إعلام حر ومهني عاملٌ مهم في بناء ليبيا الجديدة

alarab
حوارات 11 ديسمبر 2011 , 12:00ص
الدوحة - محمد عيادي
أكد يان كولن، مدير مركز الدوحة لحرية الإعلام، أن القطاع الإعلامي محتاج لبرنامج استعجالي لإعادة بنائه والرفع من قدراته، ليكون عاملا مساعدا لليبيين في بناء ليبيا ما بعد القذافي من حيث ضمان حرية التعبير والسماح بالتعددية. وأوضح الخبير الإعلامي الهولندي الذي جمع في مساره المهني لأكثر من 30 سنة بين التطبيقي والنظري في حوار مع «العرب» أن للمركز برنامجا استعجاليا لمدة أشهر خاصا بليبيا يتجاوب مع الاحتياجات التي عبر عنها الصحافيون الليبيون في نقاشات متعددة. وأكد كولن الذي بدأ مساره صحافيا وصحافيا مراسلا ثم أستاذا محاضرا بجماعة خرونكن، أن نقصان الحرية الذي يحول دون مهنية الإعلام وموضوعيته لا تقتصر على العربي والإسلامي، مشيراً إلى أن مبادئ الإسلام لا تتعارض مع قيام صحافة حرة ومهنية بدليل أن الحقيقة والثقة من ركائزه الكبيرة، وهو بالضبط ما يبحث عنه معشر الصحافيين، الحقيقية، وفيما يلي نص الحوار.. ¶ زار مركز الدوحة لحرية الإعلام مؤخرا ليبيا على رأس وفد يتكون من 12 منظمة دولية كيف وجدتم المشهد الصحافي الليبي؟ - نعتقد كمركز مختص أن هناك حاجة ماسة للتحرك فبعد 42 سنة من الدكتاتورية تحررت ليبيا لكن ذلك يستلزم أيضاً خلق حرية تعبير، وأبرز مظهر لذلك وجود صحافة حرة وحرية إعلام. وزيارتنا لليبيا كانت إشارة تضامن مع زملائنا الصحافيين الليبيين والبحث معهم في حرية الصحافة ومساعدتهم، وكما تفضلت يضم الوفد 12 منظمة نصفها منظمات دولية والأخرى عربية، وكانت رسالتنا وهدفنا القول بلسان واحد للزملاء الليبيين إننا جئنا لدعمكم ونسمع منكم. ¶ ما احتياجات الصحافيين أو قطاع الإعلام الليبي بشكل عام؟ - الاحتياجات كما جاءت على لسان الزملاء الليبيين خلال المناقشات كبيرة خاصة فيما يتعلق ببناء القدرات والكفاءات، لأنه لم يكن هناك إعلام مهني في السابق، وكانت الهيمنة للبروباغندا فقط وتلميع الزعيم، بمعنى أنه يجب إعادة بناء القطاع الإعلامي وتنظيمه خاصة الإعلام السمعي البصري وتكوين الصحافيين، لأن الكل كان في يد الحكومة وهناك نقاش جار حول هذه المسألة ويتلخص في: ما دور الحكومة والقطاع الخاص؟ وكيف يمكن ضمان التعددية في الإعلام لتنوع المجتمع الليبي؟ ومساهمة مركز الدوحة لحرية الإعلام وبقية المنظات الدولية مهمة في مناقشة الزملاء الليبيين لفرض المعايير الدولية لإعلام مهني. ¶ كيف تفاعل المجلس الوطني الانتقالي الليبي أو الحكومة المؤقتة مع هذه الخطوة؟ - كل من تحدثنا معهم وقابلناهم من المجلس رحبوا بفكرة الإعلام الحر، وقالوا إنهم يريدون بناء القدرات للصحافيين الليبيين، ونحن نشتغل معهم الآن، وهذا لا يمنع من القول إن هناك داخل المجلس اختلافا وتنوعا في الآراء. ¶ عندكم برنامج لمدة 6 أشهر خاص بليبيا هل هو خاص بالمركز أم بشراكة مع المنظمات التي رافقتكم؟ - شركاؤنا هم الليبيون، جمعيات ليبية حديثة النشأة أسست بعد زيارتنا وتشجيعنا، وقد أسهمنا في تأسيس الجمعية الليبية لحماية الصحافيين والآن يزيد عدد أعضائها عن خمسين، أما المنظمات التي زارت رفقتنا ليبيا فلا تعمل في نفس المجال، وهناك منظمة معروفة بالمادة 19 من أهم المنظات العالمية في المجال الحقوقي، وتنظيم القطاع الإعلام وكان اهتمامها بعيدا إلى حد ما عن اهتمامنا، وهناك منظمة «امارك» وهي تجمع دولي من غالبية المنظمات المهنية التي تعنى بالقطاع السمعي البصري. ¶ ما أهم معالم برنامجكم؟ - بداية هذا برنامج استعجالي؛ لأننا نعتقد بجد أن دور الإعلام في هذه المرحلة الانتقالية مهم جدا، لأن الليبيين يجب أن يكونوا في الصورة وعلى اطلاع لاتخاذ أحسن الخيارات والقرارات المناسبة، خاصة أن الانتخابات ستجري بعد ثمانية أشهر، وهم في حاجة لصحافة مهنية وصحافيين أكْفاء، ولذلك لدينا برنامج تدريبي لتكوين الصحافيين الليبيين في الصحافة المكتوبة والسمعية البصرية، وسنهتم أيضا بكيفية تغطية الانتخابات، والليبيون طالبونا بالبدء في البرنامج في أقرب وقت ممكن. وهناك أمر آخر نشتغل عليه يتعلق بإشاعة ثقافة التواصل والحوار وقيم حرية الإعلام والموضوعية وحرية التعبير، ونعتقد أن هذا جانب مهم من حيث إشاعة هذه القيم ومناقشتها في الوقت نفسه، وفي هذا السياق نسعى لتشجيع ورشات عمل وحورات تلفزيونية، وقد قال الزملاء الليبيون إنهم سيطلقون حملات توعية واسعة تخدم الهدف المذكور بعد معاناة الليبيين ومرورهم من تجربة قاسية لسيادة صوت واحد خلال42 سنة. كما نشتغل مع الزملاء الليبيين على مساعدة المنظمات الليبية العاملة في حرية الإعلام للدفاع عن حرية الصحافة والتدخل لمساعدة الصحافيين الذين يتعرضون للمضايقات أو اعتداءات على المستوى المادي والقانوني، مع عملها أيضاً رصد وتتبع الخروقات في مجال الإعلام وحرية التعبير والحديث عنها ونشرها. ¶ لماذا أعطيتم الاهتمام لليبيا ولم تهتموا بتونس مثلا وهي التي هيمن فيها أيضاً الصوت الواحد في الإعلام خلال نظام بن علي؟ - هذا صحيح، لكن بصراحة أعتقد أن الوضع كان مأساويا بليبيا فضلا عن وجود بعض أطر المركز على اتصال بليبيا سهل المهمة، وهذا لا يعني أننا لا نرغب في العمل في تونس أو مصر، لكن مركز الدوحة لحرية الإعلام منظمة فتية ولا يمكننا أن نقدم برامج في عدد من الدول في وقت واحد. ¶ كمختص كيف تقيم الوضع الإعلامي في مصر وتونس بعد الثورة؟ - في كلا البلدين عندنا وضعية أو حالة انتقالية وتحولات سياسية والرأي العام غير راض عن الإعلام المحلي، وهذه ليست مسألة سياسية فقط ولكن مسألة تتعلق بالقدرات والكفاءات، وأعتقد أن هناك فروقا بين تونس ومصر، لأنه في مصر فإن خروقات الصحافة مستمرة بعد الثورة، فيما تحسن الوضع بتونس. ¶ ولكن في مصر ظهرت قنوات وصحف جديدة بعد الثورة حتى اختلط الأمر على المواطن المصري، أما في تونس فبقيت نفس الأصوات فقط بدلت الخطاب تصب لصالح جهة واحدة واستمر الإقصاء إلى ما قبل الانتخابات بحيث لم يعكس كل التوجهات أو أغلبها. - لا تشكل كثرة وسائل الإعلام مقياسا في مجال مهنية الإعلام وحريته، ففي مصر مثلا الدولة تمتلك وسائل إعلام كبيرة من قبيل الأهرام والأخبار ولم تعرف إصلاحات حتى الآن، نعم قد يكون الخط التحريري تغير بعض الشيء، لكن الإصلاحات لم تتم على مستوى الهيكلة وغير ذلك، كما لم تحصل إصلاحات داخل النقابات الصحافية؛ حيث غيروا الوجوه فقط، بينما في تونس وجدنا لجنة شكلت لإدخال إصلاحات يرأسها الصحافي التونسي كمال العبيدي، وأعتقد أن مقاربتهم كانت أكثر انسجاما مع الإصلاح. وأعتقد أن التونسيين نشيطون ومتقدمون في مجال البحث ومناقشة القوانين والإصلاح الذي ينبغي أن يدخل على قطاع الإعلام. ¶ وماذا عن اليمن وسوريا؟ - في كل البلدان التي تعرف ثورات هناك صحافيون شباب يريدون ممارسة مهنتهم بكل حرية، وهذا واحد من الأسباب التي أدت لاندلاع الثورات فنقصان حرية التعبير وعدم إعطاء الحق في عمل صحافي حر هو ما أوصل لهذا الوضع. وفي الحقيقة أود لو يستطيع المركز أن يبذل مجهودا ويتدخل لصالح زملائنا في اليمن، لأنهم يقومون بعمل كبير ومهني رغم سوء الظروف، وعانوا قبل بداية الثورة من المحاكمات والعنف والتضييق، وأتمنى أن يصبح الوضع السياسي أكثر وضوحا ويتحسن الوضع الأمني ونتمكن في المستقبل من مساعدتهم. ¶ غياب حرية التعبير يعني غياب المهنية والموضوعية هل يقتصر هذا على العالم العربي والإسلامي؟ - لا أعتقد أن العالم العربي والإسلامي يختلف كثيرا عن باقي أنحاء العالم، وهناك أحكام مسبقة، وشخصيا لا أؤمن مثلا بمقولة تناقض الإسلام والديمقراطية، وأعتقد أن مبادئ الإسلام لا تعارض قيام صحافة حرة ومهنية، ومن القيم والمبادئ والركائز الكبيرة في الإسلام الحقيقة والثقة، وهذا ما نبحث عنه كصحافيين، نبحث عن الحقيقة وكيفية ممارسة الإعلام والتواصل، ونقصان الحرية ليس مقصورا على العالم العربي والإسلامي. ¶ كمركز ساندتم صحافيين يتعرضون لمضايقات في عدد من الدول هل هناك حالات جديدة؟ - نحن الآن ندعم صحافيا مصورا فلسطينيا اسمه محمد عثمان أصيب بشظايا خلال قيامه بتغطية إحدى المظاهرات بغزة أصيب على إثرها بشلل، وهو الآن بأحد المستشفيات بتركيا، وقدمنا له مساعدة مالية من أجل التطبيب، ولأن الفاتورة ارتفعت إلى أكثر من طاقتنا قمنا بطلب مساعدة آخرين من داخل قطر ولقينا استجابة. كما قمنا بحملة لإطلاق صراح صحافيين اعتقلوا في جنوب السودان وهناك حالات أخرى، والحالات في العموم محدودة حتى الآن ولا ننشر ولا نعلن كل الحالات التي ندعمها لحمايتها، مع الأخذ بعين الاعتبار أن المركز استأنف نشاطه قبل أقل من سنة فقط. ¶ وماذا عن البرامج التدريبية للمركز لصالح الصحافيين على المستوى المحلي؟ - لدينا برنامج ونعتقد أنه من أولويات مركزنا وقد نظمنا في الأسبوع الماضي ورشة لصالح الصحافيين المحليين، وسيستمر هذا البرنامج وكنا في السابق قدمنا أكثر من دورتين حول الصحافة الإلكترونية للصحافيين المحليين، وبالمحصلة تم إلى اليوم تنظيم خمس دورات تكوينية. وفي فبراير المقبل عندما نكون قد أنهينا تجهيز مركز التدريب التابع للمركز في مقره الجديد، سيكون بمقدورنا توسيع البرنامج التدريبي الخاص بالصحافة المحلية. ولدينا برنامج آخر لوسائل الإعلام القطرية والصحافيين المحليين ينطلق السنة المقبلة تحت اسم «صالون» هو عبارة عن حوار ونقاش مستمر للتباحث في قضايا تتعلق بتجويد العمل الصحافي. وفي السياق نفسه، أحب أن أشير إلى أن المركز نظم خارج قطر دورتين تدريبيتين بالعراق خاصة بالصحافيين العراقيين أطر إحداها الزميل الإعلامي حسن الراشدي، ودورة لـ20 صحافيا من جنوب السودان. بطاقة عن المحاور يان كولن خبير إعلامي ولد بهولندا عام 1950 عمل بالصحافة في صحيفة «فولكس كرانت» الواسعة الانتشار والعديد من محطات الإذاعة والتلفزيون الهولندية. كما عمل مراسلا صحافياً في لبنان والأردن ومصر وإسبانيا ومكسيكو بين عامي 1977 و1998. وحصل يان كولن على واحدة من أرقى الجوائز الصحافية الهولندية على تغطيته المتميزة للحرب الأهلية اللبنانية؛ حيث استطاع جمع أرشيف قيم من الوثائق حول مختلف التطورات السياسية في لبنان تشمل الفترة من 1980 و1986. وعين يان كولن أستاذا محاضرا في جامعة خرونكن الهولندية عام 1998، ونشر العديد من الكتب حول لبنان والشرق الأوسط. والتحق الخبير الإعلامي الهولندي بمركز الدوحة لحرية الإعلام قبل حوالي سنة وبضعة أشهر.