استكشاف أبعاد الحضور الخارجي في القارة.. سيادة الدول الأفريقية تواجه التدخلات الخارجية

alarab
محليات 14 ديسمبر 2025 , 01:24ص
هشام يس - حامد سليمان

تناولت الجلسة الثانية من جلسات مؤتمر «أفريقيا وتحديات الأمن والسيادة في ظل التحولات الجيوسياسية الراهنة» سيادة الدول الأفريقية في مواجهة التدخلات الخارجية، واستكشفت أبعاد الحضور الخارجي في أفريقيا بين القوة والسيادة والتبعية، من خلال ثلاث مقاربات متكاملة.
وناقش المشاركون أثر القواعد العسكرية الأجنبية على استقلال القرار الوطني ومفهوم السيادة، وتحليل التنافس بين القوى الكبرى في إعادة رسم خرائط النفوذ داخل القارة. وتناولوا طبيعة الاستثمارات الأجنبية وما إذا كانت رافعة للتنمية أم وسيلة لإعادة إنتاج التبعية بأدوات اقتصادية؟
بينما أكد مشاركون في الجلسة الثالثة، والتي حملت عنوان «الحكومات العسكرية والتهديدات الأمنية وتنافس الإستراتيجيات الإقليمية»، على أن قارة أفريقيا تشهد تقلبات حادة تعيد طرح أسئلة الشرعية والاستقرار من جديد. وأشاروا إلى أن السنوات الأخيرة شهدت تحولات سياسية وأمنية عميقة، من عودة الحكم العسكري في عدد من الدول إلى تراجع الثقة في الآليات الديمقراطية، مرورًا بتوسع التحديات المرتبطة بالعنف المسلح وتداخلها مع أزمات التنمية والحكامة. وتناولت الجلسة تفكيك هذه الظواهر بوصفها حلقات متصلة في مشهد واحد، عبر قراءة أسبابها البنيوية وسياقاتها الجيوسياسية، واستكشاف إمكانات تجاوزها من خلال مقاربات أكثر توازنًا تجمع بين الإصلاح السياسي وتعزيز الأمن والتنمية.

أبتدون: 29 قاعدة عسكرية للولايات المتحدة في أفريقيا

أشار الشافعي أبتدون، باحث صومالي مهتم بقضايا القرن الأفريقي، خلال الجلسة الثانية، إلى أن نشأة القواعد العسكرية في القارة الأفريقية بدأت منذ مؤتمر برلين عام 1885، ثم مرت بمراحل مختلفة بداية من فترة الاستعمار الأجنبي، مرورًا بالحروب الأهلية، ثم الحرب الباردة، وأخيرًا بعد 2020؛ وهي فترة فرض النفوذ في المنطقة. وقال: إن أفريقيا تملك ممرات بحرية إستراتيجية، وهذا يجذب القوى العسكرية الدولية لتأمين مصالحها التجارية، وهو من أهم العوامل وراء التنافس الدولي في القارة. وأوضح أن الولايات المتحدة لديها النصيب الأكبر من القواعد العسكرية الموجودة في القارة الأفريقية، وهي حوالي 29 قاعدة عسكرية أو شبه عسكرية أو مراكز تدريب عسكري، وتعد جيبوتي والصومال من أكثر الدول التي توجد بها قواعد، سواء أمريكية أو بريطانية أو تركية.

بوحنية قوي: الأفارقة ضحايا كل أنواع الاستبداد

قال بوحنية قوي، أكاديمي جزائري متخصص في قضايا الحكامة والشؤون الأمنية والأفريقية: إن الأفارقة ضحايا كل أنواع الاستبداد الفكري والثقافي وتمظهراته الجديدة، فخلال عقدين تغيرت الإستراتيجية الدولية وبات يُنظر إلى القرن الحادي والعشرين على أنه قرن أفريقي بامتياز.
ولفت إلى أن التنافس في أفريقيا أصبح متعدد الأبعاد، ويتجاوز الموارد والممرات البحرية ليشمل الشرعية السياسية والاقتصادية، وأساليب الحكم، واستدامة النفوذ.
وأشار إلى أن النموذج الصيني ضاعف من حجم استثماراته بنسبة 100 % خلال أقل من عقدين، موضحًا أن المشكلة لا تكمن في الدول الأجنبية ولكن في عدم تبني أجندات من الدول الأفريقية، واختلاط الخيارات الدستورية والانتخابية؛ ما جعلها عاجزة بعد خمسة عقود من الاستقلال.

زكريا: في عالم السياسة رأس المال المتدفق لا دين له

أكد محمد زكريا، أكاديمي أفرووسطي وباحث في الشؤون الأفريقية الاقتصادية والاجتماعية، أن هيمنة الدولار قد تولّد تبعية ضمنية، وأن الأمر لا يقتصر على أفريقيا فحسب، لافتًا إلى وجود زيادة في تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر في أفريقيا بنسبة 75% خلال 2024.
وقال: إن الطاقة والغاز والكهرباء أكثر القطاعات الجاذبة للاستثمار الأجنبي في أفريقيا، والاستثمارات الأوروبية والأمريكية لا تزال تمثل الثقل الأكبر، أما الصين فلاعب توسعي يركز على البنية التحتية والموارد.
وتابع: في عالم السياسة والاقتصاد «رأس المال المتدفق لا دين له» ويحقق أهدافًا محددة، والشراكة من أفضل أوجه الاستثمار في أي دولة وتؤدي إلى تحقيق أهداف مختلفة.

نجم الدين: تقلبات حادة وتحولات سياسية وأمنية عميقة

تحدث حكيم ألادي نجم الدين، الباحث النيجيري المتخصص في الشؤون الأفريقية، خلال الجلسة الثالثة عن عودة الانقلابات العسكرية مشيرًا إلى أنها عادت إلى أفريقيا بكثرة منذ عام 2019.
وقال: إن أفريقيا شهدت منذ يناير 2020 سبع عشرة محاولة انقلاب، نجحت منها عشر محاولات، وتتسم الموجة الحالية بالقبول والاحتفاء الشعبي، وتختلف من حيث العوامل عن الموجة الأولى.
وأضاف نجم الدين: إن ثلاثة عوامل وراء الانقلابات في أفريقيا، منها الفساد الذي يشمل المحسوبية وغياب المحاسبة، والتلاعب بالدستور، وسوء الإدارة الاقتصادية، وفي الانقلابات الأخيرة ظهرت السلطات القضائية كملحقات للسلطة التنفيذية، وهذا يُضعف السلطتين التشريعية والقضائية، ويمنع فرض الضوابط والتوازنات ووضع نظام قادر على كبح جماح السلطة التنفيذية.

حمودي: الجماعات المسلحة تمثل تهديداً مباشراً للدول

تطرق إسماعيل حمودي، أستاذ العلوم السياسية بجامعة سيدي محمد بن عبد الله في فاس/ المغرب، إلى الجماعات المسلحة في أفريقيا، موضحًا أنها مختلفة ومتنوعة.
وقال: على سبيل المثال، تضم منطقة الساحل والصحراء عدة أصناف من هذه الجماعات، منها ما نشأ من تكتلات مسلحة تتقاسم بينها مناطق الوجود، وقد تتحالف أو تتصارع وتتقاتل فيما بينها، وتعكس أيديولوجيات مستوردة إلى القارة.
وتابع: بعض الجماعات المسلحة تسيطر على مناطق النفط أو الذهب، ورغم تعدد الجماعات المسلحة في أفريقيا إلا أن الحلول تكون واحدة وهي حلول تفاضل بين الخيار الأمني والخيار التنموي أو تدمجهما معًا، وتهدف إلى تحييد الجماعات المسلحة بوصفها تهديدًا مباشرًا للدولة.
وأضاف: الأدوات الأمنية والعسكرية تحقق نجاحات جزئية ومشتتة وغير منتظمة، فهي تكتيكية ومؤقتة، والجماعات المسلحة تستمر في الوجود والنشاط، قد تضعف ولكن تعود أقوى، لأن هذه الأدوات لا تعالج الأسباب من جذورها.

السالك: زهرة الديمقراطية لم تُنبت في العديد من دول القارة

نوه محفوظ السالك، الإعلامي والكاتب الموريتاني المتخصص في الشؤون الأفريقية، بأن دول القارة الأفريقية عانت لفترة طويلة بعد استقلالها من هيمنة الحزب الواحد والشخص الواحد في السلطة، وأن لهذا خلفيات تاريخية مختلفة بعضها مرتبط بحركات التحرر وارتباط ذلك بدور هذه الحركات في الحصول على الاستقلال. وقال السالك: إن زهرة الديمقراطية لم تُنبت في العديد من الدول الأفريقية، وهذا يرجع إلى تحكم الأنظمة الحاكمة في مسار العملية الانتخابية، رغم وجود انتخابات ومرشحين ينافسون الرئيس على السلطة، ولكن في الجوهر يبقى الرؤساء في السلطة. وأضاف: لأكثر من ستة عقود عرفت أفريقيا أكثر من 200 محاولة انقلابية، نجح أكثر من نصفها، والفساد من أبرز أسباب الانقلابات المتكررة. وأشار إلى أن بعض الدول الأفريقية في مسار تجذير ممارساتها الديمقراطية في الجانب الانتخابي، وراكمت تجربة مهمة في التناوب على السلطة عبر صناديق الاقتراع، في حين أن هناك نماذج في القارة لا تريد هذا التوجه.