ما هو دور صندوق النقد الدولي في علاج الأزمات المالية للعالم؟

alarab
اقتصاد 10 مايو 2017 , 09:27م
واشنطن - د ب أ
لا يزال صندوق النقد الدولي مؤسسة محورية في المنظومة المالية العالمية، ولكن طرأت الكثير من التحولات على دوره الأساسي مع ثورة الاتصالات التي جعلت العالم أكثر تواصلا والتغيرات السياسية التي جعلت الكوكب أحادي القطبية، ومع مرور سبعة عقود على تأسيس الصندوق، هذا العام وبدء عملياته لأول مرة بعد الحرب العالمية الثانية عام 1947، تزايدت التحديات التي يتعين على الصندوق ورئيسته الفرنسية كرستين لاجارد التصدي لها.
كان أبرز هذه التحديات الأزمة المالية العالمية التي تفجرت عام 2008، جراء الفقاعة العقارية، مما أثار الشكوك حول الكثير من الأفكار الأساسية التي قام عليها الصندوق: تشير تقاريره في الوقت الراهن إلى ضرورة أن تبقى الحسابات منضبطة دائما، لكنها تحث بصورة أكبر على مكافحة انعدام المساواة. ولكن هل طرأ تغير حقيقي على الأمر؟ هل تتأقلم المؤسسة المالية على الواقع العالمي الجديد؟ "لا يوجد اتفاق مميز!" كانت هذه العبارة المفضلة لدى لاجارد، التي دافعت بها مرارا وتكرارا دفاعا عن سياسات الصندوق في التعامل مع الأزمة اليونانية، في إشارة إلى عدم تقديمها لسياسات تفضيلية لأثينا التي تعاني من أزمة للعام السابع على التوالي ومراكمة ديون بلغت300 مليون يورو، ولا تزال تحتاج للإنقاذ كي لا تتعرض لخطر الإفلاس. تؤكد لاجارد أن هذه هي قواعد البنك وأنها تسري على أعضائه الـ189 بدون استثناء. 
مع ذلك يواجه الصندوق معضلة مصيرية: تقرر تأسيسه في تموز/ يوليو 1944، أثناء مؤتمر الأمم المتحدة الذي عقد في بريتون وودز (الولايات المتحدة)، لكي يكون وسيلة ضمان لاستقرار الأسواق المالية العالمية، وتجنب تكرار الملابسات التي أدت لوقوع أزمة الكساد العظيم التي ضربت الولايات المتحدة في ثلاثينيات القرن الماضي، ومنذ ذلك الحين لم تظهر على المسرح العالمي مؤسسة مالية لديها خبرة الصندوق في التعامل مع الأزمات وصياغة سياسات الإصلاح الاقتصادي.
بالرغم من ذلك يعتبر الصندوق في الوقت الراهن مؤسسة موضع شك، ليس فقط من قبل الحكومات القومية أو اليسارية في أمريكا اللاتينية، بل في جميع أنحاء العالم. يقول أوسكار أوجارتيتشي، الخبير بمعهد بحوث الاقتصاد بجامعة المكسيك المستقلة (UNAM) "أصبح الصندوق يواجه في الوقت الراهن أزمة استعادة الثقة في سمعته المفقودة". يوضح أوجارتيتشي مؤلف كتاب "التاريخ الحرج لصندوق النقد الدولي" قائلا "وقف الصندوق عاجزا أمام أول أزمة كبرى اجتاحت الاقتصاد العالمي خلال القرن الحادي والعشرين، ومن قبل لم لم ينجح في إنقاذ المكسيك من الإعصار المالي الذي دمرها عام 1994، أو تنبأ بأزمة تايلاند عام 1997، وبالمثل فشل مع الأرجنتين عام 2001، وكلها أزمت نجمت عن اتباع حكومات هذه الدول نصائح الإنقاذ وخطط الإصلاح التي أوصى بها الصندوق".
يضاف إلى ذلك افتقار الصندوق إلى سياسات تفيد في التعامل مع التغيرات المفاجئة في الأسواق المالية على المدى القصير، التقديرات المبالغ فيها لسياسات التقشف ومشكلات مشروعيتها: نجحت الصين في اكتساب وزن أكبر في الصندوق، لمجرد موافقة الكونجرس الأمريكي على هذا الوضع الجديد .
بالنسبة لأمريكا اللاتينية، يعتبر الصندوق المرجعية الاقتصادية الأولى بلا منازع، ولكنه يظل في الوقت نفسه مرادفا لبرامج التقشف وتحرير السوق الأكثر إثارة للجدل.
توضح خبيرة الاقتصاد الكولومبية اليسيا بويانا موتيس، الباحثة بكلية العلوم الاجتماعية اللاتينوأمريكية (FLACSO)، ومقرها بالمكسيك أنه ثارت مشاحنات وتوترات بين الصندوق وحكومات دول مثل الأرجنتين والبرازيل، لتحديها الولايات المتحدة الأمريكية، عندما عارضت سياسات الصندوق. 
تتابع موتيس "إلا أن هذه الإشكاليات انتهت سريعا. انتهى الحال بالأرجنتين بقبول التفاوض ودفع المطلوب، قبل حتى حدوث تغيير في النظام الحاكم. حقيقة الأمر أن القليل جدا من دول القارة تمكنت من تحدي الولايات المتحدة أو الصندوق أو البنك الدوليين بعد عقد الثمانينيات".
لطالما كانت العلاقات متذبذبة بين الصندوق ودول المنطقة، يشهد على ذلك التوتر السائد منذ مطلع الألفية الجديدة بين المؤسسة المالية الدولية وكلا من الأرجنتين وفنزويلا وإكوادور، أما فيما يختص العلاقات مع كلا من المكسيك، وبيرو، البلد المضيف للاجتماع السنوي لصندوق النقد والبنك الدوليين عام 2015، فقد تحسنت علاقتهما مؤخرا. أما الوضع بالنسبة للسلفادور فيمثل أصدق تعبير عن الواقع الحالي: فعلى الرغم من أن الحكومة اليسارية بالبلد اللاتيني تدين وصفات ونصائح الصندوق، اضطر للدخول في مفاوضات مع المؤسسة المالية من أجل التوصل لاتفاق لمعالجة الأزمة الاقتصادية التي تمر بها في الوقت الراهن.
تؤكد موتيس أنه "إذا وجدت حكومات تحاول توزيع الثروة وتنفذ سياسات اقتصادية مختلفة عن السياسات المتشددة، فإن ضغوط الصندوق ستعوق ذلك. الأمر سياسي. ويتعلق بالنفوذ والسيطرة على العالم. وإذا لم تتمكن المؤسسة من إحكام السيطرة بواسطة السياسات والقروض، يجري اللجوء لاستخدام القوة بصورة مباشرة". 
بالتزامن مع انطلاق نهضتها الاقتصادية واستعادة مكانتها في العالم، سعت البرازيل في السنوات الأخيرة بشتى السبل لإعادة هيكلة الصندوق وإصلاح سياساته، وبعد أن ظلت لعقود بلدا ناميا فقيرا يعيش على قروض الصندوق، نجحت في عام 2005 في الوفاء بكل ديونها، وقطعت خطوة تاريخية عام 2009، بعد أن تمكنت من تقديم قروض للصندوق، بالرغم من ذلك تراجع تأثير هذه المبادرات إثر الأزمة الاقتصادية التي تعصف بالبلد اللاتيني في الوقت الراهن بعد تراجع معدل النمو فيها إلى 3% فقط خلال عام 2015 و 2016. تتابع الخبيرة المالية الكولومبية بالتساؤل: "وماذا عن أزمة 2008 والتي بدا للوهلة الأولى أنها بصدد تغيير النظرة السلطوية للصندوق على اقتصاد العالم؟ "المتابع لتطور الإجراءات التي اتبعت للتعامل مع الأزمة اليونانية، وعلى الرغم من أن الصندوق أكد على ضرورة تخفيف وطأة الديون، إلا أن هذا التوجه لم ينفذ، حيث لا يزال الصندوق مصرا على التوصل أولا إلى توازن مالي مبدئي". 
بحسب موتيس "لقد تغير أسلوب الخطاب، وأصبح الحديث الآن يدور بشأن القلق تجاه انعدام المساواة، البطالة، والافتقار إلى التماسك، ولكن مجددا لا تزال روشتة علاج انعدام المساواة لا تشمل سوى مزيد من التقشف، المزيد من المحافظة على الاستقرار، والمزيد من سياسات التجارة الحرة. بمعنى المزيد من نفس الشئ".
يقول أوجارتيتشي "أصبح الصندوق اليوم سمسار بورصة، لم يعد المؤسسة التعاونية التي يسهم فيها كل عضو بنصيب. جرت عملية خصخصة لمنظومات الحكم في العالم. ومن ثم أصبح الضامن اليوم هو وكالات تقييم المخاطر، فيما فقد الصندوق أهميته، علاوة على فقده رؤوس الأموال الكافية، التي باتت تاتي من مصادر أخرى".
أصبحت المؤسسة المالية الدولية مجرد بنك "شمالي - جنوبي" للدول الأكثر فقرا، حيث بات الأغنياء يستخدمون مصادر تمويلهم الخاصة، على سبيل المثال، موقف آلية الاستقرار الأوروبية (MEDE ) من التعامل مع أزمة الديون اليونانية. "فكرة إنشاء الصندوق، عظيمة، ولكنها تشوهت بعقدي السبعينيات والثمانينات خصوصا في أمريكا اللاتينية، ولم تعد سياساته في الوقت الراهن تتناسب مع البنية الاقتصادية لهذه الدول، لهذا يعتقد أوجارتيتشي أنه من الضروري انعقاد اجتماع على غرار بريتون وودز لكي تحول دون أن تتمكن عشرة بنوك فقط من التحكم في مصير العالم. 
في هذا السياق، ما هو الدور الذي سوف يسند إلى الولايات المتحدة، في ظل إدارة الرئيس دونالد ترامب؟ "ترامب يمثل نموذج لملياردير جنى ثروة من الاستثمار في العقارات والمصارف، حيث لا انتاج حقيقي هناك، هو نتاج زواج المال بالسلطة"، بحسب رأي أوجارتيتشي. أما الخبيرة الكولومبية موتيس فترى أنه لن يحدث تغيير: "الرئيس الأمريكي لم يقل أي شيء يتعارض مع الصندوق، على العكس من ذلك قال إن الاتحاد الأوروبي لم يعد هناك جدوى منه، وبالمثل قال إن منظمة التجارة العالمية تعد بمثابة كارثة، أما فيما تعلق بصندوق النقد الدولي، فلم يقل أي شيء على الإطلاق"

ك.ف