُطبق ما تعلمته على أرض الواقع؛ هذا هو جوهر رسالة مؤسسة قطر ومنظومتها التعليمية الفريدة التي أحملها معي وأسعى للمضي بها قدمًا».
في سدرة للطب، نجحت الدكتورة عائشة في إدخال تقنية الجراحة الروبوتية في مجال الرعاية الصحية للمرأة، وأجرت أول عملية روبوتية لاستئصال الرحم في قطر في مستشفى محلي.
بالنسبة للدكتورة عائشة، الأمر لم يكن يتمحور حول الريادة التقنية، بل ظل الإنسان بوصلتها الحقيقية. ففي لحظة مؤثرة تعكس نُبل هذه الرسالة، اختارت إحدى المريضات أن تهب مولودتها اسم «عائشة» تعبيرًا عن امتنانها، رغم أنها لم تكن تشترك معها في دين أو ثقافة أو عرق.

د. ظبية المهندي: المؤسسة أول منظومة ابتكار متكاملة بالدولة

قالت الدكتورة ظبية المهندي – وهي مهندسة رائدة في مهمة خفض الانبعاثات: «كنّا نعيش على مقربة من رأس لفان، وكلّما هطلت الأمطار، يتحوّل لون الضباب الكثيف إلى الأصفر أو الأخضر، كريه الرائحة، يُخيّم على الحيّ. لم أكن أفهم آنذاك معنى الانبعاثات، لكنني كنت أشعر أن في الأمر خطبًا ما».
تحوّلت ذكريات الطفولة إلى فضولٍ لازمها مدى الحياة، ودفعها إلى دراسة الهندسة الكيميائية – وهو مجالٌ لم يكن للمرأة القطرية حضور واسع به حينها، وأطلق هذا الفضول مسيرة مهنية من شأنها أن تُغيّر جذريًا النظرة الصناعية لمفهوم الاستدامة.
اليوم، تكتسب الدكتورة ظبية شهرتها من أبحاثها المتخصصة في تقنيات إزالة الكربون ونماذج التكيف البيئية، التي تُعد أدوات محورية في توجيه القرارات نحو استدامة أكبر في البنية التحتية الحيوية لدولة قطر. وقد حظيت أبحاثها باعتراف دولي واسع، كان من أبرزها اختيارها ضمن قائمة «مبتكرون دون 35 عامًا» التي أصدرتها مجلة «إم آي تي تكنولوجي ريفيو» لعام 2024.
حاليًا، تشغل الدكتورة ظبية المهندي منصب أستاذ مساعد في جامعة حمد بن خليفة، عضو مؤسسة قطر، حيث تعمل على إعداد برامج تعليمية مُبتكرة، تستند إلى المعرفة المكتسبة من التجارب السابقة، وتستشرف متطلبات الغد.
وأضافت: كانت مؤسسة قطر هي أول من تبنّى هذا النهج الجديد وفَتح آفاقه في قطر. لم يكن الأمر مقتصرًا على التعليم فحسب، فقد بَنَت المؤسسة أول منظومة ابتكار متكاملة في قطر، وجعلت البحث العلمي أولوية وطنية، فقد تمكنت مؤسسة قطر، عبر منظومتها لتمويل البحوث، من وضع اسم قطر ضمن قائمة الدول المُصدّرة للمعرفة العلمية، وهي من أطلق شعلة هذا التحوّل. فاليوم، لم يعد إنتاجُنا البحثي في قطر ذا أهمية محلية فقط، بل يُسهم بشكل كبير في إثراء النقاشات العلمية على مستوى العالم».

موزة الهاجري: تعلّمت أن أتخيل مستقبلًا أفضل ثم أمضي قدماً لأبنيه

عبر «مناظرات قطر» وجامعة جورجتاون في قطر، أصبحت موزة الهاجري بطلة عالمية في المناظرة ترفع لواء الخطاب باللغة العربية في المحافل العالمية. اندمج شغفها بالحوار والسياسة لمناصرة دور اللغة العربية ومكانتها في النقاشات الدولية، وأن الشباب قادرون على صياغة مستقبل منطقتهم بالثقة ووضوح الرؤية.
في العاشرة من عمرها، انضمت موزة الهاجري، الفتاة الخجولة قليلة الكلام، إلى فريق المناظرات في مدرستها كعضو بديل. لكن انطلاقتها الهادئة تلك أشعلت جذوة رحلة امتدت عقدًا من الزمن، فتحت آفاقها مؤسسة قطر، وألهمتها روح المنافسة والرغبة في التغيير.
من خلال مركز «مناظرات قطر» – مبادرة أسستها مؤسسة قطر لنشر ثقافة الحوار وإثراء الحوار العالمي - دخلت موزة عالمًا جديدًا؛ عالمًا متشابكًا، مفعمًا بروح التنافس، والتواصل البنّاء. وسرعان ما تحوّلت تجربتها هذه من مجرد نشاطٍ خارج الفصل الدراسي، إلى نافذة ترى من خلالها العالم.
تقول موزة: «جوهر المناظرات ليس الجدال، بل الإصغاء للآخر، وتفهمه والتعاطف معه، وتعلّم كيفية بناء أرضية مشتركة حتى مع من يختلفون معنا في الرأي»، وقد منحتني المناظرات شيئًا أكبر من ذاتي؛ لقد منحتني غاية».
تضيف: «لم يقتصر دور مؤسسة قطر على دعم المناظرات، بل رفعت سقف الطموحات للجميع. فما قدّمته لنا من مستوى تدريب وكفاءة مدربين وفرص احتكاك، لم يكن له مثيل في المنطقة».
في عام 2024، «اعتزلت» موزة المنافسات بعد أن فازت بلقب أفضل متحدثة باللغة العربية في العالم، لتختم بذلك عقدًا كاملًا قضته في المناظرة. لكن هذا لم يعنِ ابتعادها عن المشهد، فبعدما كانت المناظرات فضاءها الذي رسم مسارها وشكّل شخصيتها، باتت هي من تسهم في تشكيل هذا الفضاء وتعيد رسم مساره.
واليوم، تواصل موزة حضورها بصفتها مرشدة ومستشارة وسفيرة لكل من «مناظرات قطر» وفريق المناظرات بجامعة جورجتاون في قطر، تعين الأجيال الجديدة على اكتشاف أصواتها، كما اكتشفت صوتها ذات يوم. وهي تشارك الآن في قيادة حوارات رفيعة المستوى ضمن فعاليات كبرى في قطر وعلى منابر دولية، وتصوغ مسار نقاشات في مختلف الحقول، من السياسات العامة إلى الصناعات الإبداعية.
وتقول: «لم تنتهِ الرحلة بعد. لقد علّمتني المناظرة كيف أفكر، وكيف أُصغي، وكيف أقود. علّمتني أن أتخيل مستقبلًا أفضل، ثم أمضي قدمًا لأبنيه». ولم تفتح لي مؤسسة قطر أبواب الفرص فحسب، بل منحتني الثقة: الثقة في ذاتي، وفي قيمة التعبير عن أفكاري وقدراتي، والإيمان بأن هنالك من سيصغي إليَّ».