تستعرضها خبيرة بمؤسسة قطر

الآثار السلبية والإيجابية لـ التواصل الاجتماعي على الصحة النفسية

لوسيل

لوسيل

في اليوم العالمي للصحة النفسية، تشارك الدكتورة إيرين فالنتين، أخصائية علم النفس السريري في سدرة للطب - عضو مؤسسة قطر- خبراتها حول الآثار السلبية للإفراط في استخدام وسائل التواصل الاجتماعي والهواتف الذكية على صحتنا النفسية، فبينما كان تأثير وسائل التواصل الاجتماعي على الصحة العقلية والسلوك مجالًا غامضًا في المراحل الأولى من ظهورها، إلا أن الطبيعة الحقيقية لتأثيرها لم تتضح إلا بعد انتشار المنصات الاجتماعية في عالمنا، حيث أصبحت العقول والأيدي مقيدة بسلاسل غير مرئية لقطعة من التكنولوجيا بحجم الكف، وعلى الرغم من صغر حجمها، إلا أن لديها قدرة هائلة على السيطرة على التوجهات، والنظرة الذاتية، وحتى أحلام البشر في بعض الأحيان. يأتي هنا السؤال الأهم، هل يسمح عالم الأجهزة والمنصات لنا بالاحتفاظ بطبيعتنا وهويتنا الحقيقية، أم يحولنا إلى نسخ رمزية تجوب هذا الفضاء الافتراضي؟ وتقول الدكتورة إيرين فالنتين، أخصائية علم النفس السريري في سدرة للطب - عضو مؤسسة قطر - عن إيجابيات وسلبيات وسائل التواصل الاجتماعي والهواتف الذكية: وسائل التواصل الاجتماعي والهواتف الذكية لها تأثيرات إيجابية وسلبية على صحتنا العقلية وسلوكنا ورفاهيتنا بشكل عام، وهناك الكثير من الأبحاث التي تدعم ذلك . وأردفت: من ناحية، فهي تساعدنا على التواصل مع الأصدقاء وأفراد العائلة الذين يفصل بيننا وبينهم مسافات، حيث تمكننا من مشاركة نجاحاتنا، وأفراحنا مع الآخرين، وتبقينا على اطلاع بخصوص القضايا الهامة بالنسبة لنا، كما أنها مصدر يمدنا بالأخبار والمعلومات، وتبقينا على اتصال بمجال عملنا وحتى تطلعنا على وسائل علاجية قد تكون غير متاحة عبر الوسائل التقليدية. إن امتلاك هاتف ذكي هو بمثابة امتلاك حاسوب في جيبنا، يتيح لنا التواصل والحصول على المعلومات بشكل أسهل وفي أي وقت .

الاستنزاف العاطفي

أظهرت دراسات وإحصاءات مثيرة للاهتمام علاقة بين الاكتئاب والإفراط في استخدام وسائل التواصل الاجتماعي. ويرجع ذلك إلى عدة عوامل، بدءًا من المقارنات الاجتماعية التي تحدث في عقل المستخدم بشكل تلقائي بمجرد تصفحه لتلك المنصات، لتوليد شعور الفومو وهو الخوف من أن يفوتك شيء يحدث من حولك، للشعور بالوحدة، وعدم الكفاءة، وتدني احترام الذات الذي يمكن أن يسببه الإفراط في استخدام تلك المنصات.

تقول الدكتورة فالنتين: ليس كل الأشخاص هم عرضة للوقوع في هذا الفخ، فهناك نطاق واسع لكيفية استخدام الأفراد لوسائل التواصل الاجتماعي، وبالتالي لن يعاني الجميع من نفس التأثيرات السلبية .

أضافت: ولكن هناك فئات معينة، مثل المراهقين والأفراد المعرضين بالفعل لخطر العزلة أو الانعزال، والذين يعانون من القلق والتوتر، أو المصابين بالاكتئاب وفي ذات الوقت لديهم إفراط في استخدام وسائل التواصل الاجتماعي، فهؤلاء سيعانون أكثر من غيرهم من الآثار السلبية لذلك الاستخدام غير الصحي على صحتهم النفسية .

هناك جانب آخر في غاية الأهمية يرتبط بتأثير الإفراط في استخدام وسائل التواصل الاجتماعي على الصحة النفسية، ألا وهو الارتباك العاطفي الذي يخلفه التصفح السريع وغير الدقيق لكم هائل من المعلومات المتنوعة خلال ثوانٍ قليلة: على سبيل المثال، مشاهدة موقف طريف، ثم قراءة خبر عن أعداد الوفيات في كارثة ما، ثم إعلان عن بيع تذاكر لحفل قريب، ثم خبر آخر عن أحدث ما اكتشفه العلماء فيما يتعلق بطرق انتقال عدوى فيروس كورونا، وهكذا.

خطر الإدمان

لا يحدث التأثير السلبي للإفراط في استخدام وسائل التواصل الاجتماعي بين عشية وضحاها. بل هي عملية معقدة يمكن أن تتحول ببطء من مجرد عادة إلى إدمان. ويعتبر وعينا بمدى انخراطنا في هذا الفضاء الافتراضي، ومراقبة معدل استخدامنا والوقت الذي نقضيه على تلك المنصات الاجتماعية محورًا أساسيًا للحول دون حدوث ذلك.

تشرح الدكتورة فالنتين: أثبت علميًا أن التحدث عن الذات ومشاركة الأخبار والمعلومات مع الآخرين عبر وسائل التواصل الاجتماعي تضيء أو تحفز مراكز المكافأة في المخ والمسارات الكيميائية، تمامًا مثلما يحدث في السلوك الإدماني . تعد مرحلة المراهقة من أكثر المراحل حساسيةً وتعقيدًا في حياة الفرد، حيث لا تزال شخصية وهوية المراهق في طور التكوين في هذه المرحلة، بينما يقوم باستكشاف العالم من حوله وكذلك ما يختزله من أفكار ومشاعر. وفي ظل تلك الحقبة التي اجتاحتها وسائل التواصل الاجتماعي والبدائل الإعلامية أصبح الأمر أكثر تعقيدًا بالنسبة لهم.

أوضحت الدكتورة فالنتين قائلة: تمثل سنوات المراهقة مرحلة استكشاف وتعريف الذات، وتعتبر نقطة تحول في الحياة لكثير من الناس، واستخدام وسائل التواصل الاجتماعي من قبل المراهقين اليوم يؤثر بالتأكيد على تلك المرحلة من تطورهم، مرة أخرى بشكل إيجابي وسلبي .