أمريكا والصين والحرب العالمية الأولى.. هل يتكرر السيناريو؟
حول العالم
10 نوفمبر 2014 , 12:10م
واشنطن - د ب أ
ضم روسيا لجزيرة القرم.. النزاعات الاقليمية بين الصين وجيرانها.. الأزمة السورية.. وعملية (الجرف الصامد) الإسرائيلية على قطاع غزة.. تنظيم الدولة الاسلامية( داعش سابقا ) .. عناوين كثيرة للصراعات التي تدور في العالم حاليا، ولكن هل يمكن الحديث عن وجود نوع من التوازي بين الأزمات الحالية واندلاع الحرب العالمية الأولى منذ قرن تقريبا؟ هل يعتبر دائما ضعف القوة العالمية المهيمنة- بريطانيا حينها والولايات المتحدة في الوقت الحالي- نذير خطر يهدد البشرية؟
حللت مجلة " إيكونوميست" البريطانية ذائعة الصيت هذه التكهنات منذ عدة شهور تحت فرضية "الولايات المتحدة هي بريطانيا، أكبر قوة في العالم التي كانت عند قيام الحرب العالمية الأولى في حالة انهيار تام ولم تستطع ضمان الأمن العالمي .
وبالسير على نفس خطوط التوازي الافتراضي اعتبرت المجلة أن الصين في الوقت الحالي تلعب دور ألمانيا عام 1914 باعتبارها "اقتصاد متنامي جديد يقوده الفخر القومي ويعمل على توسيع سلطته العسكرية بخطوات جيدة".
منذ قرن تقريبا لم تتخيل الأطراف المعنية في اندلاع حرب كبرى، حيث غابت عنهم قدرة تصور الفظائع التي ستحدث، ولكن في الوقت الحالي ومع المنعطفات التي بدأت تظهر في كل الصراعات مثل النزاع الدائر في أوكرانيا، بدأت هذه الأسئلة الافتراضية تأخذ اهتماما أكبر.
من ضمن مفارقات التاريخ أن الولايات المتحدة، التي كانت حينها القوة الصاعدة، كانت تعارض وبشدة مسألة الوصول للسلاح، حتى أن الرئيس ويلسون نافس على ولاية جديدة في 1916 تحت شعار "لقد أبتعدنا عن الحرب".. حينها كان الشعار السائد هو "أمريكا للأمريكان"، والذي كان مضمونه يعني الابتعاد عن مشاكل أوروبا.
علاوة على هذا فإن ويلسون كان مثاليا إلى حد السذاجة في بداية الأمر حيث سعى لإعداد خطط لجلوس أطراف النزاع إلى طاولة المفاوضات قبل دخول الولايات المتحدة في الحرب. ووفقا للسيرة الذاتية لويلسون، فإنه في نهاية 1916 فسرت الاستخبارات الأمريكية رسائل برلين على أساس أنها استعداد من القيصر للتفاوض، فجاء الرد الأمريكي فورا بإرسال "خطاب سلام" إلى الأطراف الفاعلة.. كانت رؤيته غير الواقعية تتمثل في فكرة "سلام دون منتصرين".
تطورت الأحداث بشكل مختلف للغاية، حيث جاءت الصدمة الأولى بغرق سفينة (لويزتانيا) البريطانيا، في رحلتها من نيويورك إلى ليفربول، حيث تعرضت للهجوم من قبل طوربيد ألماني مما أسفر عن مصرع ألف و200 شخص ، من ضمنهم 128 أمريكيا، مما دفع برلين للتعهد بايقاف "حرب الغواصات"، لتهدئة ويلسون.
كانت نقطة التحول في 1917 ، حينما استأنفت ألمانيا العمل في حرب الغواصات أملا في القضاء على طموح البريطانيين، الأمر الذي تزامن مع محاولة الدبلوماسيين الألمان الفاشلة توريط المكسيك في النزاع، مع وعدهم بإمكانية حصولهم على تكساس وأريزونا ونيومكسيكو، لذا لم يكن أمام ويلسون خيار آخر سوى إعلان دخول الحرب في السادس من نيسان/ أبريل 1917.
يقول المؤرخ الأمريكي بجامعة جورج تاون في واشنطن، موتشايل كازين "لم تكن فقط حرب الغواصات الألمانية هي التي أجبرت الولايات المتحدة على التدخل، ويلسون كان يرى ضرورة في جعل العالم مكانا أفضل، كان على قناعة بأن الرب يقف بجانب الولايات المتحدة".
بدخول الولايات المتحدة الحرب كان ويلسون يبحث، وفقا لكلماته عن "السلام الشامل للعالم وتحرير الشعوب بما فيها الشعب الألماني دون أي منافع .. ندافع عما نراه حق الأشخاص في الأمن والسلام".
مثل التدخل الأمريكي تحولا تاريخيا لازالت آثاره مستمرة، حيث أنه وللمرة الأولى لعبت دور "شرطي العالم الذي تدخل لإنهاء الصراع"، عمليا كانت الولايات المتحدة تراهن على خطف دور أكبر القوى الموجودة على الساحة الدولية من بريطانيا.
هل كان تدخل واشنطن حاسما في الحرب؟ في البداية نشرت الولايات المتحدة 14 ألف جنديا فقط، فيما ارتكبت أركان حرب ألمانيا خطأ فادحا في حساب قوة الجيش الأمريكي "في مكان ما بين بلجيكا والبرتغال".
يقول كازين "مبدئيا، العامل النفسي كان له دور هام، وجود مليوني جندي أمريكي بكامل قواهم أمام قوات ألمانية منهكة بالكامل، كان أمرا حاسما".. حينها أرسل ويلسون مليوني جندي لأرض المعركة، قُتل منهم 116 ألف.
من جانبه يرى المؤرخ آثر إم شلينجر أن "الولايات المتحدة دخلت الحرب لموازنة القوى ونتيجة لتأثير ثانوي لنهايتها، حدث أكبر انفجار اقتصادي في تاريخ البلاد".
الحرب العالمية أيضا تركت للولايات المتحدة "آثارا جانبية سيئة"، فالماكينة الدعائية التي أطلقها ويلسون كانت هائلة: الألمان ظهروا في الرسوم الكاريكاتورية بالصحف على هيئة كلاب، كما تم إلغاء فصول تدريس الألمانية في المدارس، هذا فيما لجأ بعض ذوي الأصول الألمانية المقيمين في الولايات المتحدة لـ"أمركة" أسمائهم ليتحول شميدت إلى سميث ومولر إلى ميلر.
حدث هذا أيضا بجانب الرقابة على وسائل الإعلام، حيث منع قانون مواجهة التجسس أي انتقادات للحكومة وسياستها في الحرب، ومن ثم يقول المؤرخ ديفد إم كيندي في كتابه (الحرب العالمية الأولى والمجتمع الأمريكي) إن "التلاعب بوسائل الاعلام الحكومية لأهداف سياسية تحول إلى فن يمارس بدقة متناهية".
وينظر إلى ويلسون في الوقت الحالي كرجل مثالي باحث عن السلام مدفوعا بالأخلاق، رجل صاحب رؤية كان يطمح لتحقيق المستحيل، ولكنه في نفس الوقت يفتقر للقدرة على حساب النتائج السياسية، وهذا هو نفس ما يراه البعض في رئيس الولايات المتحدة الحالي باراك أوباما.
ويرى كازين أن مسألة توازي الأوضاع حاليا بين الحرب العالمية الأولى والوضع الراهن تقتصر فقط على التشابه بين ويلسون وأوباما، أما مسألة الضعف الأمريكي وصعود الصين فإنه يقول ببساطة "القوى العالمية تمر دائما بمنحنيات قوة وضعف ولكن يوجد عامل آخر يجعل نشوب حرب عالمية جديدة مستحيلا وهو وجود القنابل النووية بين أيدي أكثر من قوة".