النعمة لـ «العرب»: نسعى لتأسيس مركز متخصص لـ «الجرافولوجي» في قطر

alarab
حوارات 12 يونيو 2011 , 12:00ص
الدوحة - محمد لشيب
يعرف علماء «الجرافولوجي» خط الإنسان بأنه بصمة الدماغ على الورقة، فاليد لا تكتب وفق ما اتفق، بل هي تكتب تبعا للحالة النفسية والمزاجية وشخصية الكاتب، وبالتالي فإن تحليل الخطوط وتتبعها ودراستها بإمكانه أن يوصلنا إلى التعرف الكامل على شخصية ونفسية صاحبها، وهذا ما أصبح يطلق عليه علم «الجرافولوجي» أي تحليل الشخصية من خلال الخط. من خلال هذا الحوار مع الشاب القطري خالد جمال النعمة سنتقرب أكثر من هذا العلم، على اعتباره أول مدرب ومحلل خطوط قطري معتمد من الأكاديمية الدولية لتحليل الخط، كما أنه اختصاصي معتمد في التشخيص النفسي عن طريق الكتابة اليدوية. ويسعى السيد النعمة حاليا إلى إنشاء مركز تدريبي متخصص، لتدريب الراغبين على الجرافولوجي ولغة الجسد والتفاوض، وحدد لذلك أجل سنتين من الآن، وفيما يلي نص الحوار:  بداية نرحب بكم أستاذ خالد النعمة على صفحات جريدة «العرب» في هذا الحوار، لتقريب جمهور القراء من تخصصكم، ودعنا في البداية نستهله بحديثك لنا عن البدايات الأولى لاهتمامك بهذا العلم، وما الدافع وراء ذلك؟ - أولا أحب الترحيب بكم وشكركم على هذا الاهتمام، أما البداية فقد كانت صعبة وغريبة، لأن هذا المجال لا يزال غريبا وصعب الفهم في المنطقة، وقد كانت الشرارة الأولى لاهتمامي بعلم الجرافولوجي من برنامج تلفزيوني تابعته في يوم من الأيام، فشد انتباهي، وبعد ذلك عملت على مدار 3 سنوات -أثناء الدراسة الجامعية- على القيام بعشرات الأبحاث على الإنترنت، وخلال فترة الإجازات كنت أسافر لأخذ دورات تدريبية متخصصة خارج الدولة، وهكذا كانت الانطلاقة.  من أبرز من تدربت على أيديهم ومن تأثرت بهم في هذا المجال؟ تلقيت عددا من الدورات في كل من لبنان وفي فرنسا، خلال دراستي للغة الفرنسية، وكملت معظم تكويني وتدريباتي في البحرين على يد الدكتور عبد الجليل الأنصاري، الذي يعد أستاذنا كلنا نحن المهتمون بهذا العلم في المنطقة برمتها والعالم العربي.  كما تفضلتم هذا العلم لا يزال غريبا على المجتمع القطري، وفي منطقة الخليج والعالم العربي برمته، هل لكم أن توضحوا لقراء «العرب» أبرز الأسس والقواعد التي يقوم عليها؟ - أول شيء لا بد أن نعرف ما هو «الجرافولوجي»؟ إنه يعني تحليل الشخصية عن طريق الكتابة بخط اليد (Handwriting analyzing)، بحيث يعتبر العلماء الكتابة بخط اليد عبارة عن بصمة للمخ على الورقة، وهو عبارة عن قراءة متقدمة للجهاز العصبي الذي يشمل الدماغ، والمخيخ، والسائل الشوكي، فبذلك كل ما يتشكل على الورق عبارة عن بصمة معقدة للمخ، تحمل في طياتها الكثير من السمات والصفات الشخصية للإنسان، ومن هنا نستطيع تحليل الكتابة باستخدام قواعد معينة تساعد في الكشف عن الصفات الكامنة للشخصية. إننا دائما ما نقع في مشكلة عند بداية كل دورة تدريبية، وهي كيف نتمكن من إقناع الناس بمدى صحة هذا العلم، لأنه لا يزال شيئا غريبا ومجهولا، ودائما ما يكون التساؤل: كيف يمكن لك من خلال الكتابة أن تعرف شخصية الناس؟ فالكثيرون يعتبرون ذلك مجرد كلام وتكهن، ولا علاقة له بالعلم أو الدراسة، لكننا نؤكد أن هذا علم له قواعده وأسسه التي نتبعها للوصول لتلك النتائج في التحليل والحكم على خصائص شخصية كل واحد منا.  لكننا نعرف أن كتابة كل واحد منا تختلف حسب مزاجه ونفسيته وأوضاعه، بل يمكنها أن تختلف حتى لدى الشخص الواحد في أوقات مختلفة، كيف تميزون نفس الخط مع تغير ليعطيك تحليل نفس الشخصية؟ - هذا الأمر جد مهم، وهو يحيلنا على قواعد تحليل الخط لاكتشاف الشخصية، أول شيء لا بد أن يكون الشخص في حالة مزاجية طيبة، وأن لا يكون تحت تأثير نفسي، أو ضغط أو تهديد أو مصاب بأي مرض، خاصة مرض الرعاش. وفي حالة انعدام هذه الموانع يمكننا الشروع في تحليل الشخصية، من خلال خط الكتابة الذي يكون أكثر تعبيرا عما في المخ، وهذا نفس الأمر الذي تستند إليه المحكمة حين لا تعتد بالاعترافات التي تنتزع تحت الضغط والتهديد. وكل همنا من خلال هذه الشروط أن لا يكون الشخص مكتسبا لحالة نفسية طارئة عليه، بحيث نحلل شخصية الإنسان كما هي، وليست الشخصية الطارئة.  معروفة تمكنتم من خلال كتاباتهم وخطوطهم من تحليلها ومعرفة خصائص نفسيتها وتكوينها العقلي. - أول شيء في البداية نحن نقوم في التدريب بتعريف المتدربين بقواعد الخط وشروط التحليل النفسي للشخصيات، وبعدها تكون لدينا تدريبات عملية على شخصيات، فعلى سبيل المثال من الرؤساء السابقين يمكننا أن نذكر الرئيس العراقي السابق صدام حسين، حيث قمنا بتطبيق عملي على كتاباته شارك فيه المتدربون، بحيث نطلع على الكتابات دون إخبارهم بصاحب الخط، وبالفعل في نهاية التدريب نتوصل لتحليل شخصيته. كما نعمل في التدريب على تحليل خط وكتابة «سيجموند فرويد» العالم النفسي المعروف، حيث حللنا شخصيته عن طريق الكتابة، وعندنا كذلك تدريبات حول التحليل المتبادل لشخصيات المتدربين، بحيث نضع أرقاما على الأوراق في البداية، وبعد ذلك نبحث مدى تطابق النتائج مع الواقع.  هل هناك تطبيقات لهذا العلم في قطر؟ - حرصا على عدم الوقوع في بعض المشاكل، نبتعد عن تطبيق التحاليل على شخصيات قطرية، ونقتصر في نماذجنا التحليلية في التدريب على شخصيتي صدام حسين وسيجموند فرويد، لكن كتطبيق عملي يمكن الأخذ بهذا العلم في مجالات عدة في قطر، فمثلا لو أنك مدير للموارد البشرية في مؤسسة من المؤسسات، فإنه بفضل هذا العلم تكون لك القدرة على تحليل خط المتقدم لوظيفة معينة، أو تحليل الخط لمعرفة المتسيب في العمل، أو المواظب على الحضور في الوقت والإخلاص في العمل، بحيث يمكن للموظف أن يكتب على ورقة: «أنا فلان الفلاني أداوم من الساعة السابعة صباحا إلى الواحدة زوالا»، ومن خلال هذه الكتابة يمكن لخبير الخط أن يكشف الأماكن التي كذب فيها كاتب العبارة وأين كان صادقا.  طيب، ما القواعد التي تعتمدون عليها للحكم على الشخصية من خلال كتابة صاحبها؟ - هناك 6 قواعد أساسية عندنا، منها الضغط على الورقة، فكل نوعية من نوعيات الضغط على الورقة لها معنى معين، والقاعدة الثانية تتعلق بميلان الخط، فهناك ناس تكتب بطريقة الانحناء في الخط، وهذا تعبير عن نفسياتهم، والقاعدة الثالثة تتعلق بحجم الخط، وسمك الكلام بالتركيز على بعض المقاطع في الكتابة وتلوينها والأفقي والعمودي، والهامش، وأشكال الحروف، هذه هي معظم القواعد التي نطبقها على الكتابة لتحليل شخصية كاتبها، وكلما تعمقنا أكثر ازدادت التفاصيل تعقيدا، وتفرعت عن هذه القواعد أمور عديدة. مثلا في التطبيق لو نطلب من شخص أن يكتب: «أنا أحب زوجتي»، وكتبها بهذه الطريقة، فهل هو صادق أم لا؟ لا طبعا من الواضح أنه يكذبه، لماذا؟ فمثلا ترك مسافة كبيرة بين كلمة أنا وذكر الحقيقة التي هي «أحب زوجتي» يؤكد أنه غير صادق، فترك فراغا أو تقلصا فجائيا أو هبوطا في شكل الكتابة، كل ذلك معناه أن الكلام المذكور غير صحيح.  لكن هذا الفراغ أو هذا التغير الذي حصل في الخط نابع عن وعي من الكاتب، ممكن أن يكون مقصودا أو أن يتعمد عدم حصوله، وهو مدرك للأمر، وبالتالي يزور أحاسيسه وانطباعاته عن قصد؟ كيف تكتشفون ذلك؟ - يجب أن يكون ذلك بلا وعي، فنحن نطلب منه كتابة فقرة كاملة بشكل مسترسل وبشكل طبيعي دون تفكير أو تخطيط مسبق. فالعقل اللاواعي هو المتحكم في عملية الكتابة، لو أننا نجرب مثلا كل واحد يوقع توقيعه، وأطلب من كل واحد أن يحاول تقليد توقيع صاحبه، فنحن في هذه الحالة اليد لها دخل، أما في الحالة الأولى هي مجرد وسيلة لتحويل ما في العقل والدماغ على الورقة.  هل ينطبق على تحليل التوقيع نفس القواعد التي تطبق على تحليل الخط والكتابة العادية؟ - تحليل الخط يسمى « Handwriting analysis» وتحليل الإمضاء « symbols analyzing»، وهو المستخدم في الكشف عن تزوير الشيكات والوثائق، ويمكن الاستعانة بمثل هذا الجهاز للكشف عن كافة التفاصيل المرتبطة بكتابة الشخص وتوقيعه. وهناك كذلك مجموعة من القواعد التي تجعل خبير «الجرافولوجيا» يقرر ما إذا كان هذا التوقيع يعود للشخص المعني أم ينتحله ويزوره. فالتوقيع المزور تنعدم فيه السلاسة، وسيكون الخط غليظا في بعض جوانبه بسبب البطء الناجم عن التقليد، وكأنه يرسم التوقيع رسما، ثم إن بداية التوقيع ونهايته تختلف، إضافة إلى الانحناءات، وبروز بعض النقاط التي تثير الشبهة في التوقيع.  هل يشترط في الشخص الخاضع للبحث في شخصيته، سواء من خلال الكتابة أو التوقيع، أن يستحضر في ذهنه أن يكون على سجيته وطبيعته الهادئة، ويبعدها عن الضغوط؟ - أهم شيء أن يكون الشخص خاليا من الأمراض، خاصة مرض الرعاش، وأن يكون كاتب الرسالة فوق 12 سنة، لأنه في أقل من ذلك سيكون مجرد مقلد. أما ما تفضلت بقوله بخصوص ما نسميه بـ «الشخبطات» فهذه لها دلالتها الخاصة، فكثير من الناس يعمدون خلال الاجتماعات واللقاءات إلى رسم مربعات ومثلثات على الورقة على سبيل المثال، وهذه دلالتها أن الشخص يفكر في أمور مالية يريد ترتيبها، أما رسم الورود والأشجار ومناظر الزينة فهو دلالة على أن المرء ينظر إلى نفسه نظرة مشرقة وإيجابية، أما رسم السيارة أو الطائرة أو أي وسيلة للنقل، فمعناها عدم الرضا عن الوضع النفسي الحالي، والرغبة في الانتقال إلى وضع جديد.  ما دام هذا العلم بهذه الأهمية والقدرة على كشف شخصية الناس وتفكيرهم ونفسياتهم، ويمكنه أن يسهم في اتخاذ قرارات حاسمة في التوظيف، لماذا كل الجهود التي نضيعها في الموارد البشرية والتعليم والأمن، هذا يطرح علينا سؤال تطبيقات هذا الفن من النواحي العلمية والتعليمية والأمنية؟ - أول شيء هذا العلم جد منتشر ومعروف في فرنسا، وهناك اهتمام كبير به في الغرب، وهو منتشر كثقافة عامة، لدرجة أن بعض المؤسسات والشركات خلقت لها مواقع على الإنترنت، لتجميع كتابات الأشخاص الراغبين في العمل لديها، للتعرف على شخصياتهم من خلال الخط والكتابة. ونحن نؤكد على أن هذا الفن يجب أن يستثمر في البداية، للتعرف على شخصيات الأفراد لا الحكم عليهم، فهذه الثقافة ما زالت غريبة عندنا، وكثير من الناس ما زالوا غير متقبلين لها. والحمد لله في قطر انطلقت بدايات مبشرة، فعدد من الكوادر القطرية استفادت من هذه التدريبات، منهم أطباء نفسانيون، وضباط من الجيش ومكافحة المخدرات، وموظفو العلاقات العامة لعدد من المؤسسات، وعدد من المدرسات والاختصاصيات الاجتماعيات في عدد من المدارس، وقد وصلنا الآن للدورة رقم 15 التي نطرح فيها حاليا 3 مستويات من أصل 10 مستويات، وقد بلغ عدد المشاركين في هذه الدورات ما يقارب 120 متدربا، بدون احتساب المشاركين في دورات لغة الجسد التي نطمح لأن نصل فيها إلى حوالي 300 متدرب، والتي ستنظم خلال شهر يونيو الجاري. أما من الناحية التعليمية والتربوية، فإن هذا العلم مفيد جدا في معرفة أسباب المشاكل التربوية في بعض المؤسسات، وهل هي من صنع الطلاب أم ناتجة عن ظروف اجتماعية في البيت أو الشارع، وبالتالي يعتمد عليها، كما يمكن استخدام الرسوم والشخبطات مع الأطفال أقل من 12 سنة، لكن نتائجها لا تكون مضمونة إلا في حدود 50 %. كما يستخدم علم «الجرافولوجي» في إبرام العقود والصفقات عن طريق فهم نفسية المتحاورين، وكيفية الحوار معهم، ويساعد المحققين في عملية الاستدلال والمساءلة، لأنها تعطي مؤشرات صادرة من العقل اللاواعي، والتي تظهر في الكتابة، كما يمكنه أن يساعد المقبلين على الزواج كثيرا في جمع المعلومات عن كلا الطرفين، كما يمكن توظيفه في فهم نفسيات الطلاب، وكيفية التعامل معهم، وسهولة حل مشاكلهم، وتحديد الموهوبين منهم، ومن لديه صعوبات في التحصيل العلمي. كما يساعد الجرافولوجي العاملين في الموارد البشرية على تعيين موظفين أكفاء قادرين على تحمل مسؤولية العمل الموكول لهم، ويمكن من تطوير قدرة الإقناع والحوار مع المسؤولين، والوصول إلى محاكاتهم وتحقيق ما يعرف بـ (win win situation).  ماذا عن حضور هذا الفن لدى الجهات الرسمية في الدولة، وهل يمكن أن نجد مناهج تعليمية ضمن المقرر الدراسي الرسمي في التعليم، أو الاعتماد على خبراء الجرافولوجي في المحاكم مثلا؟ - البحرين قطعت مسافات كبيرة، لأنها عملت على وضع مادة الجرافولوجي كمادة بسيطة ومصغرة لطلابها، كمدخل تعريفي باللغة الإنجليزية. ونجد في جهاز المباحث الفيدرالية الأميركية أحد خبراء الجرافولوجي في منصب المستشارة الأولى لهذا الجهاز الأمني الضخم، وهناك قضايا كبيرة اشتهرت إعلاميا كان حلها عن طريق الجرافولوجي. أما في قطر فما زلنا ننتظر تبني مثل هذه المبادرات من جهات رسمية في الدولة.  ألا تفكرون في تأسيس مركز خاص بنشر هذه الثقافة والتدريب على هذا العلم؟ - بالضبط، أفكر أنه بعد سنتين سنصل إلى خلق معهد أو مركز بالدوحة لطرح هذه الدورات، من خلال 3 محاور: الجرافولوجي، ولغة الجسد، والتفاوض، وبعد ذلك سنضيف دبلوما يمكنه أن يجمع الثلاثة مع بعض، وبالتالي تخريج أشخاص مؤهلين في هذا الصدد، حيث إن خريجي الدورات السابقة تمكنوا من الخروج إلى المجتمع في المجمعات التجارية والحدائق، والقيام بتطبيقات عملية على أرض الواقع أثبتت تشربهم للفكرة، وتمكنهم من القواعد الأساسية.  الآن مع تحدي الرقمية هل تعتقد أستاذ خالد أن هذا العلم يمكن أن يتواصل في ضوء تراجع القلم والورقة اللذين أصبحا من الماضي مقابل انتشار الإيميلات، والرسائل القصيرة، وتويتات تويتر، والفيس بوك؟ - أولا من ناحية نفسية فإن الكتابة بخط اليد ما زالت تحظى بمكانتها في حياتنا، رغم التقدم الذي تعرفه الرقمية والتقنية في حياتنا اليومية، وفي اعتقادي أننا يمكن أن يصبح التدريب على هذا العلم وسيلة لمعالجة بعض الاختلالات عند الناس، من خلال حرصهم على تغيير بعض السلوكيات، وذلك بتغيير طريقتهم في الكتابة.